فائض القيمة المطلق ،وفائض القيمة النسبي


كارل ماركس
2016 / 2 / 18 - 07:00     

إن انتاج فائض القيمة المطلق يكمن في اطالة يوم العمل إلى ما بعد الحدود التي يستطيع العامل ضمنها ، أن ينتج مُعادِل قيمة قوة عمله وحسب ، واستيلاء رأس المال على هذا العمل الفائض . ويؤلف إنتاج فائض القيمة المطلق القاعدة العامة التي يرتكز عليها النظام الرأسمالي ، كما يؤلف أيضاً نقطة الانطلاق لإنتاج فائض القيمة النسبي . وهذا الإنتاج الأخير يفترض أن يوم العمل مشطور سلفاً إلى قسمين ، هما العمل الضروري ، والعمل الفائض . وابتغاء إطالة العمل الفائض ، يُقلَّص العمل الضروري بأساليب تتيح إنتاج مُعادل الأجور في وقت أقصر . إن إنتاج فائض القيمة المطلق يتوقف ، حصراً ، على طول يوم العمل ؛ أما إنتاج فائض القيمة النسبي فإنه يثوّر العمليات التكنيكية للعمل وتركبية شرائح المجتمع على حد سواء تثويراً متصلاً .
لذا فإن إنتاج فائض القيمة النسبي يفترض وجود نمط متميز من الإنتاج ، هو النمط الرأسمالي للإنتاج ، الذي ينبثق إلى الوجود ويتطور ، هو وطرائقه ووسائله وشروطه ، بصورة عفوية ، أولاً على أساس خضوع العمل لرأس المال خضوعاً شكلياً . ثم يحل محل الخضوع الشكلي خضوع العمل خضوعاً فعلياً لرأس المال .
حسبنا أن نذكر هنا ، بعض الأشكال الوسيطة التي لم يعد يُعتصر فيها العمل الفائض من المنتج بالقسر المباشر ، مع أنه لم يجر بعد خضوع المنتج خضوعا شكلياً لرأس المال . فهنا لم يستحوذ رأس المال بعد على عملية العمل بصورة مباشرة . فإلى جانب المنتجين المستقلين الذين يزاولون الحرف أو الزراعة بالطرق التقليدية الموغلة في القِدَم ، يبرز هنا المرابي أو التاجر ، رأس المال الربوي أو رأس المال التجاري ، وهما يقتاتان على جهود هؤلاء المنتجين ، مثل الطفيلي . إن سيادة هذا الشكل من الاستغلال ، في مجتمع ما ، تستبعد النمط الرأسمالي للإنتاج ، رغم أن هذا الشكل من الاستغلال يمكن ، من ناحية أخرى ، أن يشكل درجة انتقالية إلى النمط الرأسمالي ، كما جرى في أواخر القرون الوسطى . وأخيراً ثمة أشكال وسيطة معينة تنبثق مجدداً هنا وهناك ، على أرضية الصناعة الكبرى ، رغم أنها تكتسب مظهراً جديداً تماماً ، كما يبين مثال العمل المنزلي الحديث .
وإذا كان ، يكفي تماماً لإنتاج فائض القيمة المطلق خضوع العمل لرأس المال خضوعا ً شكلياً ، أي إذا كان يكفي ، على سبيل المثال ، أن يتحول الحرفي الذي كان يعمل ، في السابق ، لنفسه بالذات أو كمساعد معلم في طائفة حرفية ، إلى عامل مأجور خاضع للرقابة المباشرة لأحد الرأسماليين ؛ فإن طرائق إنتاج فائض القيمة النسبي ، هي ، من جهة أخرى ، وفي الوقت ذاته طرائق لإنتاج فائض القيمة المطلق ، كما رأينا . ذلك أن الإفراط في إطالة يوم العمل يمثل أمامنا بوصفه ناتجاً مميزاً للصناعة الكبرى . وعلى العموم ، فإن النمط الرأسمالي المتميز للإنتاج ، يكف عن أن يكون مجرد وسيلة لإنتاج فائض القيمة النسبي ما إن يتم له الاستيلاء على فرع كامل من فروع الإنتاج ، أو بالأحرى ما إن يتم له الاستيلاء على جميع فروع الإنتاج الحاسمة . وعندها يغدو هذا النمط الشكل العام والسائد اجتماعياً لعملية الإنتاج . ولا يعمل هذا النمط كطريقة خاصة لإنتاج فائض القيمة النسبي ، إلاّ بمقدار ما يشمل ، أولاً ، الصناعات التي لم تكن خاضعة لرأس المال من قبل إلاً خضوعاً شكلياً ، وبالتالي بقدر ما ينتشر أكثر فأكثر . وثانياً ، بقدر ما يُحدث ثورة متواصلة في الصناعات التي شملها ، وذلك بفضل تغيير طرائق الإنتاج .
ومن وجهة نظر معينة فإن الفرق بين فائض القيمة المطلق وفائض القيمة النسبي يبدو وهمياً بوجه عام . ففائض القيمة النسبي مطلق ، لأنه يفترض تمديداً مطلقاً ليوم العمل بما يتجاوز وقت العمل الضروري لوجود العامل نفسه . وفائض القيمة المطلق نسبي ، لأنه يفترض تطويراً لإنتاجية العمل يسمح لوقت العمل الضروري أن ينحصر في جزء من يوم العمل . ولكن إذا وضعنا نصب أعيننا حركة فائض القيمة ، فإن هذا التطابق الظاهري يتلاشى . ولكن ما إن ينشأ النمط الرأسمالي للإنتاج ، ويغدو نمط إنتاج عاماً ، حتى يغدو الفرق بين فائض القيمة المطلق والنسبي محسوساً ، وذلك عندما تصبح القضية قضية زيادة معدل فائض القيمة على العموم . فلو افترضنا أنه يُدفع لقاء قوة العمل حسب قيمتها ، فسنواجه هذين الخيارين : إذا كانت القدرة الإنتاجية للعمل ودرجة شدته الاعتيادية ، ثابتين ، فلا تمكن زيادة معدل فائض القيمة إلّا عن طريق الإطالة المطلقة ليوم العمل ؛ ومن جهة أخرى ، إذا كانت حدود يوم العمل ثابتة ، فلا تمكن زيادة معدل فائض القيمة إلّا عن طريق تغيير المقدار النسبي لكل من جزءيه المكوّنين ليوم العمل ، أي العمل الضروري والعمل الفائض ؛ وهذا ما يفترض بدوره تغيير إنتاجية العمل أو شدته لأنه لا ينبغي أن تهبط الأجور دون قيمة قوة العمل .
++++++++++++++++
طبعه الكترونياً جمال احمد عن
رأس المال ، كارل ماركس ، المجلد الأول، ترجمة د.فالح عبد الجبار ، سنة 2013، ص ص 626 -628