جيفارا من أجل ذلك تريده قناة الجزيرة

طلال عبدالله
2013 / 10 / 4 - 08:16     

في ذكرى اغتيال الثائر الأممي آرنستو جيفارا، يحاول الراديكاليون اليساريون انقاذ اسمه من فكي كماشة: الأول من اختصره في صورة على قميص ليصبح تعبيراً عن الوهم والخيال والاستعراض، والثاني: من يحاول مقارنته بنماذج الأصولية الرجعية البعيدة كل البعد عن المفهوم الحقيقي للثورة، تلك بالضبط هي المحاولة الإنقاذية للزرقاوي وإبن لادن والتي أعدتها ونفذتها وأخرجتها وأعدتها قناة الجزيرة.

سنسعى من خلال هذه المقالة إلى طرح محورين رئيسيين في ذكرى اغتيال إرنستو جيفارا، الأول سيتركز على نسف نماذج الإعلام العربي وكشف زيفها، واستغلال الرمز ومحاولة دمج اسمه مع أسماء لا تعرف عن الثورة حتى اسمها من أجل تمرير المشاريع الرجعية، الجزيرة أنموذجاً، فيما سيركز المحور الثاني على واقع الأحزاب الشيوعية في وقتنا الراهن بشكل مختصر.

“جيفارا عاش”، ولكن ليس في نسخة الأصوليين

أنتجت قناة الجزيرة القطرية في العام 2009، وقبيل انطلاقة ما يسمى “الربيع العربي” فيلماً وثائقياً بعنوان “جيفارا عاش”. يبدأ الفيلم على أنغام أغنية بعنوان “جيفارا مات” للشيخ إمام من كلمات الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم، حفظها الجميع، ورددها الجميع، وأصبحت مادة للاحتجاج الاجتماعي حالها حال “شيد قصورك عَ المزارع”.

يبدأ الفيلم بتوجيه مجموعة من الأسئلة في الشارع تظهر تردي الوعي العربي بشكل عام، فيما يهدى الفيلم وفق شارته إلى “كل من قال لا”، وتبدأ اللقاءات مع الكثير من الناشطين والحقوقيين، الذين يبدأون في تأكيد تشخيص “تسليع الرمز” جيفارا، من خلال وضعه على بعض البضائع الاستهلاكية من أجل الترويج لها، ومن ثم البحث عن رمز يشبه جيفارا في الوطن العربي.

دس السم بالعسل، كان عنواناً مناسباً لهذا الفيلم باعتقادي، فقد صوّر الفيلم بالنسبة لليبراليين كلاً من الثائر الأممي تشي جيفارا والزعيم العربي جمال عبدالناصر والسيد حسن نصرالله على أنهم إرهابيون من خلال ربط صورهم بكل من أبو مصعب الزرقاوي وأسامة بن لادن، بينما زرع الفيلم في وعي البسطاء وأنصار الإسلام السياسي فكرة كون “السلفيين” أبطالا يجابهون الولايات المتحدة، من خلال الترويج لكون أسامة بن لادن وأبو مصعب الزرقاوي ثوّار كجيفارا وناصر ونصرالله!! وذهب الفيلم إلى وصف هؤلاء بالأبطال الذين جابهوا القوى الامبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

تقول الحقيقة بأن كلاً من أسامة بن لادن -الذي أتشكك حتى في حقيقة مقتله- وأبو مصعب الزرقاوي إنما هم دمى تحركت بيد الامبريالية العالمية وسيطرت على العقول بأفيون زهيد. فقد اعترفت قيادات الولايات المتحدة سابقاً وقبيل فترة قصيرة بأنها أسهمت في تأسيس “تنظيم القاعدة” ودعمته بكل وسائل الدعم المادي والعسكري واللوجستي، لمجابهة الاتحاد السوفياتي في الثمانينيات.


وفي المقابل، لا بد لنا من الإشارة إلى أن الزعيم العربي جمال عبدالناصر كان القائد العربي الوحيد الذي قاد مشروعاً للتحرر الوطني في القرن العشرين، فيما سعى جيفارا إلى ثورة عالمية تخلص المقهورين والكادحين من ظلم الرأسمالية، أما السيد حسن نصر الله، فقد شكّل معنى حقيقياً للمقاومة العربية في وجه الكيان الصهيوني.

المدير العام لقناة الجزيرة في فترة عرض الفيلم، وضاح خنفر، الذي كان مراسلاً للجزيرة في أفغانستان وباكستان، وفجأة أصبح المدير العام للقناة بين الأعوام 2003 و 2011، كان على صلة وثيقة مع الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، بحسب وثائق ويكيليكس، مما شكّل الصورة الحقيقية للتعاون بين ما يسمى “الإسلام السياسي” والمنظومة الإمبريالية.

خنفر، الذي كان عضواً في جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وكان على صلة وثيقة بحماس، بل وكان أحد أبرز قياداتها في السودان، يحصد اليوم ما زرعه قبيل أعوام، فقد أضحت جبهة النصرة الإرهابية في سورية هي الحركة “المجاهدة” التي ستخلص الشعب السوري من الظلم!!!

فيما يتعلق بسورية، فإن العصابات المسلحة تمثل ثورة مضادة حقيقية مدعومة من المحور الامبريالي العالمي، “ثورة” يقودها اللاهثون خلف الحور العين والخرافات الدينية، “ثورة” يقودها مجموعه من اليائسين الهاربين إلى الجنة، “ثورة” يقودها مجموعة من اللصوص وقطاع الرؤوس والطرق، تلك هي العصابات التي تدافع عنها الجزيرة اليوم، والتي يشاهدها خنفر بفرح وسرور بالتأكيد، تلك العصابات، بعيدة كل البعد، عن كل من رمز الثورة العالمية جيفارا، ورائد مشروع التحرر العربي عبدالناصر، والمقاوم نصرالله.

سقط القناع، وبات عداء الجزيرة للحركات التحررية والثورية والتقدمية والاشتراكية في العالم أمراً واضحاً للعيان، سقط القناع، وظهر الوجه القبيح للجزيرة في تشويه صورة ورموز تلك الحركات، سقط القناع وبرز عمل الجزيرة الوثيق على تثبيت الدعائم الاعلامية القوية للجماعات الإسلامية.

لم تسع الجزيرة من خلال ذلك الفيلم إلى إعلاء شأن قائد ثوري وتحرري واشتراكي مثل جيفارا الذي عرف بمعاداته للأنظمة الرأسمالية والمخابرات المركزية الأمريكية وعصابات شركات المافيا الاحتكارية، ذلك بأن رمزاً كجيفارا لا يحتاج إلى التلميع أو الإبراز، بل سعت إلى الترويج لمشاريع الإسلام السياسي الرجعي ، من خلال ربطها برمز ثوري كجيفارا.

صورة جيفارا التي عادت من جديد في العالم لتزيين قمصان الملايين من شباب العالم أرعبتهم، وعودة جيفارا رمزاً للتمرد والثورة ضد الأنظمة الرأسمالية والإمبريالية العالمية والأقلام المأجورة وأفلام هوليوود التافهة جعلتهم في حالة من التخبط، وروح جيفارا التي حاربت الخرافات والأساطير الدينية والتي حلّقت في سماء الكون لتعلي قيمة وكرامة الإنسانية من جديد قادتهم نحو الجنون.

لم يكن جيفارا طائفياً كما هو الحال بالنسبة للزرقاوي صاحب الفتوى الشهيرة (إراقة دم الشيعة) أواخر العام 2005، ولم يكن عميلاً للاستخبارات المركزية الأمريكية كما هو الحال بالنسبة لإبن لادن.

الأحزاب الشيوعية، ومعنى استنهاض جيفارا

جيفارا، ناصر، ونصر الله، وعلى الرغم من كون أحدهم ثائر يساري أممي، والآخر قومي قاد مشروع تحرر عربي حقيقي، وثالثهم ديني مقاوم جابه آلة القمع الصهيونية، وعلى الرغم من الخلاف الإيدولوجي بين تلك الرموز، إلّا أن ذلك لا ينفي حقيقة كون تلك الأسماء تبقى رموزاً عاشت وناضلت من أجل شعوبها، والحديث هنا لا يرتكز على الشخوص، بقدر ما يرتكز على التجارب، وبقدر ما يعنى بالواقع السياسي، وما يبنى عليه. نعم عبدالناصر ونصرالله اليوم هم المشروع السياسي التكتيكي لبناء الجسر لما هو أبعد وأشمل وأعدل وأعمق، أرنستو جيفارا.

اليوم، يخفق قلب كل يساري وشيوعي وتحرري عند الحديث عن جيفارا، كرد فعل على تحول معظم الأحزاب الشيوعية العربية التقليدية إلى أداة تدعو إلى “الإصلاح” بديلاً عن “التغيير”، وكرد فعل على توجه تلك الأحزاب وفق سيرورة طويلة من الممارسة “الاصلاحية والانتهارية وسياسية التعاون الطبقي مع البرجوازية” إلى عوائق حقيقية وحجر عثرة في طريق الثورة الاشتراكية الأممية.

تلك الأحزاب التي روّجت لكون الشيوعيين العرب هم “أيتام الاتحاد السوفياتي”، والتي تحولت عن مبادئها الحقيقية ليختلط خطابها ببعض المفاهيم الليبرالية، مع افتقارها للنظرية والفكر، أمور قادت تلك الأحزاب نحو تبني سياسة “التعاون الطبقي” مع الرأسمالية في كل بلد سواء عن طريق التحالفات والجبهات “الوطنية”، وبالتالي توجه الشباب الثوري إلى نحو رمز نقي حقيقي شكّل لواء الثورة المسلحة ضد الرأسمالية وديكتاتورية رأس المال والرجعية.

لقد عاد جيفارا إلى أذهان البشر في جميع أصقاع الأرض، في ظل البحث المستمر عن رمز للنضال ضد وحشية سياسة الإدارة الأمريكية، التي بذلت الغالي والنفيس لطمس هذه الصورة في ظل البحث المستمر عن رمز كسر شوكة النفوذ الأمريكي، عن رمز للشجاعة ضد المخابرات وعملائها وجيوشها في العالم.

ذلك الثائر اللاتيني الذي ولد من صلب الحركة التحررية والثورية واغتيل في سبيل أن يحيا الإنسان كريماً وحراً، بحث بكل صدق عن عالم الحرية والمساواة والتقدم والقيم الإنسانية، وبذلك خلّد في صفحات كتب التاريخ ثائراً عظيماً، قد لا يتكرر في التاريخ أبداً.

التاسع من تشرين الأول/أكتوبر من العام 1967 هو اليوم الذي شهد اغتيال جيفارا، اليوم، وعقب 46 عاماً على رحيله، ينهض الثائر الأممي من قبره معلناً عن تحطم أكاذيب إبن لادن والزرقاوي والبنا، واليوم، وعقب 43 عاماً على تشييع عبدالناصر، تعود صوره لترفع في كل أنحاء الوطن العربي، تعود تلك المشاهد لتؤطر لمرحلة جديدة من النضال، نضال الشعوب ضد البرجوازية الحاكمة، وضد الرجعية التي أنهكتها.

سيبقى جيفارا الرمز أينما وجد الظلم، سيبقى جيفارا الرمز كلما كان الطريق مظلما وحالكا، سيبقى جيفارا الرمز كلما تألم مظلوم، سيبقى جيفارا الرمز كلما ذكرت الثورة، سيبقى جيفارا الرمز لأننا مؤمنون تماماً بأن الشعوب وحدها هي القادرة على تحرير أنفسها.