الانسانية كخصلة سلوكية, والانسانوية كمبدأ رؤية للكون


اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني
2013 / 10 / 7 - 13:19     

الانسانية تعبر عن مبدأ الانسانوية في العلاقات اليومية بين الناس, وهي تشمل على حسن النية تجاه الاخرين, واحترامهم والتعاطف معهم والثقة بهم, والسماحة, ونكران الذات, كما تفترض التواضع والنزاهة, والانسانية تربى في الناس, ويمكن أن تتجلى في العلاقات العملية بين الناس تبعاً لطابع العلاقات الاجتماعية, ففي المجتمع الطبقي التناحري, حيث يرى كل فرد في الاخرين اداة لتحقيق الأهداف الخاصة, وموضوعاً للاستغلال, وحيث تسيطر المنافسة والعداوة, تغلب اللاانسانية في العلاقات بين الناس (وتسم بميسمها المجتمع الانساني ككل بما فيه من بطالة وبؤس وحروب, الخ), هنا تنحصر الانسانية في كونها صفة (فردية) لأشخاص (كرام) وتفهم حصرأ بروح الفيلانتروبيا الليبرالية. ان المضمون الأخلاقي للانسانية يظهر ويتطور في مجرى نضال الكادحين ضد الظلم الاجتماعي وظروف الحياة الغير لائقة بالانسان. أما المقدمات, الضرورية لكي تغدو الانسانية مطلباً (عاماً), يغطي كافة ميادين حياة الانسان, فلا تتوفر الا في المجتمع الاشتراكي. هنا تكون التصرفات اللاانسانية بعضاً من رواسب الماضي, التي يدينها الرأي العام, ويحاسب عليها القانون.
أما الأنسانوية كمبدأ, تستند الى الايمان بلامحدودية امكانيات الانسان وقدراته على التطور, والى مطلب حرية الشخصية والدفاع عن كرامتها, والى الفكرة القائلة, بأن للانسان الحقفي السعادة, وبأن تلبية مطالبه ومصالحه يجب أن تكون الهدق النهائي للمجتمع, وقد تشكل هذا المبدأ على قاعدة تيار فكري واسع, نشأ في عصر النهضة, وعبر نضال البرجوازية والحرفيين والفلاحين ضد سيطرة الارستقراطية الاقطاعية ورجال اللاهوت, والأيديولوجية الدينية القروسطية. ففي مجابهة الفكر الديني التنسكي للانسان (الزهد الخطيئة) أعلن الانسانوين (بتراركا, ليوناردو دافنتشي, كوبرنيك, مونتين, بيكون, شكسبير وغيرهم) الانسان ذروة الطبيعة ومرز الكون. ان الانسان عندهم, يجب أن يجمع بين المبدئين الطبيعي والروحي جمعاً متسقاً, ويملك الحق في السعادة في الحياة الدنيا, وينبغي أن يغدو نزوعه (الطبيعي) نحو الملذة والسعادة, وعلى النقيض من المذهب الديني يفهم الانسانيون الأخلاق على أنها تحقيق الأهداف الدنيوية-تحرير الانسان من ربقة كل اضطهاد روحي واجتماعي, وتخليصه من الظلم والرذائل والجهل, وتطوير الشخصية البشرية, وحصول الناس على الرخاء, المادي منه والروحي, ويولي الانسانيون قيمة كبيرة لعقل الانسان, ويطالبون بخضوع البواعث الحسية له, ومنذ أول عهدها تقريباً شهدت الانسانوية ظهور تيارين اساسيين فيها. فالانسانيون البرجوازيون يجعلون من الفرد محور اهتمامهم, وهم يعتبرون رسوخ الملكية الخاصة اساساً للرخاء والحرية البشريين. وانعكست محاولاتهم التوفيق بين المصالح العامة والمصالح الفردية بالمجتمع البرجوازي في مذهب (الأنانية المعقولة).
أما الاتجاه الثاني فكان يعبر عن تطلعات الكادحين, طرح انصاره من الاشتراكيين الطوباويين (مور, كامبانيلا, منزر), مسألة المساواة في الملكية, حتى والغاء الملكية الخاصة, شرطاُ ضرورياً لتحرير الانسان وتخليصه من (اللاانسانية), وقد لقيت تقاليد الاشتراكية الطوباوية تطويرها اللاحق في أعمال اوين وسان سيمون وفورييه, والديمقراطيين الثوريين الروس بيلينسكي ودوبرولوبوف وتشيرنشيفسكي.
أما الشكل الأعلى للانسانوية فهو النزعة الانسانية الشيوعية, التي لقيت تأسيسها العلمي في النظرية الماركسية.
لقد كان كارل ماركس وفريدريك انجلز أول من درسا علمياً تأثير الملكية تأثير الملكية الخاصة على الشخصية, فكشفا عن الطابع اللانساني للمجتمع الرأسمالي, الذي فيه تنقلب منجزات التقدم الاجتماعي والثقافة ضد الانسان (الاغتراب). ان العمل المأجور, الذي يستغله الرأسمالي بهدف جني الربح, يقتل في الانسان شخصيته, وينهكه جسدياً, ويدمره روحياً وأخلاقياً. ان التجسيد الأكمل لمبدأ الانسانوية سيتم في ظل الشيوعية. الشيوعية وحدها, تذلل, عملياً, التناقض بين الفرد والمجتمع, وفي ظلها ايضاً ينحل التناقض بين مصالح طبقة معينة ومصالح البشرية بأكملها, وقد بين ماركس أن البروليتاريا هي الطبقة الوحيدة القادرة على تحرير البشرية قاطبة, في الشيوعية, لا يضع المجتمع الانسانيةمبداً لها وحسب, بل وتطرح مسألة خلق الظروف الانسانية حقاً في المجتمع نفسه, الظروف الضرورية لتطور الشخصية المنسجم. والشيوعية التي تؤكد على أولوية المصالح الاجتماعية بالنسبة للمصالح الشخصية في المجتمع الاشتراكي, لا تقيم تعارضاًُ بين هذين النمطين من المصالح, وانما تنطلق من السعي لوحدتهما, والاشتراكية غريبة عن المعارضة بين (الزهد والانغماس في الملذات), بين حرية الفرد الشخصية والضرورة الاجتماعية.