حول : - مانيفيستو القرن الواحد والعشرين - ... للرفيق فؤاد النمري ..


علي الأسدي
2013 / 12 / 1 - 01:41     


كتب الرفيق العزيز فؤاد النمري بتاريخ 23-11- 2013 في صحيفة الحوار المتمدن الغراء مقاله المهم : مانيفيستو القرن الواحد والعشرين ( عبور مختلف الى الاشتراكية ). وقد طالبني " بمحاكمة الموضوع محاكمة علمية وموضوعية بعيداً عن الأغراض والهوى من خلال مداخلة وافية. " وها أنذا أفعل.

وعدت الرفيق بكتابة مقال حول الموضوع ، وأوفيت بجزء من وعدي بتعليق قصير على مقاله يوم نشره ، وكالعادة كان رده زجريا ومتحاملا مخيبا للآمال ، هو أشبه بتوبيخ معلم لتلميذ عاق لم يقم بواجباته كما ينبغي. التعامل بهذه الطريقة قد منعني من الرد على مقالات سابقة له التي خصني فيها بتهجم غير مبرر ، فلم يكن لي من خيار آخر غير احجامي عن الرد. وأتوقع ما هو أعظم عندما يقرأ ردي الكامل على مقاله اليوم وعندها يكون قد اختار القطيعة بنفسه لا أنا. ولو تصرف الماركسيون بالطريقة التي يتصرف بها رفيقنا النمري مع نقاده لما كسبوا الملايين من المؤازرين والأتباع في العالم.

ولا بأس أن أذكر هنا بما جاء في تعليقي ذاك حيث كتبت : ما أوردته في مقالك ليس بجديد وخاصة دور البرجوازية الوضيعة التي رفعت من أهميتها أكثر مما في أي مقال سابق لك. وبنفس الوقت أسقطت دور الخدمات في العملية الانتاجية وتكوين فائض القيمة مصدر التراكم في الرأسمالية والاشتراكية على حد سواء ، مثل هذا الدور كما تعرف يخالفك فيه كثيرون بما فيهم أنا.

انكار دور الخدمات أو الاعتراف به لا ينفي حقيقة أن التناقض الرئيسي بين الطبقة البرجوازية والطبقة العاملة يبقى العنصر الحاسم في التغيير التاريخي القادم وهو الاطاحة بالرأسمالية واقامة الاشتراكية بقيادة البروليتاريا. التقدم التكنولوجي والعلمي وهو انجاز خدمي ساعد على تطوير الانتاج وزيادة الدخل القومي الذي بدوره حسن من مستوى حياة الشغيلة على المستوى الوطني والعالمي.

ولا أستطيع أن أفهم سبب اصرارك على نفي دور الخدمات في هذا التطور مع علم الجميع بأن متوسط دخل الفرد في الدول الاشتراكية السابقة كان أدنى من مستواه في الدول الغربية ، ويعود السبب في جزء كبير منه الى تطور العلوم والتقنية الانتاجية في هذه الأخيرة مقارنة بالاشتراكية. وكان لهذه الظاهرة أثرها في التقييم السلبي لمنجزات النظام الاشتراكي مقارنة بالرأسمالية.

أما قولك – " انتصرت البورحوازية الوضيعة على البروليتاريا ونجحت في حصارها والحؤول دون وصولها إلى الإشتراكية " - فينفي أي دور للدول الرأسمالية وشركاتها ومؤسساتها المالية الكبرى في اعاقة تقدم الاشتراكية وانتصارها في أي مجتمع في العالم ، ولنا في الحصار الاقتصادي الرأسمالي لحد التجويع المفروض على كوبا منذ 44 عاما مثالا حيا. السكوت عن الدور الأمريكي في محاصرة الاشتراكية هو تجاهل للدور الامبريالي للرأسمالية العالمية.

وقد عقب الرفيق النمري على ملاحظاتي أعلاه أورد هنا بعضا منها لأهميتها. حيث تفضل قائلا: " الرفيق الأسدي يعتقد بقوة أن البورجوازية الوضيعة تنتج إنتاجاً ذا قيمة مثله مثل إنتاج البروليتاريا ، هو يعتقد بهذا الاعتقاد بصورة قاطعة ولعله يعتقد أيضاً أن البورجوازية الوضيعة ستعبر الاشتراكية إلى الشيوعية. أنا بعكس الرفيق الأسدي أؤكد أن البورجوازية الوضيعة لا تنتج أي قيمة فما بالك بفائض القيمة ؟ البورجوازية الوضيعة تنتج الخدمات والخدمات تستهلك تماما قبل أن يكتمل إنتاجها دون أن تترك أية قيمة. النقود التي أخذت تعبر عن قيمة الخدمات سقطت وبات دولار الثلاثينيات يساوي اليوم أكثر من 30 دولاراً." وتابع القول :

" رفيقنا العزيز علي الأسدي ينتسب للحركة الشيوعية لكن أفكاره تبقى معادية للشيوعية فها هو ينتصر للرأسمالية ويهاجم الإشتراكية في تعليقه تسلسل 14
يخالف ماركس مدعياً أن التكنولوجيا الرفيعة عززت من قدرة النظام الرأسمالي بينما أكد ماركس أنها تسارع في انهياره ، ويدعي أن مستوى الحياة في الدول الرأسمالية كان أعلى منه في الدول الإشتراكية.عيب رفيقنا الأسدي هو أنه لم يقرأ ماركس بعمق ولم يقرأ تاريخ الاتحاد السوفياتي بوقائعه مبكراً وفي العام 1936 تحدثت الصحافة الأميركية عن رغد العيش في الاتحاد السوفياتي مقابل شظفه في أميركا كامل الجهود الحربية في سحق الهتلرية وقعت على الإتحاد السوفياتي وما كانت الدول الرأسمالية العظمى الثلاث قادرة على مثلها أو قريبا منها."

سوف لن أناقش ما خصني به الرفيق في تعليقه وسأكتفي بمناقشة أفكاره الواردة في مقاله. فالمقال " مانيفيستو القرن الواحد والعشرين " في رأي يحتل أهمية كبيرة ، لكنه لم ينل الاهتمام الذي حظيت به مقالات سابقة له ، والسبب كما اعتقد يعود الى الاعادة والتكرار لبعض الأفكار التي اعتاد الرفيق ذكرها في غالبية مقالاته.

وتكمن أهمية المقال من وجهة نظري في عنوانه وليس في محتواه فالمحتوى تكرار لما قبله ، أما الجديد فهو العنوان نفسه وما وراءه. فهو يوجه الأنظار " لحقيقة " ان نظام الإنتاج الرأسمالي في العالم الذي إعتماداً على تناقضاته حدد كارل ماركس طريق الوصول إلى الإشتراكية قد انهار في سبعينيات القرن الماضي " بالفعل المباشر من التناقض الخارجي مع قوى ثورة التحرر الوطني العالمية التي سلخت المحيطات عن مراكز الرأسمالية العالمية وليس بفعل التناقض الداخلي مع البروليتاريا ".

وهنا أذكر الرفيق بحقيقة طالما أنكرها على نيكيتا خروتشوف رئيس الحزب والدولة السوفييتية في ستينيات القرن الماضي ، حيث كان له الفضل في انهاء الاستعمار رسميا في العالم بالضغط المباشر من على منبر هيئة الأمم المتحدة. وبناء عليه اتخذت الهيئة الدولية قرارها التاريخي بانهاء التبعية الرأسمالية الاستعمارية ، وتم تحرير كافة المستعمرات من ربقتها وبموجب ذلك حازت عشرات المستعمرات على استقلالها .

الرفيق النمري يشير الى حركة التحرر الوطنية دون أن يشير الى دور الدعم السوفييتي المادي والسياسي لحركات التحرر الوطنية حينها ، فانسلاخ المحيطات عن مراكز الرأسمالية العالمية لم يكن عفويا كما يحاول النمري اقناع قرائه ، بل تم بفعل الدعم السوفيتي لكفاح قوى الثورة فيها. وبنفس الوقت يحاول استخدام حركة التحرر الوطنية التي بلغت ذروتها نهاية الستينيات كدليل اثبات لتسويق فكرته عن " انهيار الرأسمالية " بعد مؤتمر رامبويه في السبعينيات التي بناء عليها صاغ ما يشاء من المبررات لتجديد " البيان الشيوعي " لماركس وانجلس.

فمن المبررات التي ساقها رفيقنا ، " انكماش طبقة البروليتاريا وتراجع التناقض الرئيس في النظام الرأسمالي الذي هو السبب الوحيد للثورة الاشتراكية ، وبناء على ذلك لا يجوز للشيوعيين الماركسيين أن يتوقعوا الوصول الى الاشتراكية وفق رؤى ماركس قبل أكثر من قرن ونصف من الزمن ".

وهكذا وبعد أن اختفت الرأسمالية بكل شرورها وأدوات استغلالها من شركات ومؤسسات مالية وقواعد عسكرية ومنظمات أمنية واستخباراتية يقترح علينا الرفيق النمري صياغة بيانا جديدا لبناء الاشتراكية في العالم. ولا نعرف ما الغاية من بناء الاشتراكية بعد انهيار الرأسمالية والرأسماليين وزوال الاستعمار والامبريالية..؟

والآن لنناقش مدى واقعية انهيار النظام الرأسمالي في العالم في سبعينيات القرن الماضي الذي يمكن تلخيص نتائجه بالنقاط الثلاث التالية :
أولا – نشوء شروط انتاج جديدة معاكسة للشروط الرأسمالية ،
ثانيا - انكماش طبقة البروليتاريا ،
ثالثا – تراجع التناقض الرئيسي في النظام الرأسمالي الذي هو السبب الوحيد للثورة الاشتراكية.
حجة الرفيق النمري في حكمه بانهيار الرأسماية في سبعينيات القرن الماضي استندت على قرار الولايات المتحدة بالغاء قاعدة الذهب كغطاء رئيسي لعملات الدول الرأسمالية الكبرى التي جعلت من الدولار الأمريكي ورقة عديمة القيمة. وهو ما تنفيه حقيقة أن الدولار اليوم عملة التداول الرئيسية في التجارة والمال الدوليين وكجزء مهم من الاحتياطي النقدي للدول كافة شئنا ذلك أم أبينا.

أما الشيئ الذي يصعب فهمه في مقال الرفيق فهو قوله " ان الدول الخمس أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان قرروا " أن عملاتهم الخمس تبقى خارج التداول في السوق وهو ما يعني أن لم يعد ثمة أدنى علاقة بين نقودهم والذهب أو الإنتاج المادي القابل للمبادلة وما يسمح لهذه الدول أن تصدر من السندات المالية ما تشاء طالما أنها ليست مسؤولة عن تسديد قيمتها." هذا الأمر لا واقع له البته ، فعملات الدول الخمس في التداول ولم تكن يوما من الأيام خارجه منذ مؤتمر رامبويه ولحد اليوم. وان ما تصدره اي دولة من سندات مالية يرتب عليها مسئوليات تسديد أثمانها والفوائد المستحقة عليها ولا يمكن التنصل منها مطلقا.

منذ مؤتمر رامبويه وليومنا هذا تتم المعاملات التجارية والمالية بين تلك الدول الخمس ودول العالم الأخرى حسب الأصول المتعارف عليها قبل انعقاد المؤتمر. وعقدت ملايين الصفقات بين الشركات والمؤسسات التابعة لمختلف الدول المعترف بها في الأمم المتحدة اعتمادا على عملات الدول الخمس المذكورة الملتزمة جميعها بالفكر الرأسمالي وقوانينه السائدة ومؤسساته العاملة.

المؤسسات المالية والاقتصادية للدول الخمس تمارس نشاطاتها وفق ما يقرره اقتصاد السوق الرأسمالي سواء فيما يخص عرض السلع أو الطلب عليها ، أو أسعار الفائدة المصرفية ، أو أسعار تبادل العملات ، أو أسعار الأسهم والسندات ، وهذه الأخيرة حق يمكن لأي دولة صغيرة أو كبيرة استخدامه للحصول على المال من المؤسسات المالية الدولية كما تفعل الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول منذ مئات السنين.

الدول التي لم تعد رأسمالية بحسب منظور الرفيق النمري تقدس حق الملكية الخاصة منذ تبنيها النظام الرأسمالي ، ولا تضع قيودا على حدودها أو على نقل ملكيتها بين مواطنيها أو بين هؤلاء ومواطني الدول الأخرى. لقد قامت بعضها بتأميم بعض المصالح الاقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية أي قبل مؤتمر رامبويه ، لكنها عادت وخصخصتها ببيعها لشركات خاصة محلية ودولية. ما يعني أن تلك الدول أصبحت أكثر رأسمالية من ذي قبل ، وأن الرأسمالية تعززت ولم تضعف. فكيف ينهار النظام بينما تبقى الرأسمالية بكل جزئياتها..؟؟

منذ مؤتمر رامبويه لم تقم الدول الرأسمالية بخطوات أو سياسات تشير الى تغيير جذري أو حتى هامشي في قواعد نظامها الرأسمالي ، بل بالعكس وجهت ضغوطها على الدول الأخرى لانتهاج سياسات أكثر انفتاحا على السوق الرأسمالية وتحرير أسواقها الخاصة من القيود الكمية على انتقال السلع ورؤوس الأموال منها واليها. ما يعني أن الرأسمالية تزداد تجذرا ويزداد تشابك اقتصادات الدول في الأطراف بالمراكز الرأسمالية الرئيسية الأربعة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا والاتحاد الأوربي.

لم يسجل الدولار الأمريكي منذ رامبويه انخفاضا كبيرا عفويا في قيمته في سوق تبادل العملات كنتيجة مباشرة للمؤتمر ، وما حصل من تغيير بعد المؤتمر هو نتيجة ما تم الاتفاق عليه في المؤتمر ذاته ، وبناء عليه حددت العلاقة بين العملات الرئيسية والدولار. ما عدا ذلك فان التغيرات في قيمة الدولار في سوق تبادل العملات تعتبر أمرا عاديا يحدث يوميا وأحيانا خلال ساعات ، وهو ظاهرة تتكرر مع بقية العملات الرئيسية. وليس ذلك فحسب بل ان ابقاء سعر تبادل الدولار الأمريكي منخفضا هو واحد من أهداف السياسة الاقتصادية الأمريكية المتعمدة ، لأن دولارا رخيصا يعني أسعارا منخفضة للسلع والخدمات الأمريكية تزيد الطلب العالمي عليها فتزداد صادراتها فيتحسن ميزانها التجاري.

لكن الرفيق النمري مع ذلك له مخاوفه برغم مرور أكثر من أربعة عقود على ذلك المؤتمر المشئوم في رأيه. حيث يقول :
" ما يهمنا أكثر في هذا السياق هو أن إلغاء كل علاقة بين النقد والذهب والنقد والبضاعة إنما هو عزل للنقد واغتيال وظيفته كمعيار وحيد للقيمة والتي هي الشغل البشري المختزن في البضاعة أو المنتوج . إغتيال وظيفة النقد وفصله عن كل حدٍ للقيمة إنما هو ضربة ساحقة للبروليتاريا وإنكار صريح وقح لها وهي الخالق الوحيد لكل قيمة ".

ويجزم الرفيق ان ذلك " قد اتاح للبرجوازية الوضيعة أن تسرق البروليتاريا وتبيع عليها خدماتها بأضعاف أضعاف قيمتها الحقيقية بادعاء أن المعرفة هي أس القيمة. وهو أيضاً ما شجع البروليتاريا على هجرة المصانع والإنتاج الجمعي إلى الإنتاج الفردي، إنتاج الخدمات، الإنتقال من طبقة البروليتاريا حاملة الشيوعية إلى طبقة البورجوازية الوضيعة المعادية للشيوعية ؛ وهذا هو تحديداً أس الفقر وتآكل الثروة الوطنية."

يصعب على أي متصفح لهذه الفقرة يقرأ لأول مرة مقالا للرفيق النمري أن يتعامل معها بجدية ، هذا اذا لم يرث لحالي أنا المعلق عليها. العملة الورقية تقوم بكل وظائف النقد الذهبي أو المعدني أو السلعي وبأكثر كفاءة ودقة وسلامة. النظام الاشتراكي منذ تسلم البروليتاريا السلطة في روسيا بعد ثورة أكتوبر استخدم النقد الورقي واستمر كذلك حتى نهايته ، وبعد التحول الى الاقتصاد الرأسمالي استمر استخدام النقد الورقي دون الانتقاص من مكانته ووظائفه. فما دخل البروليتاريا والبرجوازية الوضيعة في وظيفة النقد المعترف بها محليا وعالميا..؟

الحجة الأخرى التي يوردها الرفيق النمري للتدليل على انهيار النظام الرأسمالي هي المديونية. وبهذا الصدد يقول :

" في الأعوام 1975 ـ 1982 فيما بعد إعلان رامبوييه كان دين العالم يتضاعف كل عام حتى وصل في العام 1982 إلى حوالي 3000 مليار دولار حين أعلنت أول دولة في العالم إفلاسها وكانت المكسيك وهرعت الولايات المتحدة لنجدتها والتي هي اليوم بحاجة لمن ينجدها من وطأة ديونها الفلكية التي لم تعد تحتمل وتتهددها بين شهر وآخر بالإفلاس."

الولايات المتحدة عبر تاريخها كانت تستدين وكذلك بقية الدول بما فيها الدول الاشتراكية السابقة ، والولايات المتحدة بالمناسبة ليست الأعلى مديونية بين الدول الرأسمالية فاليابان صاحبة أكبر ثالث اقتصاد في العالم تتفوق عليها في المديونية. وان عجز أي دولة عن تسديد ديونها لا يشكل مبررا لانهيار نظامها الاقتصادي وبخاصة دولا كالولايات المتحدة واليابان وبريطانيا وفرنسا. نعم تفقد ثقة العالم اذا امتنعت أو فشلت في الايفاء بمواعيد سداد أقساط دينها ، ولذلك ستجد صعوبة جدية عند محاولتها الاستدانة من جديد دون أن تدفع فوائد مالية أعلى على أي قرض جديد تحصل عليه من السوق المالي.

كتب الرفيق النمري بعض فقرات مقاله دون أن يتعمق في مدى واقعيتها وانسجامها مع ما يجري في عالمنا من تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية. وكان عليه أن يعيد قراءة ما كتبه قبل ارساله للنشر ، فكل كاتب مسئول أخلاقيا عما يكتب ، لأن ما ينشر سيصبح مرجعا علميا لكتاب البحوث والمقالات. فالفقرة التالية احتاجت من الرفيق اعادة قراءة متأنية ، ولو كنت اطلعت عليها قبل نشرها لنصحته بالغائها من مقاله المهم هذا. حيث جاء فيها :

" إنهار النظام الرأسمالي قبل أن تصل سفينة البروليتاريا إلى شواطئ الاشتراكية بسبب انحرافها حيث كانت دفة سفينة الثورة الإشتراكية بيد عصابة خائنة لقضية البروليتاريا تمثلت بجنرالات الجيش السوفياتي ورجلهم في قيادة الحزب نيكيتا خروشتشوف، حيث كان من تداعيات العدوان النازي أن تمكنت العسكريتاريا السوفياتية بعد رحيل ستالين من إنتزاع صناعة القرار الوطني من قيادة الحزب غير الكفوءة . انهارت الاشتراكية بفعل التناقض الداخلي بين طبقة البروليتاريا وطبقة البورجوازية الوضيعة الأمر الذي انعكس في انهيار الرأسمالية لصالح طبقة البورجوازية الوضيعة أيضاً حيث تم انهيارها بالتناقض مع الخارج مع محيطاتها. "

لا يمكن نكران حقيقة أن مرحلة التطور الحضاري التي نعيشها حاليا قد أفرزت تغيرات عميقة اقتصادية وفكرية وسياسية وبنيوية اجتماعية غيرت من التوازنات الطبقية وطنيا وعالميا ما طرح أمامنا مهمة اعادة صياغة أحكامنا السابقة لهذه التغييرات.

فأنا متفق مع الرفيق بأن هناك حاجة لدراسة الوضع الجديد الذي نشأ في عالمنا بعد التغيرات السياسية على موازين القوى الطبقية في العالم وخاصة بعد انهيار النظام الاشتراكي الحليف الموثوق للطبقة العاملة في العالم. لكننا نختلف في نظرتنا لمكونات تلك الموازين. فهو يضع البرجوازية الوضيعة كما يسميها في مواقع قيادية لعملية التطور الاقتصادي والسياسي الراهن متجاهلا تماما دور الطبقة البرجوازية الممثلة بالرأسماليين ومؤسساتهم الذين لم يبذلوا من الجهد الا القليل لانتشال عشرات الملايين من العمال العاطلين عن العمل من الفقر والعوز، بينما يتغاضون عن هروب فرص العمل الى دول جنوب وشرق أسيا وجنوب وشرق أوربا حيث تكاليف الأجور أقل منها في الوطن الأم.


الرفيق وبنفس الوقت الذي يلقي باللوم على البرجوازية الوضيعة في خنق البروليتاريا يتجاهل دور أرباب العمل ، وربما يكون قد اعتبرهم برجوازية وضيعة. لكن من حق القارئ أن يتساءل ، وأنا كذلك لماذا يفعل النميري ذلك؟ هل ليثبت بشكل مصطنع أن الرأسمالية قد انهارت وبناء عليه لم يعد للرأسماليين وجود حتى لو وجدوا لحما ودما ورأسمالا؟

هو ينكر أي دور للبروليتاريا في الكفاح الجاري ضد الرأسماليين في مواقع العمل وبين العمال العاطلين. العاطلون عن العمل يلعبون دورا مهما أيضا ضد أرباب العمل وحكوماتهم التي تغض الطرف عن تصدير فرص العمل المحلية الى الدول المنخفضة الأجر. هناك عشرات الملايين من العمال في الدول الرأسمالية المتقدمة يناضلون ببسالة ضد تمديد ساعات العمل اليومي وتخفيض الأجورالحقيقية أمام ارتفاع تكاليف المعيشة نتيجة الارتفاع المصطنع لأسعار المواد الغذائية والخدمات الضرورية والتقشف.

الفقرة التالية صعبة الفهم بصيغتها الحالية ، وربما قد كتبت على عجل ، وكان من الأفضل أما شرحها بشكل أفضل أو الغائها من البيان ، فهي بصيغتها هذه تحدث أثرا عكسيا. فهي تقول :

" انتصرت البورحوازية الوضيعة على البروليتاريا ونجحت في حصارها والجؤول دون وصولها إلى الإشتراكية، لكنها لم تحتسب أن كامل قواها في محاصرة البروليتاريا إنما هي مستمدة من قوى عمل البروليتاريا ومن أنتاجها البضاعي . وبذلك تكون كل زيادة في قوة البورجوازية الوضيعة لا بد وأن تنعكس بالضرورة بانكماش مساوٍ لها في قوى عمل البروليتاريا وفي إنتاجها . هنا يكمن التناقض القاتل لنظام الهروب من الإشتراكية عندما أدركت البورجوازية الوضيعة خطورة هذا التناقض على مشروع حصارها للبروليتاريا وهروبها من الإشتراكية تحت عنوان "الإستهلاكية" أخذت تنظم مظاهرات عابرة للقارات ضد العولمة. هجرة الشركات الرأسمالية من مراكز الرأسمالية إلى الأطراف التي تحرمها من استمداد القوة لمقاومة البروليتاريا من البروليتاريا نفسها . عندما لا تعود البروليتاريا قادرة على أن تمد البورجوازية بأية قوى إضافية بوصولها حد الإنهاك إذّاك فقط سينهار مشروع البورجوازية الوضيعةفي الهروب من الاشتراكية وإذاك فقط يتحتم انتصار الإشتراكية."

فالفقرة عبارة عن مجموعة جمل غير متناسقة منطقيا وخالية من أي معنى سياسي مقبول ، وخاصة وانها كتبت في سياق صيغة بيان يراد له أن يكون البيان الشيوعي لعصر ما بعد ماركس. تحياتي للرفيق فؤاد النمري على جهده التنويري في مجال الفكر الماركسي. ولا يسعني هنا الا التعبير عن أسفي لصدور تعليقات مسيئة على مقاله موضوع المناقشة ، هي في الواقع تسيئ لكاتبها قبل الاساءة لكاتب المقال ، راجيا من جميع من يهمهم أمر الحوار المتمدن والأخوي الالتزام بأصول النقد البناء.
علي الأسدي



بعد مناقشة الافتراض القائل بانهيار النظام الرأسمالي فلنناقش الآن استنتاجاته المتسنبطة من ذلك الافتراض. ونعيد التذكير بها وهي :
أولا – نشوء شروط انتاج جديدة معاكسة للشروط الرأسمالية ،
ثانيا - انكماش طبقة البروليتاريا ،
ثالثا – تراجع التناقض الرئيسي في النظام الرأسمالي الذي هو السبب الوحيد للثورة الاشتراكية.




حتى أن تشيرتشل اعترف أن الاتحاد السوفياتي مارد وهم أقزام
الجنود السوفيات دافعوا عن نظامهم بقلوب - قدت من الفولاذ- كما حفرت بريطانيا على سيفها الملكي المهدى إلى الجنود السوفيات وجنود الغرب الرأسمالي لم يدافعوا عن نظامهم الرأسمالي الذي ينتصر إليه اليوم رفيقنا الشيوعي الأسدي.

إعادة الإعمار 46ـ51 كانت مأثرة استهولها البورجوازي الوضيع غورباتشوف. السر الأعظم الذي لا يجرؤ كافة الشيوعيين الاقتراب منه هو الإنقلابات العسكرية الثلاث التي أمنت طريق الرجوع عن الاشتراكية. الإنقلاب الأول وهو الذي حمل خروتشوف إلى رأس القيادة ليلغي برناج الحزب الذي أقره مؤتمره العام التاسع عشر قي نوفمبر 1952. وكان انقلاب قصرالانقلاب الثاني حزيران يونيو 1957 وكان إنقلاباً مفضوحاً طرد جميع البلاشفة من المكتب السياسي ليستمر خروشتشوف على طريق الرجعة عن الإشتراكية.

الانقلاب الثالث في أكتوبر 1964 والذي أزاح خروتشوف عن طريق التهديد بالقتل عندما بدا أن خروشتشوف ينوي العودة إلى طريق الاشتراكية. كنت عايشت بمرارة ترحيب عامة الشيوعيين بانحراف خروشتشوف قبل ترحيب الغرب الرأسمالي الإمبريالي.

الاتحاد السوفياتي ومنذ صباح 6 مارس 1953 حين اجتمعت عصابة خروشتشوف وألغت عضوية 12 عضواً في المكتب السياسي، منذ ذلك الصباح المشؤوم لم يعد الاتحاد السوفياتي اشتراكياً. وأنا هنا أرغب من الرفيق الأسدي أن يفيدني عن أسباب تجاهله تلك الانقلابات العسكرية !؟."