رسالة إلى قيادة الحزب الشيوعي الفلسطيني


فؤاد النمري
2013 / 11 / 16 - 16:04     

رسالة إلى قيادة الحزب الشيوعي الفلسطيني

التحية الخالصة لعملكم الشيوعي النيِّر،
أيها الرفاق الأعزاء،

بعد أن قرأت مداخلتكم في الإجتماع الدولي الخامس عشر للأحزاب الشيوعية في البرتغال يسعدني جداً أن أبعث إليكم برسالة محبة وتقدير للوعي المالركسي النوعي الذي اتسمت به مداخلتكم متميزة عن سائر الأحزاب الأخرى التي استسلمت للفكر البورجوازي أو إلى الماركسية المدرسية المعزولة عن كل بعد تاريخي الذي هو أس الوعي الماركسي .
من هنا حق عليّ أن أشير إلى بعض الملاحظات الجانبية على مداخلتكم المتميزة بالوعي ..

• تقولون في المداخلة أنه بعد انهيار النظام الرأسمالي بدأت البورجوازية الوضيعة " الهجوم الشرس على حقوق الطبقة العاملة وحقوق الطبقات الدنيا " . في هكذا قول اختزال لا يتسق مع الديالكتيك الماركسي ولكأن هناك علاقة مباشرة بين البروليتاريا والبورجوازية الوضيعة في عملية الإنتاج تنطوي على تناقض رئيسي كمثل التناقض بين البروليتاريا والرأسماليين .
الحقيقة ليست هنا، الحقيقة أن البورجوازية الوضيعة تعلم تمام العلم أن إنتاجها لا قيمة له على الإطلاق حيث أن الخدمات بكل أنواعها تستهلك تماماً دون أن تترك أي أثر لأي قيمة تبادلية حالما يتم إنتاجها . ولذلك القول بأن دائرة (نقد – بضاعة – نقد) غدت (نقد – خدمة – نقد) فيه تضليل وخطأ فاحش . الحقيقة أن الدائرة الرأسمالية (نقد – بضاعة – نقد) والتي كانت قد أثرت الأمم باتت اليوم في سوق البورجوازية الوضيعة هي فعلاُ (نقد – خدمة – صفر) . ما القيمة التبادلية التي يضيفها الجيش والشرطة والعاملون في الصحة وفي التعليم وفي البنوك وأعمال التأمين ..ألخ ؟ الجواب هو " صفر "، لا شيء على الإطلاق .
لا يجوز بحالٍ من الأحوال الإفتراض، مجرد الإفتراض، أن ينهار النظام الرأسمالي وتبقى سوقه الرأسمالية، وهي قاعدته الأساسية، تعمل بالميكانزمات الرأسمالية .
السوق اليوم هي سوق البورجوازية الوضيعة حيث العامل الحدي للقيمة هو المعرفة (Knowledge) كما تدعي بغير حق البورجوازية الوضيعة وليس قوى العمل (Labour-power) كما هو أسّ قانون القيمة الرأسمالية ؛ وهكذا يجري التبادل بين منتجي الخدمات، البورجوازية الوضيعة، من جهة، ومنتجي السلع، البروليتاريا من جهة أخرى، مبادلة الخدمات بالسلع خارج كل القوانين، فتستولي البورجوازية الوضيعة على أكثر من 90% من كامل إنتاج البروليتاريا مقابل أقل من 10% من إنتاج البورجوازية الوضيعة . لقد اندثر قانون القيمة نهائياً في أسواق البورجوازية الوضيعة الحديثة .
كان الرأسماليون يستغلون العمال بصورة منظمة فلا يدفعون للعمال أجور ساعة أو ساعتين من يوم العمل، أما اليوم فالبورجوازية الوضيعة تنهب البروليتاريا بصورة غير منظمة ولا تتراجع إلا بعد أن ينازع الموت البروليتاريا من أجل أن يبقى للبورجوازية الوضيعة ما تنهبه . صندوق النقد الدولي يقوم بدور الحد من استهلاك البورجوازية الوضيعة من أجل ألا تفنى البروليتاريا والإنتاج الرأسمالي عن آخره، وهو دور إيجابي بمعنى من المعاني طالما أن البورجوازية الوضيعة تستهلك 90% من الإستهلاك العام بالرغم من أن وصفات صندوق النقد الدولي تزيد من بؤس الفقراء .

• القول بأنه في ظل سلطة البورجوازية الوضيعة " انخفضت الخدمات الاجتماعية كالصحة والتعليم " هو مخالف للواقع . فالبروليتاريا التي هجرت المصانع انتقلت لإنتاج الخدمات. الخدمات في الولايات المتحدة اليوم هي أضعاف ما كان فيها في الخمسينيات حيث لم يكن هناك تعليم عام ولا صحة عامة إذ أن النظام الرأسمالي ينفي بطبيعته التوسع في الخدمات طالما أن السلعة المثقلة بالخدمات تعيق من حركتها في السوق . حجم الخدمات في الدول الرأسمالية الكلاسيكية هو اليوم يتراوح ما بين 70 – 80% من مجمل الانتاج القومي الأمر الذي يدفع بهذه البلدان إلى السقوط في هاوية المديونية الماحقة .
ما يستوجب الملاحظة الحدية في مثل هذا السياق هو أن إنتاج الخدمات لا يغرق السوق المحلية مهما تزايد ليتسبب في أزمة كساد كتلك التي يتسببها إنتاج البضائع . وقد بدا ذلك واضحاً في سوء فهم أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة في خريف 2008 باعتبارها أزمة الرأسمالية بينما هي أزمة الاستهلاكية (الكونسيومارزم) . البنوك أفلست لكثرة الاستهلاك بينما أزمة الرأسمالية تنجم عن قلة الاستهلاك .

• في الظاهر أن البورجوازية الوضيعة لا تسعى إلا لرفاهية الشعب وهو ما لا يتم إلا على حساب الطبقة العاملة وتخصيص الكثير من إنتاجها المادي للتوسع في إنتاج الخدمات وتطويره كماً ونوعاً . وفي مثل هذا المسعي يصعب على الآخرين وحتى على البروليتاريا معارضتها أو حتى لومها فكان قيام ما يسمى دولة الرفاه (Welfare State) المنخرطة في توسيع الإستهلاك في الربع الأخير من القرن المنصرم أمراً مرغوباً فيه لدى العامة، وهو ما يطمس التناقض اللاإنساني الرهيب من خارج علاقات الإنتاج بين البروليتاريا والبورجوازية الوضيعة وقد تقدم على التناقض الرئيس في المجتمع الرأسمالي ومع ذلك لم يعِهِ عامة الشيوعيين .
أما المسعى الحقيقي للبورجوازية الوضيعة في الباطن فهو العكس تماماً منه في الظاهر وقد كشفت عنه البورجوازية الوضيعة السوفياتية حيث أن الخطة الخمسية الخامسة التي قررها مؤتمر الحزب الشيوعي السوفياتي التاسع عشر في نوفمبر 1952 والتي خططت لقيام مجتمع الرفاهية غير المسبوقة في الإتحاد السوفياتي فكان إلغاء تلك الخطة هو الحافز الأول للثورة المضادة التي قامت بها البورجوازية الوضيعة السوفياتية بقيادة العسكر وعصابة خروشتشوف في العام 1953 .
الاستراتيجية الكليانية للبورجوازية الوضيعة في مختلف أصقاع الأرض هي الحؤول دون وصول البشرية إلى الإشتراكية وهي التي تفهم أكثر من غيرها، حتى أكثر من معظم الشيوعيين، أن الإشتراكية تعني أول ما تعني الموت الزؤام لها . وكان قد حذرنا كارل ماركس وفردريك إنجلز في بيانهما الشيوعي قبل 165 عاماً من عنت البورجوازية الوضيعة ومقاومتها الشرسة للإشتراكية بأقصى ما تستطيع من عنف . يجب أن يتمحور العمل الشيوعي فيا بعد انهيار الرأسمالية وانهيار الاشتراكية حول الأساليب المبتدعة لمقاومة البورجوازية الوضيعة، وعليه فإن مختلف الدعاوى لمقاومة الإمبريالية إنما تصب في مقاومة الشيوعية .
على الشيوعيين ألا ينسوا للحظة واحدة أن الرأسمالية تلد حفاري قبرها وأما الاستهلاكية (Consumerism) وهي نظام البورجوازية الوضيعة فهي تقبر هؤلاء الحفارين .
الاستهلاكية تهلك الثروة ولا تخلقها مثل الرأسمالية، ولذلك ليس صحيحاً الإدعاء على البورجوازية الوضيعة بالسعي للمرابحة وتركيم رؤوس الأموال . وما حاجتها لرؤوس الأموال حين لم يعد هناك نظام رأسمالي ولم يعد هناك إتجار بقوى العمل !؟ ما زال يتوجب على الشيوعيين قبل غيرهم أن يميّزوا النظام الرأسمالي دون غيره من الأنظمة والمعاملات النقدية . النظام الرأسمالي هو النظام الذي يتمركز في الإتجار بقوى العمل وتحويلها إلى سلعة قابلة للمبادلة . أما المراهنة والمضاربات في البورصة وحتى الصيرفة فهي أعمال ضد الرأسمالية يقوم بها أراذل البورجوازية الوضيعة . البعض يسيء استخدام عبارة الرأسمالي المالي فالمشاركون في المراهنة ومضاربات البورصة هم أولاً وأخيراً ضد نظام الانتاج الرأسمالي . نعم، ه يمتلكون أموالاً طائلة لكنهم ليسوا رأسماليين يتاجرون بقوى العمل .

• ما شدهني حقاً هو الحديث في خطابكم عن الإمبريالية وهجوم دولها على سوريا !! كيف يكون هناك إمبريالية بعد انهيار النظام الرأسمالي في مراكزه !؟
لدي ألف برهان وبرهان على أن عصابة البورجوازية الوضيعة التي انقلبت على مشروع لينين الاشتراكي في موسكو هي التي صنعت انقلاب بومدين في العام 64 حالما صرح بن بللا أن الجزائر ستأخذ بالاشتراكية العلمية، وانقلاب حافظ الأسد في العام 70 لنفس السبب والغاية ولذلك رأينا النظامين يكتمان الأنفاس .
لو كان صحيحاً أن هناك قوى إمبريالية تهاجم نظام الأسد فأنا الشيوعي البلشفيك أعلن تعضيدي لقوى الامبريالية تقليداً لرفيقنا الأعظم ستالين الذي تحالف مع قلعة الإمبريالية آنذاك، بريطانيا العظمى، ضد الهتلرية . نظام الأسد أوسخ من الهتلرية عشرات المرات . لم يعبر في التاريخ أن حاكما أباد شعبه بالصواريخ والطائرات والدبابان والأسلحة الكيماوية فقتل حتى اليوم أكثر من مائتي ألف مواطن وهجر أكثر من ثلث الشعب بادعاء كاذب هو مقاومة التكفيريين وليس الإمبرياليين كما تتبرع مداخلتكم بالقول . ما من أحدٍ يمكنه القول لأي هدف تدمر عصابات الأسد نصف سوريا وتفنك بنصف شعبها !! الأسد يحارب الشعب السوري بعصابات المرتزقة من إيران ومن العراق ومن لبنان . لو كانت الامبريالية هي التي تهاجم سوريا لما أبقت على مرتزق في سوريا .
أنا أذكر الرفاق في الحزب الشيوعي الفلسطيني بأن الولايات المتحدة الأميركية وهي الأولى بتهمة الإمبريالية التلفيقية ظلت خلال السنة الأولى من عمر انتفاضة الشعب السوري تنادي بإصلاح النظام بقيادة الأسد وما غيرت موقفها بالقول فقط إلا بعد أن تعرّى موقفها غير الأخلاقي أمام الشعب الأمريكي والهجوم الكاسح من قبل الحزب الجمهوري فيها، وها هي اليوم تبيع قضية الشعب السوري للأسد لقاء تأمين إسرائيل من أخطار السلاح الكيماوي . والخوف من جديد هو أن تلقي بكل الشؤون السورية في أحضان ملالي إيران وعصابة بوتين لقاء تأمين إسرائيل من خطر السلاح النووي الإيراني .

الرفاق الأعزاء،
ما كنت لأتوقف ناقداً عند بعض النقاط الجانبية لولا تقديري الكبير للخطوط العامة الكبرى لمداخلتكم والوعي الماركسي الذي تميزت به وهو ما يحتاجه العمل الشيوعي في أيامنا هذه قبل كل شيء آخر .

عــــــــــــــمــان 16 نوفمبر 2013 فؤاد النمري
http://www.fuadnimri.yolasite.com