الثورة البرجوازية في العالم العربي والمقاربات التروتسكية!


أحمد سعيد قاضي
2013 / 8 / 13 - 18:46     

يبدو أن العالم العربي اليوم في أشد الحاجة للديموقراطية والحرية والمساواة البرجوازية السائدة في المجتمعات الأوروبية والدول الأوروبية! نعم قد يبدو غريباً ما أطلبه وأفترضه فقد يقول قائل بأن نظرية التطور المركب غير متكافئ والثورة الدائمة وجدتا وما زالتا فعالتين، أما زلت تعيش في عصر ما قبل تروتسكي؟
ولكن بقراءة سريعة لطبيعة الطبقة الحاكمة في العالم العربي، وكشف واقعي لطبيعة الطبقة العاملة العربية ومقارنتهما بالنظريتين الآنفتين الذكر يبين بواطن إدعائي.
ففي المجتمعات العربية سيطرت الجيوش العربية التي تقوم عليها قيادات ذات جذور من الطبقة الوسطى على كل مقاليد الحكم، وطوال هذه الفترة إلى ما قبل "الربيع العربي" أي قبل الدخول في المتاهة والفوضى وعدم الوضوح، قامت هذه الأنظمة بقمع وقتل ونفي المعارضين وإحكام السيطرة على الإعلام والصحافة والتلفزيون وسد كل منابع الفكر، وقمع الحريات العامة وحرية الرأي والتفكير الخ.
فأصبحت الجيوش العربية تسيطر على كل مقدرات الدولة وثرواتها والمساعدات الإمبريالية التي تتلقاها الدولة- تعتاش معظم الشعوب العربية على المساعدات الإمبريالية.
لقد أصبح لزماً علينا تحليل كلا البعدين المساعداتي والمقدراتي لترابطهما العضوي في إنتاج الوضع القائم بأداة الطبقة الوسطى والذي يبرر حاجتنا مبدئياً للحريات البرجوازية والثورة البرجوازية أولاً.
فبالنسبة لسيطرة الجيش على كل مقدرات وثروات وقوى الإنتاج، نتج عن ذلك خلال الفترة التاريخية لحكم العسكر أن أصبحت الإنتاج وقوى الإنتاج في المجتمعات العربية على تناقض تام، ففي الدول العربية يوجد الثروات المعدنية والطبيعية والبشرية الكافية لأن ترفع من دول المنطقة إلى القمم والأعالي اقتصادياً لكن في ظل الأنظمة القمعية وفسادها واستبدادها لم تستطع الطبقة البرجوازية النهوض في المجتمع كما فعلت فعلها في فرنسا بعد الثورة الفرنسية مثلاً.
ويجب أن نذكر هنا أن سيطرة الدول الإمبريالية على مقدرات الشعوب العربية وسلبها ونهبها له الدور المكمل لدور الطبقة الحاكمة في خلق التناقضات بين ما يملك الشعب من مقدرات وبين وضعه السيء والمرثي له. فالدول الإمبريالية كما أوضحت في مقالة لها مصلحة في سرقة ثروات دول العالم الثالث ومن بينها الدول العربية لكن ليس لها مصلحة في تعميم القيم البرجوازية من حرية ومساواة وديموقراطية، لذلك قامت بدعم الأنظمة العربية التي لا تمانع سرقة هذه الدول الإمبريالية لمقدراتها والتي تقوم بالدور المانع لوصول نظام ديموقراطي برجوازي يمكن أن يهدد المصالح الإمبريالية-ليس النظام في حد ذاته ولكن حرية وإرادة الشعب التي تنتج عنه تصبح خطراً على الإمبريالية.
وعلى الجانب الآخر هناك الدول العربية الريعية كدول الخليج التي تملك من النفط والغاز والبترول من الكميات ما تسمح لها غير آبهة بالحريات لكي ينمو النظام البرجوازي فيها.
فقد تشكلت طبقة تمتلك معظم عوائد البترول والمشاريع الخدماتية وبالتالي فقمعها للحريات ومنعها للديموقراطية لن يصب في زيادة تراكم المال كما الحال بالنسبة للنظام الرأسمالي في أي دولة عادية. فكان في هذه الدول القمع والبطش وخنق الشعوب كباقي الدول العربية. وهذه الدول كغيرها من الدول العربية واقعة في شباك الإمبريالية على الرغم من عدم تقديم الدول الإمبريالية لها مساعدات وذلك بتقديم الحماية العسكرية الإمبريالية لها ضد الدول الأخرى وبأشكال أخرى مختلفة من السيطرة المالية.
هذا القمع للحريات والاستبداد بالشعوب العربية منع تكون طبقة عاملة واعية مدركة لمصالحها الطبقية، وحرف قدرتها على تحديد سبب الظلم الرئيسي في العالم، وأدى إلى تحطيم وتهميش الأحزاب العمالية التي كان يجب أن تضطلع بدور توعية العمال، بل جعل الشعوب العربية تتقوقع داخل كهف القوى الأصولية التي تتلمس طريقها بسهولة إلى القلوب المظلومة عن طريق طرحها للحل السحري الديني أو بطرحها للجنة والنار والآخرة.
فقد تشوه الصراع وتغبشت الرؤية بالنسبة للطبقة المضطهدة في الدول العربية ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتلمس الصراع الحقيقي في ظل وجود هذه الأنظمة القمعية.
فعند قيام الحريات البرجوازية، وهو ما يجب قيامه حالياً وما هو مهيأ لإنابته في ظل الواقع المادي الذي نعيشه، فإن وعي الطبقة المظلومة في المجتمع العربي سوف تعي وتدرك بناءً على التجربة في ظل هذه الحريات أن القضاء على الظلم يكمن في القضاء على النظام الرأسمالي برمته. الشعوب العربية بناءً على التجربة تحت غطاء الدولة البرجوازية، بل وفي نضالها لتحقيق هذه الدولة أن ما كانت تحلم به من تحقيق للاستقلال الوطني والتخلص من التبعية، وما يتبعه من التخلص من الفقر والجهل والبطالة هو بنضالهم ضد النظام الرأسمالي العالمي. فالديموقراطية والدولة البرجوازية مقدمة للثورة العمالية الهادفة لإحلال المجتمع العادل القائم على الملكية المشتركة لوسائل الإنتاج.
فقد افترض تروتسكي إمكانية سيطرة الطبقة العاملة على الحكم في دولة لم تبلغ من التطور ما بلغته الدول الرأسمالية الإمبريالية الكبرى، بل كما حدث في روسيا، سيطرة الطبقة العاملة بدلاً من الطبقة البرجوازية وذلك بسبب تكون طبقات عمالية ضخمة في الدول النامية تختلف بالطبع من دولة إلى أخرى من مكان إلى آخر داخل الدولة البرجوازية نفسها وذلك يعود إلى التطور المركب وغير المتكافئ المشتمل على تناقضات حادة في داخله.
لكن هذا غير ممكن في الدول العربية لعدم وجود طبقة عمالية واعية بمصالحها المشتركة وغياب الحزب الاشتراكي الضارب بجذوره في المجتمعات وعدم وجود الحزب الذي يملك الرصيد المعرفي المتراكم والخبرة من النضالات التكتيكية الطويلة وذلك للأسباب التي وضحناها أعلى. ولذلك وجود الديموقراطية البرجوازية هو الحل.
بالطبع تواجه الشعوب العربية لإحلال الديموقراطية البرجوازية الكثير من العقبات منها الأصولية الدينية وتجذرها في العقلية العربية، ومحاولات الثورة المضادة من الدول الرجعية ودول إمبريالية كالولايات المتحدة التي تريد نمط إنتاجي معين تبقى فيه المسيطرة وتعميم النمط البرجوازي السائد في الولايات المتحدة غير ممكن في العالم العربي كما وضحت سابقاً لأن الولايات المتحدة نفسها تعتمد على مقدرات الشعوب العربية، والنظام الرأسمالي يحمل اختلاله بنفسه وفي هذه الجزئية فالخلل في أنه حتى تطبيق النظام الرأسمالي الظالم بنفس الشكل الأمريكي يحرم الولايات المتحدة من ثروات العرب وبالتالي يحدث أزمة عالمية، لذلك تحاول الولايات المتحدة المحافظة على النمط الاقتصادي السائد- وهو أدنى أشكال النظام الرأسمالي- المطبق من قبل الحكومات العربية الفاسدة في محاولة للجمع بين سرقة الشعوب العربية للحفاظ على رفاهية شعوبها، وتهميش الشعوب العربية ومنعها من أن تفرض إرادتها.
باختصار شديد، حرية وديموقراطية برجوازية تعني الدخول في صراع مباشر مع القوى البرجوازية على الصعيدين المحلي والعالمي التي لم يكن عمق النضال من الناحيتين الفكرية والعملية قد نحا منحاها إلا بقدر ضئيل، وعليه تشكيل رؤية جديدة للصراع من قبل القوى العاملة وتأجيج الصراع الطبقي وإخراجه إلى السطح، ومن ثم مواجهة مباشرة مع القوى الإمبريالية والبرجوازية لتحقيق الاشتراكية، والوعي هو بداية مشوار تحقيق العدالة.
فالوثوب عن بعض المراحل في التطور الرأسمالي تبدو غير واقعية حسب المعطيات المادية والعقلانية في العالم العربي