الصراع السياسي داخل الحزب الشيوعي الصيني ...؟


علي الأسدي
2013 / 8 / 27 - 02:32     

كنت قد اشرت في الجزء الخامس من مقال سابق لي تحت عنوان " الصين الشعبية والانتقال الى الراسمالية " في 17-2-3013 بأن مناقشات واسعة تدور داخل المجتمع الصيني حول عدم المساواة الواضحة في توزيع ثمار النمو الاقتصادي. فهناك اعدادا متزايدة من المثقفين والناشطين الاجتماعيين يضغطون من أجل اعادة التفكير ببرنامج " اشتراكية اقتصاد السوق " وبضرورة انعاش المشاريع الاقتصادية القائمة على الملكية العامة لوسائل الانتاج ، وأن يعاد توزيع الدخل والثروة من الأثرياء الى الفقراء لضمان الاستقرار الاجتماعي. ويقود هذا التيار من اطلق عليهم " اليسار الجديد " الذين عرفوا بميولهم للنظام الاشتراكي في عهد الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ.

وقد تصاعدت شعبية اليسار الجديد داخل المجتمع الصيني وخاصة في أوساط الطبقة الوسطى والأجيال الجديدة من الطبقة العاملة ، ومما ساعد على انتشار شعبيتهم هو نقدهم لظاهرة عدم المساواة داخل المجتمع الصيني. ويعرف عن سكرتير الحزب الشيوعي لمدينة جونغ كينغ Bo Xial Lai بانه قائد الجناح اليساري في الحزب ويحضى بشعبية داخل وخارج محافظته ، ويتوقع انضمامه للمكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني. لكن الجناح اليميني في الحزب يحاول اضعافه والتقليل من نفوذه داخل المجتمع الصيني.

فقبل فترة طويلة من توجيه التهم له بالفساد وتقديمه للمحاكمة في فبراير- شباط عام 2012 كانت هناك اشاعات يتداولها الناس على نطاق واسع بأن بو أكسيال لن يستمر في منصبه ، حيث من المحتمل أن يقوم اليمين بالاساءة الى سمعته وقد يفبرك ضده اتهامات كحجج للتخلص منه. فالجناح اليساري يزداد قوة داخل الجماهير الصينية في مقابل يمين مهيمن على قيادة الدولة والحزب ، فالانقسام داخل قيادة الحزب الشيوعي حقيقة يلمسها الناس في حياتهم اليومية.

اليمين المهيمن على الحزب يعرف جيدا إن اي تغييرات معتدلة باتجاه اليسار يمكن ان تقود لمزيد من التغييرات باتجاه الاشتراكية الذي قد يزعزع السياسة الاقتصادية السائدة القائمة على اقتصاد السوق ولهذا فمن غير المحتمل أن يتم التساهل مع صعود ممثلي اليسار الى مواقع قيادية في الحزب .

وقد اثبتت المحاكمة التي تجري منذ حوالي العام بأن الاشاعات التي تداولها الناس حول مصيرBo Xial Lai كانت صحيحة تماما ، وان التهم الموجهة له مفبركة ولا أساس لها من الصحة. وقد تناول الصحفيون في الغرب موضوع بو بحذر شديد منوهين بأن المحاكمة هي سياسية قبل أي شيئ آخر ، وانها واحدة من المحاولات القذرة للتخلص من المنافسين السياسيين بأي وسيلة لابقاء هيمنتهم كاملة على الحزب والدولة.

وتتوقع قناة بي بي سي البريطانية الاخبارية أن المحاكمة ستجري بسرعة وستصدر حكمها بادانته ، بدليل انعقادها خلف الأبواب المغلقة ومنع ممثلي الصحافة ووكالات الأنباء من حضور المحاكمة.

لقد نفى أكسيال بو التهم الموجهة له بالفساد ، وأكد أنه كان ضحية خديعة للايقاع به. وأعلن بو أكسيال أن مدير شرطته وانغ ليون هو من فبرك التهم ضده بعد اكتشاف علاقته المشبوهة مع زوجته ، اضطر على اثرها للهرب خوفا من البطش به وطلب اللجوء في القنصلية الامريكية في جونغ كينغ وهي المحافظة التي يشغل هو سكرتير الحزب الشيوعي فيها.

حادثة اكسيال بو ليست الأولى كما لن تكون الأخيرة ، فمئات الملايين من العمال الصينيين يتوحدون في تشكيل اتحاداتهم العمالية المستقلة ، ويقومون باضرابات لتحسين مستويات الأجور وظروف العمل ، بنفس الوقت الذي يزدادون فيه قوة ووعيا بمصالحهم ودورهم في الحياة السياسية والاجتماعية.

محاكمة واحد من قادة اليسار في الحزب الشيوعي الصيني ليست دليلا على قوة النظام ، بل مؤشرا على ضعف وخوف الفئة الحاكمة من الفعل الجماهيري. وليس بعيدا ذلك اليوم الذي سيتمكن فيه مئات ملايين العمال الصينين من ازاحة سلطة رأس المال وفرض سلطتهم هم ومباشرة بناء الاشتراكية من جديد.
علي الأسدي