الشيوعيين وموقفهم من الفساد


جمال احمد
2013 / 7 / 31 - 21:57     

ان طرح الزميل رزكار عقراوي لموضوع (( النضال بمقابل)) قد أثار تساؤلات عديدة. على الرغم من طرحه الموضوع ببساطة ظاهرية إلا انه يتضمن عمق فكري واسع ، يتضمن مجالات كثيرة ومنها :
أولا- نظرة التيارات السياسية المختلفة لنظام توزيع الدخل القومي.
ثانياً- مساواة وتمييز المواطنين بمعايير مختلفة.
ثالثاً- أفكار أولية لشكل تنظيم المجتمع المستقبلي المرجو.
رابعاً- اعتبار المناضلين الثوريين اشمخ من ان يتلاعب بهم مالكي السلطة والمال .... والعديد من الأمور أخرى .

كثيرون فهموا خطأ بان تلك المقالة شتيمة لأنصار الحزب الشيوعي وإساءة لنضالهم وتاريخهم ، وحللوها تبريرياً وفق مواقفهم من استلام الراتب التقاعدي ، أو هل هو إبداع عراقي ام هو تقليد عالمي؟، وتم الخلط بين المناضلين الشيوعيين مع المناضلين القوميين والدينيين لاستحقاقهم ذلك الراتب التقاعدي والبعض طالب بالمساواة وفقا لذلك...

ان ما قرأته من بين سطور المقال انه يشير إلى أن منعطفا خطيرا قد بدأ في تأريخ الحركة الثورية العراقية ، وان جيل من المناضلين يساق للاستسلام و يقبض مقابل ذلك بالاشتراك في منظومة الفساد. نعم ان هكذا منعطفات خطيرة (اي سيغير التاريخ ) بشقيه من السمو او الانحطاط ، هذا ما يشترك به الاثنان إما الاختلاف بينهما فهو الصعود صعب ويصعب أكثر كلما تقدم ، اما الانحطاط فهو سهل ويسهل أكثر كلما تقدم ، وكما قالوا (( ما أطيب وأسهل الانزلاق مادمت قد وصلت منحدراً)).
اذا اختصرنا جميع المعارضين للنظام البعثي تحت ثلاث مسميات بالشيوعيين (ومن ضمنهم جميع اليساريين) والقوميين (من العرب والأكراد والأقليات الأخرى) والدينيين (بشيعته وسنيه والأديان الأخرى) ، فلكل منهم مفهومهم لتنظيم المجتمع (او اشتراكيتهم) تختلف عن البعض الآخر ، ويجب ان تكون تنظيم المجتمع من وجهة نظر الشيوعيين مختلفة جذريا عنهم .
فبعد أكثر من عشر سنوات في الجنوب والوسط وعشرين سنة في شمال العراق ، وبعد جهود مضنية نظموا العراق بهذا الشكل من الحكم والياته. ان القوميين والدينيين يعملون جاهدين لترسيخ نظامهم ويمدحونه ويدافعون عنه ويخفَون سيئاته ، وأيضا يأكلون من ثماره. فهذا كل مافي جعبتهم وهذا كل ما يستطيعون القيام به لوحدهم.
ولكن ماذا عن جبهة الشيوعيين ؟ هل يناضلوا ضد الأوضاع القائمة ويضغطوا لأجل تحسين أوضاع الجماهير؟ أم يستسلموا ويشاركوا في تطبيق اشتراكية الآخرين - نمط حكم القائم في العراق - ، ويبرروا الحقوق المكتسبة والتاريخية كما يفعلون الآن !؟
وحتى ان مشاركة الشيوعيين في لعبة البرجوازية المسماة بالديمقراطية ، يجب ان لا تكون من اجل ترسيخ هذا المجتمع وهذه الديمقراطية، وإنما يجب ان تكون لفضحهم من على منابرهم والنضال في سبيل تغير الواقع القائم نحو الأفضل.

سؤال المهم هنا كيف يجب ان يكون التوزيع الدخل الوطني ، وما هو أسسه ؟ هل الماضي يحكم الحاضر ؟ هل التواريخ المزيفة تحكم الأحداث الآنية ؟ ام الحاجات الآنية والمتطلبات الحاضرة تحكم التوزيع ؟
الذي اقصده ليس تنظيم لمجتمع خيالي او مستقبلي. ان المجتمعات اليوم تعيش في درجات مختلفة من مستويات المعيشة (ولو انها جميعا تحت ظل الإنتاج الرأسمالي) . عدا عن الظروف الموضوعية والتي لها تأثير محدد ؛ هناك نضال الجماهير الثورية ، هناك ضغوطات الطبقات المسحوقة من عمال وكادحين، هم الذين يفرضون على الطبقات السائدة وعلى سلطاتهم ان تحسن الأوضاع المعيشية وتعطي المزيد من الحقوق. ان جميع المكاسب الموجودة في البلدان ذات مستوى معيشي الأحسن لم تكن هبة من الطبقات السائدة يوما ما، وإنما فرضت عليهم بنضالات كبيرة وطويلة ويقاومون ألان للاحتفاظ بها . لم تكن أية حركة ثورية يوماً ما تطرح وتعمل من اجل ((إنقاذ ما يمكن إنقاذه))، اي ان لم نستطع تغير المجتمع بشكل ايجابي ألان فلنطلب على الأقل الحقوق لمناضلينا القدامى وأعضاءنا الحاليين ونحسن حياتهم، ان لم تكون تلك الحركات موالية للطبقات السائدة.

ان مؤسسة الفساد في العراق وإقليم كردستان ضخمة ومعقدة جداً ، فأرقام نهبها فلكية . ونسيج تنظيمها متنوع بدءاً بالقيادات والعوائل المالكة و إلى المراتب المتدرجة والمناصب المتنوعة والفئات المتكونة حديثاً وتقسيمات أعمالهم ، فلكل منهم حصته من الكسب – النهب- ومهمته للحفاظ على هذا النظام وإدامته. ان مالكي السلطة والثروة هم المجرمين الحقيقيين في ملف الفساد، وان الطبقات المسحوقة المرغمة على قبول فتاتهم وجرهم لدائرتهم هم الضحايا. والضحايا في عالم الفساد مكمومي الأفواه ومشلولي الحركة وعاجزين عن تحرير أنفسهم، ويطفئ آخر أمل ثوري فيهم.

كلمة عن الراتب التقاعدي
اذا كان الراتب التقاعدي عبارة عن تأمين وضمان للفرد في سن يعجز فيه عن العمل او ان يصاب بالعجز قبل ذلك السن . ففي جميع الدول تقريبا يوجد نظام للتقاعد بإشكال مختلفة ، لكن الجميع متفقين على الذين يشملهم تلك الراتب هم العاجزون عن العمل كبديل لإعالة أنفسهم هو حق للكل . ومن هذا المنطلق فأن ما توزعه حكومة الفساد على الفصائل السياسية لا يكون راتباً تقاعدياً وإنما هو شيء آخر مختبئ ومتغطي تحت هذه التسمية الإدارية. والعكس موجود بجانبه ، اي هناك اليوم في العراق فئات واسعة جدا من المحتاجين و العاجزين عن العمل ولم يستلموا شيئاً ، وذلك هو الظواهر الناتجة عن الفساد المستشري .
ان هذا النوع من الراتب التقاعدي (وكذلك راتب تقاعد البرلمان و رواتب موظفي الدولة الكبار في جميع مؤسساتها ) والمحاصصة السياسية هو الجانب العلني والقانوني للفساد وبأرقام متواضعة ، الى جانب الفساد السري كعقود النفط والأسلحة والتجارة الخارجية وبيع الخدمات الاستخبارتية ..... وكذلك المحصاصة في توزيع ميزانية الدولة التي تبلغ أرقاما خيالية .
والعراقيين اعلم بهذا النظام المسمى الراتب التقاعدي من أحاديثهم اليومية . فعدا الراتب التقاعدي المعمول به في مؤسسات الدولة ، هناك بجانبه نظام تقاعدي ثانٍ مواز له لتوزيع الهبات المفسدة على قسم من المجتمع مقسماً بالدرجات الوظيفية من درجة الوزير والمدير العام الى الفراش وكذلك من الفريق الأول إلى الجندي البسيط ، ان هؤلاء في النظام الثاني لم يمارسوا يوماً في حياتهم تلك الوظائف، ولكن ما يقسم الأفراد على تلك الحقول هو مكانتهم في الأحزاب السياسية الحاكمة والمتحالفة معهم (ويضمنهم الحزب الشيوعي العراقي والكردستاني) بالإضافة إلى عوائلهم والمقربين منهم ، ووفق ذلك سيحصل المسؤولين الكبار والمقربين منهم على راتب التقاعدي للوزير او الفريق الأول وتنزل التدرجات والرتب العسكرية إلى الفقراء البسطاء ليكسبوا ما تبقى في القاع من رتب مثل العريف والجندي! . علما بان عدد كبير من هؤلاء المستفيدين لم يكونوا يوما مناضلين في تلك الأحزاب أو بالأحرى كانوا يقاتلون ضدهم . (في الثمانينات القرن الماضي لم يتعدى عدد مقاتلين الاتحاد الوطني الكردستاني بضع الألوف ولكن هنالك ألان مئات الألوف يحصلون على راتب التقاعدي باسمهم!)
لذا اجزم بأن لا يوجد شيوعي أو يساري أو ثوري او نصير مقاتل سابقاً مؤمن بقيمه النضالية التي ناضل من اجلها، يقبل ان يصنف في تلك الحقول وان يحسب في النظام الثاني للتقاعد في العراق المولد والمديم للفساد.

وأخيرا أريد ان اسأل عن موقف الانصار الشيوعيين من سياسات الحزبين الكرديين الحاكمين- دافعي تلك الرواتب - لكي نقيم تأثير الرواتب التقاعدية على مواقفهم السياسية؟

- ماهو موقفهم من الحكم المستند الى التقسيم الحزبي ، ونهب الهائل لممتلكات الدولة في كردستان العراق، هل ترون قصور وقلاع -حلفائكم - مسؤولي الحزبين؟ هل سألتموهم من أين لكم هذا؟
- عندما هاجمت قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني في السليمانية المتظاهرين في 17 شباط 2011 وأطلقت النار عليهم وقتلت وجرحت العديد منهم ، ماذا كان رد فعلكم؟
- ماهو موقف الشيوعيين من الاختلاسات الكبيرة في عقود النفط من قبل حكومة إقليم كردستان - الحزبين الحاكمين-؟
- ماذا كان موقفهم عندما يعتقل ويضطهد ويغتال المعارضين على أيدي عصابة الفساد الحاكمة، سردشت عثمان وسوران مامه حه مه نموذجاً؟
- ماذا كتبوا وكشفوا عن عوائل الفساد وأعوانهم في إقليم كردستان؟
- هل تذكروا شهداء بشت اشان والقتلة المجرمين ومحاكمتهم؟
وكثيرة هي جرائمهم الأخرى ، وأخيرا ما هو موقفهم من انقلاب-التمديد لرئاسة مسعود البرزاني لمدة عامين إضافيين الذي حصل قبل أيام؟