العلاقة بين الربح وفائض القيمة


يوسف يوسف المصري
2013 / 11 / 28 - 07:00     

العلاقة بين الربح وفائض القيمة
--------------------------------------------------------------------------------------
سأواصل هنا الرد على بعض من يقولون ان ماركس سرق افكار الآخرين وانه استعار منهم وانتحل لنفسه افكارهم ثم يقدمون ادلة على ذلك ارى باختصار انها مهلهلة تماما وتعكس غياب مؤلم لاي قدر من استيعاب ما قاله المفكر الكبير. ولكنني قبل ذلك اريد فقط ان اقول ان ماركس لم يقل ابدا انه خاتم المرسلين ولا حتى اولهم. انه ليس مقدسا لان تقديسه ينفي منهجه هو نفسه منذ الخطوة الاولى. بل ان هناك حاجة ماسة لاي نقد حقيقي لماركس. وقد اضاف مفكرون كثيرون على اساس من نظرة نقدية لبعض معالجات ماركس لموضوعه. وفي حالة رأس المال التجاري مثلا سنرى ان تعريف التاجر خلال فترة حياة ماركس كان بسيطا ولم يكن معقدا على النحو الذي نراه به الآن. فالتاجر اخذ في استخدام شركات للترويج لبضائعه عن طريق الاعلانات وما الى ذلك. وفي حالات كثيرة لاسيما في الدول الصناعية المتقدمة تضخمت شركات الترويج – التي تقوم بمهمة غير مهمة التاجر اذ انها تساعد هذا التاجر على بيع ما لديه – الى حد انها قررت ان تتاجر هي نفسها. وهكذا اندمجت وظيفتين في وظيفة واحدة لتزيد من تعقيد علاقة رأس المال التجاري برأس المال الصناعي طبقا لما شرحها ماركس في الجزئين الثاني والثالث من رأس المال. بل بلغ الامر حد ان تحولت هذه الشركات الضخمة التي تجمع بين دور التاجر ودور مروج السلعة الى دور المنتج ايضا. فلا يندر ان تجد في فروع شبكات التجزئة العملاقة في اوربا او الولايات المتحدة منتجات انتجتها شركات بيع التجزئة هذه نفسها وتحمل اسمها. الا ان هذا التركيز المتواصل لرأس المال لا ينبغي ان يموه حقيقة تتعلق بان هذا الرأس مال العملاق يقوم بمهام متعددة يمكن فصلها ذهنيا عن بعضها البعض والتعامل معها كل على نحو مستقل. ولم يكن ذلك بطبيعة الحال هو الحال في منتصف القرن التاسع عشر رغم ان وجوده على ما هو عليه الآن لا يفسد المعطيات الاساسية التي عرضها ماركس امام العالم في رأس المال بل انه في واقع الامر يؤكدها. ذلك ان المنتج يعيد مهمة التاجر الى عرينه على نحو ما تفعل فلاحتنا حين يحملن الزبد والبيض الذي انتجوه الى سوق "البندر" في يوم معين من ايام الاسبوع ليدمجن بذلك بين مهمة المنتج ومهمة التاجر. بل ان ماركس اشار الى تلك الظاهرة ذاتها ولكن في القرى الالمانية في مطلع مشوار المانيا الرأسمالي.
الا ان موضوعنا هذه المرة يبدأ من ايضاح – ولو باختصار وبلغة بسيطة – رؤية ماركس للعلاقة بين القيمة الفائضة والربح والفرق بين العمل غير المنتج وبين العمل المنتج. وسف اسعى هنا الى ربط ذلك على نحو ما بدور التاجر ايضا.
في حالة الفارق بين القيمة الفائضة او الزائدة وبين الربح فلا حاجة للاطالة لان ماركس اشار الى ذلك بصورة بالغة الوضوح في مطلع الباب الخامس من مخطوطات باريس او (المانيوسكريبت) تحت عنوان "العلاقة بين القيمة الفائضة والربح – العلاقة بين رأس المال المتغير ورأس المال الكلي). وكان ماركس قد اشار قبل ذلك في مواضع كثيرة من المانيوسكريبت (الباب الثامن مثلا) ورأس المال الجزء الثاني والثالث الى ان الربح ليس هو فائض القيمة. وسوف اعود لذلك بعد قليل عند مناقشة العمل المنتج والعمل غير المنتج.
ففي مطلع الفصل المشار اليه يقول ماركس " حيث ان الربح ليس الا معدل القيمة الفائضة بالنسبة الى مجمل رأس المال الموظف. فان معدل الربح او حجمه النسبي يعتمد على ظرفين. الاول هو حجم رأس المال الكلي الموظف والثاني هو معدل الجزء المتغير – او المتحرك او المنقول – من رأس المال بالنسبة لرأس المال الثابت وذلك بافتراض ان القيمة الفائضة معطية محددة مسبقا".
وسوف اورد الفقرة التي عالج فيها ماركس الفارق هنا بالانجليزية لضيق الوقت ولعلمي ان اغلب من هم مثلي ممن يحاولون ان يكونوا تلاميذ في مدرسة الافتصاد السياسي يتحدثون الانجليزية.
Since profit is nothing but the ratio of the surplus value to the total amount of capital advanced, the rate of profit,´-or-its proportional magnitude, evidently depends on two circumstances, firstly the total amount of capital advanced, and secondly the ratio of the variable part of the capital advanced to its constant part. This is when the surplus value is presupposed as given. Otherwise, it depends on 1) the ratio of the surplus value to the variable part of the capital-;- secondly the ratio of the variable part to the total quantity of capital,´-or-also, and this is the same thing, its ratio to the constant part of the capital. E.g. 50 is 1/2 of 100, but it is, at the same time, 1/(2 x 6) = 1/12 of 600. If 50 = S (surplus value), 100= V, the variable capital, then 50/l00 is the rate of surplus value, which = 1/2´-or-50% = s/v. If the total capital is 600=C(500) + V, then 50/600 = 1/12 = 8 1/3% is the profit, which = S/(V+C). (S/V):(S/(V+C) = (V+C):V.´-or-also S/(v+c) (the rate of profit): S/V (is related to the rate of surplus value)= V (as the variable capital): V+ C (is related to the total capital). Thus S/(v+c): S/V = V:(V+C).
Profit is related to surplus value as variable [should read: total] capital is related to total [should read: variable] capital (we do not need the categories of fixed and circulating capital here, because variable capital is circulating capital, but a part of constant capital is also circulating capital, so this antithesis does not belong here) and this evidently depends on the proportion in which constant and variable capital form components of the total capital [C], since V=C-c and c = C-v. If C were = 0, variable capital would have reached its maximum-;- i.e. the whole amount of the capital advanced would be variable capital, i.e. capital laid out -dir-ectly in wages. In this case profit would be = s/(c+v) = s/v , i.e. [XVI-979] it would be equal to the surplus value. This would be the expression of its maximum. It declines in the same measure as c grows, and therefore as the total amount of capital advanced, c+v,´-or-C, diverges from the variable capital v. If one considers the expression s/(v+c) , one sees that its magnitude evidently stands in a -dir-ect ratio to the absolute magnitude of s, which is however conditioned by the ratio it stands in an inverse ratio to the magnitude of v+ c, i.e. the total amount of capital advanced. With Cherbuliez (see Notebook[72]) the determination of profit would be correct, if he did not confuse product and value of the product, use value and exchange value of the commodity.) Volume 33, MECW, p. 77-78(


وحتى يتسنى لي ان اوضح للكاتب – الذي يتحدث عن سرقة ماركس لاعمال الآخرين واستعارته ل"ديالكتيك" ريكاردو(!) - الفارق بين الربح والقيمة المضافة سأقول له باختصار ان الفارق يمكن في التكوين العضوي لرأس المال اي في العلاقة بين رأس المال الثابت ورأس المال المتحرك. ويتلخص مفهوم التكوين العضوي لرأس المال في معدل قيمة رأس المال المادي الذي استهلك لانتاج السلعة مقسوما على قيمة قوة العمل التي استهلكت ايضا لانتاج السلعة. فهناك اشياء تنتقل من صفاتها الى السلعة المنتجة خلال دورة الانتاج. اذ اننا حين ننتج سلعة ما نستهلك – اي ننفي – اشياء كثيرة مثل الكهرباء او الوقود وجزءا من المباني والآلات الخ الخ. الا ان هذه الاشياء لا تتبدد بل تتحول من كونها كذلك الى السلعة المنتجة اي انها تعيد انتاج نفسها ولكن في شكل السلعة. فضلا عن ذلك فاننا ندفع اجورا للعمال الذين انفقوا بدورهم جهدا بدنيا وذهنيا لانتاج السلعة انتقل بدوره ليتجسد في تلك السلعة ذاتها.
ويستخدم ماركس كما نرى في المجلد الثالث من رأس المال تعبير التكوين التقني لرأس المال ليعبر عن العمل الملموس الذي استغرقه انتاج اي سلعة بعيدا عن التكوين القيمي لرأس المال. ولكن ما معنى ذلك؟ ماذا يقصد ماركس بالتكوين (او القوام) التقني لرأس المال؟
انه يقول في فقرات مهمة للغاية من الباب الثامن – المجلد الثالث من رأس المال "حين نتحدث عن تكوين رأس المأل فاننا نعني الاجزاء السالبة والموجبة اي رأس المال الثابت ورأس المال المتحرك... اي ان هناك تقسيمين يدخلان تحت هذا العنوان الاول يستند الى اسس تقنية ويجب افتراض انه معلوم في مرحلة معينة من تطور العملية الانتاجية".
ولكن كيف يمكن معرفة ذلك حتى نفترضه مقدارا معلوما؟. يجيب ماركس في نفس الباب "ان كمية معينة من قوة العمل يجب ان يكون من المعروف انها تتمثل في عدد معين من العمال هي كمية ضرورية لانتاج كمية معروفة مسبقا من البضائع في يوم واحد مثلا وتخصيص كمية محددة من ادوات الانتاج مثل الآلات والمواد الخام الخ لذلك". وبديهي ان كل ذلك يمكن معرفته في اي لحظة معينة من لحظات تطور العملية الانتاجية في المجتمع الذي نتحدث عنه وان لا ينقص او يزيد كثيرا اما سيحدث فعلا.
ولا اعتقد ان ما ذكرته الآن كافيا لشرح الامر ولكنني احيل القارئ الى الابواب التي وردت فيما سلف للاستزادة في فهم الفارق بين الاثنين. وتوضح معادلة ماركس على اي حال انه في حالة واحدة فقط – واحدة توحد الله – كان فائض القيمة يساوي الربح وهي حالة ان يكون رأس المال الثابت صفرا وذلك على الرغم ان صاحبنا افترض كما اشرت في ورقتي السابقة ان "فائض القيمة التي يحققها التاجر هي 180 جنيها" في المثل الذي اعطاه والذي ادرجته بأكمله في الورقة السابقة.
واهمية ما قلته الآن سوف تأتي للرد على الكاتب حين يتعرض للعمل المنتج وغير المنتج على النحو الذي ضرب به مثلا بالطبيب الذي يحقق "قيمة فائضة" في مداخلة مليئة باخطاء فادحة حقا.
ولان كل ذلك استغرق المساحة التي اردت منحها لايضاح رأيي في قضيتين – اي قضية العلاقة بين الربح وفائض القيمة وقضية العلاقة بين العمل المنتج والعمل غير المنتج – فيما تمكنت من تناول الاولى فقط سوف يتحتم على ان اؤجل القضية الثانية لعدة ايام اخرى.
وربما يتعين على في نهاية هذه الورقة ان اقول انني لم اتشرف ابدا بلقاء الكاتب وان كنت تبادلت معه ملاحظات في مناسبات متفرقة. والقصد مما كتبت ليس تسفيه شخص الكاتب بطبيعة الحال فهذا امر لم يخطر لي ابدا. الا انني ارى مع ذلك ان الافكار التي عرضها خاطئة من حيث الاساس ومن ثم من حيث النتائج. وقد تعرضت لتلك الافكار اذ ليس لي ان اتعرض لشخص لم اتشرف ابدا بلقائه. ذلك ان الافكار لها سيد واحد هو الحقيقة. وان خطر للبشر مجاملة هذا او ذاك على حساب الحقيقة فان ذلك يعني اننا لن نخطو ابدا الى الامام. ولا يمكن لنا ان نختار البقاء في الخلف لاننا "تحب اصدقاءنا" او نخلص لهم. ففي عالم البحث عن فكرة صائبة ليس هناك مجاملات من هذا النمط. ولعل من المناسب ان اقول ان ما كتبته لم يكن يهدف الى الدفاع عن افكار كارل ماركس ايضا فانا بعد بعيد تماما عن الامساك حقا بتلك الافكار على نحو يجعلني مطمئنا لذلك. الا انه كان مخالفا لما اعرفه من تلك الافكار على الاقل في مضمار الاقتصاد السياسي. وهكذا فان عرض افكار ماركس كما عرضها الكاتب ظهر لي باعتباره تشويها لتلك الافكار تأسس على عدم فهمها. اما تصحيح وتطوير بعض ما قاله ماركس فان من الممكن العثور عليه على هيئة مئات من الكتب التي وضعها مفكرون ماركسيون وغير ماركسيين. ولست بعد من بين هؤلاء اذ يتعين اولا ان افهم جيدا ما قاله هذا المفكر الكبير قبل ان انتقده.
(لزم ان انوه الى خطأ طباعي لفت نظري اليه احد الاصدقاء في ورقتي السابقة عن رأس المال التجاري وهو خطأ لم يؤثر على اي حال على محتوى ما اردت قوله ردا على معادلة عرضها بعض منتقدي عرض ماركس لخصوصية العلاقة بين رأس المال التجاري ورأس المال الصناعي. فقد افترض كاتب النقد ان رأس مالي صناعي وظيف رأس مالا كليا بمبلغ 900 جنيه منها 720 جنيها على هيئة رأس مال ثابت و180 جنيها على هيئة رأس مال متحرك وانه يجني ربحا مقداره 180 جنيها. واذا وضع القارئ هذه الارقام على قطعة من الورق لتبين له ان الرأس المالي الصناعي ينبغي ان يبيع ما انتجه مصنعه بمبلغ اجمالي مقداره 1080. وفي هذه الحالة فان الربح الاجمالي الذي يحققه الرأس مالي الصناعي هو 18% منسوبا الى استثماره الكلي اي 900 جنيها. غير ان الرأس مالي الصناعي يبيع منتجاته للتاجر الذي ينبغي ان يحقق نسبة ربح مماثلة. فاذا طلب التاجر من صاحب المصنع اعطاءه نفس نسبة الربح التي يحققها هو (اي صاحب المصنع) فان السؤال المنطقي لدى صاحب المصنع هو كم ستستثمر في عملية التوزيع؟ واذا افترضنا ان التاجر قال انه سيستثمر 100 جنيه فان صاحب المصنع سيفترض انه سيدفع هذا المبلغ من ربحه. بعبارة اخرى سيكون الربح الاجمالي على استثمار اجمالي قدره 900 جنيه (من صاحب المصنع) + 100 جنيه من التاجر اي 1000 جنيه هو 180 جنيها ستقسم بين صاحب المصنع والتاجر طبقا لنسبة استثمارهما فيأخذ الاول تسعة اعشار بما انه استثمر 900 جنيها فيما يأخذ الثاني عشرا واحدا. اي ان التاجر سيأخذ 18 جنيها فيما سيأخذ صاحب المصنع 162 جنيها. ولكن المهم هنا هو لفت نظر القارئ الى ان ما سيدفعه المشترون في نهاية المطاف سيكون 1080 باع بها المصنع سلعته + 100 استثمرها التاجر ليصبح السعر النهائي هنا هو 1180 جنيها. ولانني استخدمت كلمة ربح منسوبا الى رأس المال الثابت بينما كان ينبغي ان اقول منسوبا الى رأس المال الثابت والمتحرك معا وذكرت كلمة الثابت بينما كان ينبغي ان اقول المتحرك فان ذلك قد يؤخذ على ما عرضت على الرغم من انه لم يمس جوهر ما اردت قوله وهو ما قلته بالفعل وما توصلنا اليه توا من ان المشتري سيدفع 1180 جنيها ثمنا للسلعة في نهاية المطاف. والمشكلة فيمن انتقد ماركس هو انه حسب السعر الذي سيدفعه المشتري دون ان يضيف اليه رأس مال التاجر الذي استثمره بالفعل في عملية التوزيع. وهكذا فانه استنادا الى طريقته في الحساب توصل الى ان التاجر سيبع السلعة للمشتري بمبلغ 1080 ثم اخذ في الصياح عن ان ذلك لا يستقيم مع منطق تعادل متوسط الربح. وواضح كما قلت في مداخلتي السابقة ان معادلة الكاتب لم تظهر فحسب عدم تحقق قانون تساوي معدل الربح بل انها توصلت بطريقة عبقرية الى ان التاجر يخسر رأس ماله وانه يأخذ فقط ربح هذا الرأس مال. اي ان الكاتب كما اشرت اسقط من حسابه ضرورة استعادة التاجر لما استثمره ثم استند على افتراضه الخاطئ ليكشف المستور من اخطاء كارل ماركس!).
الى الورقة القادمة اذن عن العمل المنتج والعمل غير المنتج.