سوريا بين الاقتتال والضربة الأمريكية


محمد بوجنال
2013 / 9 / 1 - 23:28     


منطق النظام الرأسمالي في شكله العولمي الحالي يقتضي منا اعتبار أن للنظام ذاك،وبالضرورة، أجندته على المستويات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد؛ وعليه، فمن بين مكونات الأجندة تلك موضوع العالم العربي. لا أحد يستطيع أن يتنكر لفكرة أن المحرك المادي يلعب الدور الأساس في تحديد وتدبير الصراع في العالم العربي, فالقوى الفاعلة على هذا الأساس في المنطقة هي التحالف بين شكلي الاستبداد: الخارجي المتمثل خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا التي تحركها الأزمات المادية لأسواقها الداخلية وبالتالي الضغوطات التي تمارسها برجوازياتها المتأزمة، والداخلي الممثل في الحكام والكمبرادورية العربية. فهذا التحالف، بسيطرة الأول وتبعية الثاني، قد شعر ويشعر بالتهديد من جراء تنامي الفكر العقلاني وكذا الأنظمة القومية العربية على الرغم من سلبياتها، فرسم، منذ مدة، خريطة طريق للتخلص منهما ومن كل أشكال الوجود "كإمكان" ضمانا لاستمرار سيطرته على الموارد المادية للمنطقة وحماية لحلفائه من حكام وكمبرادور؛ فالهدف ،كما حددته الخريطة تلك، هو تحقيق تمزيق واقع هذه المنطقة وتقسيمها إلى دويلات طائفية وعقائدية بالدعم المادي واللوجستيقي المباشر وغير المباشر من طرف تلك القوى الاستبدادية الغربية؛ لذا، فالعالم العربي لا يعدو كونه اليوم منطقة صراع بين الطوائف والعقائد تمهيدا لتحقيق خريطة الشرق الأوسط الكبير حيث الهيمنة للدول المتحالفة الكبرى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والسيطرة لإسرائيل والنهب والقمع الداخليين للحكام والكمبرادور العربيين. فالتحقيق الفعلي لخارطة الطريق اقتضى من الدول الكبرى ممارسة كل الأشكال السياسية المفيدة وكذا مختلف أشكال علم الحيل لاحتواء " الممكنات" ومراقبتها؛ لذا، تمت تصفية الحساب مع النظام القومي العربي العراقي- الذي لا ننكر سلبياته – ليتم التأسيس لعراق جديد ميزته التقاتل والعنصرية والتدمير والتشرد والطائفية وعنف الفرق الدينية والتدمير الاقتصادي والتخبط المعرفي؛ ثم تم التدخل بشكل إجرامي في ليبيا حيث قذفت وقنبلت دول التحالف بقيادة الناتو السكان المدنيين فقتلت الشيوخ والنساء والأطفال وغيرت بالقوة، مستعينة بحلفائها من الحكام العرب، النظام القومي العربي الليبي الذي أحلت محله نظاما تابعا لها سبق أن هيأت وكونت وأدلجت مسؤوليه وأطره وكوادره من مهاجرين بيادق وإخوان مسلمين خونة، والهدف دائما واحدا هو إلحاق الضعف ، فالهزيمة ، فتغيير النظام بالشكل والمضمون الذي أرادت؛ أما الشعب الليبي فخضع تقريبا لنفس الخطة التي سبق تطبيقها في العراق: التقسيم إلى مجموعات قبلية وتيارات دينية تمارس الفوضى كل حسب ميزان قواه في انتظار الآتي، الذي نتمنى أن لا يحصل، المتمثل في تأسيس الدويلات. وبعد ليبيا أتى دور سوريا التي اشتغلت بصددها دول التحالف الكبرى وحلفائهم العرب بطريقة مختلفة حيث خلقت شروط حصول الصراعات الداخلية وذلك بتشكيل جيش سمته بالجيش السوري الحر الذي هو في الحقيقة عبارة عن خليط من مرتزقة دوليين وجزء محدد من السوريين؛ أو قل ،للحقيقة، أنه جيش لقيط؛ وكذا تشكيل مجلس وطني أوكلوا له مهمة تسخين الأزمة؛ تلته مجالس عرفت صراعات وتناقضات كانت دائما تحل وتتجاوز بفعل تدخل التحالف الغربي / العربي. بهذا الأسلوب تم تسخين الساحة السورية: حيث من جهة هناك نظام بعثي مستبد يدافع وأنصاره عن مشروعيته ، ومن جهة أخرى هناك ما يسمى بالجيش السوري الحر ومختلف الميليشيات المتأسلمة المدعومة بدورها من طرف الدول الكبرى والحكام العرب بهدف إنهاك النظام السوري والتأسيس الفعلي للطائفية، خاصة منه السنة/الشيعة وعرقلة كل شكل من الأشكال السياسية الممكنة سلميا. وفي كل هذا كانت الدول الكبرى وحلفائها العرب وما زالت، تتبنى أسلوب تصعيد الصراع لتحصل الشروط العميقة لتقسيم سوريا إلى طوائف ودويلات.لاشك أنهم خائفون من أهم قوانين الوجود الذي هو "الإمكان" بمعناه الثوري باعتباره وجودا لانهائيا يحصل جزء منه وفق قانون الصيرورة، أو قل كلما حصلت الشروط المادية والمعرفية وهو ما يهدد على الدوام الوجود الاستبدادي والرأسمالي؛ وفي المقابل ،ينعكس تحققه إيجابيا على مستوى وعي المواطن السوري – وكذا العربي – بالرفع من وعيه من مستوى وعي أدنى للتقاتل بسوريا إلى مستوى أفضل فإلى مستوى أعلى. وفي هذا تهديد لمصالح التحالف الغربي/العربي المستبد وكذا للنظام الرسمي في شكله الحالي، وتعرية دلالة، على السواء، ما يسمى بالجيش السوري الحر ومختلف الميليشيات المتأسلمة. لكن التحالف الاستبدادي ذاك لا يني يوفر الشروط المعرفية لاستمرار حصول" الإمكانات" كما يريدها أي "الإمكانات الرأسمالية" لضمان مصالحه المادية والاستراتيجية وحماية الأنظمة العربية المتحالفة معه. "فالممكنات" بعناها الثوري هي ما يمكن الشعب السوري - والعربي – من حصول الوعي بدلالة الوضع السوري – والعربي – الذي كلما حصل، يكون أمام الفهم الأكثر عمقا للوضع السوري – والعربي – والتمكن من الأدوات الأكثر نجاعة في تحقيق التغيير. وها هو اليوم قد اتخذ رئيسى الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا قرار الهجوم على النظام السوري بعد أن تم اختلاق فكرة استخدام النظام المواد الكيماوية لقتل المواطنين؛ في الوقت الذي أبرزت فيه روسيا وبشكل موثق صورا بالساتلايت أن عناصر من الجيش الحر هي التي استخدمت المواد الكيماوية بإيعاز من الدول الكبرى وحلفائها من الحكام العرب وفق خطة ربطه بالنظام السوري لتنفيذ إحدى نقط خارطة الطريق وهي الهجوم الجوي على المواقع الحيوية للنظام السوري التي يجب تدميرها والمزمع منها خلق توازن على الأرض بين النظام والجيش الحر وباقي الميلشيات المتأسلمة لضمان استمرار الإقتتال داخل سوريا وبالتالي الزيادة من تعميق العداء وروح الإنتقام بين فئات الشعب . وتبرير حصول الضربة الجوية اقتضى من الدول الكبرى وحلفاؤها الحكام العرب توظيف تقرير المفتشين الدوليين" كإمكان" أصبح متحققا لصالح الضربة العسكرية، بل حتى قبل تقديم التقرير ذاك حيث طالبوا اللجنة بتمكينهم ولو بملخص أولي وسريع . والملاحظ من كل هذا التقاتل الداخلي وضجيج الضربة القريبة، التغييب الشبه المطلق لمعاناة وضياع المواطن السوري الذي هو الضحية الأولى الذي لا يتم استحضاره أو طرحه إلا عندما تريد الدول الكبرى وحلفاؤها الحكام العرب توظيفه لإثبات التهم على النظام السوري. لذا، يتم اعتباره كسلعة للبيع والشراء تحدد قيمتها حسب العرض والطلب كما هو الحال بالنسبة للبطاطا والطماطم؛ ويمكن تعميم تعميم التسليع هذا على باقي مواطني الدول العربية. إذن "كإمكان" قريب التحقيق، الضربة آتية والهدف معروف والنظام مسلح والجيش الحر مسلح والميليشيات المتأسلمة مسلحة، أما الشعب السوري المعزول من السلاح فهو معروض في سوق البيع.
لذا، فالضربة الأمريكية وحلفاؤها لسوريا هي اساسا استعمار وتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا لا علاقة له بحقوق الإنسان بقدر ما أنها التطبيق المرحلي والتدريجي لخارطة الطريق المسماة بالشرق الأوسط الكبير بقيادة إسرائيل؛ أما النظام السوري البعثي، فاستبداده منعه من استحضار المواطن السوري لأجل التواصل والحوار حول الحقوق والواجبات وشكل ومضمون النظام لقطع الطريق عن كل أشكال التدخل الاستعماري الجديد بقيادة الدول الكبرى وحلفائها في المنطقة؛ وهذا هو معنى المقاومة والتحصين والبناء والنمو والتنمية؛ أما المؤسسات السورية من أحزاب سياسية مناضلة ومجتمع مدني ومثقفين، فهي مطالبة بالإحتكام إلى مصلحة الوطن بالجلوس حول الطاولة على أساس أن النضال والبناء ممارسة طويلة المدى؛ ممارسة تصبو، وفق قوانين التاريخ التي هي قوانين الوجود" كإمكان"، إلى مرحلة النظام الشيوعي حيث يختفي المستبد والمجرم والمتآمر والخائن والمرتزق والبيدق؛ في انتظار حصول المرحلة تلك، منطق التاريخ يقتضي التدرج جدليا وفق قاعدة الحوار والتواصل بين مكونات الشعب ودون إقصاء.