مبادئ برسم النقاش حول إعادة بناء الحركة العمالية

وليم رايش
2013 / 8 / 24 - 09:15     

خلاصة التغييرات المنهجية التي تفرض ضرورتها ملاحظة الأخطاء الماضية

مبادئ برسم النقاش حول إعادة بناء الحركة العمالية




نقدم لقراء الموقع هذا الملحق المأخوذ من كتاب الثوري الألماني "وليم رايش"؛ ما الوعي الطبقي؟ نحو علم نفس سياسي للجماهير"، الصادر عن دار الطليعة بيروت، والمترجم من طرف جورج طرابيشي.

غاية الكتاب في الأصل هو البحث عن "سبيل للحيلولة دون السقوط في الشيخوخة السياسية، عرقوب أخيل كل حركة ثورية"، حسب تعبير مقدمة المترجم.

يحتوي هذا الملحق جملة أساليب للعمل ونصائح وتوجيهات مقدمة من طرف مناضل، عايش سقوط أكبر حركة عمالية تحت ضربات النازية، ولكن أيضا تحت "أخطاء" شنيعة للحزب الشيوعي الألماني، والحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، ما سهل انتصار النازية.





مبدأ: من المستحيل تقديم تعليمات مفصلة. والمطلوب وجود مبادئ للتحليل وللحكم محددة تحديدا جيدا ليجري تطبيقها على الحالات الخاصة. فإذا كان المبدأ صالحا، فلن تقترف أخطاء في الحالات الخاصة. وإذا كان المبدأ مغلوطا، فسيكون خطر الوقوع في الأخطاء كبيرا ولن يكون مرد الأحكام التفصيلية الصائبة إلا على المصادفة.

الحكم على الحدث السياسي

1- كي نفهم كل سيرورة ثمة سؤالان يفرضان نفسهما:

أ- هل هذه السيرورة ثورية الاتجاه أو رجعيته؟

ب- هل يعتقد أولئك الذين ينجزونها بأنهم يعملون باتجاه الاشتراكية أو باتجاه الرأسمالية؟

(إن المظهرين الموضوعي والذاتي مختلفان في غالب الأحيان: فـ"الفصيلة الهجومية" مضادة للثورة موضوعيا، وثورية ذاتيا).

2- حتى نكون على مستوى المهمة، من الضروري عند إصدار كل حكم واتخاذ كل موقف أن نطرح على أنفسنا الأسئلة التالية:

ماذا يجري بين مختلف فئات الجماهير؟

ما إيجابياتها وما سلبياتها بالنسبة إلينا؟

كيف تعيش الأحداث السياسية الجماهير الواسعة غير المسيسة، أو المشوهة من قبل الأيديولوجيا؟

ما شعور الجماهير حيال الحركة الثورية؟

3- إن كل حدث متناقض، ويشتمل على عوامل جاذبة وعوامل نابذة للثورة؛ وليس التنبؤ أو التوقع بممكن إلا بشرط:

أ- فهم التناقضات.

ب- صياغة مختلف احتمالات تطور الموقف (العوامل الرجعية والثورية..).

4- تشتمل السيرورة الاجتماعية في آن واحد على قوى تقدمية أو رجعية، ويكمن كنه العمل الثوري في فهم هذين النوعين من القوى وفي تشجيع الميول الثورية (الشبيبة الهتلرية على سبيل المثال: الحرية الجنسية قوة ثورية، والإيمان بالسلطة قوة رجعية).

5- ليست الحاجات في خدمة الاقتصاد، وإنما الاقتصاد في خدمة الحاجات.

6- من الضروري أن نتصور رجال الشرطة وغيرهم من الخصوم وهم في ملابسهم الداخلية. وكذلك الحال بالنسبة إلى كل سلطة يهاب جانبها.

حول منهج العمل

7- إن الإيحاء كوسيلة لاجتذاب الجماهير لا يليق إلا بالرجعية السياسية؛ فليس للحركة الثورية أن توحي، وإنما عليها أن تقول كل شيء للجماهير، وأن تحرز وتصوغ رغبات الجماهير المبهمة غير المفصح عنها.

8- إن الدبلوماسية السرية هي شكل سياسة الرجعية. أما السياسة الثورية فقوامها التوجه الدائم إلى الجماهير، ونبذ السياسة السرية.

9- إذا أسقطنا على الجماهير رغباتنا الخاصة وإذا لم نحكم على الموقف الفعلي حكما مستقلا عن رغباتنا الخاصة، نكون قد أسقطنا من حسابنا الرغبات التي تمكن تلبيتها بسهولة تفوق سهولة تلبية أي رغبات أخرى (إسقاط الوضع على الجماهير كما تراه جماعة فئوية صغيرة).

10- تقود النزعة الاقتصادية إلى الفشل والإخفاق: فالإنسان هو الذي يصنع التاريخ، لا الآلة. الإنسان يستخدم الآلة. والاقتصاد لا يتحول مباشرة إلى وعي، لكن هناك العديد من الحلقات المتوسطة، كما أن هناك تناقضات –على سبيل المثال: العامل المسيحي، المرأة الفقيرة المناصرة للنازيين، الخ..).

11- من البدهي أن تتمرد الجماهير على البؤس المادي والجنسي. وعلينا أن نتذكر على الدوام أن المشكلة الحقيقية هي أنه ليس من المستبعد أن تتصرف الجماهير في عكس مصلحتها ("السلوك العقلاني")؛ على سبيل المثال أن تدافع النساء على الزواج حتى حين يكون عليهن عبئا، أن ينسى العمال الاستغلال حين يكون المصنع في ازدهار، أن يناصر الشبان القمع الجنسي.

12- ينبغي ألا نحمل الوعي الطبقي إلى الجماهير في شكل دروس يلقيها الأستاذ من أعلى المنبر، وإنما ينبغي أن ننميه ونطوره من حياة الجماهير. لنسيس الحاجات جميعا.

13- أن نشرح بوضوح تام أن البروليتاريا حين تدافع عن مصالحها الخاصة تمثل في الوقت نفسه مصالح مصالح الشغيلة قاطبة. لا تعارض بين البروليتاريا والطبقات المتوسطة. والبروليتاريا الصناعية في ظل الرأسمالية المتقدمة أقلية عدديا، ناهيك عن أنها متبرجزة.

14- لا منشورات بالمرة (أو غير ذلك من أشكال التحريض) خير من منشورات رديئة. حذار من إصابة الجماهير بخيبة الأمل! ليست النيات هي الشيء الحاسم، وإنما التأثير على الجماهير! لنوطد جسر الثقة قبل أي محاولة للتأثير على الجماهير، وعلى سبيل المثال: أن نسلم بأننا نجهل بهذا الشيء أو بذاك.

ألا نسأل الجماهير نشاطا أكثر مما تستطيع أن تبذله. ليكن عملنا تدرجيا! وليكن أيضا راسخ الأسس، طويل النفس، ولكن لنكن على أهبة الاستعداد لأحداث طارئة!

16- إن الجماهير الواسعة اللامسيسة هي التي تحدد دوما مصير الثورة. لنسيس إذن الحياة الخاصة، الحياة العادية في الأماكن العامة والمراقص ودور السينما والأسواق والمخادع والفنادق ومكاتب المراهنات! إن الطاقة الثورية لمتراكمة في الحياة اليومية!

17- ليأت تفكيرنا من وجهة نظر أممية، لا من وجهة نظر قومية (نحن لا نهتم في ألمانيا بالجبهة الواحدة في فرنسا وفي مقاطعة السار، أو بالثورة الصينية).

نحن- الحزب

18- ثمة شكلان من الوعي الطبقي: فوعي الجماهير الطبقي يختلف عن وعي القيادة (من جانب، حاجات الشبان، وعلى سبيل المثال الحاجة إلى مسكن مستقل، ومقاومة الشغيلة لتدني الأجور، وتمرد أعضاء "الفصيلة الهجومية" على تجريدهم من السلاح، ومن الجانب الآخر معرفة أوالية الأزمات والتقنية والتخطيط الاشتراكي، ومعرفة التناحرات الإمبريالية والسباق العالمي إلى التسلح، وكذلك التقييم الصحيح والبالغ الدقة لحاجات الجماهير).

19- ليس المشروع أو البرنامج هو الذي يحدد القوة السياسية لمنظمة من المنظمات أو لحركة من الحركات، وإنما الذي يحدد قوتها هذه قاعدتها الجماهيرية، أي ما يتجاوب فيها مع رغبات الجماهير. لا تستطيع القيادة الثورية إذن أن تسمح لنفسها بالذبذبة والمراوغة على نحو ما فعل غوبلز، على سبيل المثال، إذ استطاع الإفلات من مجزرة 30 يونيو بوقوفه في الجانب "الصحيح"، هو الذي لم تكن تقيد حركته قاعدة جماهيرية.

20- سؤال أساسي: ألست مصابا، أنا الثوري، بعدوى الروح البرجوازية، الدينية، التهذيبية؟ ألا تربكني هذه العدوى في عملي الثوري؟ ألست أومن أنا الآخر بالسلطة؟

21- لا يجوز للقيادة الثورية أن تعتقد ذاتيا فحسب بأنها تعمل للثورة، بل ينبغي أيضا أن تعمل لها موضوعيا!

22- ينبغي بذل كل ما في الإمكان حتى لا تصحح الأخطاء المنظورة في المستويات الدنيا فحسب، بل في القمة أيضا.

23- يجب أن يخضع الخط السياسي باستمرار لرقابة القاعدة (النقاش الداخلي).

24- لا يمكن الاكتفاء بتغيير السياسة بدون الإعلان على ذلك، أو حتى خفية عن الأنظار، مما يؤدي في هذه الحال إلى زرع اللبس والفوضى. بل يقضي الواجب بتقديم شرح مفصل ودقيق لأعضاء الحزب عن كل تغيير في السياسة، وبإخضاع، الأخطاء المرتكبة لنقد ذاتي بدلا من إلقاء تبعتها بصورة ميكانيكية على عاتق المستويات الدنيا ("لأن مقررات المؤتمر كذا للحزب لم تطبق على الوجه الصحيح").

25- ينبغي هنا أن تطرح مشكلة القيادة، مشكلة تجديد الكوادر المتوسطة والدنيا. ومن لا يتوقع الأحداث ولا يستبقها، ومن يلهث خلفها، هو قيادي رديء لن يحرك ساكنا سوى أنه سيمتثل لضغط الجماهير.

26- البحث من الآن عن كيفية التحاشي المسبق لإصابة منظمة ثورية حية بمرض البيروقراطية. لماذا يتحول العامل بسرعة إلى متنفذ كلي الوقار حين يرقى إلى الكادر؟ إن خير معيار هو تبني الأخلاق الجنسية في موضوع الزواج وحياة الشبيبة!

27- كيف وبما نتعرف الخائن أو العميل أو المخاتل الذي ما يزال أمره رهن المستقبل، والذي سيقلب ظهر المجن ويغير رأيه في اللحظة الحاسمة، كيف وبم نتعرفه حتى قبل أن يعرف نفسه أو يشعر بما يختبئ تحت جلده؟ الجواب: (حب الرسميات والدبلوماسية، المرونة في الدفاع عن وجهة نظره الخاصة، الشطط في الرفقة ولألفة، الإعلان الصاخب عن عواطفه الثورية، الخ).

28- كيف السبيل إلى التحقق من صفات الثوري الأصيل؟ (بساطة الملبس، القدرة على الاحتكاك المباشر، موقف طبيعي في المجال الجنسي، لا ثرثرة، لا الانتماء العاطفي إلى الاشتراكية فحسب، بل أيضا وفي المقام الأول الانتماء الفكري، عدم سلوك مسلك المتنفذ في الوظائف العليا، لا موقف أبوي تجاه المرأة والأولاد).

29- بنية حزب الغد: كيف النخب لا كمها! النخبة (الحزب) + جمهرة الأنصار = سهولة التنسيب، إعادة العمل بفترة التجريب والاختبار قبل قبول العضو في الحزب.

30- من الضروري عدم تحميل المسؤولين ما فوق طاقتهم! ومن الضروري توفير أوقات فراغ لهم بلا تقييد! لا التخلي عن الحياة الخاصة، بل تنظيمها حسن التنظيم! لنعمل على الدوام على تكوين بدلاء وعلى تأمين الاحتياطي الكافي منهم. تجزئة العمل وتوزيعه. اجتماعات قصيرة ولصيقة بالوقائع. تشجيع النقد الفعلي، وتجنب المماحكات بكل حزم. العمل على الدوام على فهم وجهة نظر الآخر أولا! تجنب الأعمال التي لا غد لها، وتحاشي "الحملات"، والعمل في أبعد عمق ممكن، بحيث ينفلت العمل من عقاله من تلقاء نفسه.

31- لا بطولة غير مجدية! لا أن نتباهى بالشهادة، بل أن نوفر قوانا فلا نبددها هباء! الذهاب إلى السجن ليس أمرا صعبا ولا مجيدا، والفن الأعظم هو عدم الذهاب إلى السجن! لا الإعلان عن "التضامن البروليتاري"، بل انتهاج تضامن فعلي (راجع أخطاء "المعونة الحمراء").

32- غالبا ما تربك النزاعات والعلاقات ذات الطابع الشخصي العمل! لنتعلم كيف نسيس المسائل الشخصية، لا أن ننحيها جانبا (على سبيل المثال: المرأة التي تحتجز زوجها غيرة، أو العكس).

33- ينبغي أن نتعلم كيف نغير رأينا، ولكن هذا لا يعني أن نكون بلا قناعات. من الضروري التحقق من أن التعلق بالتنظيم لا يحول دون رؤية الواقع وجها لوجه (إن التنظيم الثوري والتضامن الواعي ضمن إطاره هما أساس العمل الثوري بالنسبة إلى الفرد، ولكن حين يتحول التنظيم لا شعوريا إلى بديل للبيت والأسرة، فقد يشوش رؤية الواقع).

34- الحرص على الدوام على إحاطة المشكلات الداخلية بالعلانية التامة (هذا لا ينطبق بالطبع إلى على الحزب الشرعي). السياسة السرية داخل الحزب ضارة. من يخف رأيه، فليس منا. كذلك حال من يضع قضية الثورة في خدمة التكتيك، وليس العكس.

35- تطوير مبادهتنا الذاتية لا يعني شيئا سوى رؤية الحياة بدون كمامات عيون، واستخلاص النتائج المترتبة على ذلك.

****************

* الفصيلة الهجومية: منظمة من منظمات الحزب النازي كانت مهمتها في البداية "المحافظة على النظام"، ثم تحولت إلى ميليشيا بالغة الأهمية عدديا. وكانت قريبة جدا من قاعدة الحزب الجماهيرية، تتألف من "الغوغاء"، تتقن الزعيق ولا تعرف الانضباط. وقد أنشأها هتلر، لتكون له قوة أجدر بالثقة، حرسا شخصيا عهد بقيادته إلى هملر.