مواقف وقضايا: فخ البروليتاريا


عذري مازغ
2013 / 8 / 25 - 02:55     

تهدف الرأسمالية إلى شيء أساسي في حياتها ، أن تحول كل شيء إلى سلع، الإنسان، البيئة، الطبيعة، الأرض، السماء، الماء،، كل شيء، ويمكن تجميل الأمر بوضع قاعدة أساسية في الإقتصاد الرأسمالي المهيمن هو: كل شيء في هذا العالم هدف اساسي لها في تحويله إلى سلع: تقوم سياسة الخوصصة إلى نزع الطابع الإجتماعي لهذه الأشياء لتكون سلعا خاصة تلعب دورا في تنمية الرأسمال وتراكمه..
في المنظومة الشيوعية الكلاسيكية، كان العمل النضالي ينزع تماما إلى تأطير الطبقة العاملة كشرط أساسي لإنضاج الثورة العمالية وتحقيق القفزة النوعية في تغيير النظام الإقتصادي بإعادة تملك وسائل الإنتاج لتصبح في ملكية المجتمع.. نسمي عادة هذا العمل بالعمل الثوري، هذه العملية من الإنضاج وتوفير ظروف التغيير هي عمليا فعل يقع على واقع معين لأجل تغييره، وهذا الفعل او هذه العملية من إنضاج الشروط، إذا نظرنا إليها نظرة تأمل خاصة هي تعني في ما تعنيه، طبخ الشروط الثورية والتدخل في عملية قلب او تغيير السيرورة التاريخية او التطور الطبيعي للرأسمالية، فكما أن الرأسمالية الغربية انضجت الظروف في التحكم في الشعوب خارج مركزيتها بإخضاع سيرورتها التطورية لأفق منطق الرأسمالية السلعي باستعمارها أولا ثم بإخضاعها اقتصاديا ثانيا، فإن الواقع التجريبي لهذه الحركة الإمبريالية يعبر تجريبيا على قدرة الإنسان في تغيير السيرورة الطبيعية للتاريخ، وهذا يعبر تجريبيا على أهمية تثوير الحياة وإنضاج شروط التغيير التي عبرت عنها بشكل خاص الماركسية اللينينية ولا يهم بعد ذلك ما إذا كانت ناجحة هذه الثورة أم لم تنجح فهي حققت قفزة كبيرة وحرقت مراحل كبيرة من تاريخ الإتحاد السوفياتي بالإنتقال به من مرحلة تخلف اقتصادي إلى مرحلة الإلتحاق بمصاف الدول المتقدمة، لا يهم هنا ما إذا كانت الثورة السوفياتية هي عمليا ثورة تمت بالبروليتاريا ام هي ثورة تمت بإنضاج ظروف التحول باعتماد الممكن والمتاح موضوعيا عبر انتفاضة وجدت في المقام الأول احزابا او حزبا قويا منظما وفاعلا في احتواء فعل التحول وإخضاعه لمنطقه الإيديولوجي لتصبح وهميا ثورة بالبروليتاريا وبالتالي سيحكم الإتحاد السوفياتي بقبضة من حديد باستعمال اسم ديكتاتورية البروليتاريا..يمكن بهذا الصدد القول بأن لينين بقولنا اعتمد على الممكن والمتاح، انه اعتمد في ثورته على قطاع كبير من طبقة الفلاحين الصغار والمتوسطين بالإضافة إلى الطبقة العاملة على قلتها كما اعتمد على قطاع مهم من البرجوازية الصغيرة التي كانت ترى في التغيير ضرورة ملحة.. هذا العمل الثوري الكبير أتاح للرأسمالية التنبيه أكثر إلى خطورة ما يسمى في الإتحاد السوفياتي بثورة البروليتاريا
مما جعلها داخليا، أي في مركزيتها نفسها ستنزع هي الأخرى إلى تأطير الطبقة العاملة نفسها وإخضاعها هي الأخرى إلى أفق منطقها بتحويلها من طبقة بؤس إلى طبقة تحظى بالظروف الإقتصادية المريحة كالتي للطبقة المتوسطة بتفعيل صناديق التعاضد الإجتماعي، وإنشاء مؤسسات التأمين بشتى أنواعها مخصصة في ذلك جانبا من فائض الربح العام المستصاغ جانب منه من العلاقة التي يتم بموجبها إخضاع العالم المتخلف، اعتمدت في هذا الإطار على احتواء النقابات العمالية بتعميق الحوار معها وتحقيق الكثير من مطالبها الحقوقية والإجتماعية التي، وكنتيجة لتلك المفاوضات تحقق كما أسلفنا تأسيس مؤسسات التعاضد بمختلف أشكالها واهدافها لتضمن استقرارا وتعايشا طبيعيا ساهم أكثر في إطالة عمرها. يمكن استخلاصا القول بان الماركسية في تفجيرها للتناقض الطبقي، أنها نبهت بذلك إلى إذابته والتخفيف من حدته بخلق آليات التعاضد الإجتماعي وبالتالي خلق نوع من الخدمات التي تبشر بها الإشتراكية..
سيلاحظ هنا أن الرأسمالية، بناء على قيم النضال التي بنيت عليها الإشتراكية، ستنزع إلى عملية استباق في معالجة اشكالية الصراع الطبقي هذه بآليات الإشتراكية نفسها، أي باستعمال العنصر نفسه الوريث إيديولوجيا للثورة ضد الرأسمالية، وستعمل على تدجينه من خلال رزمة حقوق اقتصادية واجتماعية هي من زاوية الوعي الفطري تمثل قمة السخاء الرأسمالي، بهذه العملية ستقتل الفعل السياسي للطبقة العاملة لصالح الفعل النقابي الذي ينزع في مبدئه الأساسي إلى التركين في جانب من معادلة تلك القولة الشهيرة: "الحقوق تنتزع وليست تعطى"، فالنقابات ستحتل بشكل دائم موقع المنتزع في عملية انتزاع لا تنتهي، فهي عمليا تضع الآخر من المعادلة في موقف العاطي باستمرار أو المنتزع منه باستمرار في الوقت الذي، عمليا، تطرح في الأفق صيغة بديلة لتلك المعادلة الشهيرة تتمثل في عدم الإعتراف بالعاطي أو المنزع منه أصلا، وسيكون هذا موضوعا آخر بعد الإنتهاء من تحليل فخ البروليتاريا.
عاش القرن العشرين كله هذا الصراع من التنازع حول الطبقة العاملة بين الأحزاب الشيوعية ذات الإستراتيجية اللينينية (إنضاج ظروف التحول) والرأسمالية نفسها التي عملت على تدجينها، وعمليا تحسنت ظروف الطبقة العاملة في قطب الرأسمالية مقارنة مع نظيرتها في الإتحاد السوفياتي باعتبار أن ذلك التحسن هو نفسه عمل التدجين (سيارة، منزل، عطلة مؤدى عنها، أضف إلى ذلك المزايا الإجتماعية الأخرى)، وطبيعي جدا أن تكون المقارنة مجحفة لو أنها صيغت في الإتحاد السوفياتي برامج لتقوية التعاضد الإجتماعي وصولا إلى خلق الرفاه الإجتماعي الذي يريده العمال، الإتحاد السوفياتي عمليا كان مجحفا في حق العمال، كان يمنحهم فقط قيمة ما كان يسميه ماركس بساعات العمل الضروري، وهذه هي النقطة الغير مثارة في موضوع فشل التجربة السوفياتية التي عملت على تغذية العمال بالأوهام الإيديولوجية، بينما الدولة كانت تأخذ فائض الإنتاج بتمامه وتعيد توزيع جزء منه على شكل امتيازات بيروقراطية من جهة والجزء الآخر الأكبر منه في بناء ترسانة التسليح بشتى أنواعها أما باقي القطاعات فكانت تخصص لها ميزانيات متدنية، وهو الشكل الذي خلق نوعا من التذمر في الأوساط الإجتماعية التي لم تحرك ساكنا أثناء الإنهيار الشامل للإتحاد السوفياتي..
من جهة أخرى كانت الأحزاب الشيوعية المسلحة بالنظرية اللينينية في باقي دول العالم متربصة في إنضاج الظروف والمراحل التاريخية للقيام بالثورة في بحث شاق عن الطبقة العاملة المؤهلة نظريا بالقيام بالثورة، هذه الطبقة المشتتة النزوع بين المزايا الرأسمالية في تحسين ظروفها والحلم الإشتراكي الغير متحقق عمليا، هذا النزوع المشتت بين ما تحقق في أوربا الرأسمالية وبين المزايا الإيديولوجية في الإتحاد السوفياتي كان عمليا لصالح النزوع لما تحقق في أوربا وشمال أمريكا وهو نزوع حال دون التأطير الموضوعي للأحزاب الشيوعية، ثم إن استقلال النقابات وفصل العمل النقابي عن العمل السياسي أدى إلى موت هذا التأطير عمليا، فالنقابات كانت تناضل لأجل انتزاع بعض الحقوق الملموسة بينما العمل السياسي للأحزاب كان فارغا من أساسه المادي وصولا إلى موت العمل النقابي نفسه من خلال استنفاذ آلياته( أشير بهذا الصدد فقط إلى موضوعة الأجور العمالية في أوربا، بعض الدول ترفع هذه الأجور في مفاوضات شكلية محدد أفقها سابقادون حاجة إلى إضرابات أو حركات احتجاجية، بمعنى كلما زادت الأسعار كلما رفعت الأجور) بالتجاوز من خلال إلمام الرأسمالية بورقة العمال وخطورتهم وصولا إلى تحويلهم إلى طبقة متوسطة (هذا التعبير مني للتعبير على مستوى عيش هذه الطبقة في أوربا في إطار تطورها التفاوتي التاريخي،وليس أنها طبقة متوسطة عمليا) كما أشرنا خصوصا مع تصدير الصناعات الكبيرة أوالملوثة والتي أيضا تحتاج إلى يد عاملة رخيصة إلى بلدان الهامش. وانطلاقا من هذا النزوع المشتت يمكن القول بأن الطبقة العاملة في الظروف المراهنة على تحسين مستوى عيشها خضعت للإبتزاز الوصولي ومات فيها الحس النضالي، ثم إن الطابع الوصولي المتحكم في طبيعتها كطبقة هو تحسين ظروفها المعيشية اكثر من التزامها المبدئي بتغيير ظروف الإستغلال، فهي يحكمها منطق الإنتزاع الذي يضعها في موقف متميز عما هو موقف الآخر المانح وهي علاقة تخضع لمنطق تفهم الظروف العامة للآخر من حيث يمنح لها وهي أيضا علاقة جدلية الفوق والتحت..
يمكن التنظير دونما توقف في جدلية النقابي بالسياسي في شقيها المختلفين، ذاتيا تتحدد هذه العلاقة من خلالي النقابي وحده باعتبار كل مطلب حقوقي، اقتصادي واجتماعي هي التحليل الأخير مطالب سياسية وإن اتخذت شكلا خبزيا كما يقال، لكن يمكن الإقرار بأن هذه الجدلية في شقها الآخر، النقابي بالحزبي، ليست تماما العلاقة السليمة بل هي لب الوصولية السياسية، هذه العلاقة في الغالب الأعم، وخلافا للموقف النظري الذي ينظر لما يجب أن تكون عليها هذه العلاقة، في التحصيل الأخير، في الممارسة التطبيقية وعبر مسارات النضال طيلة القرن والعشرين وبداية القرن الواحد والعشرين خضعت هذه العلاقة إلى وصولية الحزبي على حساب النقابي، تقوم الأحزاب عادة بالتحريض النضالي في كل مساوماتها السياسية، في الغرب مثلا، تعرف الحركة النقابية والعمالية زخما نضاليا مع وجود أحزاب يمينية في الحكم، وتراجعا ملحوظا مع وجود أحزاب اليسار، مع قرب أفول القرن العشرين بدأت أيضا أحزاب اليمين تقيم شقوقا نقابية تابعة لها (في المغرب مثلا لكل حزب نقابته بالتقريب النسبي).. خلاصة القول: لعبت الطبقة العاملة فخ كل النضال السياسي في الصراع الرئيسي الدائر بين الطبقة الرأسمالية والطبقة العاملة، مصت خلاله الطبقة العاملة حدة الصراع من خلال تبادل الأدوار بين اليمين واليسار أصابت في الصميم العمل السياسي بمرض الوصولية البنيوية، مقابل ذلك بقيت الرأسمالية تحصد مكاسب عديدة من خلال تدبيرها لعملية الشغل من خلال آلية التكافل الإجتماعي إلى تحسين ظروف الشغل إلى تصدير الطبقة العاملة، موازاة مع ذلك أعادت صياغة التحكم في السيطرة الطبقية من خلال مراكز الضغوط في فرض شروطها السياسية دون حاجة في أن تكون هي على عرش السلطة..إلا أن ما يمكن تسجيله بهذا الصدد هو هذا التحول في تحكمها في الطبقة العاملة التي يفترض أن تكون قريبة للأحزاب الشيوعية، فإذا كانت الطبقة العاملة هي في الآلية الماركسية عصب الصراع ضد الإستغلال الطبقي، فهذه الآلية الرئيسية في الفكر الماركسي هي نفسها التي استعملتها الرأسمالية في ديمومتها الطبقية، ويمكن القول تبعا لذلك أنها لعبت دور المركز الجالب لكل التناقضات (دور الثقب الأسود في العلوم الفزيائية) فهي كانت في الإيديولوجية الماركسية (اللينينية بالتحديد)الطبقة الثورية، وهي كانت أيضا بالنسبة للرأسمالية الآلية التي بها تستطيع إدامة سيطرتها، لكن تبقى الإشكالية مطروحة في الفكر الماركسي هي : لماذا الطبقة العاملة وحدها لها هذا الدور، أليس في الأمر نوعا من التفكير الميكانيكي؟ ولماذا ليست هناك آليات أخرى؟ ولماذا مثلا لا نعتمد كماركسيين آليات أخرى لعكس الآية منآليات النظام الرأسمالي نفسه انطلاقا من القولة العامة لماركس نفسه: تخرج الشيوعية من رحم الرأسمالية نفسها؟
...يتبع