رد على مقالة غازي الصوراني -ورقة أولية حول نشأة وتطور الحركة الشيوعية في فلسطين- المنشوره على موقعه بالحوار المتمدن


عمر الدجاني
2013 / 8 / 21 - 11:58     

صدق المثل العربي "تُعرف الأمور في خواتيمها"، فالرفيق الماركسي الوفي الصوراني يدمج الحديث في أمرين بعيدين كل البعد عن اللقاء فهو يتحدث كماركسي أصيل من مواقع الجبهة الشعبية ليصل في ختام مقالته لتحديد موقف الجبهة الشعبية من الحزب الشيوعي الاسرائيلي.
رفيقي العزيز غازي قبل البدء أود طرح السؤال التالي عليك: هل كتبت هذا المقال كباحث ماركسي وفي للماركسية أم كعضو بارز في الجبهة الشعبية؟ فمهما كان الدافع لهذا المقال سواءً كماركسي أو كجبهة شعبية فإن سؤالي الثاني لك وهو "ما مصير شعار الجبهة الشعبية المطروح لسنوات طوال حول السعي لتحويل الجبهة الشعبية لحزب ماركسي لينيني"، فأنت يا رفيقي تحاول الاثبات للقارىء أن الماركسية لم تولد في فلسطين إلا انتهازية مشوهة وإن تاريخها الحقيقي بدأ مع رفع الجبهة الشعبية "اللواء الماركسي"، وفي هذا السياق فإن تكرار زج الشيوعيين الفلسطينيين في كل شاردة وواردة لتشويه الصورة وخلط الأوراق لتوجيه القارىء لاستنتاج واحد وهو كون كافة من حمل الفكر الماركسي في فلسطين تاريخيا هو انتهازي لأن تاريخهم ونشأتهم مشبوهه.
رفيقي العزيز إن مواجهة الانتهازية واجب كل الأوفياء. صحيح أن الفكر الماركسي دخل فلسطين على يد رفاق من أصل يهودي وهذا ليس عيبا ففكر الطبقة العاملة يرتكز في بثه بين صنوف العمال على يد البرجوازية الصغيرة ومعلومة هي صفات هذه البرجوازية، والنظر لدورها يجب أن يكون بمنظور جدلي وليس بقوانين الميكانيك. رفيقي العزيز إن تاريخ الشيوعين في فلسطين لن يستطيع أحد انكاره ولو قصد ذلك أو حاول تهميشه، فتاريخ فؤاد نصار رغم تعرفه على الفكر الماركسي على يد رفيق يهودي لم يمنعه ذلك من لعب دور بارز مع رفاقه في النضال ضد الصهيونية والامبريالية فلو كان تعميمك صائب بحق هذا التاريخ لما شكل الرفاق عصبة التحرر الوطني أو شاركوا بثورة عام 36 . لقد دل التاريخ على أن الشيوعيين في فلسطين عانوا كل أصناف العذاب من أجل مبادئهم وسجن الجفر وسجون الاحتلال تشهد على ذلك ودورهم في الاردن وحكومة النابلسي وتعريب الجيش الاردني شاهد ايضا، لذلك رفيقي إنه لتجنٍ على الحقائق والتاريخ اختزال تاريخ كامل وتشويهه ليبدأ فقط بتاريخ الجبهة أو غيرها رغم اعتزازنا بكل رفيق ماركسي اينما كان خاصة في ظل الوضع الحالي.
لا يختلف ماركسيان أن قيام الحركة الصهيونية هو تعبير عن حركة الرأسمال اليهودي وحاجته لانشاء قاعدة مادية لكيان سياسي وكان لا بد لهذا الكيان من مكون بشري وهذا المكون يتطلب مزيجا فكريا شوفينياً دينيا زائف، وبالضرورة أن يكون بين هذا المكون البشري عمال وفلاحين يهود مضللين ومغرر بهم بمزيج من الاغراء والارهاب والتي للأسف كانت الغلبة في هذا الصراع لصالح قوة الرأسمال اليهودي على حساب الشعب الفلسطيني المعدم في مواجهة الامبريالية الداعمة لهذا المشروع والداعمة له بناءً على معادلة المصالح. ونحن نعلم أنه بالرغم من صحة الدعوة الماركسية التي أطلقها لينين لعمال العالم قبل الحرب العالمية الأولى بضرورة الوقوف في وجه حكوماتهم وضد ميزانيات العدوان، نعلم جيداً الأعداد الهائلة من الفلاحين والعمال الذين كانوا ضحايا هذه الحرب، فلا غرابة في استجابة عمال كادحين للدعوة الصهيونية لإستيطان فلسطين ليكونوا جزءاً من المشروع الصهيوني في ظل الاغراءات ومع مقارنة العامل اليهودي لحياته في ظل مشروع الكيان أو بقائه في وطنه الأم في دول العالم قاطبة. وهل كل ما فعله الشيوعيون الفلسطينيون من دور في فضح هذا المشروع الصهيوني رغم قلة العدد والعدة في حين لم يكن بيدهم سوى سلاح التوعية في وقت سلطت عليهم كل الاسلحة ورغم كل ذلك لم يتخلوا أو يتغيبوا عن المساهمة والمشاركة في النضال ضد المشروع الصهيوني وداعميه، هل كل هذا يجري التغافل عنه لأمر أقل ما يوصف به بأنه انتقائي انتهازي؟
إن الواقعية التي تميز بها العمل الشيوعي في فلسطين جعلهم خير من أجاد العمل السياسي والموائمة ما بين الاستراتيجي والتكتيكي في العمل السياسي، لقد شهدت فلسطين مؤامرة دولية مدعومة بقوة الرأسمال اليهودي والعالمي سواء في احتلال فلسطين لصالح المشروع الصهيوني في وقت لم يكن عرب فلسطين والعرب عامة لديهم القدرة على صد هذا المخطط أو الوقوف بوجهة، على أكثر من صعيد. إضافة لذلك شهد هذا الواقع تماهي الكثير من القيادات الفلسطينية والعربية الرسمية مع المخطط المؤامرة، والتي سعت وعملت على اجهاض أي جهد في التصدي للمخطط ولو تمثل بهبات شعبية من أغلب الفئات المتضررة من مشروع الكيان الصهيوني سواء في ثورة البراق أو ثورة عام 1936 والاضراب الشهير وكافة المحططات النضالية للشعب الفلسطيني في المواجهه عبر التاريخ الفلسطيني، إضافة أن الواقع الفلسطيني شهد مقاومة للفكر الشيوعي هذا الفكر الذي شنت عليه كل الحملات والتشويهات المغرضة سواء من رجال دين والمتنفذين في واقع المجتمع الفلسطيني أو من البرجوازيات الفلسطينية بكافة تلاوينها وكان أكبر معين لهم على ذلك هو كون هذا الفكر قدم إلى فلسطين على يد شيوعيين يهود واختلاط الأدوات ما بين اليهودي والصهيوني وتحويل الصراع واضفاء صفة الصراع الديني عليه والذي ما زال له نفوذ حتى يومنا هذا.
إن الانتهازية كتيار وجدت في الكثير من الأحزاب الشيوعية في العالم ولكن تعميم الانتهازية على تاريخ نشوء وعمل الشيوعية في فلسطين هو الإنتهازية المجرمة ذاتها لأنها تتعمد اطلاق احكام تفوح منها رائحة المؤامرة في سرد التاريخ وتحليل الواقع ، لقد حافظ الشيوعيون العرب خاصة وقسم من الرفاق اليهود لا يستهان به على نقاء واضح لفكرهم رغم التأثير الهائل لقوة الدعاية المقابلة، فلو كان كافة الرفاق في فلسطين انتهازيون لما سمع أحد بعصبة التحرر ، التي التصقت بهموم الشعب الفلسطيني وأمانيه وتطلعاته رغم عمرها الزمني القصير، وفي موقفهم من قرار التقسيم الذي عبر عن مؤامرة لفرض واقع جديد في فلسطين واقع تطلب نجاحه ضرورة رفضه من كلا طرفي النزاع لأن معطيات الواقع ومؤشرات موازين القوى تشير الى أن الصهيونية ترفض القرار لأهداف واضحة وهو الاستيلاء على أكبر جزء من فلسطين التاريخية في ظل امتلاكهم امكانيات مادية وعسكرية تؤهلهم لتنفيذ ذلك، وفي المقابل فإن رفض قرار التقسيم من قبل العرب والفلسطينين يعني التنازل عما يعطيهم القرار من أرض فلسطين وهم لا يملكون أي من مقومات هذا الرفض الذي يدعم تنفيذ ارادتهم على الواقع وكان عدم الموافقة يعني الاعلان المسبق لخسارتهم لما يمنحهم اياه قرار التقسيم لذا كان موقف العصبة بتأييد القرار لفضح المؤامرة على فلسطين، وليس أدل على ذلك من صحة هذا الموقف رغم المرور الزمني عليه من واقع الحال اليوم ألم يثبت الواقع أن المؤامرة كانت كارثية على الشعب الفلسطيني وإن الموافقه وقبول قرار التقسيم كان أفضل بدرجات فلكية من واقع الحال اليوم وحتى ملحقات كامب ديفيد وصلح السادات بخصوص القضية الفلسطينية أرقى بكثير من واقع الحال اليوم.
إن غالبية نظريات التعميم، غالباً ما تكون خاطئة، ورؤية الأمور دائماً بالأبيض والأسود لايعكس دائما توصيفا صحيحا للواقع فلا يمكن الحكم على كافة شيوعي فلسطين اليهود بالانتهازية وحشرهم كلهم في بوتقة الأعداء وكأنهم جزء لا يتجزأ من الصهيونية لهو أمر لا يقبل به أي ماركسي، فكيف يكونوا كلهم جزء من الصهيونية وهم أول من فجر نقابات الهستدروت وقدموا شهداء وسجناء في سبيل فكرهم ضد الأمبريالية والمشروع الصهيوني.
إن تعميم الأمور وخلط الأوراق بهذا الشكل المغرض لايمثل غير رؤية شخصية تقود إلى انتقائية مشوهة في معالجة الواقع، فضمن الاستراتيجية والتكتيك ليس أدل على ذلك من تجربة توقيع لينين صلح برست فهل كان تقديم تنازلات ولو مؤلمة في هذا الصلح لصالح الحفاظ وحماية ثورة أكتوبر عملاً انتهازياً، إن الثابت الاستراتيجي هو ضرورة بقاء وحماية نجاح ثورة أكتوبر والحفاظ عليها أما التكتيك فهو إمكانية التنازل المؤقت المؤلم للحفاظ على الثابت الاستراتيجي، وبمقارنة ذلك يمكن القول بموقف الشيوعيين العرب خاصة في فلسطين فإن التنازل المؤلم هو القبول بنشوء كيان للحركة الصهيونية في فلسطين لكن في المقابل الثابت هو الحفاظ على فلسطين بقيام دولة للفلسطينين وتجنيب شعبها التشرد واللجوء في دول الشتات وبالتالي ضياع فلسطين كاملة لنجد أنفسنا بعد نضالات طويلة لعقود نتفاوض على موقع الشريك كموظفيين في دولة وإدارة احتلال ولنُسبح ونهلل بحمد أننا ما زلنا أحياء. لذا فنحن وإن اختلفنا في الكثير مع الحزب الشيوعي الاسرائيلي إلا إننا لا يمكن أن نذهب في وصف هذا الحزب كحزب تتقاطع أهدافه مع الأهداف الصهيونية وخدمتها وبالتالي التعامل معه كجزء من حركة صهيونية وأخيرا وضعه في معسكر الأعداء.
فيا رفيقي الصوراني نحن لا نصنف البشر إما خائن أو وطني لأن الوطني سيكون فقط بهذه العقلية هو كل من يحمل وجهة نظرنا والماركسي هو الوطني الصادق الوحيد الذي يؤيد اطروحاتنا والباقي انتهازي وخادم للمشروع الصهيوني وبالتالي فهو خائن للماركسية ويصنف كعدو.
لقد ظل تطور الحركة الشيوعية في فلسطين على تماس كامل مع مؤسسة الكمونتيرن وكفرع لها في فلسطين، ومن هنا جاء الطلب بتعريب الحزب لذا رفيقي غازي إن محاولة لي عنق الحقائق لإدخالها في مفاهيم ضيقة تلائم توجهات سياسية محددة ليس من الموضوعية في شيء وهي في جوانب كثيرة مجرد انتقاءات لا تلبث أن تفضح أغراض وأهداف صاحبها.
وفي الختام لا بد من بعض التعليق على ما ورد في مقالتك عن قرار جاء فيه أن ما أوردته من قرار لدى الجبهة الشعبية والقائل "ادرجت الجبهة الشعبية الحزب الشيوعي الاسرائيلي ضمن ما يسمى بقوى السلام التي توافق على دعم وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة في الأرض المحتلة عام 1967 دون أن يعني هذا الموقف إقامة أي علاقة أو لقاءات سياسية رسمية بين الجبهة الشعبية والحزب الشيوعي الاسرائيلي حتى اللحظة."
إن هذا الطرح يتناقض وقرارات المؤتمر العام الخامس للجبهة الشعبية التي ورد منها ضمن الأهداف المرحلية ورد مايلي" امكانية استقطاب قطاعات من الرأي العام الإسرائيلي وذلك في صفحة 75. وفي باب المهمات صفحة 77 النقطة رقم 16 ورد "السعي من أجل تمتين أواصر العلاقات السياسية والنضالية اليومية مع القوى الديمقراطية اليهودية المؤيدة لحق شعبنا بالعودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس". وفي النقطة 27 الصفحة 78 ورد " العمل على اقامة وتطوير مختلف أشكال التعاون مع القوى الديمقراطية والتقدمية اليهودية المعادية للصهيونية بغض النظر عن حجمها ووزنها ودورها في المعركة الدائرة لالحاق الهزيمة السياسية والممارسات الاسرائيلية وتحقيق اهداف الشعب الفلسطيني".
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا كيف ستطبق الجبهة الشعبية مهمات المؤتمر الخامس دون إقامة علاقة مع الحزب الشيوعي الاسرائيلي أو أي لقاءات سياسية معه؟ هل سيتم تطبيق هذه المهمات عبر قنوات التواصل الاجتماعي أم عبر وسطاء وجهات محايدة. رفيقي إن هذا القرار المتخذ سنة1993 وجاء به ختام مقالتك يؤكد أن الجبهة وأنت أحد منظريها "ماركسيا" ما زالت تتعامل مع الحزب الشيوعي الاسرائيلي كجزء لا يتجزأ من الحركة الصهيونية وبالتالي اعتباره عدوا وهذا ما تؤكده عبارات مقالتك بعدم اقامة أي علاقة رسمية مع هذا الحزب، وهذا ما يكشف بكل وضوح المرامي الانتهازية للمقالة في المحصلة النهائية.
الرفيق عمر الدجاني "ابو يوسف" (عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني)