موضوعات حول الثورة و الثورة المضادة في فنزويلا - تتمة


بيان الدفاع عن الماركسية
2005 / 6 / 4 - 12:12     

ـ الجزء الثاني ـ
بقلم: آلان وودز

53. هناك حجة تستعمل كثيرا من طرف الإصلاحيين، و هي انه من الضروري العمل على كسب تعاطف الطبقة الوسطى ومن ثم فإنه يجب علينا أن لا نذهب بعيدا في مهاجمة الرأسمالية. إن الجزء الأول من هذا الطرح صحيح، لكنه يناقض كليا الجزء الثاني منه. إنه من الممكن، ومن الضروري في نفس الوقت، كسب تعاطف قسم كبير من الطبقة الوسطى، لكننا لن ننجح أبدا في القيام بذلك إذا ما قبلنا بسياسات الإصلاحيين، التي لا يمكنها إلا أن تستلب الجماهير البرجوازية الصغرى و ترمي بها في أحضان الثورة المضادة.
54. إن الطبقة المستغِلة أقلية صغيرة في المجتمع. ولا يمكنها أن تحكم دون مساعدة عدد كبير من صغار المستغِلين وصغار صغار المستغِلين.. لقد عملت الطبقة السائدة في فنزويلا، باستعمال قوتها الاقتصادية و سيطرتها على وسائل الإعلام، على تحريك جماهير الطبقة الوسطى ضد الثورة. إذ وتحت راية "الديموقراطية" المزيفة نظمت عمليات الشغب في الشوارع وفجرت المواجهات. إن فرق المواجهات، التي نظمتها، مشكلة من أبناء الأغنياء "sifrinos"- الطفيليات الثرية- المتطرفين في عدائهم للجماهير. إن البرجوازيين الصغار المسعورين يستنكرون التنازلات المقدمة للفقراء، والتي يرون فيها تهديدا لإمتيازاتهم هم. إنهم يثيرون الكثير من الضجيج عندما يُطلب منهم ذلك، لكنهم ليسوا، في الحقيقة، سوى نفايات بشرية، سيتم كنسهم بسهولة إذا ما اصطدموا بحركة الجماهير.
55. إلا أن البرجوازية الصغرى ليست طبقة متجانسة. و هناك تناقضات داخل الطبقة الوسطى والتي يمكنها أن تظهر على شكل انشقاقات في صفوف المعارضة. فالشريحة العليا من الطبقة الوسطى مشكلة من عناصر ذات إمتيازات- محامون ميسورون، أساتذة جامعيون، مدراء بنوك وسياسيون- هم أقرب إلى الأوليغارشية الحاكمة ويشكلون خدامها الأوفياء. بينما الشرائح الدنيا( صغار أصحاب الحوانيت، موظفون الأبناك، إلخ) هم اقرب إلى الطبقة العاملة ويمكن كسبهم إلى صفها. لكن طريقة كسب الشرائح الدنيا من البرجوازية الصغرى إلى جانب العمال لا يتم عبر تقديم التنازلات لزعمائهم ( الذين هم في الواقع مستغلوهم السياسيون)، بل عبر الهجوم على كبار أصحاب البنوك و الرأسماليين، عبر تبني موقف الحزم المطلق والتصميم.
56. يتشكل قسم من المعارضة من أناس خدعهم أعداء الثورة. و هؤلاء لا يزال من الممكن كسبهم إلى جانب الثورة. لكن الطريقة المثلى لكسبهم تتمثل في اتخاذ إجراءات عملية لمصادرة أملاك كبار الرأسماليين و تبني إجراءات لصالح صغار أصحاب الحوانيت و صغار المالكين. يجب أن يقتنعوا بأن الثورة لا تقهر و أنهم سيخدمون مصالحهم أفضل، بضمهم لقواتهم إلى قوة الطبقة العاملة، ضد الأبناك الكبرى و الاحتكارات.
57. إن ما يسمى بـ"الديموقراطية" البرجوازية، ليس سوى خدعة كبرى تختبئ ورائها دكتاتورية الرأسمال الكبير. وهذه الدكتاتورية لا تضطهد العمال وحدهم بل حتى الطبقة الوسطى. إن ما يجب القيام به ليس هو تقديس وهم الديموقراطية البرجوازية الشكلية- التي تكون السلطة في ظلها بين يدي الأبناك الكبرى والاحتكارات- بل الدفاع عن ديموقراطية حقيقية- ديموقراطية الطبقة العاملة، المبنية على أساس الملكية الجماعية للأرض و الأبناك والصناعة.
58. يجب أن يكون واضحا أن إجراءات التأميم هاته لن تستهدف سوى الرأسماليين الكبار و أصحاب الأبناك و الملاكين العقاريين. نحن ليس لدينا أية نية في تأميم المقاولات الصغرى و الضيعات الصغرى و الدكاكين. فهذه لا تلعب أي دور مستقل في الاقتصاد، إذ أنها تابعة بشكل كامل للأبناك الكبرى و الأسواق الممتازة، الخ. إننا سندعو هؤلاء المالكين الصغار إلى دعم برنامج التأميم، الذي هو في مصلحتهم.
59. سوف يمَكن تأميم الأبناك، الحكومة من ضمان تقديم قروض سهلة بفوائد مخفضة لصغار المقاولين. إن تأميم مصانع الأسمدة الكبرى، سيمَكن الحكومة من توفير الأسمدة للفلاحين بأثمنة رخيصة. و بقضائنا على الوسطاء وتأميمنا للأسواق الممتازة الكبرى و شركات التوزيع و النقل، سنتمكن من تمتيع الفلاحين من سوق مضمون وثمن جيد لمنتجاتهم، في نفس الوقت الذي تنخفض فيه الأسعار بالنسبة للمستهلك.
60. ليس هنالك أكثر غباء ممن لا يفهم شيئا. إذ و بالرغم من كل شيء، هنالك من لا يزالون ينصحون بأن تبطئ الثورة من خطواتها لتلافي الاصطدام مع الثورة المضادة والإمبريالية. يمكن أن يكون هؤلاء صادقي النية، لكنهم يقدمون نصيحة خاطئة و خطيرة. ليس من الممكن إيقاف الثورة في منتصف الطريق. ليس من الممكن القيام بنصف ثورة. فإما أن تنجز الثورة حتى النهاية و إما أنها سوف تهلك.
61. يَعتبِر الإصلاحيون أنفسهم واقعيين من الطراز الرفيع. لكنهم، في الواقع، أكثر الناس إغراقا في الطوباوية. إنهم يطمحون إلى رأسمالية "أكثر إنسانية". إن من يطلب من الرأسمالية أن تصير إنسانية، كمن يطلب من النمر أن يصير آكلا للعشب بدل اللحم. لا يعادي الرأسماليون الفنزويليون الثورة البوليفارية بدون سبب. وليس بدون سبب يعملون بلا كلل و بجميع الطرق للقضاء عليها و إسقاط تشافيز. لا يمكنهم أبدا أن يتصالحوا مع الثورة. و لن تقنعهم الكلمات الجميلة. يجب أن يتم هزمهم و تجريدهم من السلاح. يجب القضاء على قوتهم الاقتصادية. ليس هناك من طريق آخر.
62. تشبه الثورة الفنزويلية، في الوقت الحالي ( و كما أشار إلى ذلك تشافيز نفسه)، سيزيف- ذلك الشخص الذي، حسب الأساطير اليونانية، كان يحمل على ظهره صخرة إلى قمة جبل شاهق، لكنها تسقط من جديد إلى الأسفل. بمجهود صغير سيصبح من الممكن دفع الصخرة إلى قمة الجبل و ستُحل المشكلة. لكن إذا ما نحن توقفنا، سوف تسقط الصخرة مجددا و سوف تسحق الكثير من الناس في طريقها.
63. فقط الحركة الثورية للجماهير من تحت هي التي منعت الثورة المضادة من الانتصار خلال انقلاب أبريل 2002. لقد هزمت الجماهير الرجعيين و الإمبرياليين. ولقد كان من الممكن حينها توجيه هزيمة حاسمة للرجعيين الذين كانوا قد صاروا آنذاك منقسمين و محبطين. لو أن الرئيس أشار بإصبعه الصغير فقط، لكان كل شيء قد حسم. فقد كان بإمكان الطبقة العاملة أن تأخذ السلطة بطريقة سلمية، بدون دماء أو حرب أهلية. لكن الفرصة تمت إضاعتها مع الأسف. لقد أظهرت الثورة أنها معتدلة أكثر من اللازم و حذرة أكثر من اللازم.
64. ماذا كانت النتيجة؟ هل أثر الاعتدال والحذر في أعداء الثورة؟ هل هدٌأ من عدائهم؟ كلا. لقد شجعهم ذلك. لقد قام أعداء الثورة بإعادة تجميع قواهم و التحضير لهجوم جديد، أي لما أسمي "إضرابا"، و الذي كان الهدف منه شل الاقتصاد. الجميع يعرف أن هذا "الإضراب" قد نظمته وكالة المخابرات الأمريكية، بتعاون مع أرباب العمل الفنزويليين والبيروقراطيين النقابيين المرتشين. لكن هذه المحاولة، بدورها، تعرضت للهزيمة على يد الحركة الثورية للعمال الفنزويليين.
65. لقد حاول هوغو تشافيز، بعد محاولة الانقلاب الأولى، أن يصل إلى توافق مع الرجعيين. حاول التفاوض معهم، بل حتى إعادة مدراء(PVDSA) السابقين إلى مناصبهم. وقد كافئوه بأن نظموا حملة الاغلاقات التي سببت خسائر رهيبة للاقتصاد الفنزويلي. ما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من هذا؟ هل يمكننا أن نستخلص أن الموقف التوفيقي هو الطريقة الوحيدة لنزع سلاح الثورة المضادة و الإمبرياليين؟ فقط المجانين هم من يمكنهم قول ذلك. إن الخلاصة الحقيقية التي يجب استخلاصها من هذا، هو أن الضعف يسبب الاعتداء.
66. لقد أظهرت التجربة أن القاعدة الصلبة الوحيدة التي تدعم الثورة هي الجماهير، و في مقدمتها الطبقة العاملة. إن الجماهير ترغب في الدفاع عن تشافيز. كيف تقوم بذلك؟ إنها تقوم بذلك عبر دفعها للحركة من تحت، عبر تنظيم لجان المعارك، عبر تعلم كيفية استخدام السلاح. إن الطريقة الوحيدة للدفاع عن تشافيز، هي شن نضال شرس ضد أعداء الثورة، لإسقاطهم من مواقع السلطة التي يحتلونها و تهيئة الشروط لإحداث تغيير للمجتمع.
67. بعبارة أخرى، إن مفتاح نجاح الثورة يتمثل في تطوير و تقوية استقلالية الحركة العمالية، وفوق كل شيء، في بناء الجناح الماركسي الثوري للحركة. إن نصيحتنا لعمال فنزويلا هي: لا تثقوا إلا في أنفسكم وفي قواتكم الخاصة! لا تثقوا إلا في حركة الجماهير الثورية! هذه هي القوة الوحيدة التي بإمكانها كنس جميع العراقيل وهزم الثورة المضادة والبدء في أخذ السلطة بين أيديها. هذه هي الضمانة الوحيدة للانتصار.
68. يوجد الرجعيون، اليوم، في موقف ضعف، لكن الحيوانات المحاصرة تصير أخطر. إنهم يشعرون بالقنوط، وهذا الشعور السائد بين صفوفهم يمكنه أن يقودهم إلى استعمال طرق متهورة. لقد صار من الواضح الآن أنهم بصدد التآمر مع واشنطن وعملائها الكولومبيين، لاغتيال تشافيز و خلق الاضطرابات كخطوة أولى لتنظيم انقلاب جديد. إن الحذر الكبير مسألة مطلوبة، من جانب الحركة الجماهيرية، لإحباط مخططات الثورة المضادة. فقط عمل حاسم، من جانب الجماهير، هو من يمكنه أن يجرد الثورة المضادة من أسلحتها و يجعلها غير مؤذية.
69. إن الطريقة الوحيدة لإنجاز الثورة إلى النهاية، هي العمل من تحت إلى فوق. إن المهمة الأكثر استعجالية، هي تشكيل لجان معارك - لجان للدفاع عن الثورة. لكن هذه اللجان، يجب أن تكون مسلحة. إن الشعار الآني الذي يجب أن يرفع، هو تشكيل مليشيات شعبية. لا يمكن للثورة أن تدافع عن نفسها ضد أعدائها إلا إذا سلحت نفسها.
70. لقد دعا تشافيز إلى تسليح العمال. لقد صرح: "يجب على كل صياد و على كل طالب و كل عضو من الشعب، أن يتعلم كيف يستعمل البندقية، لأن مهمة الدفاع عن سيادة الأرض الفنزويلية المقدسة هي مهمة الشعب المسلح، إضافة إلى القوة المسلحة الوطنية". إن هذا صحيح جدا. لأن شعبا غير مستعد للدفاع عن حريته و السلاح في يده، لا يستحق أن يكون شعب حرا. من الواجب تسليح الشعب، ليس فقط للدفاع عن الثورة ضد أعدائها الداخليين و الخارجيين، بل أيضا لإنجاز الثورة حتى النهاية و الدفاع عن الحقوق الديموقراطية للشعب.
71. يتوجب، حالا، تحويل كلمات الرئيس تشافيز إلى واقع. بالنظر إلى حجم التهديد الذي يشكله الأعداء الداخليون و الخارجيون للثورة، يتوجب على الحكومة أن تفتتح مدارس خاصة بالتدريب العسكري للجماهير. يجب على الضباط الأكفاء، المخلصين للثورة، أن يقدموا التداريب الضرورية في كيفية استعمال السلاح و التكتيكات و الاستراتيجية. إن الطريقة الوحيدة لمواجهة التهديدات، هي تشكيل ميليشيات جماهيرية شعبية. يجب على كل حي عمالي و كل مصنع و كل قرية و كل مدرسة أن يصير حصنا للثورة مستعدا للقتال من أجلها.
72. تعتبر مسألة الدولة المسألة الأكثر جوهرية. إن الرئيس تشافيز نفسه قد اشتكى من العراقيل التي تزرعها البيروقراطية، بشكل منهجي (عراقيل برلمانية من طرف المعارضة، القضاة الرجعيين، الشرطة، ..الخ)، لا يمكن للثورة أن تعتمد على البيروقراطيين و الموظفين الذين ورثتهم عن العهد السابق. لا يمكن لها أن تضع ثقتها في القضاة الذين عينهم النظام السابق. لا يمكن لبيروقراطيي الدولة السابقيين أن يصفوا أنفسهم بأيديهم، فليس هناك شيطان يقلم أظافره بنفسه! ما يجب القيام به هو أخذ مكنسة كبيرة و البدأ في كنس كل هذه الزبالة. إن نظاما اجتماعيا جديدا، يتطلب نوعا جديدا من الإدارة، إدارة ديموقراطية حقيقية تنبع من الشعب نفسه و تعكس آماله و تطلعاته.
73. لقد قامت الحكومة بإجراء تطهير جزئي لجهاز الدولة. و هذا شيء إيجابي، لكنه غير كاف. من الضروري إقصاء جميع المحافظين و جميع حلفاء الثورة المضادة، الظاهرين و المستترين، من مواقع السلطة و النفوذ. يجب أن تصير جميع السلطات بين أيدي ثوريين مخلصين أعطوا الدليل، في الممارسة، على ولائهم لقضية الشعب. إن التطهير الجدي لجهاز الدولة ممكن فقط إذا ما تم من تحت، أي بمبادرة من الجماهير نفسها. إن الجماهير متشوقة للبدأ في العمل لإزاحة كل العراقيل التي تكبح الثورة عن التقدم و إنجاز جميع أهدافها. إن مفتاح النجاح يتمثل في تطوير و توسيع الحركة الجماهيرية و إعطائها شكلا منظما.
74. إن الطريقة الوحيدة لدفع الثورة إلى الأمام، هي القيام بذلك من تحت إلى فوق. يجب أن يعطى للحركة الجماهيرية شكلا و تعبيرا منظما. و هذا غير ممكن إلا بتشكيل لجان المعارك المنتخبة ديموقراطيا في جميع أماكن العمل و الأحياء العمالية و الإدارات و مصافي النفط و البوادي. و يجب أن يتم الربط بين هذه اللجان على جميع المستويات (محليا، جهويا و وطنيا). فقط هكذا يمكن وضع الأسس لبناء سلطة جديدة في المجتمع: سلطة العمال.
75. إن المهمة الأولى، لهذه اللجان، هي تنظيم النضال ضد الثورة المضادة. يجب أن تقوم بحراسة الأحياء العمالية، التصدي للجرائم و عمليات التخريب، إلقاء القبض على أنصار الثورة المضادة و حفظ الأمن. يجب أن تتحكم في وسائل النقل و التزود بالمؤن وغيرها من الحاجيات الضرورية، و تراقب الأسعار و تجتث المضاربات و الرشوة و الفساد و غيرها من التجاوزات، و كذا ضمان توزيع عادل يستفيد منه الجميع. هكذا سوف تتمكن الجماهير من اكتساب الخبرة في ممارسة الرقابة و الإشراف و التنظيم، مما سيهيئها للقيام بالمهام الأكبر عندما سوف يحين الوقت الذي سيصبح عليها فيه المساهمة في تسيير المجتمع.
76. إن شرطة العاصمة كاراكاس، وغيرها من قوات الشرطة، توجد تحت نفوذ المعارضة. ومن المعروف أنها تشكل مركزا للأنشطة المعادية للثورة. إنها تعمل كما لو كانت دولة داخل الدولة، تقوم بالتحريض ضد الحكومة، تغتال الجماهير و تتسبب في القلاقل. إن هذا أمر غير مقبول نهائيا. يجب حل هذه القوات الرجعية و تعويضها بميليشيات شعبية تحت رقابة اللجان الثورية المحلية و النقابات العمالية.
77. إننا نناضل من أجل ديموقراطية حقيقية، أي ديموقراطية عمالية، كما وضح خطوطها لينين و ووضعها البلاشفة موضع التطبيق، سنة1917:
أ?/انتخابات حرة و ديموقراطية لجميع موظفي الدولة مع الحق في إلغاء تفويضهم.
ب/ تحديد أجور الموظفين، يجب ألا تتجاوز أجرة عامل مؤهل؛ يمكن التعويض عن التكاليف المشروعة، لكن يجب أن يتم هذا تحت الرقابة.
ت/تسليح الشعب، و تذويب الجيش في الميليشيات الشعبية.
ث?/إشراك جميع الجماهير في القيام بمهام إدارة الإنتاج و تسيير المجتمع و الدولة.
78. إذا ما انتصرت الثورة المضادة، فإن الوضع سوف يكون مأساويا على شعب فنزويلا. إذ ستُمزق قناع "الديموقراطية" المبتسم الذي تحمله لتُظهر وجه الرجعية البشع. إن الرأسماليين متعطشون للانتقام من جميع الهزائم و الإهانات التي تعرضوا لها خلال هذه السنوات. و سوف يعملون على تعليم العمال و الشعب الكادح درسا لن ينسوه أبدا. سوف يمارسون انتقاما رهيبا من الجماهير. سوف يسحقون الثورة و يحولونها إلى رماد. إن هذا منظور رهيب، لكنه حتمي و كل شيء يتوقف على الطبقة العاملة و قيادتها.
79. إن ما يتوجب امتلاكه هو برنامج ثوري حازم، مبني على أسس علمية. ليس هناك من نظرية يمكنها تحقيق هذا إلا الماركسية. لا تكفي الشجاعة وحدها لكسب صراع الحياة أو الموت هذا، فالتاريخ أعطانا أمثلة عديدة عن هزيمة جيوش شجاعة و كثيرة العدد، على يد جيوش أقل عددا، لكنها مدربة جيدا و مسيرة من طرف قادة ذوي خبرة.
80. من الخطأ الفادح معارضة النضال من اجل الديموقراطية و النضال ضد الإمبريالية بالنضال من أجل الاشتراكية. إذ أن النضال من أجل الديموقراطية الثورية، لا يمكنه أن ينتصر إلا إذا تحول إلى نضال ضد ديكتاتورية الرأسمال. و من تم، فإنه لكي ينتصر النضال من أجل الديموقراطية، يجب أن يقود مباشرة إلى نضال من أجل سلطة العمال و من أجل الاشتراكية. ليس هنالك من "طريق وسط" و جميع المحاولات للبحث عن طريق ثالث، سوف تؤدي، بالضرورة، إلى الكارثة. سوف تؤدي إلى تصفية الثورة و التدمير الكلي للديموقراطية في فنزويلا.
81. هنالك بعض ممن يسمون أنفسهم ماركسيين، لكنهم تخلوا في الواقع كليا عن الموقف الثوري للماركسية. "فماركسيتهم" ليست سوى تجريد خالص و ذات طبيعة أكاديمية، ليس لها أي علاقة بواقع الصراع الطبقي. إنهم يفبركون جميع أنواع البراهين "النظرية" "الذكية" للدليل على أن فنزويلا ليست مهيئة للاشتراكية، أو أن الوقت لم يحن بعد (بالنسبة لمثل هؤلاء الناس لن يحين الوقت أبدا) كما يفبركون مئات البراهين الأخرى لإقناع العمال بعدم محاولة حسم السلطة. إنهم في الواقع لا يثقون في الطبقة العاملة و لا في الثورة. إنهم يخافون من الثورة المضادة، يخافون من الإمبريالية، و يخافون حتى من صدى صوتهم هم، و يأملون لو يصدرون خوفهم هذا إلى العمال.
82. في الواقع، إن الوضعية الآن، في فنزويلا، ناضجة تماما لحسم السلطة من طرف الطبقة العاملة. فمن جهة، عبرت البرجوازية عن عجزها التام عن الحكم و من جهة أخرى، فإن الثورة لم تنجز حتى النهاية. و النتيجة الوحيدة الممكنة، لمثل هذه الوضعية، هي الفوضى. لقد وصلت الثورة إلى نقطة أصبح فيها استمرار اشتغال النظام الرأسمالي، بطريقة عادية، مسألة مستحيلة. الرأسماليون يسحبون أموالهم و ينظمون إضرابا عن الاستثمار. فقط المصادفة السعيدة المتمثلة في ارتفاع أسعار البترول، هي من مكن الحكومة من الحفاظ على ما يشبه الحياة الطبيعية للاقتصاد. لكن هذه الوضعية، الغير مستقرة، لا يمكنها أن تدوم إلى الأبد. إن الصراع بين الطبقات يهدد بحدوث وضع من الركود و الأفول. لذا يتوجب أن يحسم الصراع لصالح هذا الطرف أو ذاك.
83. إن الحجج المقدمة للتدليل على أن فنزويلا غير مهيئة للاشتراكية، لا تصمد أمام الاختبار. ففنزويلا بلد غني من حيث الثروات، باحتياطي كبير من النفط و غيره من المعادن. و تشكل الطبقة العاملة فيه أغلبية ساحقة من السكان. لقد أبان العمال عن شجاعة عالية، و عن روح خلاقة و ثورية. لقد أبانوا عن رغبتهم في تغيير المجتمع، و أخذ زمام الصناعة. إن ما ينقص هو قيادة شجاعة.
84. إن العناصر الانتهازية، المختبئة وراء اسم الاشتراكية، تصر على القول بأن الطبقة العاملة ليست واعية بما فيه الكفاية للقيام بالتحويل الاشتراكي للمجتمع. ليس هذا سوى تعبير عن جهل عناصر برجوازية صغيرة ليس لها أية معرفة، أو علاقة، بالطبقة العاملة. إن جميع تجارب الطبقة العاملة الفنزويلية، خلال السنوات القليلة الماضية، تثبت بالضبط عكس ذلك. إن نقص الوعي في الثورة الفنزويلية، ليست مشكلة الطبقة العاملة، بل مشكلة قيادة الحركة العمالية، التي تتأخر عن الطبقة و تعجز عن استخلاص الدروس الضرورية.
85. وراء الثورة المضادة تقف قوة الإمبريالية الأمريكية. إذ أن خيوط جميع المكائد و المؤامرات و الدسائس، تحاك داخل أروقة السفارة الأمريكية و وكالة المخابرات. إن الإمبريالية الأمريكية تعادي الثورة البوليفارية بشراسة، لكون هذه الثورة قد أيقضت الجماهير الفقيرة و المحرومة و قدمت لهم أملا جديدا و إحساسا بقوتهم و كرامتهم. إن واشنطن مرعوبة لأن هذا يلعب دور نقطة جذب و منبه لعمال و فلاحي أمريكا اللاتينية كلها. لذا فإنها مصرة على هزم الثورة و سحقها.
86. لقد ظهر موقف واشنطن من الثورة خلال الانقلاب الأول، عندما سارعت إلى الاعتراف بعصابة الثورة المضادة. إن هذا يفضح النفاق الكاذب الكامن وراء خطاباتهم حول "الديموقراطية". إذ أن واشنطن، لا تؤيد، كما هي العادة دائما، إلا "الديموقراطية" التي تخدم مصالحها. و عندما لا تعجبها الطريقة التي تصوت بها الأغلبية، فإنها تعمل على دعم الانقلابات المضادة للثورة و الأنظمة الديكتاتورية. أما حقيقة أن الانقلاب، الذي حدث في كاراكاس، قد استهدف حكومة منتخبة ديموقراطيا، فلم يكن سوى تفاصيل لا تستحق الانتباه.
87. يعلم الجميع أن واشنطن تقف وراء كل العمليات التي تقوم بها الثورة المضادة في فنزويلا. لا أحد يمكنه أن يجهل هذا الواقع. لكن لا يزال هناك بعض من يتخيلون أن الإمبريالية الأمريكية يمكنها أن تترك فنزويلا و شأنها إذا ما تم إيقاف الثورة. إن هذا يشبه منطق ذلك الطفل الصغير الذي يسمع أصواتا في الليل فيعمل على تغطية رأسه تحت الوسادة، يعتقد أنه إذا ما ظل بدون حراك و أغلق عينيه فسوف يصبح في مأمن. لكن الناس الراشدين يعلمون أنه لمواجهة الخطر، لا يجب إغلاق العينين.
88. يتفق الجميع على أن الإمبريالية هي ألذ أعداء الثورة البوليفارية. لكن ما هي الإمبريالية؟ إن الإمبريالية هي الرأسمالية الاحتكارية. إنها نظام علاقات عالمية مبني على سيطرة حفنة من الشركات الكبرى (أغلبها أمريكية) على الكوكب بأسره. إن العمليات العسكرية، التي تقوم بها الإمبريالية، ليست سوى تعبير عن مصالح هذه الشركات الكبرى. مركز قيادة الإمبريالية موجود في واشنطن، لكن لديها عملائها المحليون في فنزويلا (الذين هم أصحاب الأبناك و الرأسماليون الفنزويليون). إن البرجوازية الفنزويلية ترقص على أنغام واشنطن. و من تم فإن النضال الجدي ضد الإمبريالية مستحيل دون نضال حازم ضد البرجوازية.
89. إن الإمبريالية الأمريكية تحضر علانية لهجومات جديدة ضد الثورة الفنزويلية. تعمل على نشر الدعاية الكاذبة بأن فنزويلا تدعم قوات (F.A.R.C.) الكولومبية. إن هذا استفزاز يهدف إلى تحضير الشروط لتدخل عسكري كولومبي ضد فنزويلا مستقبلا. إن اتهام الحكومة الفنزويلية بالضلوع في دعم "التيارات الإرهابية"، هو دليل آخر على أن الولايات المتحدة تحضر لشن اعتداء مسلح على فنزويلا، باستعمال الجيش الكولومبي و القوات الشبه عسكرية. إن تصريحات مجلس الشيوخ الكولومبي الأخيرة، تسير بوضوح في نفس الاتجاه. لدينا الآن دليل واضح على أن العصابات الفاشية، الشبه عسكرية الكولومبية، تنشط على أرض فنزويلا. و سيتم استعمالهم كقوات مواجهة في خدمة الثورة المضادة. إن هذه الوقائع تزيد من ملحاحية مطلب تسليح الجماهير.
90. لضمان مستقبل الثورة الفنزويلية، من الضروري توجيه هزيمة ساحقة للثورة المضادة الداخلية. ينبغي القضاء نهائيا على الطابور الخامس الذي يمكن الإمبريالية الأمريكية من قاعدة لعملياتها ضد الثورة، والمتورط فعليا في عمليات التخريب والذي يتآمر، بنشاط، مع إرهابيي الثورة المضادة الخارجيين، لإغراق البلد في الفوضى و الدماء. يتوجب إنجاز الثورة حتى النهاية. هذه هي الخطوة الأولى.
91. " لكن الأمريكيين سوف يغزوننا!" هكذا سوف يصيح في وجهنا منتقدونا. إن هذا المنطق مبني على أنه إذا لم نقم بشيء، فإننا سنتلافى هجومات الرجعية و الإمبريالية علينا. لكن العكس بالضبط هو الصحيح.
92. طبعا، نحن لا نريد أية مواجهة مع الولايات المتحدة و لا مع كولومبيا. لكن طريقة تلافي حدوث مثل هذه المواجهة، ليست في إتباع نصيحة الإصلاحيين، بل على العكس تماما. إذ بقدر ما كان موقف الشعب الفنزويلي حازما، وبقدر ما أبان عن استعداده للقتال، بقدر ما تناقصت شهية الإمبريالية الأمريكية للدخول في مغامرة عسكرية جديدة. و على النقيض من ذلك، بقدر ما ساد التذبذب و بقدر ما كانت المواقف أكثر استسلامية، بقدر ما ازدادت ضغوط صناع الحرب داخل إدارة بوش من اجل التدخل.
93. إن الإمبريالية الأمريكية، و بالرغم من قوتها الهائلة، لا تملك في ظل الشروط العالمية الحالية، سوى هامش ضئيل للمناورة. فلقد غرقت في مستنقع مغامراتها العسكرية في العراق و أفغانستان. كما أن الجو السائد بين الجماهير في الولايات المتحدة قد صار أكثر فأكثر نقدية. و من تم فإنه من المستبعد أن تقوم بشن تدخل عسكري مباشر في فنزويلا، و لو في مستوى التدخل الذي نظمته في هايتي. إنها تفهم أن فنزويلا ليست هايتي و بأنها سوف تواجه هناك مقاومة جماهيرية.
94. إن قوة الإمبريالية الأمريكية كبيرة، لكنها ليست غير محدودة. ففي العراق يواجه الغزاة الأمريكيون انتفاضة عامة للجماهير، لا يمكنهم هزمها بالرغم من كل قوتهم العسكرية. لو أنهم تعرضوا لانتفاضات في كل مكان، لما كان بامكانهم التدخل.
95. لقد سبق لنابليون أن أكد على الأهمية الكبيرة للمعنويات في الحرب. إن المسألة لا تتعلق فقط بالأسلحة و التكنولوجيات العسكرية، بل بالرغبة في القتال و تحقيق النصر. لقد أظهرت الجماهير عن استعدادها للقتال من أجل الدفاع عن الثورة. و قد هزموا الثورة المضادة في مناسبتين اثنتين. كم سيكون حماسهم في القتال أكبر عندما ستكون السلطة في يدهم؟ إن أية محاولة لشن تدخل عسكري في فنزويلا، ستواجه بالاضرابات و المظاهرات و الانتفاضات. إن العراق يعطي الدليل على أنه من المستحيل إخضاع شعب بأسره، عندما يكون مسلحا و معبئا للقتال. إلا أن أفضل دفاع هو السياسة الأممية.
96. من الصحيح أن الإمبريالية الأمريكية تمتلك قوة هائلة و احتياطي كبير. لكن هل للثورة الفنزويلية أي احتياطي؟ نعم لديها احتياطي ضخم من الدعم بين جماهير المسحوقين و المضطهدين في أمريكا اللاتينية و الطبقة العاملة في العالم بأسره. لهذا يعتبر تبني سياسة أممية مسألة ضرورية. إذ بعد أن تأخذ الطبقة العاملة في فنزويلا السلطة، يجب أن توجه نداءا لعمال باقي القارة للسير على نهجها.
97. في كل أمريكا اللاتينية يوجد الفقر و الجوع و السخط. لذا فإن النداء الثوري لن يضيع سدى. سوف يصاب الإمبرياليون و الرجعيون بالشلل إذا ما انفجرت حركة ثورية عامة ضدهم. و سوف يكون لهذا الوضع انعكاسات جدية داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، التي بدأ الجو السائد بين الجماهير فيها يتغير، كنتيجة لمغامرة بوش في العراق.
98. لا يمكن للثورة البوليفارية أن تنتصر ما دامت لم تتجاوز حدود الرأسمالية. كما لا يمكنها أن تحصن نفسها داخل الحدود الضيقة للدولة الوطنية. يمكن للثورة البوليفارية أن تبدأ في فنزويلا، لكن انتصارها النهائي رهين بإسقاط حكم المستغِلين في كل أمريكا اللاتينية و خارجها.
99. إن المشروع الأصلي لسيمون بوليفار (ذلك الابن العظيم للشعب الفنزويلي) لم يكن هو تحقيق ثورة وطنية، بل ثورة توحد كل شعوب أمريكا اللاتينية و الكاريبي. لقد كانت هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن بها للقارة تحقيق استقلال حقيقي، و تحقيق الحرية و الازدهار. لكن مشروع بوليفار تمت خيانته من طرف البرجوازية و الارستوقراطيين. لقد قامت الأوليغارشية الجشعة و الفاسدة، ببلقنة أمريكا اللاتينية، مقسمة إياها إلى دول وطنية، كثيرا ما تنفجر بينها حروب حدودية. إن هذا أضعف، بشكل مأساوي، أمريكا اللاتينية و جعلها تسقط تحت سيطرة الإمبريالية التي استنزفت ثرواتها و دمرت إمكانياتها العظيمة و أغرقت شعبها في البؤس و القنوط.
100.لقد استعاد مشروع بوليفار، في توحيد كل أمريكا اللاتينية، آنيته. إنه الطريق الوحيد الذي يقود إلى الأمام. لكن هذا المشروع مستحيل التحقيق إطلاقا في ظل الرأسمالية. لقد قضت البرجوازية مائتي سنة، تقريبا، أرتنا فيها ما يمكنها القيام به، و ها هي تعرضت للإفلاس. فقط البروليتاريا، بالتحالف مع الفلاحين الفقراء و فقراء المدن و جميع المستغلين، هي من يمكنها أن تحقق هذا المشروع. و للقيام بهذا، يتوجب عليها مصادرة أملاك كبار أصحاب الأراضي و الرأسماليين و بناء فيدرالية اشتراكية لأمريكا اللاتينية.
101. سوف يمكن، لأول مرة، استثمار الإمكانيات الاقتصادية الهائلة التي تتوفر عليها أمريكا اللاتينية، عندما سيتم تجميع الثروات الاقتصادية التي تتمتع بها، عبر مخطط اشتراكي شامل. مقارنة مع هذا، سوف تبدو محاولات البرجوازية، البائسة، الضئيلة، من قبيل ((Mercosur مجرد تفاهات. إذ خلال مخططين خماسيين اثنين سيتم تجميع ما يكفي من الثروات لإحداث تحويل كلي لحياة ملايين الرجال و النساء و الأطفال. هذا هو المستقبل الذي نقدمه لجماهير أمريكا اللاتينية. و هو القضية الوحيدة التي تستحق أن يناضل الإنسان من أجلها. و بمجرد ما ستدرك الجماهير الإمكانيات المتوفرة، فإنها سوف تقاتل بشراسة لا تقهر. أما الإمبريالية الأمريكية فإنها، عندما ستواجه بانتفاضات ثورية عامة في كل أمريكا اللاتينية، سوف تصبح عاجزة عن فعل أي شيء. فإذا لم يكونوا قادرين عن إخضاع العراق، فإنهم أعجز من أن يخضعوا كل أمريكا اللاتينية. و بدل أن يتدخلوا في أمريكا اللاتينية سوف يواجهون بتحركات ثورية حتى في الداخل.
102. سوف يقول المتشائمون: ليس هذا سوى يوتوبيا. لكن اليوتوبيا الحقيقية هي الاعتقاد بأنه إذا ما أظهرنا "الاعتدال" فإننا سوف نتلافى الثورة المضادة. إن الشروط لقيام ثورة اشتراكية في فنزويلا قد نضجت، و هي تنضج في كل أمريكا اللاتينية. ما ينقص هو وجود قيادة شجاعة تريد الثورة و تعمل من أجلها. إن هؤلاء الذين يسمون أنفسهم "واقعيين" و الذين يحاولون إيقاف الثورة في منتصف الطريق، إنما يلعبون دور الثورة المضادة، بغض النظر عن نواياهم. إن ما يدعون إليه هو أسوء أنواع اليوتوبيا.
103. إن الوضعية في مجملها تدعو الطبقة العاملة لأخذ السلطة بين يديها. و هي المهمة التي ستكون أسهل بما لا يقاس لو أنه كان هناك تيار ماركسي قوي، داخل الحركة البوليفارية، يدفعها في هذا الاتجاه. لكن الحركة الآن لازالت مرتبكة و برنامجها غير واضح. يجب أن يتم حسم هذا الارتباك في أسرع وقت ممكن، كما يجب أن تحدد أهداف الحركة بأكثر ما يكون من الوضوح.
104. إن الماركسيين موجودون، لكنهم لا يزالون أضعف من أن يوفروا مثل هذه القيادة. إن المهمة الأكثر استعجالا الآن هي التغلب على هذا الضعف بأسرع ما يمكن و توحيد جميع القوى الماركسية الحقيقية، باعتبارها الجناح الثوري الأكثر حزما في الحركة البوليفارية. لقد شكل توحيد التيار (El Militante) و (El Topo Obrero) خطوة هامة في هذا الاتجاه. لكنها ليست سوى الخطوة الأولى. يجب أن تليها خطوات أخرى.
105. إن الخطر الأكبر الذي يتهدد الماركسيين الفنزويليين، هو فقدان الصبر و السقوط في العصبوية و النزعة اليسراوية المتطرفة. إن التيار الماركسي الثوري يشكل، في وقتنا الحاضر، أقلية داخل الحركة الجماهيرية. لذا يجب علينا أن لا نفرض حلولنا على هذه الحركة. يجب علينا أن نقاوم الرغبة في مواجهتها بالإنذارات (Ultimatums). يجب علينا أن نكون صبورين مع الجماهير، نناضل جنبا إلى جنب معهم لكسب احترامهم و ثقتهم. يجب أن يكون شعارنا هو شعار لينين سنة 1917: اشرح بصبر!.
106. يجب أن نجعل من أنفسنا جزءا من الحركة الجماهيرية ـ أقصى يسار الحركة البوليفارية. "لكن هذا يعني التضحية باستقلالية حزبنا"، هكذا سوف يقول العصبويون. إن مسألة استقلالية الجناح الماركسي هي، في الواقع، مسألة استقلالية سياسية و ليست تنظيمية. يجب علينا أن نحافظ على استقلاليتنا المطلقة في ما يخص أفكارنا و برنامجنا و سياساتنا و طرقنا في العمل. لكن يجب علينا، أيضا، أن نناضل من أجل إيصال هذه الأفكار إلى الحركة الجماهيرية، لتخصيبها بالأفكار الماركسية و النضال من أجل كسب الأغلبية. إن الشروط ناضجة للقيام بهذا العمل، إذ أن التجربة الملموسة لجماهير الشغيلة، خلال السنوات القليلة الماضية، تدفع بهم نحو استخلاص أكثر الخلاصات تقدما.
107. إن المهمة الأولى هي كسب العمال الطليعيين و الشباب الذين ينشطون داخل و حول المنظمات الثورية (الحلقات البوليفارية، التجمعات الثورية، الاتحادات الديموقراطية..الخ). يتوجب علينا في البداية كسب العناصر الطليعية، ثم و عبرهم يمكننا الوصول إلى الجماهير. إننا نقول لمناضلي الحركة بأننا ـ نحن الماركسيون ـ نشكل بدورنا جزءا من الحركة. نحن مستعدون للعمل من أجلها، لبنائها، لتقويتها و للنضال إلى جانبكم ضد أعدائنا المشتركين. إننا لا نسعى لفرض أفكارنا. إن كل ما نطالب به هو الحق في الدفاع عن موقفنا الطبقي المستقل و الدفاع عن أفكارنا داخل الحركة.
108. ليس هناك من تناقض بين مهمة بناء التيار الماركسي الثوري، و بين المشاركة بنشاط داخل الحركة البوليفارية. في الواقع إن المهمتين متلازمتين. إذ يتوجب على الماركسيين أن يعملوا جنبا إلى جنب مع الجماهير، دافعين بالحركة إلى الأمام، و يشرحوا، في كل مرحلة، ما يتوجب على الحركة القيام به لإحراز النصر.
109. إن الشرط الأول لنجاحنا هو تكوين الكوادر. إن الشيء الوحيد الذي يميزنا عن باقي مكونات الحركة، بجانب كوننا العناصر الأكثر نضالية و ثورية، هو موقفنا الحازم من النظرية و الأفكار. إن الماركسية هي اشتراكية علمية و الموقف العلمي ضروري للطبقة العاملة إذا ما أرادت تحقيق النصر. لدينا فهم واضح للأحداث الوطنية و الدولية، و لدينا طريقة اشتغال و استراتيجية منسجمين. بينما جميع التيارات الأخرى مرتبكة و لديها انعدام الوضوح و اللبس، إضافة إلى افتقادها المطلق لاستراتيجية منسجمة. إن نتائج هذا الوضع سوف تظهر عند ما ستتطور الأحداث. عندها سيبدأ العمال و الشباب في استيعاب تفوق النظرية الماركسية من خلال تجربتهم الخاصة.
110. إما تحقيق أعظم الانتصارات و إما تكبد أسوأ الهزائم ـ هذا هو الخيار المطروح أمام الثورة الفنيزويلية.

مدينة مكسيكو
20 ماي 2004

العنوان الأصلي للنص :
Theses on revolution and counterrevolution in Venezuela. Part 2


المصدر :
www.marxy.com