ماركس المسكوت عنه


محمد عادل زكى
2013 / 11 / 6 - 15:43     


المثل الذى يضربه ماركس، أثناء مناقشته الرأسمال التجارى، هو:" لنفترض ان الرأسمال الصناعى الكلى، خلال سنة، 720 ث + 180 م = 900، والقيمة الزائدة = 100%. ومن ثم فإن الناتج = 720 + 180 + 180. فإذا رمزنا لهذا الناتج أو هذا الرأسمال السلعى الذى تم إنتاجه بالرمز (ب)، فإن ثمن الإنتاج = 1080، ومعدل الربح = 20% ". ثم يدخل ماركس، خلسة، 100 جنيه رأسمال تجارى، ويجعل له حصة مماثلة فى الربح بما يتناسب مع حجمه، على الرغم من أن ماركس صرح، وبوضوح، ان رأسمال التاجر لا يسهم فى إنتاج القيمة الزائدة، ولكنه يعود فيقول:"ان رأسمال التاجر يسهم، كمحدد، فى تكوين معدل الربح العام". وذلك حينما يفترض إضافة 100 جنيه، رأسمال تاجر، إلى الرأسمال الصناعى البالغ 900 جنيه، ومن ثم تبلغ حصة الرأسمال التجارى 1 من 10 من القيمة الزائدة البلغة 180، فيحصل على معدل ربح مقداره18%. والواقع أن الربح المتعين تقسيمه على بقية الـ 9 من 10 من الرأسمال الكلى = 162 فقط، وعند تقسيمه على رأسمال 900= 18%. وبذلك فإن الثمن الذى يبيع (ب) به مالكو الرأسمال الصناعى البالغ 900 إلى تجار السلع = 720 ث + 180 م + 162 ق ز = 1062. ولو أضاف التاجر الربح المتوسط البالغ 18، إلى رأسماله البالغ 100،فإنه يبيع السلع بمقدار يساوى 1062 + 18 = 1080 أى يبيعها بموجب ثمن إنتاجها"... والسؤال هنا: ألم يسهم رأسمال التاجر فى عملية إنتاج القيمة الزائدة، حينما فقد هويته، كرأسمال تجارى، واندمج مع الرأسمال الصناعى؟ إذ ما كانت الإجابة: نعم ساهم رأسمال التاجر فى خلق القيمة الزائدة، فإن تقسيم الرأسمال، حين حساب معدل الربح الوسطى، إلى رأسمال إنتاجى كلى، ورأسمال تجارى، يكون عديم المعنى. فالقانون هو أن الرساميل النشطة فى عملية التداول بصورة مستقلة، لا بد من أن تدر متوسط ربح سنوى شأنه شأن الرساميل الناشطة فى مختلف فروع الإنتاج. فإذ ما در رأسمال تاجر متوسط ربح أعلى من رأسمال صناعى، فإن جزءً من الرأسمال الصناعى يتحول إلى رأسمال تاجر. وإذا در رأسمال التاجر متوسط ربح أدنى، جرت عملية معاكسة، فإن جزءً من رأسمال التاجر يتحول إلى رأسمال صناعى. أى أن المستويات العامة لمعدلات الربح الوسطى تكون تقريباً واحدة أيا كان نوع الرأسمال الموظف.

المسكوت عنه الثانى:
_____________
على الرغم من أن ماركس كان يرى أن إنتاج القيمة الزائدة يتم فى حقل الإنتاج المادى، كما يتم فى حقل "الإنتاج غير المادى"، ويضرب على ذلك مثلاً، فى المجلد الأول من "رأس المال"، حين يقول:"... وإذا ذكرنا مثالاً من خارج نطاق الإنتاج المادى، لوجدنا أن المُعلم فى المدرسة يُعد عاملاً منتجاً حين ينهك نفسه أثناء العمل، من أجل إثراء مالك المدرسة، بالإضافة إلى تعليم الأولاد. أما كون مالك المدرسة قد استثمر رأسماله فى مدرسة للتعليم أم فى مصنع لإنتاج المقانق، فذلك لا يغير من الأمر شيئاً..." أى أن ماركس لديه الوعى بأن إنتاج القيمة الزائدة ليس بقاصر على حقل الإنتاج المادى، أى الرأسمال الصناعى. نقول على الرغم من ذلك إلا أنه وجد صعوبة، على ما بدا لى، حينما إنتقل، فى المجلد الثالث، إلى مناقشة الربح التجارى. وبصفة خاصة حين تسائل كيف يُنتج العمال فى قطاع التجارة قيمة زائدة:"ما وضع العمال المأجورين الذين يستخدمهم الرأسمالى التجارى؟" إذ رأى أن العمال فى حقل الإنتاج غير المادى ينتجون قيمة زائدة، وإنما بشكل غير مباشر، إذ بفضل عملهم يحصل الرأسمالى التجارى، أى قطاع الخدمات، على القيمة الزائدة المنتجة فى حقل الإنتاج الصناعى، ويقدم لذلك تفسيرين، الأول: "أن الرأسمال الصناعى ينتج القيمة الزائدة من خلال الاستيلاء مباشرة على عمل الآخرين غير مدفوع الأجر، أما الرأسمال التجارى فانه يستولى على جزء من القيمة الزائدة عن طريق اجبار الرأسمال الصناعى على التنازل عن أحد أجزاء تلك القيمة له". وهذا التفسير غير صحيح؛ لأن الرأسمال التجارى يدخل فى حساب الرأسمال الاجتماعى الكلى، بعد أن يفقد هويته أثناء الإنتاج، ولا ينبغى أن يضللنا تفاوت الدورانات واختلافها من نوع إلى آخر من الرساميل. الثانى: "أن العامل فى قطاع الخدمات لا يخلق قيمة زائدة مباشرة، بل لأنه يساعد فى تقليص تكاليف تحقيق القيمة الزائدة". وهذا التفسير أيضاً غير صحيح؛ فالعامل، فى قطاع الخدمات، لا يقلص ولا يزيد من تكاليف تحقيق القيمة الزائدة، المنتجة فى قطاع الصناعة، وإنما يخلقها فى قطاعه هو. ولا شأن له بقيمة زائدة منتجة فى قطاع آخر. إلا بقدر كون ما ينتجه من قيمة زائدة هو أحد الأجزاء المتساوية من القيمة الزائدة الإجمالية على الصعيد الاجتماعى. وأنا أرى أن التفسيرين، بمثل هذا التشوش، إنما يرجع إلى الطريقة التى تعامل بها ماركس مع الرأسمال التجارى، ومن ثم الربح التجارى، فبعد أن حلل ماركس القوانين الموضوعية التى تحكم عمل النظام الرأسمالى، الصناعى، وجد لزاماً عليه أن يحلل رأسمال، رأه هو، أى ماركس، له طبيعة مختلفة، وهذا غير صحيح، وهو الرأسمال التجارى، وبعد أن استبعد قدرة هذا النوع من الرأسمال على خلق القيمة الزائدة، كان عليه أن يدخله، خلسة، بنصيب فى الإنتاج الصناعى. ومن ثم تعود إليه قيمة زائدة، تصور ماركس انها أنتجت فى حقل الصناعة، وحتى لو كان ذلك صحيحاً من زاوية ما، فإنما أنتجت القيمة الزائدة بفعل دخول الرأسمال التجارى بنصيب فى الدورة الرأسمالية الكلية على الصعيد الاجتماعى. أما وانها خلقت فى المصنع، برساميل صناعية وتجارية، فهو لا يعنى على الاطلاق أن الرأسمال الأخير لم يسهم فى خلق القيمة الزائدة، بل العكس هو الصحيح. ان الارتباك يزول حين يُعاد النظر إلى الرأسمال التجارى كأحد أجزاء الرأسمال الكلى على الصعيد الاجتماعى، من جهة، وحين ننشغل بحقل الرأسمال التجارى، بوصفه السابق، ونحلل كيف تُنتَج القيمة الزائدة بداخله كحقل مستقل فى نفس الوقت، من جهة أخرى. وعلى كل حال ليس من المناسب هنا إلا أن نذكر أننا نمد، بدون إلتواء، القوانين الموضوعية التى تحكم عمل التنظيم الاقتصادى الرأسمالى الصناعى، على القطاع الخدمى. وكما يمكن استخلاص قيمة زائدة من عامل الحديد والصلب، فيمكن، بالمثل ووفقاً لنفس القانون، استخلاص قيمة زائدة من الطبيب الذى يعمل فى أحد المستشفيات طبيباً مأجوراً.
المسكوت عنه الثالث:
_____________

كتب آدم سميث:
"That the price of the greater part of commodities resolves itself into three parts, of which one pays the wages of the labour, another the profits of the stock, and a third the rent of the land which had been employed in producing and bringing them to market: that there are, indeed, some commodities of which the price is made up of two of those parts only, the wages of labour, and the profits of stock: and a very few in which it consists altogether in one, the wages of labour: but that the price of every commodity necessarily resolves itself into some one,´-or-other,´-or-all of these three parts-;- every part of it which goes neither to rent nor to wages, being necessarily profit to somebody Since this is the case, it has been observed, with regard to every particular commodity, taken separately, it must be so with regard to all the commodities which compose the whole annual produce of the land and labour of every country, taken complexly. The whole price´-or-exchangeable value of that annual produce must resolve itself into the same three parts, and be parcelled out among the different inhabitants of the country, either as the wages of their labour, the profits of their stock,´-or-the rent of their land".p159.
فلنقف أمام هذا النص قليلاً، فآدم سميث يقول فيه أن ثمن السلعة ينحل، أو يتكون، من ثلاثة أقسام: الأجر، والربح، والريع. وهو ينطلق من فرضية أن الرأسمالى يوظف الرأسمال الأساسى (المبانى، أدوات العمل) كما يوظف الرأسمال الدائر (العمل، ومواد العمل) وحينما يتفاعل قسما الرأسمال من خلال الإنتاج يجد الرأسمالى بين يديه ناتج، يفوق فى قيمته قيمة القسمين المكونين لرأسماله. يبعه. ومن حصيلة البيع يدفع الأجر، والريع، وبعد خصم (إجمالى تكاليف صيانة الرأسمال الأساسى) يجنى الربح. بيد أن منتقدى سميث، وماركس منهم، لا تسير لديهم الأمور على هذا النحو، إذ يرون أن سميث ارتكب الخطيئة حينما أغفل (إجمالى تكاليف صيانة الرأسمال الأساسى) من توزيع القيمة، وجعل الناتج ينحل إلى (م+ق ز) أى الرأسمال المخصص للأجور والناتج الزائد أى الربح. أى أنه لم يتمكن من رؤية قيمة العمل المختزن فى الألات وأنه يدخل بقيمته فى الناتج. وعلى الرغم من أن هذا الإتهام غير صحيح لأن آدم سميث ذكر صراحة، وهو ما ذكره ماركس نفسه:" ان إجمالى تكاليف صيانة الرأسمال الأساسى يتعين أن تستبعد من الإيراد الصافى للمجتمع".
"The entire expenditure for the maintenance of the fixed capital must evidently be excluded from the net revenue of society. Neither the raw materials by means of which the machines and tools of industry must be kept in condition nor the product of the labor required for the transformation of these raw materials into their intended form can ever constitute a portion of this revenue. The price of this labor may indeed form a portion of that revenue, as the laborers so employed may invest the entire value of their wages in their immediate fund for consumption. But in other kinds of labor the price" (that is to say, the wages paid for this labor) "as well as the product" (in which this labor is incorporated) "enter into the fund for consumption-;- the price into that of the laborers, the product into that of other people, whose subsistence, comfort, and pleasure are increased by the labor of these workmen." (Book II, chapter 2, page 190, 191.)." K.Marx, Capital, op.cit p598.
أى انه لديه الوعى بإشكاليات تجدد الإنتاج الاجتماعى. فإنه من غير المقبول منطقياً أن نفترض أن آدم سميث لم ير أن الربح لا يمكن أن يجنيه الرأسمالى إلا بعد أن يخصم ما تم إنفاقه أثناء العملية الإنتاجية. والذى يعضدد رفضنا الإتهام الموجه إلى آدم سميث، أن نفس الإتهام تم توجيهه إلى ديفيد ريكاردو، كتب ماركس:" يكرر ريكاردو نظرية آدم سميث حرفياً... الواقع، أن ريكاردو تقبل كامل نظرية آدم سميث المتعلقة بانحلال ثمن السلعة إلى أجور وقيمة زائدة، أو إلى رأسمال متغير وقيمة زائدة".
"Ricardo reproduces the theory of Smith almost verbatim...In fact-;- Ricardo fully accepted the theory of Adam Smith concerning the separation of the price of commodities into wages and surplus-value (or variable capital and surplus-value)." K.Marx, Capital, op.cit p585.
ولكن ريكاردو، وماركس يعلم ذلك، كتب وبوضوح أن:" قيمة السلعة لا تتوقف فقط على العمل المنفق مباشرة فى إنتاجها، بل وأيضاً العمل المنفق على الأدوات والعدد والمبانى الضرورية لتحقيق العمل". أى أن ريكاردو يدخل العمل المختزن فى الألات والمبانى والمعدات (الرأسمال الأساسى) فى قيمة الناتج، ولكن كيف؟ أتصور أن الكيفية ليست بحاجة إلى ذكر، لا من سميث ولا ريكاردو، لأنها بديهية. إذ لا يمكن الحديث عن ربح إلا بعد أن يتم خصم (إجمالى تكاليف صيانة الرأسمال الأساسى). ومن جهة أخرى، وعلى الرغم من أن الاقتصاد السياسى الكلاسيكى (بصفة خاصة سميث) لا يفرق بين العمل وقوة العمل. ولا ينظر إلى إنقسام الرأسمال إلى أساسى ودائر إلا إبتداء من شرط انتقال الملكية، عند سميث، وسرعة التلف، عند ريكاردو. إلا أن الفكرة المتعلقة بالناتج الزائد اجتماعياً المخلوق بفضل العمل الإنسانى تظل صحيحة ومنتجة، وفقاً لمصطلحات الكلاسيك، لا مصطلحات ماركس. ومن السخف أن أناقش فكر إبتداءً من مصطلحاتى أنا، كما فعل ماركس. وحينما يتلقف ماركس هذه الفكرة، فكرة الناتج الزائد، يعيد طرحها بعد إعادة النظر فى أمرين مركزيين: أولهما: أن الرأسمالى يشترى قوة العمل، وليس العمل (ولقد توصل ريكاردو إلى ذلك) ثانيهما: أن الرأسمال ينقسم إلى رأسمال ثابت (أدوات العمل، ومواد العمل) ورأسمال متغير (قوة العمل). بدلاً من التقسيم الكلاسيكى إلى رأسمال أساسى ورأسمال دائر. بيد أن النتيجة، فى التحليل "العلمى" النهائى، واحدة .... قوة عمل غير مدفوعة الأجر. أما أن الأجر يُدفع من القيمة الزائدة، أم أن الرأسمالى يستولى كلية على هذه القيمة، بعد أن يُنتج العامل معادل قوة عمله. فتلك مسألة أتصور أنها لا تمثل خلافاً مذهبياً يجعل من ماركس، بعد فصله عن جذوره الفكرية، مدرسة قائمة بذاتها... نحن نصل إلى قمة الهزل حينما نحصر الخلاف بل القطيعة المعرفية بين ماركس والفكر السابق عليه فى مجموعة ألفاظ. أنى أفترض أن ماركس هو قمة نضج الاقتصاد السياسى الكلاسيكى... هو آخر عظماء الكلاسيك... وإن كل المقولات التى تقدم ماركس بمعزل عن الجسم النظرى لمجمل الاقتصاد السياسى الكلاسيكى هى محض كلام أجوف وعبارات سيالة ليس لها مكان بداخل ما هو علمى.
--------------
وللمسكوت عنه بقية