مواقف وقضايا: حول الثوابت المغربية


عذري مازغ
2013 / 8 / 8 - 10:05     

مواقف وقضايا من صلب التجربة
في بداية التسعينات حيث كانت تجمعني علاقات طيبة مع رفاق احد الأحزاب مما يسمى بالوطنية ذات المنحى الإشتراكي، كانت العلاقة عبارة عن امتداد لعلاقات الدراسة ولا تخرج عن سياق الوفاء لزمن الإخاء الذي تربينا عليه أبناء جبل عوام، حدث لي مشكل من الروعة بمكان، درس عميق الدلالات في السياسات الحزبية، درس تلقائي لم يكن ذا تخطيط مسبق، كان من صميم الصرف اليومي، كنت خبيثا إلى حد ما، كنت قد تعلمت شيئا من التفكير البنيوي، وهو أن أغطس إلى عمق المسكوت عنه في كل حوار حتى لو كان بسيطا: مثلا وبشكل بسيط للغاية، في الخصومة، حين يستفزك شخص بقوته، أن يقول لك بانه يستطيع أن يسحلك في الأرض، أرعن للإمر، أقول له: أنت بطل وتستطيع أكثر من ذلك ولكن ما عساك تستفيده من سحلي؟ بمعنى أن المسكوت عنه في هذا القول هو الإنذار المجيد، قوة الخصم وشدته ولا يهم مدى صحتها، يجب فقط أن تفصحها له لكي يشعر بالإحباط، هذا بالفعل ما رأيناه في تعامل المصريين مع "الخونج"، 86 سنة من خطاب القوة وحين وصلو إلى الحكم تصرفوا مع الشعب بما لا يعنيه، وأفصحوا أنهم يعنون فقط بأمميتهم، استبدوا بامتدادهم الجماهيري والدولي، قال لهم الشعب : هات ما عندكم، وهم ليس عندهم سوى القتل والتفجير، يقول الشعب: هاتيه وماذا بعد؟، والآن يبحثون عن ماء الوجه: الخروج بشرف، وحين يكون الشعب هو مصدر السلطة، يستطيع أيضا أن يخرجك من المأزق: مت لوحدك ولن نلطخ يدنا..
أذكر أن جريدة وطنية كانت تنشر السيرة الذاتية لنيلسون مانديلا، وأظنها كانت جريدة الإتحاد الإشتراكي، كنت حينها أتساءل مالذي تتشابه فيه سيرة نيلسون مونديلا كمادة أدبية بمحتوى سياسي طبعا مع حزب اشتراكي باللغة، باللغة فقط، لغة مصابة بلعنة التفسير، ليصبح بها حزب قومجي بإعجاز الأممية الإشتراكية، بها يتشابه حزب الجريدة مع حزب المؤتمر الوطني في جنوب إفريقيا، نيلسون بدأ مقاوما في حركة التحرر الوطني للسود (وهذه مبالغة مني)، نيلسون فقط أطفأ وهج عنصرية البيض، وهذا حقيقي تماما، لكنه وصل إلى تحقيق بناء وطن لكل مواطني جنوب إفريقيا: أسس المصالحة الوطنية وبنا عليها دستور جنوب إفريقيا، لم يبني دولة اشتراكية ولا هم يحزنون، حقق مفهوم المواطنة، وهو بهذا جريء تماما في اختيار الأولويات: ثورة ضد الميز العنصري، تحقيق دستور المواطنة على أساس القانون الوضعي، وهي في الحقيقة أولوية لا تقبل الجدال، لو اننا في الدول العربية( هذا القول مني مغرد أكثر لأني تحت تأثير الثقافة المهيمنة) لتصحيح الأمر ، لو أننا نحن في دول شمال إفريقيا ودول الشرق الأوسط، قمنا بالخطوة ذاتها، لأمكننا اليوم أن نحلم بالإشتراكية، الآن أعرف جيدا لماذا سمي حزب نيلسون بالمؤتمر الوطني ولم يسميه بالحزب الإشتراكي. يجب تأسيس الدولة الوطنية قبل تأسيس المناحي الإيديولوجية. في الإعجاز المغربي اللغوي، ولاننا بالتحديد لسنا عرب نعرف هذه اللغة حق معرفة، بالموضوعية المطلقة، تحيل الإشتراكية إلى نوع من التشارك في الوطن، وليس إلى المفهوم المراد به استقطاب طبقة العمال، لكن في تشتت المعنى بين أن يكون إيديولوجية الطبقة العاملة ومعنى التشارك في الوطن، نصبح تماما، يصبح قادتنا نيلسون مانديلا، في هذا فقط أفهم لماذا سيرة نيلسون مونديلا كمادة أدبية هي منشورة في إحدى الصفحات الرئيسة لجريدة وطنية اشتراكية: أي أنها كانت مادة تساعد على الركوب على ظهرحصانين: حصان الثورة الإشتراكية وحصان بناء الدولة الوطنية، أليس الأمر إعجازا؟؟ في المحصلة، وبتتبع مراحل التساوم السياسي، يصبح الوطن ثابتا على مقومات خرقاء، منها شيء إسمة الإنتقال الديموقراطي، وبحساب ولادة الأحزاب الوطنية، يمكن القول أننا انتقلنا عمليا من مغرب السيبة الذي يعتمد نظام جمهوري متوارث من احتكاك المغرب بجمهوريات الإمبراطورية الرومانية، إلى مغرب فيه كل ماهو غريب عن ثقافتنا: الملكية، البيعة، الثوابت وكل شيء محنط ومنحط. يصبح الإنتقال الديموقراطي هو انتقال من نظام السيبة (الجمهوري المباديء) إلى نظام الشمولية المطلقة (الملكية) وتصبح الملكية مطلقة فيه ولن ندخل هنا في إعجازات الديموقراطية المغربية، حيث تصبح الملكية ديموقراطية بالشكل الديكتاتوري نفسه، ولن أدخل في تفاصيل أخرى من قبيل أن الملكية هي نقيض الديموقراطية بحيث أنها تعني تماما الديكتاتورية بدليل أن تشافيز الفنزويلي، لأنه فاز ثلاث أو خمس مرات بالإنتخابات الرئاسية في فينزويلا يسمى ديكتاتوريا، أما الملوك في ربوعنا فلا تسمى كذلك رغم أنها ليست منتخبة، ملوك متفتحون، مخنثون لا أكثر ومرضى.. سيؤاخذني أحدهم ممن يتشفى الموضوعية بدليل فرنسي، في السوسيولوجية الفرنسية مثلا، تعترف بوجود مغربين، المغرب المديني(نسبة للمدينة التي يحكمها الملك) والمغرب السيبي(المغرب المنفلت من سيادة الملك أو المخزن وهو المغرب الكبير بدليل الإحصائيات الفرنسية نفسها)، مغرب الملك ومغرب النظام الجمهوري الروماني القديم، وهو صحيح، لكن لماذا يغيب في المغرب الحديث إحدى أهم الثوابت المتحركة والمبدعة: المغرب الجمهوري؟ لماذا استنادا إلى التاريخ نفسه لا يصبح أمغار المنتخب سنويا إحدى ثوابت النظام المغربي؟
كان من بين الصدام الثقافي في المغرب بيني وبين رفاقي الإشتراكيين في بداية التسعينات هو هذا الشحن في التداخل بين قضية نلسون الأساسية وبين رفاقي بالحزب الإشتراكي (الإتحاد الإشتراكي تحديدا)، وكان الأمر مبعث سخرية: يجب تحقيق ما قام به نيلسون وهو تقدمي أكثر من حيث أنه لم يساوم في وطنيته، وبعد ذلك يمكن الحديث في خرافات الديموقراطية، وبعدها أيضا يمكن النهل من برنشتاين أب الإشتراكية الديموقراطية، فالتقمص العبثي بين الثقافات مخل لإيديولجية الأحزاب.
بدون جدال وهنا ساستدل بباحث أمريكي هو جون واتيربوري الذي كان كتابه ممنوعا في المغرب:”الملكية والنخبة السياسية" أغلب القادة الوطنيين السياسيين كانوا نخبة ينتمون ثقافيا إما لثقافة فرنسا أو ثقافة المشرق، ليس منهم واحد يعرف شيئا عن ثقافة بلده وبالتالي كان التقدم الحضاري إما هو المشرق أو فرنسما أو مزجهما.. عمليا هذا الجهل يفقد المناعة المغربية التي تستند إلى قيم موضوعية ألقها الموضوعي، يمكن بموجبه أن تفتقد الملكية الجماعية التي كانت الركن الأساسي في مقاومة فرنسا من طرف بلاد السيبة، ملكية خاصة يصبح بموجبها الحزب الإشتراكي المغربي باحثا عن الطبقة العاملة في الدار البيضاء ومعه أيضا الحزب الشيوعي المفرنس (الفرنسي الهوية)(سأخالف في هذه الدراسة كل المنمقين بالشيوعية كونها قفزت على معطى تاريخي هام حول الملكية الجماعية لتصبح الطبقة العاملة هي المبتغى، لتصبح الشيوعية عندنا هي إسقاط مجحف لو نظر إليه ماركس من موقع القوى المنتجة الخاضعة للمستعمر، لتغير شكل تحليله على الرغم من أنه من موقعه في بلد الصناعة كان له موقف التأييد المطلق الإنساني تجاه عمال الهند والصين وما إلى ذلك)، كانت الأحزاب التي تتبنى الإشتراكية في المغرب تبحث عن خلق الطبقة العاملة في الوقت الذي، تأسيسا على النظام القبلي (الجمهوري في أدبياته) يعتمد الملكية الجماعية، كان منظر الإضرابات العمالية في أوربا شكل حضاري أحسن بكثير من مقاومة القبائل التي لها هذا الطابع النظري للملكية الجماعية للأرض مثلا: كان الإبهار "الحضاري" أكثر رونقا من مقاومة القبائل حول ملكيتها الجماعية. وبالتالي كنا في الجيل الذي نهل من ثقافة الآخر نفكر فقط في إجاد شروط الثورة في المعامل النادرة في مغرب توجهه القوى الإستعمارية، نهلت القوى الإشتراكية من ماو فقط أسسه الإندفاعية نحو السلطة أكثر مما نهلت من واقع حياتنا الموضوعية، نهلت القوى اللينينية( وهان فقط للتذكير، لينين لم يثر في قوة عمالية، بل كان يطمح في بناء الدولة الإشتراكية (مرحلة البناء) بناء لوجود الطبقة العاملة، وهي الفزاعة التي نهل منها تروتسكي، وهي في الحقيقة أمور خارجة عن منطق التاريخي: بمعنى ثورة بالفلاحين الروس باعتبارها ثورة البروليتاريا.. (الفرق طبعا شاسع) لكن للينين مبرراته في السلطة هي لا يمكن أن تسقط على مبررات شعب قبلي جمهوري المباديء في المغرب الذي لا وجود فيه حتى للطبقة الأرستوقراطية.. وليس البرجوازية بدليل السوسيولوجية الفرنسية طبعا.. يتبع
هذا المقال وهو ضمن سلسلة، لن تنشره الجرائد الماركسية المغربية ، فقط لأنه يخالف قراءتها، وأعتبر الحوار المتمدن جريدتي … سيتبع