في الماركسية-تحليل بنية النظام الرأسمالي 2


أحمد سعيد قاضي
2013 / 8 / 13 - 02:26     

كما بينا في المقالة الأولى فإن للبضاعة قيمتين؛ قيمة استعمالية وقيمة تبادلية. فإن سبب هذه الازدواجية القيمية في السلعة إنما ناتجة عن طبيعة العمل المزدوجة، فالعمل ينقسم إلى قسمين: العمل الملموس (النافع)، والعمل المجرد.
فقد اكتشف ماركس أن النشاط الإنتاجي أو العمل الممثل في القيمتين له بعدان، أي أن العمل أو النشاط الإنتاجي ليس خالق للقيمة الاستعمالية فقط، بل خالقاً للقيمة التبادلية أيضاً.
"فالبضاعة هي إتحاد جزأين: أحد أشياء الطبيعة والعمل" كما يقول ماركس في كتابه رأس المال. وهناك مسار للإنتاج ينطلق من استخراج المواد الخام أو مواد العمل من الأرض أو الحصول عليها من الطبيعة، ومن ثم العمل لتكييفها لتلبية حاجة من حاجات الإنسان، ومن ثم طرحها في السوق للتبادل. وكل عملية من هذه العمليات تقسم إلى أجزاء وحلقات صغيرة في تقسيم العمل، الضروري للإنتاج السلعي.
وهذا النشاط الإنتاجي الهادف المتخصص ضرورة قصوى للوجود الإنساني. فمواد العمل الموجودة في الطبيعة يجب تحويلها إلى شكل ملائم لتلبية حاجة من حاجات الإنسان وإلا فلن يستفيد منها، والعمل هو حلقة الوصل بين مادة العمل أو الموارد الطبيعية ومنتجاته من السلع والبضائع.
وإذا ما أخذنا مثال السيارة والفرن فإن المواد الخام أو مادة العمل لكليهما مستخرجة من الطبيعة، من الأرض وهي نفس المادة. لكن لتحويلها إلى قيمة استعمالية يحتاج إلى عمل نافع أي نشاط إنتاجي هادف متخصص. وبعد تحويلها وتكييفها لتلائم حاجة بشرية معينة خلال سلسلة عمليات إنتاجية متخصصة فإنها تصبح بضائع متباينة عن بعضها البعض.
فالسيارة تختلف كيفياً من ناحية العمل النافع ومن ناحية القيمة الاستعمالية عن الفرن. فالقيمة الاستعمالية السيارة مثلاً تختلف عن القيمة الاستعمالية للفرن، فهذا يستخدم في مجال وذاك في مجال آخر مفيد للإنسانية. وبذلك يمكن مبادلة هذه البضائع لاختلافها كيفياً ولولا ذلك ما أمكن مبادلتها.
وهذا الاختلاف الكيفي للبضائع يجعلها قابلة للتبادل في السوق ولولاه لما كانت قابلة للتبادل، فالإنسان يبدل ما ينتج بما يحتاج، فإذا كان منتجاً للسيارات مثلاً، فإنه سيبدلها بالطعام والتلفاز والملابس الخ ولكنه لن يبدلها بسيارة لكي يستمر في الحياة.
فهناك العمل النافع أي النشاط الإنتاجي الذي له هدف وخصائص وطابع عملياتي ووسائل معينة، وينتج عن هذا العمل قيمة استعمالية مثل السيارة والملابس والزجاج الخ. ومن هذه النتيجة عرّف ماركس العمل النافع بأنه "العمل الذي يتمثل نفعه في القيمة الاستعمالية لناتجه، أو في أن ناتجه يعتبر قيمة استعمالية". وبذلك ارتبط العمل بنتائجه أو مردوده النافع.
فإذا تجاهلنا الفروقات في طابع العمل لإنتاج السيارة وطابع العمل لإنتاج الفرن اللذان ينتجان قيمتين استعماليتين مختلفتين فإن الباقي هو عمل مجرد وهذا العمل المجرد يقاس بوقت العامل وهو الذي يحدد قيمة البضاعة التبادلية، وما طابع العمل وأشكاله المنتجة لقيم استعمالية مختلفة إلا اختلاف كيفي للعمل ومنتجاته من قيم استعمالية فكلا العملين إنفاق للطاقة البشرية، للقوة الجسدية والعقلية والنفسية للعامل، وهذا الإنفاق للقوة البشرية هو العمل المجرد المشترك بين كل أنواع العمل وهو المحدد للقيمة التبدلية.
فالعمل النافع المختلف كيفياً عن عمل كيفي آخر ينتجان قيم استعمالية مختلفة وهذا هو المهم بالنسبة للقيم الاستعمالية. بينما المهم بالنسبة للقيمة، أي القيمة التبادلية فهو قوة العمل المجرد أي الوقت المحتاج لإنتاج هذه السلعة وهو الشيء المشترك بين البضائع والذي يقاس بالكم وليس بالكيف، أي بالمدة التي يحتاجها إنتاج البضاعة وليس بكيفية إنتاجها.
ففي حال زيادة كمية قوة العمل في البضاعة تزداد قيمتها، وزيادة كمية قوة العمل يقاس بالوقت الذي يستهلك في إنتاج السلع بالقوة الجسدية المتوسطة للعامل. وفي حال إنقاص كمية قوة العمل في البضاعة تقل قيمتها؛ فمثلاً في ظل التطورات التكنولوجية الحاصلة أصبح إنتاج أي قطعة من الملابس يحتاج نصف الوقت الذي كانت تحتاجه قديماً وبالتالي أصبح ينفق في هذه القطعة وقت عمل أقل وبالتالي قوة عمل أقل وعليه انخفضت قيمتها التبادلية أي سعرها.
والنقطة الأخيرة الواجب توضيحها هي أن الإنتاج هو إنتاج جماعي والعمل هو عمل جماعي والناتج هو ناتج جماعي كلي. فمجموع العمل المجرد المنتج بالعمل المتوسط للعامل الطبيعي، أي بالقوة الجسدية المتوسطة للعامل يساوي مجموع القيم التبادلية للبضاعة المنتجة من هذا العمل.فالمجموع الكلي للعمل هو الذي يحدد قيمة البضاعة الكلي لأن الإنتاج جماعي.