المانفستو الشيوعي والمانفستو الرأسمالي (1-2)

محمد فرج
2013 / 9 / 23 - 09:10     


فرنسا الرأسمالية خشيت الانفتاح، وهي تمتلك خطوطاً دفاعية أقوى مما نمتلك نحن بكثير. لذا هل آن الأوان لإعادة الاعتبار لمفهوم الحماية الإغلاقية الذي وضعنا في خانة المتخلف والمنغلق؟



للشيوعية بيانها الذي اختصر في كتيب صغير مازال شبحه يطارد الرأسمالية. وللرأسمالية أيضاً مانفستو، مانفستو مازال يطارد الطبقات المهمشة والمسحوقة دون أن يعلن عن نفسه كبيان، مانفستو لم يكتب في ملخص، ولم يعلن بلغة واضحة، ولكنه موجود في تفاصيل حياتنا كل يوم، وله طبقة تدافع عنه، وتموت لأجله، كما أن له مجموعة كبيرة من المنظمات التي تسير على هديه، وله مجموعة من “المبادئ” المعلنة، والمخفية.

buy cheap cialis buy cheap cialis levitra levitra viagra online viagra online viagra viagra levitra and alpha blockers levitra and alpha blockers cialis cialis viagra viagra cialis dosage cialis dosage levitra levitra cialis sample pack cialis sample pack viagra viagra levitra levitra


المانفستو الرأسمالي في الطبقات والمنظمات

كما أن للبيان الشيوعي منظمات تحاول جعل مبادئه الأساسية واقعاً معاشاً، فالرأسمالية أيضاً لها منظماتها التي تحاول تأبيد الواقع المعاش في ظل الرأسمالية. فإن كان الحزب الشيوعي الثوري هو أداة تغيير الواقع لتبني المبادئ الاشتراكية والشيوعية في الحياة، فللرأسمالية حزبها، بل أحزابها، التي تواجه للحفاظ على احتكاراتها. ومن هذه الأحزاب صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية OCDE، ومنظمة التجارة الحرة، ومنظمات “المجتمع المدني”. وهذه الأحزاب تنشر “أدبياتها” (المانفستو الخاص بها) من خلال الاتفاقيات المتعددة (AMI، ألينا، المناطق الصناعية المؤهلة، وغيرها). في هذا المقال سنتحدث بالتفصيل عن اتفاقيتين حاول أنصار المنفستو الرأسمالي تمريرهما، الأولى الاتفاقية متعددة الأطراف للاستثمار في فرنسا (AMI)، و AMI بالفرنسية تعني الصديق، ومن هنا حاول أنصار المانفستو غير المعلن اختيار الأسماء الأكثر نعومة “اتفاقية الصديق”، واتفاقية “ألينا” في المكسيك، وسنقارب هذه الاتفاقيات مع اتفاقيات اقتصادية وقعتها أنظمة عربية للوقوف على أركان المانفستو الرأسمالي عالمياً، والأهم أن نقف على المواجهة الأهم والتي ما زالت راهنة أكثر من أي وقت مضى، المانفستو الشيوعي في مواجهة المانفستو الرأسمالي.

اتفاقية “الصديق”.. اتفاقية مع العدو

عرف الكاتب أديب ديمتري في كتابه “ديكتاتورية رأس المال” العولمة على أنها حرية مجموعة معينة في الاستثمار، حيث تختار، ولتنتج ما تراه، ولتتمون وتبيع حيث تشاء، وعلى أن تتحمل من الأعباء أقلها، فيما يتعلق بحقوق العمل والمواثيق الاجتماعية.

في هذا السياق جاءت اتفاقية “الصديق” لتفرض على فرنسا الشعب وليس السلطة منظومة جديدة، منظومة محصنة باتفاقية ولها بنود، الاتفاقية المتعددة الأطراف للاستثمار. بدأ الحديث عن هذه الاتفاقية التي تم النقاش فيها لثلاث سنوات، دون أن ترى النور حالها حال دراكولا المانفستو الرأسمالي. دار هذا النقاش في مقر منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (نادي الأغنياء)، وكانت فحواه تتناسق مع طرح سابقاً في بنود الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة، وما طرح في أروقة منظمة التجارة العالمية، إطلاق حرية الاستثمار المالي العالمية وتعميمها في كل مكان، عندها ستغرق أوروبا أكثر وأكثر في ثقافة اللحوم المعالجة بالهرمونات التي تبدع الرأسمالية الأمريكية المتوحشة فيها. قد يقول قائل أن فرنسا بصفتها إحدى الدول الإمبريالية في العالم لا تمانع ذلك، ولكن فرنسا العضو في الاتحاد الأوروبي الذي يفرض حماية إغلاقية كبيرة على الاستيراد، تمانع في ذلك (حتى بعض تيارات اليمين) لأسباب تنافسية رأسمالية هنا وليس لأسباب فك التبعية كما هو الحال في بلادنا، وسنتحدث عن ذلك بتفصيل أكثر في خلاصة هذا المقال.

تعطي اتفاقية الصديق المستثمرين الحقوق كاملة على الدول نفسها، ورويداً رويداً تحيل السلطات العامة وتنقلها إلى الشركات. وبهذا يتهدد بالخطر كل التشريعات الوطنية التي تحمي الصالح العام، أو تستهدف تشغيل أيدٍ عاملة، أو المحافظة على البيئة، أو تنمية المناطق المهمشة، أو رفع الإسهامات في قطاعات حيوية. كل ذلك لأن الاتفاقية تعطي الحق للشركات في مقاضاة الدولة نفسها في حال تسببت في خفض نسب أرباحها. تشغيل الأيدي العاملة قد يخفض أرباحها، ومشاريع الرعاية الاجتماعية الطبية والتعليمية تخفض نسب أرباحها، وقوانين العمل التي تقرر 35 ساعة أسبوعياً في فرنسا تخفض نسب أرباحها، وحتى الجمعيات المعنية “بحماية المستهلك” التي تعبر عن أدنى مستويات المواجهة تخفض نسب الأرباح، والحريات الاجتماعية نفسها التي تتيح للعمال فرصة الإضراب تخفض نسب أرباحها، وبذلك تصبح الدولة هي فقط الذراع الأمني لهذه الشركات كما هو الحال تماماً في بلادنا ! وبذلك تصبح اتفاقية “الصديق” صديقا للاستثمار وعدوا للناس، والاستثمار صديق للربح وعدو للدولة في مفهومها. هكذا تتشكل للعالم حكومة عالمية من نادي الأغنياء، ويروج مفهوم “الوطن أولاً”، وأولاً من باب أن التعامل مع الأقوى والالتزام ببنود المانفستو الخاص به يعني إنقاذاً للناس من إشكاليات المواجهة، ولقد جرى تعميم ذلك في مصر أولاً ، والأردن أولاً ولبنان أولاً! هكذا تم ترويج معنى أولاً ظاهرياً ليكون أخيراً في الواقع المعاش.

اتفاقية الصديق عبرت عن تناقض بين ثلاثة أطراف: الأول وهو رأسمالي الذي يبحث عن الانفتاح بالكامل ليؤمن له المزيد من الأرباح، الثاني رأسمالي كذلك يرى في اتفاقية “الصديق” إجهازا على صديق آخر “الاتحاد الأوروبي”، الذي يتبنى كما قلنا سابقاُ حماية إغلاقية عالية، والثالث هو التيار الذي يرى في أن دخول الرأسمالية المتوحشة الأمريكية على البرجوازية الأوروبية الحضارية سيجهز على كل أشكال الرعاية الاجتماعية، وهذا ما عناهم بالتحديد، الرعاية الاجتماعية الشاملة، وانضمت العديد من تيارات اليسار الفرنسي لهذا التوجه بأطروحات متباينة (البعض يرى أن في ذلك ضربة لخصوصية الثقافة الفرنسية بما فيها السينما الفرنسية التي ستواجه حصان طروادة الأمريكي هوليود، والبعض كانت نظرتهم أكثر شمولية إذ تحسسوا أماكن أخرى معرضة للخطر على رأسها التعليم والصحة والزراعة). إن بنود اتفاقية “الصديق” أشد إيغالاً من بنود أية معاهدة كولونيالية في حقبة الاستعمار المباشر، وليس هناك من وضوح في ذلك أكثر من حق الشركات في ملاحقة الدول في المحاكم لتعويضها عن خشائرها الناتجة عن التشريعات الوطنية.

الاتفاقية التي بدأ الترتيب لها سراً منذ عام 1995م، هزمت عام 1998م، على أيدي الجائعين وشرائح الطبقة الوسطى والمثقفين والسينمائيين في فرنسا، وامتد الاحتجاج ليشهد حركات أجهضت الاتفاقية قبل وصولها إليها ومنه الهند، وحركة “فلاحين دون أرض” في البرازيل واحتجاجات في المكسيك وبنجلادش وبيرو والفلبين.

اتفاقية ألينا.. نهب أراضي المكسيك ورفع نسب البطالة

كان على المكسيك ،بموجب اتفاقية ألينا المشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، أن تلغي المواد المتعلقة بالإصلاح الزراعي في دستورها. وذلك حتى يتمكن المستثمرون الأمريكيون والكنديون من شراء الأراضي المخصصة للاستثمار، الزراعي أو غيره. الأمر الذي أجهز على صغار المزارعين في المكسيك. وكان عليها كذلك أن تتجاوب مع بنود الاتفاقية المتمثلة في الإلغاء الكامل للتعرفة الجمركية، واعتماد التبادل “الحر” و المفتوح بين الدول الموقعة، وتسهيل مرور مختلف الخدمات.

وعلى عكس مايروج عن الاشتثمار في العادة من خلال “الاقتصاديين” المؤيدين للانفتاح الاقتصادي ويرون في السياحة ركناً أساسياً فيها، فقد مليونان من العمال في المكسيك وظائفهم.

المانفستو الشيوعي في مواجهة المانفستو الرأسمالي

لا مكان للتيارات العشوائية (دون تنظيم متماسك، نظرية ثورية، برنامج يحدد المهمات الراهنة) في مواجهة المنظمات الرأسمالية المتبنية للمانفستو الرأسمالي (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، منظمات “المجتمع المدني”، اتفاقية “الصديق”، اتفاقية ألينا، وغيرها”). منظمات المانفستو الشيوعي هي التنظيم الحزبي الثوري، واتفاقياتها هي برنامج العمل السياسي وتحالفاتها السياسية مع التيارات التقدمية.

لقد تجاوزت الرأسمالية الاستغلال المغلف بالأوهام الدينية في حقبة الإقطاع، واستخدمت الدين بمنطق يتناسق مع تطور قوى الإنتاج الجديدة، “وبتسهيلها أدوات الاتصال أرغمت الأمم الأكثر حقداً وتعنتاً تجاه الأجانب على الاستسلام. ولم تتمكن الرأسمالية فقط من إلحاق الريف بالمدينة، والشعوب الفلاحية بالشعوب البرجوازية، وإنما ألحقت الشرق بالغرب”.

كل ذلك يجبر الأمم غير المتشكلة، في سياق صراعها الطبقي مع البرجوازية المتشكلة في المراكز على خوض صراع كبير ينطلق من مستويين أساسيين: الأول أن تتخلص من برجوزايتها الخاصة (البرجوازية المفلسة المشوهة “الكمبرادور”)، والثاني أن تواجه الإلحاق الذي مورس بحقها كأمة غير متشكلة صناعياً. إن الشعور القومي الذي زرعته البرجوازيات الطفيلية في نفوس الناس لا بد أن يتغير، فمفهوم الوطن أولاً ينقلب ليصبح :”أولاً” تعني القومي في السياق الطبقي العالمي، والذي لا يمكن له أن ينجح دون المعارك الطبقية التي باتت اليوم مركبة على المستويين الداخلي “المحلي” والخارجي “العالمي”. فبقدر ما يقضى على استغلال الفرد للفرد يقضى على استغلال أمة لأمة، وبقدر ما تدخل الأمة صراعات في التحرر من تبعيتها يتحرر الفرد من استغلال الفرد.

المبادئ التي قام عليها المانفستو الرأسمالي تعتمد على تصريف منتجات البرجوازية العالمية في أسواق العالم كله، وفي سياق ذلك تصوغ الاتفاقيات المختلفة لضمان الانتقال السهل والمريح للخدمات والسلع، وحاملها الاجتماعي هو البرجوازية العالمية ووكلاؤها. في مواجهة كل ذلك يتشكل الحامل الاجتماعي للمانفستو الشيوعي، المهمشين ممن فقدوا الفرصة في الزراعة أو العمل، والفاقدين للحماية الاجتماعية من الدولة بعد دخول “الصديق”.

ما جرى في اتفاقية “الصديق”، وحجم المعارضة الفرنسية العالية، من قبل تيارات مختلفة على كل حال. يفتح الباب أمام السؤال الأهم في منطق المواجهة مع الرأسمالية العالمية: هل هناك من فرصة والباب مفتوح بالكامل للاستثمار؟ هل نحتاج إلى حقبة “تخلف” كي نتحرر؟ هل ينعكس ذلك على تغيير وجهة التحالفات “صوب البريكس مثلاً” بشروط جديدة؟

فرنسا الرأسمالية خشيت الانفتاح، وهي تمتلك خطوطاً دفاعية أقوى مما نمتلك نحن بكثير. لذا هل آن الأوان لإعادة الاعتبار لمفهوم الحماية الإغلاقية الذي وضعنا في خانة المتخلف والمنغلق؟