الماركسية والدين والعلمانية والديمقراطية


غازي الصوراني
2013 / 10 / 8 - 23:22     


تقديم :
 
رغم إن الفصائل والأحزاب الشيوعية والماركسية العربية، بحكم رؤيتها الفكرية وبرامجها السياسية ودورها النضالي التاريخي منذ تأسيسها وحتى اللحظة الراهنة، إلا أن سؤال الفلسفة عموما وسؤال ما هي الفلسفة الماركسية وعلاقتها بالدين خصوصا؟ ما زال متداولاً – بهذه الدرجة او تلك من الجدية والوعي أو التراجع أو الارتباك – بين معظم الرفاق أعضاء هذه الفصائل والأحزاب العربية، وما زال النقاش حول هذا السؤال محمولاً بالشكوك او اليقين العاطفي البعيد -بمسافة نسبية بين هذا الرفيق او ذاك – عن امتلاك الوعي بالفلسفة، وبالنظرية الماركسية وقوانينها ومقولاتها وجوهرها المادي النقيض للفلسفة المثالية، ولكل الأفكار والمفاهيم الغيبية او الميتافيزيقية، ما يعني ان هذه الأحزاب والفصائل تعيش عموماً حالة من الارتباك الفكري او فوضى الأفكار، عززت وكرست – حتى اللحظة – نوعاً من التفكك او التراجع في هويتها الفكرية لحساب "هويات" أو أفكار طارئة توفيقية وملتبسة أو شكلانية ذات طابع وطني او قومي مبسط او مبتذل او ديني او ليبرالي مشوه ، على الرغم من  ان الماركسية – هوية أحزابنا الفكرية – نظرية علمية لا تحتمل أي شكل من أشكال التوفيق مع "الهويات" الأخرى المشار إليها، لأننا سنقع في هذه الحالة في مستنقع التلفيق الذي سيؤدي بنا صوب حالة من التوهان والضياع الفكري، الذي سيؤدي بدوره إلى حالة من الهبوط السياسي ارتباطاً بغياب التحليل الطبقي الماركسي لمجريات الصراع والحركة، سواء على صعيد النضال الوطني التحرري ضد الوجود الإمبريالي/الصهيوني من ناحية، أو على صعيد النضال السياسي  والصراع الطبقي الديمقراطي الداخلي في مجتمعاتنا العربية من ناحية ثانية.
وهنا تتبدى أهمية طرح السؤال مجدداً: ما هي الماركسية؟ وجوابنا الصريح والواضح ، ان الماركسية هي نظرية علمية، بمعنى انها تتكون من مجموعة من القوانين والمقولات والفرضيات، وهي أيضا – وهذا هو المهم- تنطوي على المنهج: أي الطريقة او الأسلوب، وهما الأداة الأساسية لكل علم من العلوم، وفي هذا الجانب نؤكد على  "أن الماركسية ليست "علماً" بالمعنى المعتاد للكلمة، وإلا لكفى أي انسان –كما يقول الصديق جيلبير أشقر- أن يدرسها في مدرسة أو جامعة ما ويتخرج بشهادة في "الماركسية" وهو أبعد ما يكون عن الماركسية الجوهرية، على غرار بعض خريجي الجامعات السوفياتية في زمن ما قبل الإنهيار".
فالماركسية قبل أن تكون علماً ، ولكي يكون جانبها العلمي في خدمة غاياتها الأساسية إنما هي موقف أخلاقي بأعمق مفهوم الأخلاق ،  فهي مبنية على منطلقات أخلاقية تعتبر الإنسان ومحيطه الطبيعي أعلى الغايات والقيم، وبالتالي العمل لأجل تحرير البشر الجماعي والفردي من كل أنواع الإضطهاد وتحقيق المساواة بينهم على اختلاف اجناسهم وأعراقهم وألوانهم.
وهنا لا بد من التأكيد على الكيفية التي نتعاطى بها مع المنهج[1] الجدلي (الماركسي) في الممارسة الحياتية، ليس من أجل التخلص من الرواسب الاجتماعية الرجعية السائدة، بل أيضاً من أجل مراكمة ووعي منطلقات أخلاقية تتفاعل بصورة جدلية خلاقة مع إستراتيجية أحزابنا الثورية ورؤيتها من أجل التحرر الوطني والديمقراطي والعدالة الاجتماعية بآفاقها الاشتراكية ، كاستراتيجية صوب التوحيد القومي العربي التقدمي الديمقراطي.
 فالمنهج الماركسي أو الجدل المادي شأنه شأن منهج العلم، يهدف لتطوير النظرية لكي توجه الممارسة الحياتية  التي بدورها تطور وتغني النظرية، وهذا بالضبط ما قصده "كارل ماركس" بقوله "إنني لم أضع إلا حجر الزاوية في هذا العلم " ما يؤكد على أن نظرية المعرفة الماركسية هي جزء من صيرورة حركة الحياة ومتغيراتها التي لا تعرف الجمود او التوقف، ولا تعرف الحقيقة النهائية، ما يعني بوضوح شديد رفضنا التعاطي مع الماركسية في إطار منهج أو بنية فكرية مغلقة أو نهائية التكوين والمحتوى، بل يتوجب علينا ان نتعاطى معها كمنهج او بنية فكرية تتطور دوماً مع تطور المجتمعات والانجازات والاكتشافات العلمية في جميع مجالات الحياة وحقائقها الجديدة، إذ أن الماركسية تكف عن ان تكون نظرية جدلية، إذا ما تم حصرها في إطار منهجي منغلق أو في ظروف تاريخية محددة، وبالتالي علينا أن ندرك أن الانغلاق أو الجمود هو نقيض لجدل الماركسية التطوري كما هو نقيض لمنهجها وثقافتها ومشروعها الإنساني الهادف إلى بلوغ الحرية الحقيقية التي تتجسد في العدالة الاجتماعية والاشتراكية والتحرر الشامل للإنسان، من كل مظاهر القهر والاستغلال والاضطهاد والتبعية.
أما بالنسبة للحديث عن الموقف المادي الفلسفي للماركسية، فهذا يعني أن المادية الماركسية تعني أن العالم المادي موجود بشكل مستقل عن الوعي الإنساني أو غيره؛ وأن معرفة العالم الواقعي ممكنة وإن لم تكن مطلقة؛ وأن الفكر البشري هو الذي ينشأ من العالم المادي، وليس العكس.
ووفقا لفريدريك انغلز في كتابه “لودفيغ فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية”:
“إن المسألة الكبرى الأساسية لكل فلسفة، وخاصة الفلسفة الحديثة، هي العلاقة بين الفكر والوجود،  وقد انقسم الفلاسفة حسب تبنيهم لهذه الإجابة أو تلك إلى معسكرين كبيرين. أولئك الذين يؤكدون أولوية الفكر على الطبيعة، ويعترفون بالتالي في نهاية المطاف، بحدوث العالم… وهؤلاء يشكلون معسكر المثالية، والآخرين الذين يعتبرون الطبيعة القوة الأصلية، وهم ينتمون إلى مختلف مدارس المادية” [2] .
فالمادية الماركسية، مختزلة في عناصرها الأساسية، تعني قبول القضايا التالية :
1. العالم المادي موجود بشكل مستقل عن الوعي الإنساني .
2. معرفة العالم الواقعي، حتى لو لم تكن كاملة أو مطلقة، ممكنة، وبالتالي فإن كل شيء يمكن معرفته.
3. البشر جزء من الطبيعة، لكنهم يشكلون جزءاً متميزاً.
4. العالم المادي لا ينشأ، في المقام الأول، من الفكر البشري؛ بل إن الفكر البشري هو الذي ينشأ من العالم المادي.
وفي هذا الجانب يقول ماركس وأنجلز في كتاب “الفلسفة الألمانية” إن “الناس هم منتجو تصوراتهم وأفكارهم وهم أناس حقيقيون فاعلون ومشروطون بحد تطور قواهم الإنتاجية، ولا يمكن للوعي أن يكون أي شيء أبدا، سوى الوجود الواعي، وخلافا للفلسفة المثالية الألمانية التي تنزل من السماء إلى الأرض فإننا نصعد هنا من الأرض إلى السماء”[3].
 
الماركسية والدين :
الماركسية كنظرية علمية، فلسفية ، تاريخية، اجتماعية واقتصادية، تسعى إلى تفسير كافة الظواهر الطبيعية والمجتمعية، بمنهجية علمية وموضوعية من أجل تغييرها، وهنا يندرج الدين ضمن هذه الظواهر، فالماركسية تدعو إلى التفسير العلمي الموضوعي للدين، فلا يكفي النظر إلى الدين ككل، أو إلى أي دين، على أنه مجرد وهم أو إيمان بالقضاء والقدر أو موقف غيبي استحوذ على عقول الملايين من الناس لعدة قرون. فهي تتطلب تحليلا للجذور الاجتماعية للدين في العموم، ولمعتقدات دينية محددة بذاتها، وفهم الاحتياجات الإنسانية الحقيقية، الاجتماعية منها والنفسية، والظروف التاريخية الفعلية التي تطابق تلك المعتقدات والمذاهب.
 فعلى الماركسي أن يكون قادرا على فهم كيف كان الايمان والاعتقاد الديني –وما زال في مجتمعاتنا العربية وفي البلدان المتخلفة- ملهماً للناس عموماً وللفقراء خصوصاً، في تمردهم على استعبادهم واضطهادهم أو في صبرهم على ظلمهم ومعاناتهم في انتظار الآخرة !!
انطلاقاً من فهمنا للماركسية ، فإننا نرى أنها طريقة تفكير لفهم الوجود بكليته عموماً وبكل خصوصياته المرتبطة بالصراع الطبقي الاجتماعي من أجل انعتاق العمال والكادحين وكل الفقراء والمضطهدين في إطار العدالة الاجتماعية القائمة على المساواة بين البشر ، إلى جانب انها لا تسعى –وليست معنية- بالإساءة إلى المشاعر الدينية الكامنة في أوساط الجماهير الشعبية، بل على العكس تؤكد على ضرورة احترام تلك المشاعر - على النقيض مما يروج له دعاة الإسلام السياسي والقوى الرأسمالية والرجعية والامبريالية –  فالماركسية تنظر إلى الدين بوصفه جزءاً من تطوّر وعي البشر في محاولتهم فهم واقعهم، وصوغ الرؤية التي تكيفهم معه، وأنه شكّل –في مراحل تاريخية معينة- تطوّراً كبيراً في مسار الفكر، وانتظام البشر في الواقع، وهي بهذا الموقف تتقاطع مع جوهر الأفكار التي أسست لانتشار المبادئ والقيم الناظمة لجميع الديانات التي ظهرت بعد مرور أكثر من مليون سنة على وجود الإنسان في هذا الكوكب، انعكاساً لشعوره بالخوف، أو العجز، عن تفسير الظواهر الطبيعية وغيرها المحيطة به، ومن ثم قام بعبادتها ، فقد عبد النار أو الشمس أو القمر أو النهر أو بعض الحيوانات ، وصنع لها التماثيل أو قام برسمها ونحتها على الصخور التي أصبحت جزءاً من التراث الديني القديم، عبر آثارها الموجودة اليوم في مصر واليونان والصين والهند والمكسيك والعديد من البلدان في أفريقيا وأمريكا اللاتينية ، حيث تميزت تلك المرحلة بما عرفته البشرية من تعدد الآلهة أو تعدد العبادات، جنباً إلى جنب مع الايمان بالأساطير التي سادت وانتشرت طوال أكثر من خمسة آلاف عام ، حتى ظهور فكرة الإله الواحد عند "اخناتون" في الحضارة الفرعونية في مصر، قبل ظهور الديانات التوحيدية، أو ما يعرف بالديانات السماوية، التي تتحدث عن إله واحد لهذا الكون، وكان أولها الديانة اليهودية التي ظهرت قبل حوالي 4298 عام، ثم المسيحية قبل 2013 عام ثم الإسلام قبل 1434 عام ، وهي أديان ظهرت كامتداد وتقاطع مع ما سبقها من خلفيات أسطورية وتراثية ، ولعبت دوراً مهماً في توضيح المعتقد الديني لهذا الدين أو ذاك، فهي دوماً جزء من الدين مرتبطة به، فالمسيحية نشأت على أرضية مكوَّنة من فلسفة أفلاطونية حديثة، من أفكار وثنية يونانية، كذلك الإسلام، ظهر في بيئة ثقافية كانت تضج بالمعتقدات والأفكار (الحنفاء والدهريون واليهود والنصارى والوثنية أو عبادة الأصنام) ؛ وكان ظهوره في فترة من أخصب فترات الفكر الإنساني: كانت الحضارات تتمازج، تتلاقح، تتفاعل، وتتحاور. "فلولا المسيحية واليهودية ووثنية الجزيرة العربية، مثلاً، وكذلك تأثير الزرادشتية والمانوية، لما ظهرت تعاليم الإسلام على الشكل الذي ظهرت عليه، فلو أخذنا مثال قصة هابيل وقابيل في التوراة وفي القرآن، نجد لها أصلاً، أو ما يشابهها، في الأسطورة السومرية، ما يعني أن هذه الكتب السماوية استلهمت بعض القصص من الأساطير"[4].
ومما لا شك فيه أن للأسطورة أيضاً، قيمة تاريخية ومعنوية، من ناحية تأثيرها في تشكل الوعي الإنساني في مراحله الأولى، وفي تأثيرها وإسهامها في صياغة نصوص الديانات التوحيدية التي ظهرت بعد  أكثر من مليون عام على ظهور المجتمعات البشرية، حيث وجدت قبل حوالي خمسة آلاف عام في مصر الفرعونية (اخناتون)، ثم في بلاد الشام (اليهودية)، ثم اليونان والحضارة الاغريقية، ثم الامبراطورية الرومانية التي تخلت عام 335 عن دياناتها المرتبطة بالفلسفة الأفلاطونية المحدثة لحساب الديانة المسيحية الجديدة التي عززت بدورها مصالح النخب الطبقية الحاكمة في الامبراطورية.
أما عن تاريخ الديانة المسيحية ، فهو سابق على تاريخ الإسلام، إلا أن مسيرته لم تختلف عن مسيرة التاريخ الإسلامي من حيث انتشاره –في البداية- في أوساط الفقراء والعبيد ، فقد كانت المسيحية في الأصل حركة مضطهَدين، ظهرت للمرة الأولى على أنها دين للعبيد والمُعتَقين والفقراء والناس المحرومين من جميع الحقوق، وكذلك كل الشعوب التي قهرتها أو استبدت بها روما، وكان لا بد لانتفاضات الفلاحين والعبيد والمسحوقين، ولجميع الحركات الثورية في العصور الوسطى، أن ترتدى قناع الدين بالضرورة، وقد بدت وكأنها استعادة للمسيحية الأولى إثر ما أصابها من انحطاط متزايد، ولكن التمجيد الديني كان يخفي بانتظام مصالح دنيوية ملموسة “[5].
وفي هذا السياق ، تؤكد جميع المراجع التي تناولت تاريخ نشوء ما يعرف بـ"الأديان السماوية" أن نشأة وظهور الأديان ارتبطت أساساً بالجماهير المسحوقة أو جماهير العبيد والفقراء لتحريضهم على واقعهم والثورة عليه وتغييره ، ولنا في ثورة العبيد بقيادة " سبارتاكوس" وثورات فقراء المسلمين في عهد عثمان ثم ثورة الزنج والقرامطة وغيرها تأكيداً لهذا التحليل، علاوة على أن الدعوة المحمدية الإسلامية، انطلقت في بداياتها وسنواتها الأولى في أوساط فقراء العرب في شبه الجزيرة العربية ، وكانوا بمثابة العنصر الرئيسي في حماية الدعوة والدفاع عن مضامينها ضد أثرياء وسادة قريش، لكن طهرانية الدعوة الإسلامية ومثاليتها، لم تستطع الصمود والديمومة سوى لفترة قصيرة، انتهت بوفاة الخليفة العادل عمر بن الخطاب، ومن ثم ولاية عثمان بن عفان الذي شارك في قيادة عملية التحول بالدعوة الإسلامية وتوجيهها لحساب مصالح أثرياء القبائل العربية عموماً وأثرياء قريش وبني أُمية على وجه الخصوص، وبعد وفاته تكرست هذه المصالح الطبقية والسياسية بصورة بشعة –في الدولة الأموية- عندما قرر معاوية ابن أبي سفيان –بعد انتصاره على علي بن أبي طالب- توريث الحكم إلى ولده يزيد، الأمر الذي يتناقض كلياً مع جوهر وشكل الدين الإسلامي، بحيث باتت عملية التوريث سمة أساسية لجميع الحكام أو "الخلفاء" في الدولة الأموية والعباسية وإلى يومنا هذا، لا لشئ سوى تأكيد المصالح العليا للطبقات والشرائح الثرية وضمان بقاءها واستمرار سيطرتها على حساب الاغلبية الساحقة من فقراء المسلمين الذين فُرِضَ عليهم الصبر على مظالمهم، انتظاراً للآخرة، وفق ما كان يروجه "مشايخ وفقهاء" السلطان أو الخليفة، الذين مازالوا في أيامنا هذه يروجون نفس الخطابات لحساب هذا الأمير أو الملك أو الرئيس أو الحاكم دفاعاً عن مصالح الأغنياء وضد مصالح ومستقبل الفقراء والمقهورين.
 ولنا في مشهد الإسلام السياسي المنتشر اليوم في بلادنا عبر حركة الإخوان المسلمين والحركات الأصولية والسلفية الرجعية خير مثال على هذه الممارسات والمواقف التي لا تتناقض أبداً مع السياسات الإمبريالية في موازاة الدعوة إلى مهادنة دولة العدو الصهيوني من ناحية، والصمت الكامل على السياسات الاقتصادية الاستغلالية الرأسمالية التابعة التي أدت إلى تزايد الفجوات بين الأغنياء والفقراء دونما أي حديث أو مخرج للمحرومين وللمظلومين سوى اللجوء إلى السماء ووعد الآخرة!!
وهنا بالضبط علينا –كأحزاب وفصائل ماركسية وشيوعية- أن نبحث بوعي وعمق كبيرين عن الجذور العميقة للدين في بلادنا العربية، التي تتمثل في الظروف الاجتماعية المتردية للجماهير الكادحة، وعجزها عن مواجهة أنظمة الاستغلال والقمع والاستبداد والتخلف ، الأمر الذي يفرض علينا مزيداً من الاندماج والتوسع في أوساط هذه الجماهير ، ونشر مبادئنا وأفكارنا وبرامجنا السياسية والاجتماعية عبر وسائل الدعاية والاقناع الديمقراطية للارتقاء بوعي الجماهير الشعبية الفقيرة وتطوير كفاحها ونضالها ضد كل أشكال الاستغلال والاضطهاد والتخلف.
وفي هذا الجانب ، نقول : إن الإنسان الفقير ، البسيط ، العفوي ، الذي يعيش في مجتمع متخلف (كما هو حال مجتمعاتنا العربية)، يتأثر سلبا بمعطيات وموروثات قيم التخلف الاجتماعي والغيبي تحديدا ، وينشأ او يصبح أسيرا – بدون وعي – لهذه البنية الاجتماعية المتخلفة ، بل ويصبح (بتأثير الخطاب الديني، والثقافي والسياسي والاجتماعي للأنظمة الحاكمة )، قوة فاعلة ومؤثرة في بنية المجتمع المتخلفة، فهو يعزز هذه البنية ويدعم استقرارها بمقاومة تغييرها بصورة عفوية، نظرا لارتباطها ببنيته النفسية المرتبطة بالبنية الاجتماعية، المحكومة بدورها للأعراف والعادات والتقاليد والغيبيات الموروثة ، العلاقة إذن جدلية بين السبب والمسبب (البنية والنمط الإنساني الذي ينتج عنها) مما يحتم على المثقف الوطني المستنير عموما واليساري خصوصا ان يتحمل مسئوليته تجاه الانسان الفقير ومعايشته والاهتمام الشديد بقضاياه وهمومه ومعاناته وتوعيته وتحريضه ضد البنية المتخلفة ورموزها الطبقية ليقوم بدوره في صنع مستقبله .
التنوير وتطور العلم وأثرهما على الدين :
لقد لعب الوعي الديني، حسب كارل ماركس، أدواراً متناقضة، سلباً أو إيجاباً، فهو من جهة "زفرة المضطهدين" في التعبير عن احتجاج الجماهير على الواقع، ومن جهة أخرى يساهم في "صياغة الوهم"، بتوظيفه من جانب القوى الاستغلالية لإدامة استغلالها، ولعلّ هذا الجانب الثاني هو المفهوم الذي شاع عن رؤية ماركس للدين، لا سيّما أنّ الوعي الديني كان هو السائد على أشكال الوعي الأخرى من فلسفة وعلوم وأخلاق، وشكّل الدين آنذاك الشكل الخارجي للصراعات الاجتماعية.
وكان اكتشاف إسحاق نيوتن قوانينَ الفيزياء الحركية والميكانيك، صدمة مؤثرة لعالم الغيب الذي ظلّ الدين متمسّكاً به، الأمر الذي وضع هذه القوانين في إطار الدراسة والفهم والتطوير، ومع أنّ مثل هذه القوانين لا تلغي الحاجة إلى الدين وإلى الروحانيات لدى الجماهير العفوية، فقد أخذ نجم العلم يرتفع عالياً، وقد ترافق هذا الأمر مع نظرية داروين واكتشافاته، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، التي دعا فيها إلى اعتبار أنّ الكائنات البشرية قد تطوّرت من أصل واحد بسبب طفرات جينية ووراثية، الأمر الذي يتعارض مع الأطروحات الدينية التي تقول "كلّنا من آدم، وآدم من تراب"، وهكذا ارتفع رصيد العلم على حساب الدين في سياق تطور وتقدم المجتمعات الأوروبية ، حيث نظر أوغست كونت، مؤسس الفلسفة الوضعية، إلى الدين باعتباره استلاباً فكرياً أما فيورباخ، الذي تأثر به ماركس في موقفه من الدين، فاعتبره استلاباً أنثروبولوجياً (إنسانياً)، وذهب عالم النفس سيغموند فرويد إلى اعتباره استلاباً نفسياً، بل وهماً يُصنع في العقل الباطن مثل بقية الأوهام.  
وبعد عصر التنوير والنهضة، حولت أوروبا الدين إلى مجرد تقليد ومحاكاة، وتم إضعاف دوره لحساب دور الدولة التي حاولت التأثير على المؤسسات الدينية لتتساوق مع مؤسسة الدولة العليا وانحسر الدين في إطار الخاص أو العلاقة الفردية للمواطن مع الدين أو الكنيسة .
لكن على الرغم من كل ذلك، فالدين لم ينقرض في الغرب، مثلما بشّرت بعض الأطروحات، وعاد بقوة –للدفاع وتبرير المصالح الطبقية الرأسمالية الجديدة- بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وبلدان أوروبا الشرقية، مثلما لعبت الكنيسة في بعض بلدان أمريكا اللاتينية دوراً ايجابياً وديمقراطياً منحازاً للفقراء في إطار ما عرف بـ"لاهوت التحرير"، لكنه لعب دوراً سلبياً في الشرق ، خصوصاً في بلادنا العربية، نظراً لقوة انتشار وهيمنة التراث القديم والعادات والعرف والتقاليد المحكومة لمفاهيم القضاء والقدر وغير ذلك من المفاهيم القديمة في ظل تكريس التخلف الاجتماعي والاقتصادي، حيث المجتمعات ما زالت بعيدة، في الكثير من الأحيان، عن شروط التطور الاقتصادي الاجتماعي الديمقراطي النهضوي، لاسيّما حين تعجز الجماهير الفقيرة المضطهدة، عن إيجاد حلول لمشكلات الفقر والمرض والبطالة والعيش الإنساني والحرية، فلا بدّ ان تبحث عن معالجات لها في السماء، وبالوعد باليوم الآخر.
التفسير المغلوط لعبارة ماركس " الدين أفيون الشعوب" :
منذ "كتابة ماركس كتاب "أصول فلسفة الحق لهيغل"، فإنه يعترف بالمحتوى الآيديولوجي للدين وبدوره في الصراع الطبقي، وفي الوقت نفسه يعترف بمحتواه التحرري حين وصفه "روحاً لعالم بلا روح". كما قرأ ماركس وإنجلز المنجز الثوري للتقليد المسيحي، حيث تمثل المسيحية نتاجاً وهمياً لعالم معذّب وإسقاطاً ذهنياً لوعيٍّ مُستلب، ما يتطلّب إخضاعها للنقد لا التهجم عليها"[6]، وهذا هو المنهج الذي يجب أن نستخدمه في تعاطينا مع الدين الإسلامي في صراعنا السياسي الديمقراطي مع حركات الإسلام السياسي الرجعية ، لفضح إهدافها ومصالحها التي تخدم بصورة مباشرة أو غير مباشرة النظام الرأسمالي والمصالح الطبقية لأنظمة الاستبداد والاستغلال في بلادنا .
وفي هذا السياق ، فإن من المفيد الإشارة إلى المفكر الماركسي الإيطالي "جرامشي" الذي أكد في كتابه "دفاتر السجن" أن الدين هو أحد أركان البنيان الفوقي الآيديولوجي للتشكيلة الاجتماعية الملموسة، وهو متداخل مع بنيتها السوسيو-اقتصادية، وهنا يمكن التفريق في وظيفته من خلال مستويين أساسيين: الأول يتعلق بالمجتمع المدني، والثاني له علاقة بالمجتمع السياسي- الدولة التي تعتمد على وظيفة الهيمنة.
وقد حاول غرامشي، بعد ماركس وإنجلز، إعادة النظر في المسألة الدينية، لكنّ نهجه ظلّ بعيداً عن توجهات الماركسيين العرب، وقد استمدّ غرامشي نهجه من الممارسة الكفاحية العملية، ولم يستمدّه من الكتب والتعليمات.
وإذا كان ماركس قد قال في كتابه نقد فلسفة الحق لدى هيغل أنّ "الدين أفيون الشعوب" ، فإن هذه العبارة لم تُفهم في سياقها ، إذ أنه كان يقصد العلاقة بين الدولة البروسية والكنيسة البروتستانينه وموقفها من الدين باعتباره ضرورة لامتصاص ظلم ومعاناة العمال والفلاحين الفقراء، وضمان رضوخهم واستسلامهم تطبيقاً لمقولة "شيشرون" أن الدين شيء لابد منه للفقراء والعبيد لكي يقوموا بتنفيذ الاعمال الشاقة الموكولة إليهم وتَحمُّل عذابات الدنيا في مقابل أجرهم في السماء، وهنا بالتحديد يتجلى رفض ماركس للظلم الواقع على الفقراء باسم الدين، وتشبيهه بالأفيون الذي كان يستخدم علاجاً لتهدئة آلام المرض في زمانه .
فالأفيون في القرن التاسع عشر كان علاجاً طبياً وقانونياً يستعمل في الطب، وتتعامل به المستشفيات والمراكز الصحية، لا باعتباره مخدّراً ساماً أو مدمّراً لجسم الإنسان، وإنما هو مسكّن مؤقت من الآلام والأوجاع، ولم يكن النظر إليه كعمل إجرامي أو فعل مخالف للقانون، كما هو الحال في الوقت الحاضر، بل كان أمراً مرخصاً له ومسموحاً به ومفيداً .
وفي هذا الجانب، نشير إلى أنّ ماركس قد اقتبس عبارة "الدين أفيون الشعوب" من الفيلسوف الألماني عمانوئيل كانط، حيث وردت هذه العبارة في كتابه "الدين في حدود الفعل البسيط"، لكن ماركس أضاف قائلاً : "الدين هو روح عالم بلا روح" ويقصد بذلك تحديداً الطبقات الارستقراطية والبورجوازية الحاكمة التي تعيش عالماً بلا روح، وبلا أخلاق وبلا ضمير، انه عالم الاستغلال البشع للعمال والفقراء ، "لكنّ إسهام ماركس بالذات كان في البحث في وظيفة الدين وأسباب حاجة البشر إليه باعتباره "الزهرة الوهمية على قيد العبد" أو "زفرة المقهور". وقد استفاد ماركس من رؤية فيورباخ إزاء الدين، ولم يكن له موقف عدائي مسبق"[7]. 
إن عبارة "الدين هو روح عالم بلا روح" هي ردٌّ على الفكرة المادية المبتذلة، من أنصارها أو من خصومها، التي تعتبر الماركسية تهتم بالماديات فقط، وهي نقيض الروح التي تجسّد القيم الأخلاقية والإنسانية والمثل العليا، ففي استخدام ماركس يرى أنّ الحضارة الرأسمالية هي التي سلبت البشر روحهم، أي قضت على دينهم الحقيقي، ولأنه يريد القضاء على الاستغلال فإنّه يريد تحرير الروح من الهيمنة الرأسمالية من جهة، ومن جهة أخرى منع استغلال تلك الروح من قِبل المؤسسات الدينية التي توظفها بالضدّ منها. وكم هي صحيحة هذه اللفتة للتأمل في الردّة الحالية نحو التديّن تحديداً بسبب خواء رأسمالية عصر العولمة القيمي وفسادها الأخلاقي وفقرها الروحي"[8].
وبالتالي فإن ماركس بهذه العبارة، "الدين هو روح عالم بلا روح" أراد أن يبين فيها ان الإنسان البسيط الفقير المظلوم المضطهد ، يلجأ إلى السماء ويتمسك بالدين لكي يُهَوِّن على نفسه معاناته ومآسيه الحياتية، فالدين هنا ليس عزاء وسلوى لما هو فيه من فقر وبؤس وحرمان ، بل أيضاً ، يرى فيه المظلوم عزاءه وتعويضه عن انتفاء آدميته الناجمة عن الظلم الطبقي ، وهنا تتجلى عبقرية ماركس المعرفية الثورية في استخدامه لهذه العبارة، لكي يوضح أنّ الحضارة الرأسمالية هي التي سلبت البشر روحهم، أي قضت على دينهم الحقيقي، ولأنه يريد القضاء على الاستغلال، فإنّه يريد تحرير الروح من الهيمنة الرأسمالية وكل أشكال الظلم والقهر من جهة، ومنع استغلال تلك الروح من قِبل الطبقات الرجعية والبورجوازية الحاكمة، ومن المؤسسات الدينية التي توظفها بالضدّ منها من جهة أخرى. وكم هي صحيحة هذه اللفتة للتأمل في الردّة الحالية التي تتعرض لها مجتمعاتنا وشعوبنا العربية من خلال حركات الإسلام السياسي صوب مزيد من التبعية والتخلف والاستغلال، لخدمة مصالح الطبقات والشرائح الكومبرادورية والبيروقراطية والعشائرية ، تحت ستار ديني، يهدف إلى تكريس العلاقات الرأسمالية الرثة في سياق الخضوع للنظام الامبريالي المعولم وفساده الأخلاقي والسياسي وفقره الروحي والمعنوي.
وكان المؤرخ الفرنسي مكسيم رودنسون قد أحسن التعبير عن هذه الظاهرة قبل أكثر من ربع قرن. بقوله "لا أعرف إلى متى ستستمر الحركة الأصولية، فقد يصل ذلك إلى ثلاثة أو حتى خمسة عقود من الآن. لكنها في جوهرها حركة عابرة. وهي ستبقى، طالما كانت خارج الحكم، نموذجاً مثالياً تغذيه الإحباطات والمظالم الاجتماعية الدافعة إلى التطرف"[9]. أما نبذ الحكم الديني، فلن يحصل الا بعد تجربة طويلة من المعاناة في ظله. باختصار: الأصولية الإسلامية ستواصل سيطرتها على المرحلة الحالية لفترة زمنية مرهونة بنهايتها لتوفر البديل الشعبي الديمقراطي وقدرته على استقطاب الجماهير الشعبية من ناحية، وعندما يفشل النظام الأصولي بشكل لا يقبل الشك ويقود الى طغيان واضح ومجتمع تراتبي خانع، أو يعانى نكسات من المنظور الوطني من ناحية ثانية، "سيقود ذلك الكثيرين إلى السعي نحو البديل. لكن هذا يتطلب وجود بديل يتمتع بالمصداقية ويثير الهمم ويعبىء الشعب. إنه بالتأكيد ليس بالأمر السهل"[10] .
 
وهاهم تجار الدين الذين يجعلوه أفيوناً للشعوب ، أو حركات الإسلام السياسي قد وصلوا إلى السلطة. "ومن شأن ذلك حتماً أن يُضعف المفعول المنوِّم لوعودهم، كما هو الحال في مصر وتونس اليوم، خصوصاً حينما لا يتوفَّر لهم – بخلاف زملائهم الإيرانيين – ريعٌ نفطي كبير يتيح لهم شراء رضا قطاع عريض من السكان أو رضوخهم"[11]، لذلك فإن قوى الإسلام السياسي بقيادة الإخوان المسلمين التي تتصدر المشهد السياسي في اللحظة الراهنة، تحاول إفراغ الانتفاضة الثورية في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا من مضمونها الطبقي –الاقتصادي والاجتماعي- الذي كان السبب الأول لانفجارها جنباً إلى جنب مع مطلب الديمقراطية والحريات الفردية والكرامة ، حيث نلاحظ أن حركات الإسلام السياسي حرصت منذ أن قررت الالتحاق بالانتفاضة ، على إزاحة شعارات الشباب الثوري والعمال والفلاحين الفقراء وكل المضطهدين التي تؤكد على مطالبهم في الخلاص من كل أشكال الاستبداد والاستغلال الطبقي والإذلال الاجتماعي، إلى شعارات تؤكد على أن المعركة هي بين القوى الديمقراطية العلمانية واليسارية والقومية ، وبين الإسلام الذي تدعي تمثيله، وتقدمه على أنه "الحل المنشود" وذلك تعبيراً عن رؤيتها ومصالحها الطبقية التي لا تختلف في طبيعتها وجوهرها الاستبدادي عن طبيعة الأنظمة المخلوعة، من اجل تكريس تخلف وتبعية بلدانها واحتجاز تطورها.... لذلك كان من الطبيعي ان تنفجر الثورة الشعبية من جديد، معلنة رفضها للديكتاتورية والتفرد والقمع والاستبداد والاستغلال بعد أن اكتشفت الجماهير حقيقة التيارات الدينية وسياساتها وممارساتها التي لن تختلف -في جوهرها- عن سياسات النظام المخلوع، ما يعني أن ـنظمة الاسلام السياسي بقيادة جماعة الاخوان المسلمين تعمل على تحويل الديمقراطية من مهد للتغيير والتقدم الى لحد تدفن فيه كل طموحات الجماهير الشعبية.
حول الدين والدولة والموقف من التدين الشعبي:
في هذا الجانب يقول عالم الاجتماع التقدمي العراقي علي الوردي : "إن الدين والدولة أمران متنافران بالطبيعة فإذا اتحدا في فترة من الزمان، كان اتحادهما مؤقتاً، ولا مناص أن يأتي عليهما يوم ويفترقان، وإذا رأينا الدين ملتصقاً بالدولة، علمنا أنه دين كهان لا دين انبياء ، فالناس لم يثوروا على الطغاة الذين سفكوا دماءهم وجوّعوهم وضربوا ظهورهم بالسياط، ذلك لأنّ الناس قد اعتادوا ذلك وألفوه جيلاً بعد جيل، لكنّهم يثورون ثورة عارمة عندما تنتشر مبادئ اجتماعية جديدة فتبعث فيهم الحماس وتمنحهم ذلاقة البيان وقوّة النقد".
وفي هذا السياق ، نشير إلى المفكر الديني الشيخ عبد الرحمن الكواكبي الذي أكد في معظم كتاباته وخطبه على رفض كل أشكال الاستبداد ، وطالب بفصل الدين واستقلاله عن الدولة والحكم واستبعاد السلطة عن التدخل في أمور الشريعة .
إننا إذ نؤكد على أن الاسلام قد لعب دوراً تاريخياً مهماً في صيرورة تطوّر العرب، لكن طابعه الدنيوي تحوّل إلى تصوّرات مبسّطة ساذجة وأسطورية، خاصة في مراحل الانحطاط التي بدأت مع الدولة الأموية وتكرست في الدولة العباسية وما تلاها حتى المرحلة الراهنة ،  وأصبحت الرؤى التي سادت في ضوء التصوّر المثالي الغيبي الذي طرحه  "أبوحامد الغزالي" ضد عقلانية " ابن رشد"  مجرد جملة طقوس بسيطة، من دون عقل أو معادية للعقل،  فقد رفض الغزالي كلّ مجالات العلم والعقل والفلسفة، كما عبر عنها الفيلسوف ابن رشد، وحَصَر «العلم» في «علوم الدين» الأمر الذي لم يقره ولم يوافق عليه علماء الدين المستنيرين – في العصر الحديث والمعاصر- من أمثال جمال الدين الافغاني ، ومحمد عبده وأحمد أمين والشيخ علي عبد الرازق ثم الشيخ محمود شلتوت والشيخ محمد أبو زهره وجمال البنا ومحمد سعيد عشماوي وغيرهم .
وفي هذا السياق، تتجلى أهمية كتاب الشيخ الأزهري علي عبد الرازق "الإسلام وأصول الحكم"، "الذي يناقش فيه مجموع الآراء والمواقف من مسألة الخلافة في الإسلام، انطلاقا من السؤال الرئيسي حول دينية أو عدم دينية منصب الخلافة[12]، فإذا كان البعض يعتبرها منصبا دينيا، وضرورة دينية، فإن علي عبد الرازق في رده على هذا القول ومن أجل تفنيده، يعود إلى المصادر الأساسية للإسلام: الكتاب والسنة والإجماع، يبحث عن شرعية أو عدم شرعية هذا القول. ليخرج بنتيجة مفادها أن لا الكتاب ولا السنة ولا الإجماع يعطيه الشرعية.
وإذا كانت الخلافة بالنسبة لعبد الرازق لا تستند لا على الكتاب ولا على السنة ولا على الإجماع. فإنها لا تستند في رأيه إلا على القوة والقهر والعنف بحد السيف من أجل فرض نفسها على المسلمين، وفي هذا الإطار يستعين المؤلف بالتاريخ الإسلامي من خلال بعض اللحظات التاريخية، ومن بعض الذين مارسوا الحكم للاستدلال على القوة والقهر.
"لقد طالب الشيخ علي عبد الرازق في كتابه "الإسلام وأصول الحكم" بإلغاء نظام الخلافة، حيث رأى "أن مؤسسة الخلافة ليس لها أي سند أو أساس فقهي من الأصول والمصادر المعتمدة للدين عند المسلمين، ومن ثم يجب نزع وإسقاط أية صفة قداسة كانت تنسب للخلافة، وبالتالي يصبح لكل أمة إسلامية الحق والحرية في اختيار نوع الحكم الملائم لها، وفي اختيار من تريده حاكماً عليها، وفي خلعه، ما يؤكد على أن مضمون دعوة الشيخ علي عبد الرازق هو أن الإسلام دين لا دولة، ومن ثم يجب الفصل بينهما، واعتماد العقد الاجتماعي والديمقراطية أساس للحكم"[13].
 لكن تزايد عمق التخلف والتبعية في بلادنا العربية، في هذه المرحلة بالذات من القرن الحادي والعشرين، مع تزايد حالة الانحطاط الاجتماعي والاقتصادي والهبوط السياسي ، أدى كل ذلك إلى بروز الظاهرة الأكثر خطورة المتمثلة في بعض الشعارات التي تستغل "الوعي الديني" لدى البسطاء من الناس ، وتجعل منه نقيضاً للعقل والفكر والتقدم العلمي والديمقراطية من ناحية ونقيضاً لمفهومي الوطنية والقومية بذريعة انهما مفهومان علمانيان من ناحية ثانية ! ! ؟ وللأسف فإن ما يدعو إلى مزيد من الحزن والأسى والألم ان "المؤسسات الدينية" أصبحت تعيد انتاج "الثقافة" والطقوس الدينية الشكلانية المعادية للعلم والعقل عبر ملايين "الكتب" التي تقوم دول الخليج والسعودية خصوصاً، بدفع تكاليف طباعتها وتوزيعها لترويج الأفكار التي تعزز عوامل التخلف بما يخدم مصالح أولئك الحكام وغيرهم من امراء وأصحاب المال والثروة من الشرائح الرأسمالية الرثة، الكومبرادورية والطفيلية والبيروقراطية .
والمفارقة هنا تتبدى في أن هذه الأنظمة و "المؤسسات الدينية" تميل إلى تكريس الوعي العامي العفوي الموروث عبر الحرب على كلّ التطوّر الحداثي، بما في ذلك الحرب على كل منطق عقلاني أو نضال وطني أو قومي وتقدمي، لتكريس هيمنة الأنظمة الرجعية على عقول الجماهير،  لكنها كذلك تكرّس الليبرالية على الصعيد الاقتصادي، وما يستدعيه ذلك من غياب أي شكل من التناقض مع الإمبريالية الأمريكية والنظام الرأسمالي المعولم .
هنا سنجد أن الماركسية –من خلال احزابها- في صراع مع هذه التيارات من هذه الزوايا، وهو –في حقيقته- صراع ضد الإمبريالية والصهيونية ، كما هو صراع ضد كل اشكال الاستغلال والتخلف والاستبداد والفقر من أجل حرية شعوبنا واستنهاضها.
وبناء على ذلك ، فإننا نرى أن  الخطوة الضرورية الأولى على هذا الطريق النضالي والديمقراطي النهضوي، هي في تحقيق الفصل بين الدّين والدولة، وهذا يعني التركيز على تعميم الفكر الحديث الديمقراطي العقلاني العلماني، إذ أن هذه العملية هي التي سوف تقود إلى تحقيق ذاك الفصل، انطلاقاً من إدراكنا  -بصورة موضوعية خالصة – إلى أن ميْل الطبقات الشعبيّة إلى الحركات الأصوليّة لا ينبع من الوعي الدّيني، وفق ما يظنّ البعض ، بل نابع من دورها السّياسي، وفي هذا يجب أن يكون دور الماركسيين، أي دورهم في تقديم وممارسة تطبيق برنامج نضالي سواء ضد الإمبريالية والحركة الصهيونية ودولتها، أو في مواجهة النظم الكومبرادورية التابعة والمتخلفة، وأن يطرحوا بديلاً ثورياً واقعياً ، قادراً على تغيير الوضع الراهن وتوليد مقومات المستقبل.
إن أسلمة الدولة عند الحركات والجماعات الإسلاموية تستهدف هيمنة هذه الجماعات على المجتمع من خلال سيطرتها على الدولة، وإلغاء الفرد والمواطن، وتعطيل أو إسقاط مشروع الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، والانتقال إلى النشأة المستأنفة للقهر الدموي العنصري الطائفي كما يجري الآن في سوريا والعراق ومصر وغيرها، إنها تحاول أن تمارس دورا قريبا مما سماه مهدي عامل، الاستبدال الطبقي ارتباطاً بمصالح الشرائح الكومبرادورية والطفيلية والبيروقراطية ، حيث تحاول جماعة الإخوان المسلمين بناء دولتها بمنهج تفكيكي يقوم على "نظام طائفي هو، بالضبط، نظام سيطرتها الطبقية الذي فيه، وبإعادة إنتاجه، يعاد، باستمرار، إنتاج تفكك المجتمع"[14]، لأن الدولة الطائفية هي العائق الأساسي أمام توحيد المجتمع، لأن الجماعات الدينية أو حركات الإسلام السياسي لا تملك حدّا أدنى من المصداقية التاريخية والسياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية من مفهوم الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، بل هي ضدها وذلك لأنها ليست معنية بتطلعات الشعوب في النهوض والتقدم والثورة، بقدر ما هي معنية بترسيخ سطوتها وسيطرتها نحو الدولة الإسلامية الواسعة التي تدعو لها وهو ما يعني إجهاض الثورات وعدم الوصول بها إلى أهدافها في الحرية والعدالة الاجتماعية ، ووقف المد الثوري الذي فجرته الشعوب ضد الاستبداد القهري. لهذا هي ليست معادية للإمبريالية ، بل إنها تتحالف ذاتيا وموضوعيا، ماديا وسياسيا وإعلاميا، مع البلدان الأكثر رجعية وعمالة في بلادنا مثل قطر والسعودية وغيرها، ويعود السبب في ذلك، إلى "أن جماعة الإخوان المسلمين وعقيدتهم الاقتصادية القائلة بالاقتصاد الحرّ ولكن التابع والرث، يمثلون الكومبرادور النقي، إذا صح التعبير، في إطار من اقتصاد المحاسيب أو "الإخوان" غير المقيَّد بتدخل الدولة، وهي أكثر انسجاماً مع المذهب النيوليبرالي من واقع الرأسمالية السائدة في ظل مبارك. ويعبِّر عن تلك العقيدة خير تعبير خيرت الشاطر[15]، الرأسمالي الكبير والرجل الثاني في الإخوان بعد المرشد وممثل أكثر أجنحة الجماعة محافظةً، وكذلك حسن مالك، العظيم الثروة والعضو البارز في الإخوان"[16].
لكن موقفنا النقيض والمعادي لموقف القوى البورجوازية والرجعية من الدين واستخدامه كسلاح فكري أساسي لتكريس سطلتها، لا يعني أبداً موقفاً مضاداً لمشاعر الجماهير الشعبية من الدين، إذ لا يمكن، في مجتمع مثل مجتمعاتنا العربية، لأيِّ حركة يسارية ثورية أن تتجاهل الظاهرة الدينية، لا سيّما أنها ظاهرة مجتمعية، وإلاّ فإنها، هي ذاتها، سوف لا تكون ثورية، وإذا ما فعلت ذلك فلن يعود بإمكانها القيام بالتغيير الاجتماعي الحقيقي للمجتمع.
 لذا علينا أن نتعلم من دروس وتجارب الحركات الثورية اليسارية في أمريكا اللاتينية، التي تفاعلت ايجابياً مع لاهوت التحرير المسيحي واستخدمته في مقاومة الظلم الطبقي والنضال التحرري آخذين بعين الاعتبار الفارق بين لاهوت التحرر المسيحي وطابعه الديمقراطي وبين المذاهب والحركات الإسلامية الرجعية، في العلاقة مع مظاهر التدين الشعبي.
فالتديّن الشعبي هو أحد معطيات الواقع الاجتماعي الذي ينبغي أخذه بنظر الاعتبار، ولذلك فإنّ من يعتبر نفسه طليعة الشعب، لا بدّ وأن يعمل على كسب هذا السند الشعبي بما فيه من معطيات تاريخية وتراثية سلبية وإيجابية، الأمر الذي يستوجب احترام الدين واتخاذ موقف إيجابي منه، لا سيّما القيم الإنسانية المشتركة التي تمثل، إلى حد كبير، قيماً للماركسية" كالدعوة للمساواة والعدالة والحرية وانهاء كافة مظاهر الاستغلال والاستبداد .
  لعلّ ذلك يجعلنا نؤكد على أن الظاهرة الدينية ظاهرة ترتبط بالوعي والثقافة الشعبية، وهي تعبير عن الإحساس المشترك الذي كان علينا – كفصائل واحزاب ماركسية عربية- إدراكه والتعامل معه من موقع نقدي، وليس من موقف نفي سلبي، وكان علينا الاستفادة منها بدلاً من صدمها أو التصدّي لها، أو ممارسة بعض المظاهر الضارة التي لا تحترم المشاعر الدينية للجماهير الشعبية الفقيرة ، مثل المواقف العدائية للدين أو الاستهزاء بتدين الجماهير واتهامها بالرجعية والتخلف ، والاستهزاء بالتقاليد التراثية الدينية أو التفاخر بالإفطار في شهر رمضان، وغير ذلك من الممارسات التي تؤكد على ضحالة الوعي من جهة، وتؤدي إلى انفضاض الجماهير من حولنا، بل واستجابتها للدعاية الرجعية والامبريالية المغرضة ضد احزابنا ومبادئها من جهة ثانية، الأمر الذي يكرس عزلتنا وخسارتنا للقطاع الواسع من جماهير الفقراء الذين يمكننا كسبهم لصالح قضية النضال التحرري الثوري والنضال الديمقراطي والصراع الطبقي الاجتماعي في آن واحد ، انطلاقاً من ضرورة وعي كل رفيق من رفاقنا – في جميع الأحزاب والفصائل العربية - بأن الآيديولوجيا الدينية، بذاتها ولذاتها، ليست رجعية أو ثورية، وإنما هي حمالة أوجه، تتلون باللون الذي تعطيه إياه القوى الاجتماعية الحاملة لذلك الوعي وتكييفها لمضامينها لمصالحها. ولعلّ النقد لا ينبغي أن يوجّه إلى العقيدة الدينية والإيمان الديني والرؤية الوجدانية والروحية، وهذه جزء من منظومة متكاملة، وخاصة للكون والطبيعة والمجتمع، ولهذا ينبغي أن يَنْصَّب النقد بشدّة ضد المواقف السياسية الليبرالية الهابطة والاستسلامية ، وضد الرؤى الفكرية والاقتصادية والاجتماعية اليمينية والرجعية، وضدّ دور بعض رجال الدين، لا سيّما أولئك الذين يستغلون المشاعر الوجدانية والإيمانية الروحانية لتخدير الناس والتأثير في وعيهم وتوظيفه بالوجهة التي تريدها السلطة والأنظمة الرجعية .
"وإذا كانت المسألة الدينية في العالم العربي من أعقد المشكلات، بل وأخطرها، وقد ازدادت اشتباكاً والتباساً منذ أواسط السبعينيات، فقد ارتبطت هذه المسألة، أولاً، بصعود التيار الديني، وبشكل خاص الإسلامي أو الإسلاموي، وثانياً، الأمر له علاقة بالمواقف الانتهازية للغالبية الساحقة من السلطات الحاكمة التي حاولت مداهنة الإسلاميين، بل وحتى تملّقهم، عسى أن يرضوا عنها، وقدّم الحكام التنازل تلو الآخر لها على الصعيد الدستوري أو القانوني أو على الصعيد العملي، أما ثالثاً فيتعلّق بفشل اليسار، لا سيّما الماركسي، في برنامجه الفكري والسياسي، وتراجعه عن مواقعه، إضافةً إلى بقائه على هامش وعي الجماهير ومعتقداتها اليومية"[17].
وبالتالي فإنّ بحث المسألة الدينية من منظور ماركسي يستهدف فهم العلاقة بين الدين كخطاب وتراث ومحطات تاريخية ، من جهة، وبينه وبين الممارسة الاجتماعية عبر تداخل الدين وتأثيره في عملية الصراع الطبقي الجارية في بلادنا من جهة أخرى.
لذلك "فإن تناولنا لموضوع الإسلام و الماركسية، و معالجتنا لعلاقة الالتقاء و الاختلاف، إنما يهدف إلى تجديد التفكير فيهما سعيا إلى زحزحة ما اصبح أو ما أريد له أن يكون من الثوابت، وهو العداء القائم بين الماركسية والإسلام الذي لا يعبر عن العداء المطلق بقدر ما يعبر عن عداء مؤدلجي الدين الإسلامي للماركسية باعتبارها منهجا علميا يسعى إلى تحليل الواقع، و الكشف عن التناقضات القائمة فيه، ومجابهتها، والتسريع بتجاوزها في أفق تحقيق المجتمع الاشتراكي، و هو ما لم يسع إليه الإقطاعيون و أشباههم البورجوازيون و كل من يتطلع إلى أن يكون كذلك" [18].
وفي هذا الجانب، نقول، إن مهمة الكشف عن خلفيات تكريس عداء "الإسلام السياسي" لمفاهيم العقل والتنوير والديمقراطية والاشتراكية والماركسية، تقع بالدرجة الأساسية على عاتق الأحزاب الطليعية الثورية اليسارية والديمقراطية، وهي أيضاً مهمة المثقفين الثوريين الذين تقتضي الأمانة العلمية أن يكونوا على معرفة عميقة بالإسلام و بالماركسية معا، من اجل البحث العميق في العلاقة بينهما، فالإسلام إسلام، و الماركسية ماركسية، و شروط ظهور كل منهما مختلفة، و أهدافهما مختلفة، مع إمكانية التقاطع بينهما، ما يدفعنا إلى القول بأن العداء بين جوهر "الإسلام" و الماركسية عداء مفتعل، و هو ما يستلزم التصدي لهذا الافتعال، لإرجاع الصراع إلى وضعه الحقيقي كصراع بين الطبقات الموجودة على ارض الواقع، لا بين السماء و الأرض، لأن صراعا من هذا النوع هو تحريف للحقيقة، و ظلم للواقع، وفقدان للعلم، و ابتئاس للمنهج. ولذلك فإن من واجبنا تناول الموضوع بصورة تاريخية وموضوعية ، لكي يساهم في النقاش الذي يجب استرجاعه إلى الساحة النظرية بصفة عامة و الفكرية بصفة خاصة حتى تتم إعادة النظر في المقولات الجاهزة عند مؤدلجي الدين الإسلامي من جهة وعند كل من يسعى إلى تحويل الماركسية إلى عقيدة من جهة أخرى .
وبما أنّ الدين أوسع من الآيديولوجيا، فضلاً عن توجّهه لمخاطبة فئات واسعة من السكان، لا سيّما الفئات الشعبية، فإنه يصبح سلاحاً ذي حدين بيد الحاكم والطبقات الرجعية والبورجوازية ، من أجل تكريس الاستغلال، وكذلك بيد الجماهير الفقيرة للثورة على أنظمة الاستغلال وإسقاطها، وفي هذه الحالة ، هل يصبح هدف محاربة الدين في حد ذاته هدفاً ثورياً ؟ الجواب لا بالقطع، لان الدين والتراث الديني "حَّمال أوجه" وملئ بالمقولات التي تُحَرّض على المساواة بين البشر، بمثل ما نجد فيه أيضاً مقولات تستخدمها القوى الطبقية ضد مصالح الجماهير الشعبية ، فأيّ ماركسية إذن، تلك التي تتوجه إلى معارضة دين ومعتقدات الغالبية الساحقة من السكان، لا سيّما الفئات الشعبية؟ إن في ذلك ضربٌ من الصبيانية وعدم الشعور بالمسؤولية، ناهيكم عن الجهل، إلاّ إذا كان ناجماً عن وعي وسبق إصرار، فإنه  -في هذه الحالة- يبقى يدور في نخبوية نظرية خارج الماركسية وليس مهمة نضالية تغييرية كما هي الماركسية" .
 وبالتالي فإن موقفنا الواضح من هذه المسألة ، يقوم على أننا في صراعنا مع حركات الإسلام السياسي ، وفي علاقتنا مع الجماهير الشعبية، لسنا في وارد تناول موضوعة الدين من زاوية فلسفية ، في إطار الصراع التاريخي بين المثالية والمادية ، فهذه المسألة ليست بجديدة, كما أنها ليست ملحة, كما أن عملية عدم الخلط بين الدين كعقيدة يحملها الناس، وبين الجمهور المتدين تعتبر مسألة هامة وحساسة , فأن يكون لنا موقف فلسفي من الدين، لا يعني على الإطلاق سحب ذلك الموقف على الجمهور المتدين , بل على العكس، فان واجبنا النضالي يفترض منا الاقتراب من ذلك الجمهور واحترام مشاعره الدينية، والتفاعل مع قضاياه وهمومه، وجذبه إلي النضال من اجل الحرية والاستقلال والديمقراطية، وإنهاء كافة أشكال الاستغلال والقهر والاستبداد، انطلاقاً من فهمنا للماركسية بأنها ليست نظرية مضادة للدين كما يروج دعاة الاسلام السياسي والقوى الرجعية والامبريالية.
فالماركسي الذي ينظر إلى الفكرة التي تكوّنت خارج الواقع لا يمكنه أن يكون ماركسياً؛ فالماركسية نظرية لفهم الواقع والصراع الطبقي وفضح كل مظاهر الاستغلال والاضطهاد ، وبالتالي العمل على تغييره، "ولعلّ الكثير من الماركسيين، بمن فيهم العرب والعالمثالثيين، عند بحثهم المسألة الدينية لم يخضعونها للمنهج الجدلي، وهو موقف غريب، ولذلك كانت استنتاجاتهم غريبة أيضاً، لأنها نقيض للماركسية، لا سيّما عدم إدراك طبيعة التناقضات في الظاهرة الدينية"[19].
إذ لا يمكن، في مجتمع مثل مجتمعاتنا العربية والإسلامية ، لأيِّ جماعة ثورية أن تتجاهل الظاهرة الدينية، لا سيّما أنها ظاهرة مجتمعية، وإلاّ فإنها، هي ذاتها، سوف لا تكون ثورية. وإذا ما فعلت ذلك فلن يعود بإمكانها التوسع في أوساط الجماهير الفقيرة والقيام بالتغيير الاجتماعي الحقيقي للمجتمع. فالتديّن الشعبي هو أحد معطيات الواقع الاجتماعي الذي ينبغي أخذه بنظر الاعتبار، ولذلك فإنّ من يعتبر نفسه طليعة الشعب لا بدّ وأن يعمل على كسب هذا السند الشعبي بما فيه من معطيات، الأمر الذي يستوجب احترام الدين واتخاذ موقف إيجابي منه، لا سيّما القيم الإنسانية المشتركة التي تمثل، في الوقت نفسه، قيماً للماركسية.
ولعلّ انتشار حركات الإسلام السياسي في بلادنا اليوم، بحاجة إلى دراسة سوسيوثقافية بعد هزيمة مشروع اليسار، بشقيه الماركسي والعروبي (القومي)، خاصة وان غالبية المناقشات حول المسألة الدينية اكتسبت طابعاً عاطفياً وراهنياً، دون النظر إليها كبعد إستراتيجي، فضلاً عن غياب الرؤية الموضوعية لدى قوى اليسار في التعاطي مع الظاهرة الدينية ، الأمر الذي راكم في تعقيد المسألة، ناهيكم عن استخدامها من جانب القوى الرجعية والإمبريالية.
فبدلاً من أن توجه بعض قوى اليسار (في كل البلدان العربية) النقد إلى الأنظمة المستبدة، وإجراءاتها القمعية ضد الجماهير الفقيرة المؤمنة بعفويتها، وإلى بعض رجال الدين الفاسدين، قامت بتوجيه نقدها أحياناً – بطرق مباشرة أو غير مباشرة - إلى الدين والإيمان الديني والجماهير المؤمنة واتهامها بالرجعية، بل وسخرت من بعض الممارسات الدينية، أو أهملت التعاطي معها، من موقع متعالٍ ومترفّع، وهو ما عملت على استثماره جماعة الإخوان المسلمين والحركات الدينية الأصولية، ووظفته لاحقاً ضدنا على نحو مسيء. 
ومع اقرارنا بهذا القصور من جانب الحركات الماركسية والشيوعية العربية، إلا اننا نؤكد بالمقابل ان      أحزاب وقوى اليسار الفلسطيني، لم ترفض التعاون في إطار النضال التحرري مع الحركات الدينية ، خاصة في ظروف الانتفاضة الفلسطينية 1987-1992، لكن الحركات الدينية، وحركة حماس تحديداً، رفضت أي شكل من التحالف مع قوى اليسار ارتباطاً برؤيتها الدينية والطبقية من ناحية  ، وانعكاساً لشعورها بكثير من التعالي والغرور والتفرد في قيادة الجماهير من ناحية ثانية (حزب الله وحركة أمل وحماس والجهاد وبعض حركات المقاومة في العراق) ، وهي اليوم مازالت مصره على هذا الرفض بعد وصولها إلى الحكم في  تونس وليبيا واليمن والعراق ، ما يعني بوضوح حرص حركات الإسلام السياسي على التفرد بالسلطة والحكم لحساب رؤيتهم السياسية الاجتماعية التي تعكس بوضوح المصالح الطبقية للكومبرادور والعلاقات الرأسمالية التابعة في ظل انفتاحها وقبولها بالسياسات الأمريكية ومهادنتها للدولة الصهيونية .
وهنا بالضبط، نؤكد على أن حركات الإسلام السياسي الرجعية والمهادنة، لا تعارض أبداً السياسات الاقتصادية الرأسمالية المرتبطة بحرية المنافسه والاقتصاد الحر والملكية الخاصة والتفاوت في الدخل والثروة وكل أشكال الاستغلال في إطار اقرارها بالطبقات والتمايز الطبقي ، وبالتالي يتخذون موقفاً متطابقاً مع النظام الامبريالي العالمي ليس في سياسته الاقتصادية فحسب، بل أيضاً في العديد من القضايا السياسية والمجتمعية.
 
وفي هذا الجانب ، نشير إلى ادعاءات الحركات السياسية الإسلامية بدورها في "تخفيف " معاناة الجماهير الفقيرة من خلال المؤسسات و"الجمعيات الخيرية" الدينية، لتقديم المساعدات المالية أو العينية باسم الإحسان إلى الفقراء !، وهذا لا يعدو ان يكون "أفيوناً" أو وهماً مثالياً غيبياً وديماغوجياً يستهدف امتصاص غضب الفقراء ونقمتهم وانتفاضهم ضد مظاهر استغلالهم ومعاناتهم وبؤسهم من جهة، وللحفاظ على أوضاع التفاوت والاستغلال الطبقي الرأسمالي وكافة السياسات والممارسات الرأسمالية البشعة من جهة ثانية .
وهنا يتجلى الفرق الجوهري بين طروحات اليسار الماركسي الثوري، التي تلتزم بالنضال ضد اتظمة التبعية والاستبداد وكل أشكال الاستغلال والتفاوت الطبقي من أجل مجتمع قائم على العدالة الاجتماعية والمساواة ، وبين حركات الإسلام السياسي والقوى الطبقية الرجعية التي تستخدم مفهوم "الإحسان والصدقات" بالمعنى الديني، لتضليل الجماهير الشعبية واستغلال بساطتها وعفويتها حفاظاً على المصالح الطبقية للسلطة الحاكمة والطبقات المتحالفة معها، كما هو الحال الآن في كل بلدان النظام العربي .
 
الموقف المطلوب من الأحزاب والفصائل الشيوعية والماركسية تجاه الجماهير الشعبية المتدنية :
في هذا السياق علينا ان ندرك جيداً ، حرص أحزابنا والتزامها – في كل الظروف- باحترام المشاعر الدينية لدى الجماهير الفقيرة، وأن العلاقة بينها وبين العمال وجموع الفقراء المتدينين في مجتمعاتنا، باعتبارهم مادة وهدف النضال الثوري ببعديه التحرري الوطني، والاجتماعي الديمقراطي ، هي علاقة تستند بالأساس على تحريضهم وتوعيتهم ضد كل أشكال الاستغلال والاضطهاد والظلم التي يعيشونها، دون أي تدخل في معتقداتهم الإيمانية، فإذا كان لهذه الجماهير أن تتخلص من أوهامها الدينية، فإن ذلك لن يكون من خلال البراهين والكتب والكراسات فحسب، ولكن أيضاً ، بالدرجة الأساسية من خلال المشاركة في النضال الثوري التحرري والديمقراطي الاجتماعي في إطار الصراع الطبقي، وفي مثل هذه الحالة، يجب على رفاقنا في جميع هذه الاحزاب ، ضمان ألا تكون الاختلافات الدينية، أو الاختلافات بين المتدينين وغير المتدينين، عقبة في طريق وحدة نضال جماهير العمال والفلاحين الفقراء وكل الكادحين والمضطهدين ، فبقدر ما يصبح كل حزب أو فصيل من أحزاب اليسار العربي حزباً جماهيريا حقيقياً ، يقود العمال وجماهير الفقراء في أماكن العمل وفي المجتمع، بقدر ما سيكون في صفوفه فئة من العمال والفقراء الذين لا يزالون متدينيين، أو شبه متدينين. وسيكون رفض هؤلاء العمال بسبب أوهامهم الدينية موقفاً مرفوضاً ومضادا للماركسية.
لكننا في نفس الوقت، نحذر من سقوط بعض أحزابنا في مستنقع الغيبيات أو تبنى المنطلقات الدينية أو أن يقوم توجه الحزب السياسي واستراتيجيته وتكتيكاته على اعتبارات دينية، ذلك ان مستقبل أحزابنا الماركسية العربية وانتصارها يعني أن يسترشد كل رفاقنا بالنظرية الماركسية ومنهجها المادي الجدلي، بما يضمن التجسيد الثوري في التعبير عن المصالح الجماعية، وعن نضال الطبقة العاملة وجماهير الفقراء.
 ولذلك يجب على كل كادر من هذه الأحزاب والفصائل في هذا المجال أن يكون واثقا من أنه هو من يثقف أعضاءه المتدينيين ويؤثر عليهم، وليس العكس، انطلاقاً من موقف واضح وصريح ، يتجلى في أن تعاملنا مع المسألة الدينية بصورة موضوعية وعلمية ، يجب أن لا يقتصر على مجرد إبداء رأي أو تعامل مرحلي معها، أو حتى مسألة انتهازية انتخابية مثلاً، بل يتجاوز ذلك عبر الوعي العميق لبعض جوانب التراث الديني الثوري المنحاز للفقراء من ناحية، وعبر فهم الأفكار الأساسية والأهداف الاجتماعية والسياسية للماركسية في تطبيقها على واقعنا من ناحية ثانية .
وبالتالي، فإن أحزابنا وفصائلنا اليسارية العربية، إذ تعتمد الماركسية، كنظرية علمية لدراسة التطورات الاجتماعية من منظور ثوري نقيض للمنظور الرأسمالي الطبقي، فلا بد لنا من استخدام طريقة الماركسية ومنهجها الجدلي الذي يجسد شكل ومضمون المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية والاقتصاد السياسي والاشتراكية من أجل تحليل وتغيير الواقع الاجتماعي والسياسي المتخلف والتابع السائد اليوم في مجتمعاتنا العربية، وان هذا المنهج بما هو اداة لكشف وتحليل الظواهر الاجتماعية والطبيعية، يفرض على كل رفاقنا عموماً ، والكوادر الحزبية خصوصاً، أن يتابعوا بروح نقدية استكشافية عقلانية كافة التطورات والصراعات الاجتماعية، لتقديم الرؤى والبرامج واليات العمل الهادفة الى تغيير وتجاوز الواقع المحكوم من قبل الطبقات المستغلّة في مجتمعنا لحساب تحقيق أهداف المضطهدين وكل الكادحين والفقراء في الانعتاق والتحرر والعدالة الاجتماعية بآفاقها الاشتراكية.
وفي هذا السياق ،  فإننا نشير إلى أن أياً من فصائل وأحزاب وحركات اليسار العربي، لم تنجح تاريخياً –وبدرجات متفاوتة- بتعميم  وتكريس منهاجها الأيديولوجي ومنطلقاتها التربوية الأخلاقية، وثقافتها العقلانية على قواعدها التنظيمية من الناحية الجوهرية، وبالتالي ظلت الايديولوجيا بوجه عام، غير ممأسسة تنظيمياً ومتناثرة ومحصورة أو محاصرة او هامشية مهملة  ، ولم ترتق بأفضل أحوالها لتشكل منهجاً رئيسياً ناظماً للحياة التنظيمية او حالة فكرية جماعية أو قاعدة واسعة لوعي نظري منظم، الامر الذي يستدعي من هذه القوى والأحزاب الماركسية العربية، أن تبدأ جدياً بتفعيل البعد الأيديولوجي باعتباره أحد أهم مرتكزات حزبها وصيرورته الراهنة والمستقبلية، عبر الالتزام بمأسسة النشاط الفكري في  اذهان رفاقها بما يضمن إحياء وتجديد إطار التفاعل الجاري بشأن إعادة الاعتبار للنشاط التثقيفي لمنظمات حزبها القيادية والكادرية والقاعدية، كبوصلة ومرجعية اولى لمسيرة نضالنا وتحقيق اهداف شعوبنا وجماهيرنا الفقيرة في التحرر الوطني والديمقراطي على طريق الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية .
 
ووفق هذه الرؤية ، فإننا نرى في طروحات ومفاهيم وبرامج حركات الإسلام السياسي الرجعية طروحات نقيضه للحداثة والتطور والديمقراطية والتحرر والنهوض، وهي أيضاً تكريس للتخلف والتبعية والاستغلال الطبقي ولكل مظاهر الاستبداد والقهر ، وبالتالي فإن نضال فصائلنا وأحزابنا الثورية، ضد القوى الرجعية والظلامية هو نضال سياسي ديمقراطي مجتمعي في إطار التناقضات الداخلية، جنباً إلى جنب مع نضالها وتناقضها الرئيسي التناحري ضد التحالف الإمبريالي الصهيوني في بلادنا ...
وفي هذا الجانب، نؤكد على أن قناعتنا بأهداف التحرر الوطني والديمقراطي، يعني في أحد جوانبه، النضال من أجل تطبيق الديمقراطية ببعديها السياسي والاجتماعي في بلادنا ، لكن هذه العملية لا يمكن تحققها بدون الرؤية الموضوعية لمفهوم العلمانية، الذي نفهمه ونتعاطى معه كشرط من شروط الديمقراطية، وباعتباره مفهوماً لا يتناقض مع الدين، وليس منافساً له ، فالعلمانية، ليست مذهباً أو تياراً فلسفياً وليست نظرية معرفية، ولا هي نظرية في علم من العلوم، كما ان العلمانية بالنسبة لنا ، لا تعني عقيدة لا دينية ، ولا استبعاد الدين من الحياة العامة، ولا تقييد الحريات الدينية ، انها تعني حياد الدولة ومؤسساتها تجاه الاديان والعقائد حتى تضمن المساواة الكاملة بين مواطنيها بصرف النظر عن اعتقاداتهم.
   ومن ذلك المنطلق الثوري بإمتياز ، تتبنى الماركسية مصالح وتطلعات كافة المضطهَدين عموماً والطبقة العاملة خصوصاً، بوصفها الطبقة المنتِجة غير المالكة، وكذلك النساء باعتبارهنّ الجنس المضطهد، إلى جانب دفاعها عن قضايا ومستقبل تحرر الأمم والشعوب المقهورة، وهذه نقطة أساسية في التثقيف الثوري لسبب بديهي هو التالي: قبل أن يتعلّم المناضلون الماركسية كعلم، ولكي يستوعبونها حقاً، لا بد لهم باديء ذي بدء أن يتلقنوا منطلقاتها الأخلاقية ويجعلونها منطلقاتهم، وإلا فما قيمة "المناضل" الذي حفظ "قرآن" الماركسية عن ظهر قلب ولا تزال عادات التعالي الاجتماعي إزاء الأتعس منه حظاً، والذكورية والعنصرية والقومجية العنصرية والشوفينيه تخيّم على أطباعه. فما نفع "المادية الديالكتيكية والتاريخية" إذا درسها ذاك "المناضل" وهو لم يتخلص من رواسب سلبيات تربيته الاجتماعية التي تتناقض مع مبادئ ومفاهيم الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية بآفاقها الاشتراكية .
إن المنطلقات والمفاهيم التربوية والأخلاقية الماركسية لا يمكن دراستها كأي"علم" بل فقط كمبادىء أخلاقية يجب التحقق من فهمها ليس عن طريق التثقيف فحسب، بل في الممارسة داخل الحزب، وعلى مستوى الحياة اليومية .
وفي هذا السياق ، فإننا نجدد تأكيد التزامنا باحترام المشاعر الدينية السائدة في أوساط الجماهير، بمختلف مذاهبها وطوائفها ، وذلك انطلاقاً من اعتبارنا للدين أحد أهم مكونات الثقافة العربية الإسلامية، علاوة على أنه مسألة خاصة ، شخصية وضميرية بين الإنسان والسماء، وبالتالي لا بد من فصله –بالمعنى الموضوعي- عن الدولة، وفق ما أكد عليه العديد من علماء وشيوخ المسلمين أمثال عبد الرحمن الكواكبي وعلي عبد الرازق ومحمد عبده وطه حسين وأحمد لطفي السيد وغيرهم ممن رفعوا شعارات التنوير والديمقراطية وحرية الرأي والمعتقد في إطار رؤيتهم العلمانية الهادفة إلى اثراء الجدل للعلاقة بين الدين والدولة، بما يتجاوز الفهم السطحي لمقولات ماركس حول الدين من جهة  ولمفهوم العلمانية من جهة ثانية.
العلمانية والديمقراطية :
العَلْمانية هي : مفهوم  يقتضي الفصل بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، الدولة لا تمارس فيه أية سلطة دينية، كما أن المراجع الدينية لا تمارس أية سلطة سياسية، بمعنى الفصل بين الزمني والروحي، بين الدولة والدين ،  أي بين الاختصاصات الدنيوية والاختصاصات الدينية، كما أن الدولة العلمانية ليست دولة لا دينية ، بل هي دولة لا طائفية ، فالدولة العلمانية الديمقراطية ليست هي الدولة التي تنكر الدين ، بل هي الدولة التي لا تميز دينا على دين ، ولا تقدم أبناء طائفة على أبناء طائفة أخرى، ولا تخص بعض وظائف الدولة بأبناء طبقة بعينها دون سائر الوظائف .
 
هذا من الناحية القانونية ، أما من الناحية الفلسفية و المعرفية ، فإن أقصى ما تعنيه العلمانية ليس الإلحاد أو نفى وجود الله بل " تأسيس حقل معرفي مستقل عن الغيبيات و الافتراضات الإيمانية المسبقة".
و بكلمة واحدة ، إن العلمانية ليست نفيا للاعتقاد ، بل هي تحرير له من القيود و الإكراهات الخارجية. ولا غرو بالتالي أن يكون الفكر الديني الحديث قد عرف في ظل العلمانية تطورا في العمق ما أتيح له أن يعرفه في ظل الأنظمة الثيوقراطية .
ووفق هذه الرؤية، فإن موقفنا الموضوعي تجاه مفهوم العلمانية يقوم على الأسس التالية:
1-   تامين الحرية الدينية.
2-    فصل الدين عن الدولة.
3-    اعتبار الشعب أو المجتمع مصدر التشريع و القوانين .
4-    تعزيز المحاكم المدنية العامة لضمان المساواة التامة في الحقوق والواجبات.
5-    عقلنة الدولة والمجتمع وتعزيز الثقافة العلمية العقلانية وفق آلاليات الديمقراطية والتعددية الفكرية والسياسية.
6-    تحرير الدين من سيطرة الدولة وإساءة استعماله لأغراض سياسية، وكذلك تحرير الدولة من هيمنة المؤسسات الدينية.
فالعلمانية بالنسبة لنا  كماركسيين تعني أيضاً، على الصعيد المعرفي تحرير العقل من المسبقات، والمطلقات، او تحرير الفكر من الاوهام والخرافات وتحرير الانسان من العبودية التي تمتد جذورها الى تقسيم العمل وظهور الملكية الخاصة وتركز الثروة وظهور الطبقات (تحريره من نظام الاستغلال) ... العلمانية ليست ضد الدين، لكنها ضد الوثنية الدينية وضد سلطة رجال الدين وتدخلهم في حياة الانسان، فالعلمانية عملية تاريخية او سيرورة تقدم في التاريخ والمعرفة، وهي لغوياً مشتقة من العالم الدنيوي او عالم البشر الذين يصنعون تاريخهم بأنفسهم، وهي بذلك تقيم سلطة العقل والمنطق، وتعلن نسبية الحقيقة وتاريخيتها وتغيرها، وذلك هو جوهر الحداثة التي ندعو رفاقنا إلى وعي جوهر حركتها اللانهائية من ناحية، ووعي سماتها الرئيسية المرتبطة  -كما يقول الصديق د.هشام غصيب - باكتشافين جوهريين هما:
-       اكتشاف الطبيعة بوصفها كياناً مادياً مستقلاً.
-        واكتشاف الإنسان بوصفه فرداً خلاّقاً وتاريخاً ومجتمعاً.
هكذا نفهم أن مفهوم الدّولة الإسلاميّة الذي ترفع شعاره قوى الإسلام الطّائفي السّياسي، لا علاقة لها بمعتقد الشّعب المقهور المسلم، أي لا علاقة لهذه القوى بالإيديولوجيّة الدّينية، بل هي ممارسة سياسيّة تستهدف فرض التّمثيل السّياسي بأقنعة دينيّة، كالحاكميّة والشّريعة والخوف من الله، على الفئات الشّعبيّة التي دفعتها ظروفها الاجتماعيّة الصّعبة، وأوضاعها الاقتصاديّة المزرية، وإلغاء وجودها السّياسي وتطلعها إلى الثّورة والتّغيير. وكما يقول المفكر الراحل مهدي عامل " إن ما تهدف إليه الطّبقة البرجوازيّة: أن تظلّ هذه الطّبقات الكادحة بلا قوّة سياسيّة، من غير أن تعي ذلك، أي من غير أن تكتشف بوعيها انعدام وجودها السّياسي الذي يُوَلدِّ عند تلك الطّبقات الكادحة الوهم الطّبقي بأنّ لها قوّة سياسيّة"[20].
 
وعلى الرغم من كل ما تقدم ، علينا أن ندرك في ضوء المستجدات والمتغيرات المتلاحقة راهناً، إلى أننا سنواجه –مع حركات الإسلام السياسي- ظروفا وأوضاعاً معقدة, ما يفرض على قوى اليسار العربي أن تتمسك برؤيتها الموضوعية إلى أبعد الحدود في العلاقة الديموقراطية وقضايا الصراع الطبقي والسياسي، ومفاهيم الاستنارة والعقلانية مع هذه الحركات بمختلف مذاهبها، كما عبر عنها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعلي عبد الرازق وطه حسين ولطفي السيد وأحمد أمين .. وغيرهم، بحيث نحرص على أن لا تصل الاختلافات معها ، إلى مستوى التناقض التناحري، وأن تظل الخلافات محكومة للعلاقات الديمقراطية.
وفي هذا السياق، نؤكد على أن احترامنا للأديان عموماً والتراث الديني الإسلامي خصوصاً، يتطلب منا –عبر الحوار الديمقراطي- رفض استخدام الدين كأداة لقمع حرية الفكر والإبداع والبحث العلمي وحرية الرأي والرأي الآخر، وكذلك رفض اختزال الإيمان الديني إلى تعصب حاقد ضد الآراء والأفكار والعقائد الأخرى.
وفي كل الأحوال ، يجب أن تظل علاقة اليسار العربي مع قوى الإسلام السياسي  ، علاقة متحركة وجدلية تبعاً لتناقضات الواقع والصراعات الطبقية الاجتماعية والسياسات الداخلية، وطبقاً للموقف من العدو الامبريالي الصهيوني ، دون أن نتجاوز مخاطر تطبيق الرؤية الأيديولوجية الدينية على الصعيد الاجتماعي، حيث يتجلى التعارض والتناقض بصور أكثر حضوراً، سواء على صعيد فهم الديمقراطية كقيم وآليات وممارسة لبناء المجتمع ومؤسساته أو تجاه القضايا الاجتماعية الرئيسية للعمال والفلاحين ، والشباب، والمرأة، وحرية الاعتقاد والرأي والتعبير والاجتهاد والإبداع الثقافي وقضايا العدالة الاجتماعية والاقتصادية بمختلف تجلياتها .إن وضوح هذه الرؤية، ومن ثم البناء عليها بالنسبة لعلاقة القوى اليسارية مع القوى الإسلامية (بدون شرط التحالف معها) يتطلب من هذه الأخيرة أن تتخذ موقفاً واضحاً من التوجهات التالية:
أولا: تكريس أسس الدولة المدنية الديمقراطية ، والالتزام بمفاهيم وآليات الديمقراطية السياسية والاجتماعية وترسيخها كنهج حياة مجتمعي يضمن الحرية بكافة أنواعها وفي مقدمتها حرية المعتقد.
ثانيا: رفض التبعية للقوى الامبريالية بأشكالها المختلفة السياسية والاقتصادية والثقافية .
ثالثا: رفض الاعتراف أو التطبيع مع دولة العدو الصهيوني .
رابعا: تغليب التناقضات الرئيسية على الثانوية، والالتزام بقواعد الحوار الديمقراطي ، والاحتكام للجماهير، مع نبذ استخدام العنف وكل وسائل وآليات الجبر والإكراه في إدارتها .
 
 ففي مشهد الإسلام السياسي الراهن، نلاحظ بوضوح كيف استطاعت جماعة الإخوان المسلمين، بعد أن نجحت في قطف ثمار الانتفاضات الثورية في تونس وليبيا واليمن  ومصر ( قبل وبعد سقوطها في 30/6/2013 على يد الجماهير)، تعمل لإثارة النزعات الطائفية ، وتعمل أيضاً على تغييب الاقتصادي الاجتماعي بإعطاء الصّراع بعدا نمطيّا دينيّا، من خلال التنكّر للوجود السّياسي للشّعب كقوّة سياسيّة مستقلّة ونقيضة في ممارستها السّياسيّة للطبقة البرجوازيّة بكلّ أقنعتها الطّائفيّة السّياسيّة، مهما أخذت من أشكال دينيّة و اثنيّة ومذهبيّة. هذه القوى الطّائفيّة الإسلاميّة في ممارستها السّياسيّة ليست مسلمة دينيّا -كما تريد أن توهم- بتضليل إيديولوجي، الفئات الاجتماعيّة المسلمة الكادحة لتسلب منها حقّها في التّنظيم السّياسي المستقل، وتأسرها في تبعيّة سياسيّة طبقيّة للبرجوازيّة الكولونيالية.
صحيح بأن الممارسة الاجتماعية الإنسانية تجعلنا نقول بنوع من الحس التاريخي بأن الحل الوطني الديمقراطي العلماني الحديث، يحتاج إلى مسيرة معقدة ومركبة من التضحيات الجسام، في وجه حل التفتيت و التجزيء الطائفي الفاشي الدموي الذي ينتصب في أفق التناقض المأزقي الطائفي السياسي، المدعوم من قبل القوى والطبقات الرجعية وسيدها الإمبريالي.
إن الحديث من قبل حركات الإسلام السياسي عن أسلمة الدولة والمجتمع، وسقوط الدولة وتفكك المجتمع، لا يمكن أن يخفي عداء هذه الحركات وقوى الإسلام الطائفي الصريح لشعوبها حتى للفئات المسلمة منها، لأنها في نظرها مدانة كافرة ، أو ما تطلق عليه "جاهلية القرن العشرين" ،  كما لا تخفي عداءها لمفهوم الدولة الوطنيّة الديمقراطية الحديثة التي تتفاعل فيها كل المكونات السوسيو- ثقافية، والانقسامات العمودية اللغوية والدينية والاثنية والمذهبية. فمشروعها ماضوي نكوصي يعود إلى ما قبل الدولة.
والمفارقة هنا أنها تمارس الضحك على الذقون، إذ تحلم بالخلافة من خلال سياسة القروض الأجنبية، أي الخضوع للمؤسسات المالية التي تفرض اختياراتها وتوجهاتها التي تتناقض وأهداف وتوجهات واختيارات الطموحات الشعبية من ثوراتها، والغنيمة واضحة هنا هي شعوبها وأوطانها، لأنها بذلك تتنازل مجانا عن حقها في امتلاك سيادة قراراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهي بذلك تتكامل مع المشاريع الاستعماريّة التي تهدد وجود الدولة والكيانات الوطنية، من خلال إعلان فتوحات في شكل حروب أهلية عنصرية طائفية داخلية، و تدمير لحمة التنوع والتعدد واختلاف النسيج المجتمعي، وتفتيت الوحدة الوطنية، كما جرى في العراق والسودان وكما يجري الآن في سوريا، ويزحف تدريجياً في مصر .
 
الخاتمة:
تتجلى أهمية استخدام مفاهيم الحداثة و التنوير والعلمانية والثورة الديمقراطية ، من كل رفاقنا في كافة الفصائل والاحزاب الشيوعية والماركسية العربية ، في مجابهة استقطاب القوى اليمينية بشقيها، الليبرالي الرث والتابع المتمثل في أنظمة التبعية والتخلف والاستبداد وشرائحها البيروقراطية الكومبرادورية الحاكمة ، واليميني الديني السلفي المتمثل في قوى وحركات الإسلام السياسي، إلى جانب المجابهة الثقافية والفكرية والسياسية ، لكافة الجوانب السلبية والرجعية في تراثنا، إذ لا يمكن انضاج وتوليد مفاهيم العقلانية والعلمانية والديمقراطية من أوضاع تابعة ومستبدة من ناحية، ومن هيمنة قوى ماضوية سلفية جامدة ، بل من القطيعة المنهجية والمعرفية معها من جهة ، ومع كل مظاهر التبعية والتخلف السائدة في بلادنا من جهة ثانية . 
بمعنى آخر، لا يكون العقل ثورياً، ولا يُجسَّد في السلوك، إلا إذا انطلقنا من الفعل والتفاعل مع احتياجات وتطلعات الجماهير الشعبية والاندماج في مساماتها، وخضوعنا لمنطقها ومستقبلها، من خلال عملية التجريد والتوضيح والتعقيل، لكي نتمكن من استبدال وتجاوز أوضاع الاستبداد والاستغلال الطبقي، واستبدال المنطق الموروث أو سلبياته المعرفية تحديداً التي تتمظهر وتتجلى منذ القرن الرابع عشر، حيث تعيش المجتمعات العربية حالة من المراوحة الفكرية على تراث الغزالي وابن تيمية وابن القيم الجوزية والتواصل المعرفي مع هذه المحطات السالبة في التراث القديم (خاصة بعد إزاحة ابن رشد وابن خلدون والفارابي والكندي والمعتزلة فرسان العقل في الإسلام) من جهة، ومع الأنماط الاقتصادية والاجتماعية القديمة والحديثة او الرأسمالية الرثة التابعة من جهة ثانية، وهو تواصل حَرِصَت عليه الطبقات الحاكمة في مجتمعاتنا العربية بمختلف أشكالها وأنماطها التاريخية والحديثة والمعاصرة حتى يومنا هذا، وهو حرص استهدف دوماً إبقاء الوعي العفوي للأغلبية الساحقة من الناس في حالة من الجهل والتخلف بما يضمن استمرار مصالح الشرائح البيروقراطية الكومبرادورية والطفيلية الحاكمة، عبر دور متميز لحركات الإسلام السياسي -كما هو الحال في مساحة كبيرة من الانتفاضات العربية راهناً .
 
فعلى الرغم من دخولنا القرن الحادي والعشرين، إلا أن مجتمعاتنا العربية مازالت في زمان القرن الخامس عشر قبل عصر النهضة، أو في زمان ما قبل الرأسمالية، وبالتالي غربة مفاهيم الديمقراطية والعلمانية والمواطنة عن هذه المجتمعات ، وذلك يعود إلى رثاثة العلاقات الرأسمالية في بلادنا وتبعيتها وطابعها التجاري الوسيط – الكومبرادوري والخدمي غير المنتج ، علاوة على أن معظم شرائح "البورجوازية" في بلادنا هي وليدة الطبقة شبه الإقطاعية وامتداد لمصالحها، وهي بحكم تبعيتها وطابعها التجاري، حرصت على تكريس مظاهر التخلف الاجتماعي عبر تكيفها مع الأنظمة الاوتوقراطية والثيوقراطية الحاكمة ، والشواهد على ذلك كثيرة، فالمجتمع العربي لم يستوعب السمات الأساسية للثقافة العقلانية أو ثقافة التنوير، بمنطلقاتها العلمية وروحها النقدية التغييرية، وإبداعها واستكشافها المتواصل في مناخ من الحرية والديمقراطية، ففي غياب هذه السمات، يصعب إدراك الوجود المادي والوجود الاجتماعي والدور التاريخي الموضوعي للتطور أو التبلور الطبقي، الآمر الذي أدى إلى إضعاف الوعي بالظلم الطبقي لدى جماهير العمال والفلاحين الفقراء واستمرار هيمنة أوضاع التخلف الاجتماعي في أوساطهم ، وتعطيل إدراكهم بوجودهم الطبقي المتميز، إدراكاً ذاتياً جمعياً يلبي احتياجات التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي على المستوى القطري أو على المستوى العربي العام،  
ولعلنا نتفق أن السبب الرئيس لهذه الإشكالية الكبرى، يكمن في طبيعة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية التاريخية والمعاصرة، باعتبارها نتاج وامتداد لأنماط اقتصادية /اجتماعية من رواسب قبلية وعشائرية وشبه إقطاعية، وشبه رأسمالية، تداخلت عضوياً وتشابكت بصورة غير طبيعية، وأنتجت هذه الحالة الاجتماعية/الاقتصادية المعاصرة، المشوهة، والمتخلفة، والتابعة .
 
أمام هذا الواقع المعقد والمشوه، وفي مجابهته، ندرك أهمية الحديث عن مفاهيم العلمانية والديمقراطية والمجتمع المدني ، والنضال من أجل تطبيقها وتوعية الجماهير بها ، ولكن بعيداً عن المحددات والعوامل الخارجية والداخلية، المستندة إلى حرية السوق والليبرالية، لأننا نرى أن تعاطينا مع هذه المفاهيم وفق النمط الليبرالي، فرضية لا يمكن أن تحقق مصالح جماهيرنا الشعبية، لأنها تتعاطى وتنسجم مع التركيبة الاجتماعية-الاقتصادية التابعة والمشوهة من جهة، ويتم استخدام مضامين هذه المفاهيم في الإطار السياسي الاجتماعي الضيق للنخبة الطبقية ومصالحها المشتركة في إطار الحكم أو خارجه من جهة ثانية.
وهنا بالضبط تتبدى الضرورة التاريخية التي تستدعي من القوى اليسارية الثورية في كل بلد عربي، تركيز أهدافها ومهماتها النضالية، السياسية والمجتمعية، باتجاه تغيير وتجاوز هذا الواقع ، وان تتحمل مسؤلياتها الكبرى، في كونها تشكل في هذه المرحلة طليعة الحامل الاجتماعي الديمقراطي الثوري على طريق النهوض والتقدم الديمقراطي والعدالة الاجتماعية وتحقيق أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها الاشتراكية، شرط أن تبادر أولاً إلى نشر وتعميق الوعي داخل تنظيماتها، بمفاهيم التنوير والعلمانية والديمقراطية والحداثة، والثورة والفكر الماركسي المتجدد واستخدامه من أجل تغيير الواقع الراهن وتجاوزه .
                                                                         


[1]  تعريف المنهج : المنهج هو الطريق الذي يؤدي بنا إلى الهدف، والمرتكز على مجموع القواعد الثابتة المنبثقة من التجربة الحياتية والمعارف العلمية ، فالمنهج الجدلي للمعرفة يتطلب تناول كل الظواهر في العالم المحيط بنا في ترابطها وتفاعلها وتطورها الدائم ، أما المنهج الميتافيزيقي فيتناول كل ظاهرة بصورة منفردة وبمعزل عن ترابط وتفاعل الظواهر فيما بينها، وعند تناول التغير والحركة يغفل المنهج الميتافيزيقي أبعاد التطور الحقيقي الموضوعية، ويفسر العمليات أو الحركة في الطبيعة والمجتمع تفسيراً غيبياً." الدائرة الثقافية"  
[2]  جون مولينو – عن الماركسية والدين– ترجمة محمد الحاج سالم – الحوار المتمدن – الانترنت – 4/1/2013 .
[3]  جون مولينو – عن الماركسية والدين - ترجمة محمد الحاج سالم – الحوار المتمدن – الانترنت – 4/1/2013 .
[4]  حوار مع فراس سواح – الأسطورة مكون أساسي من مكونات الدين – الانترنت
[5]  جون مولينو – عن الماركسية والدين– ترجمة محمد الحاج سالم – الحوار المتمدن – الانترنت – 4/1/2013 .
[6]  عبد الحسين شعبان – الماركسية والدين – مجلة المستقبل العربي – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – العدد 409 – مارس 2013- – ص 618
[7]  عبد الحسين شعبان – الماركسية والدين – مجلة المستقبل العربي – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – العدد 409 – مارس 2013- ص 216
[8]  عبد الحسين شعبان – الماركسية والدين – مجلة المستقبل العربي – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – العدد 409 – مارس 2013- – ص 618
[9] جلبير الأشقر، "المستشرق الفرنسي الراحل مكسيم رودنسون وشؤون الإسلام السياسي والأصولية"، الحياة، 5 سبتمبر/أيلول 2004.
[10] جلبير الأشقر، المصدر السابق .
[11] جلبير الأشقر – الرأسمالية المتطرفة – للإخوان المسلمين –الحوار المتمدن الانترنت -  8/2/2013 .
[12] الحداثة السياسية في فكر النهضة - (علاقة الدين بالدولة) - مراد زوين
[13] ملخص كتاب  "الدين والصراع الاجتماعي في مصر" 1970- 1985  - د. عبد الله شلبي - كتاب الأهالي رقم 67 - القاهرة – أغسطس - 2000
[14] مهدي عامل في الدولة الطائفية - دار الفارابي ط3 - 2003 - ص 94.
[15] كان السيد الشاطر هو المرشّح الأول للإخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسية. وبعد رفض ترشيحه استُبدل بالسيد مرسي.
[16] جلبير الأشقر – الرأسمالية المتطرفة – للإخوان المسلمين –الحوار المتمدن الانترنت -  8/2/2013 .
[17]  عبد الحسين شعبان – الماركسية والدين – مجلة المستقبل العربي – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – العدد 409 – مارس 2013– ص 219
[18] الإسلام/الماركسية علاقة الالتقاء والاختلاف – محمد الحنفي - الانترنت
[19]  عبد الحسين شعبان – الماركسية والدين – مجلة المستقبل العربي – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – العدد 409 – مارس 2013
[20] مهدي عامل مدخل إلى نقض الفكر الطائفي دار الفارابي ط3 س 1989 ص 137