من الذي يمتلك العالم؟ (6-6)

نعوم تشومسكي
2013 / 9 / 1 - 12:11     


//ترجمة: حسام عامر، إعداد: ربيع منصور




الولايات المتحدة، وكما تعلمون وبشكل غير عادي، دولة ذات سكان متدينين أصوليين تجاوزت طيف نسب التدين على مستوى العالم، أعني، تقريبا نصف السكان يعتقدون أن العالم خلق قبل ألفي سنة بما فيه من أحافير وكل الأشياء الاخرى. تقريبا ثلث عدد السكان يعتقد أن كل كلمة موجودة في الانجيل صحيحة حرفيا وثلثان يترقبون العودة الثانية للمسيح، ونصف أولئك يعتقدون أن تلك العودة ستحدث وهم على قيد الحياة، وما الى ذلك من أمور. لا أعتقد أنه يوجد وضع مشابه لهذا أو حتى قريب منه في أي مكان في العالم.هذا الوضع موجود منذ زمن بعيد، في الواقع هذا موجود منذ أيام المستعمرين، لكن لم يجر حشده من ذي قبل ابدا كقوة سياسية.
الآن يحصل ذلك ولأسباب جيدة، عليك جلب المصوتين بطريقة ما. هنالك أيضا تقليد محلي مرتبط بتراث المستعمرين. الناس خائفون -كما تعلمون- خائفون من أن ينال منهم الآخرون. ومن المدهش مشاهدة ذلك الشاب التحرري البطل راند بول في مجلس الشيوخ الآن هو يقوم بتنظيم حملة لمحاولة جذب الناس لاجهاض اتفاقية الأسلحة الخفيفة في الأمم المتحدة. انها اتفاقية مهمة، الأسلحة الخفيفة تذبح الناس حول العالم وثمانون بالمئة منها تقريبا يأتي من الولايات المتحدة. وعرض الحملة للأسباب هو أن اتفاقية السيطرة على الأسلحة بمثابة مؤامرة من قبل الأمم المتحدة ومن قبل الاشتراكيين والمتطرفين وأوباما وكلينتون لمحاولة أخذ أسلحتنا منا وبالتالي عندما تأتي الأمم المتحدة لمهاجمتنا لن يكون بامكاننا الدفاع عن أنفسنا. لا يمكنك ايجاد مثيل ذلك في أي مكان في العالم، كما تعلمون لا يوجد شيء قريب الشبه حتى بذلك، لكن هذه القطاعات موجودة وهم في الأطراف، انها عادات قديمة ويتم حشدهم لأنه لا توجد هنالك طريقة أخرى للحصول على الأصوات ولهذا ترى ما شاهدتموه في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، أعني، ان ذلك يقترب من الجنون، الناس في بقية أنحاء العالم ينظرون الى هذا ولا يستطيعون تصديق الذي يحدث في البلد.
حسنا، الذي يحدث ممكن فهمه. عندما يفقد احد الحزبين السياسيين كل الحجج التي يتذرع بها عن كونه حزبا برلمانيا ليخدم فقط الأثرياء. كما تعلمون، جميعهم يرددون نفس الشيء. لا يوجد لديهم أي طريقة أخرى للابقاء على حشد هذه القطاعات للحصول على الأصوات، هذا الذي يحدث.
يشاع أن الجمهوريين المعتدلين قد اختفوا وذلك ليس صحيحا تماما، انهم الآن ديمقراطيون وسطيون، والحزب الديمقراطي انحرف الى اليمين أيضا سعيا للحصول على أموال الشركات نفسها بسرعة أقل.





*تركيز مذهل للثروة*



هنالك دراسة جديدة أجراها مركز السياسات الاقتصادية وهو المصدر الأساسي للمعلومات الدائمة والموثوق بها عن تحليل الاقتصاد، الدراسة الأخيرة اسمها: "فاشل من حيث التصميم". انها تعرض حقائق بسيطة وتستحق القراءة. انها عرض بسيط جدا لكثير من الحقائق. تعرض الحقائق عن تأثير ما يسمى بالسياسيات النيوليبرالية خلال العقد الأخير والتي تتضمن تركز الثروة بشكل مذهل بينما ركدت وانخفضت الرواتب والمداخيل وزادت ساعات العمل أكثر بكثير مقارنة بأوروبا. نظام الاعالة الضعيف قد تآكل. بالمناسبة هذا يحصل في أغنى وأقوى دولة في التاريخ والتي لديها مزايا استثنائية. أشار مؤلف الدراسة الى أن الفشل الذي يتحدثون عنه أساسه فئوي، أي ان المصممين كانوا قد حققوا نجاحا مذهلا! وكذلك يؤكدون على أن السبب هو التصميم أي أنه كان هنالك سياسات بديلة وهي دائما ممكنة وما زالت ممكنة، لكنها تحتاج الى ذلك النوع من النشاط الذي جلب النيو ديل (النيو ديل: معناها الحزمة الجديدة وهي حزمة من البرامج الاقتصادية التي جاءت استجابة للكساد الكبير وتركزت على ما أسماه المؤرخون بالاغاثة والانعاش والاصلاح)، خطوة تقدمية في الستينيات تعود بداياتها الى ما قبل ذلك بكثير (عام 1933) من أجل فعل شيء حيال هذا، أعني ان التقدم لا يأتي كهدية من السماء. اقتصاد ما بعد العصر الذهبي والذي تم عرضه من قبل هذا الكتيب (العصر الذهبي لاقتصاد الولايات المتحدة يمتد من عام 1945 الى العام 1970).
انه في الواقع يمثل كابوسا كان قد تصوره اقتصادييون قدماء، آدم سميث وديفد ريكاردو، كلاهما أدركا -وبالطبع حديثهم عن انجلترا- أنه اذا ما قام التجار والمصنعون البريطانيون بالاستثمار بالخارج وبالاعتماد على الاستيراد، سيربحون، لكن انجلترا ستعاني. كلاهما تمنيا أن يتم تجنب هذه العواقب بما يسمى في الأدب: التحيز للوطن، أي الأولوية لتشغيل الأعمال داخل الوطن ورؤية الوطن ينمو ويتطور، وبناء على ذلك، كأنما وعن طريق يد خفية سيتم انقاذ انجلترا من خراب الأسواق العالمية.
في الحقيقة ذلك هو الظهور الوحيد للعبارة المشهورة: اليد الخفية في كتاب آدم سميث القديم. ويلث أوف نيشنز (ثروات الأمم) من الصعب نسيانها، انه الظهور الوحيد لها وبالأساس هي حجة ضد العولمة النيوليبرالية. ديفد ريكاردو خليفة آدم سميث تمنى أن - والفضل في أنه خليفته يعود الى ايمانه بالتحيز للوطن.
أنا أقتبس منه الآن "معظم الملاكين سيكونون راضين بمعدل الأرباح القليلة في بلدانهم بدلا من البحث عن توظيف مربح أكثر لثرواتهم عند الأمم الأجنبية، مشاعر آسف لرؤيتها تضعف".
نفس النقطة بالجوهر في الحقيقية لم أضطلع على هذا الاقتباس الا بعد قرائتي لكتاب مهم عن العولمة والذي قدم هنا من قبل مركز السياسات الاقتصادية في آخر ثلاثين سنة كتاب آدم سميث ماسترز أوف مان كايند (أسياد البشرية). ترك اهتماما عاطفيا تجاه رفاه مجتمعهم بدلا من التركيز على الأرباح القصيرة المدى والمكافآت الضخمة مما سيجعل البلد ملعونة طالما أن الدولة القوية الخادمة ستبقى سليمة لتخدم مصالحهم. التصورات النامية موصوفة بشكل ممتاز في كتيب للمستثمرين أنتجته سيتي جروب، انه بنك استثماري ضخم والذي -ولمرة أخرى- يتغذى على أموال الناس، يفعل ذلك بانتظام منذ ثلاثين سنة بدورة من القروض الخطرة والعائدات الضخمة ثم انهيار، ومن ثم انقاذه من قبل الشعب. محللو البنك -هنالك كتيب للمستثمرين- يصفون عالما مقسوما الى كتلتين، احداهما يسمونها الكتلة البلوتونومية (بلوتونومي: الكلمة مركّبة من كلمة بلوتو كرسي وتعني حكم الأثرياء مع كلمة ايكونومي وتعني الاقتصاد، وتستعمل لوصف الاقتصادات التي يتفاوت فيها مقدار الثروة بشكل كبير جدا بين طبقات المجتمع) والأخرى هي بقية الناس،الأكثرية الساحقة. الآن وفي بعض الأحيان يسمون البروكاريوت العالميون (بروكاريوت: الكلمة مركّبة من كلمة بريكاريوس وتعني غير مستقر مع كلمة بروليتاريا وتعني طبقة العمال) هؤلاء الذين يعيشون حياة غير مستقرة اذا ما كانوا محظوظين كفاية للحصول على وظيفة أم لا في الولايات المتحدة هم خاضعون الى نمو عدم الأمان الوظيفي، اذا لم تعرفوا هذا أساس للاقتصاد الصحي.





*تحمل المعاناة ليس ضرورة!*


رئيس الاحتياطي الفدرالي ألين جرينسبان وضح ذلك للكونغرس عندما كان يستعرض براعاته في ادارة الاقتصاد أمامهم. أعتقد أن تلك هي النقلة الحقيقية في المجتمع العالمي ليس للصين والهند بل للكتلة البلوتونومية العالمية ومحللو سيتي جروب يفهمون ذلك، هم ينصحون المستثمرين بالتركيز على الأثرياء جدا حيث يوجد النشاط، لديهم شيء يسمى بسلة الأوراق المالية البلوتونومية وهي استثمارات على أشياء يريدها الأثرياء، وأشاروا الى أنها تتفوق على المؤشرات العالمية للتنمية الاقتصادية بكثير منذ سنة 1985، ذلك عندما انطلق برنامج ريغان الاقتصادي الذي شق الاقتصاد والذي يغني الأثرياء جدا ويعاقب البقية، وبتمزيق بقايا الديمقراطية السياسية.
الأسياد قاموا أيضا بوضع الأساسات للاستمرار في دفع هذه العملية المميتة الى الأمام وسيستمرون في فعل ذلك طالما أن ضحاياهم مستعدون لتحمل المعاناة بصمت والذي هو دائما خيار ومن غير الممكن أن يكون ضرورة. (انتهى)





*نص محاضرة أُلقيت في جامعة ماساتشوستس في السابع والعشرين من أيلول 2012