الإتفاضة الجماهيرية الشعبية المصرية الثانية : ثورة أم انقلاب عسكري؟


امال الحسين
2013 / 7 / 30 - 19:04     

لقد أرق هذا السؤال العديد من المفكرين البورجوازيين والبورجوازيين الصغار دون أن يصلوا إلى حله نظرا لاعتمادهم على التحليل البورجوازي للأحداث الذي لا يمكن أن يتطور إلى مستوى التحليل المادي التاريخي، ففي مقال سابق بعد سقوط الديكتارتور بمصر مباشرة بعنوان "نتائج الثورة المصرية : حكومة ثورية أم انقلاب عسكري ؟ " أوضحنا كيف تمت عملية انتقال السلطة إلى الجيش أو بالأحرى استمرارها بيده بشكل من الأشكال باعتبار الديكتاتور من قادة الجيش المصري، نظرا لغياب قيادة ثورية تقود عفوية الجماهير الثورية إلى مستوى أعلى من الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية لفقدانها للحزب الماركسي اللينيني. ومن الطبيعي أن تبقى جميع الأحزاب "اليسارية" و"الليبرالية" تدور في فلك النظام الديكتاتوري لكونها لا تستطيع بناء أيديولوجيا ثورية من منطلقاتها الديمقراطية البورجوازية الصغيرة، فظلت عاجزة أمام المد الثوري الجماهيري الشعبي في الشارع المصري الذي يبحث عمن يقود ثورته، وتوالت الإحداث التي أصفرت عن وصول "الإخوان المسلمون" إلى الحكم عقد انتخابات سميت ب"الديمقراطية" ضد منافس قوي يمثل حكم مبارك الذي وصل إلى الدور الثاني، مما دفع بالأحزاب البورجوازية الصغيرة "اليسارية" و"الليبرالية" إلى التصويت لصالح ممثل "الإخوان المسلمون" معتقدين أن ذلك يفلتهم من قبضة النظام الديكتاتوري، وأن مجرد سقوط الديكتاتور تعني سقوط نظامه الإستبدادي وأن امتداداته يتم القضاء عليها بالتصويت لصالح الأصولية الظلامية التي لا تعدو أن تكون جزءا من هذا النظام.

وأصبحت نتائج الثورة الشعبية المصرية مجرد انتقال السلطة مباشرة من يد الديكتاتور إلى معارضيه المفترضين في "أحزاب الإسلام السياسي" الذين ظلوا يشكلون جزءا من هذا النظام طيلة فترة حكم مبارك، فهي إذن عملية انتقل ديمقراطي شكلي يتوخى وراءه النظام الديكتاتوري امتصاص غضب الجماهير الشعبية التي كانت تعتقد أن "الإسلام السياسي" هو الحل لمشاكلها الإقتصادية والإجتماعية نظرا لقصور الوعي السياسي لديها. وتاريخ تطور حركات الإسلام السياسي بالدول العربية والمغاربية والذي تشكلت فيه "حركة الإخوان المسلمين" كنواة صلبة مرتبط أشد الإرتباط بالإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية واضح كما أوضحنا ذلك في مقال سابق بعنوان "الثورة المغربية في علاقتها بالثورة العربية و العالمية بين الإشتراكية الشوفينية و الظلامية الرجعية "، حيث حركة "الإخوان المسلمون" وتفرعاتها من التنظيمات السلفية الجهادية تشكل لدى الأوساط الإمبريالية الحل وراء كل ثورة جماهيرية شعبية بالشرق العربي وشمال أفريقيا، لذا ظلت تمولها بمصر منذ بروز الناصرية في 1952 إلى أن تم اغتيال السادات بأيديها لتنتقل إلى مرحلة الحظر في بدايات عهد مبارك، الذي استدرجها إلى السلطة في أواخر أيام حكمه ضد المد الجماهيري الذي تقوده حركات ديمقراطية بورجوازية صغيرة أمثال "حركة كفاية" و"6 أبريل" وغيرها، مما فتح المجال أمام "حركات الإسلام السياسي" للمصالحة مع النظام الديكتاتوري لتشكل الدرع الواقي له من المد الثوري الجماهيري الذي بدأ يتطور خاصة بعد سقوط النظام البعثي بالعراق وتدهوره بسورية.

لقد تحولت إستراتيجية الإمبريالية في الشرق العربي وشمال أفريقيا بعد سقوط النظام البعثي بالعراق وتولي "حركات الإسلام السياسي" الحكم على يد الإستعمار الأمريكي ـ البريطاني وإنهاء أسطورة "القاعدة" بأفغانستان وإشعال الحرب بسورة، ووجدت الإمبريالية في الحركة الأصولية الظلامية بديلا للأنظمة الديكتاتورية التقليدية التي انتفضت الشعوب لوقف المد الجماهيري الشعبي الذي فقد ثقته في جميع الأحزاب "اليسارية" و"اللبرالية" بعد سقوط المشروع الإشتراكي الشوفيني/القومي الناصري بمصر والبعثي بالعراق وسقوط الإشتراكية الإمبريالية بروسا، وتشكلت أقطاب إمبريالية جديدة بروسيا والصين منافسة للقطب الغربي والتلاعب سياسيا في المحافل الدولية للسيطرة على ثروات الشعوب وتقسيم العمل عالميا، وتشكل قطبي الرحى سياسيا في الشرق العربي من داخل "حركات الإسلام السياسي" اللذان تتدحرج الجماهير الشعبية حولها بين السنة والشيعة، بينما الأحزاب التحريفية والإصلاحية ظلت بعيدة كل البعد عن الجماهير الشعبية مقتصرة في الدوران في فلك الأنظمة الديكتاتورية. لقد شكل القضاء على المشروع الشيوعي وامتداداته في أوساط الجماهير الشعبية والحركة العمالية، الهدف المركزي للمشروع الإمبريالي ـ الصهيوني ـ الرجعي العربي مما تطلب دعم القوى الأصولية الظلامية بعد إفلاس مشاريع الإشتراكية الإمبريالية والإشتراكية الشوفينية/القومية، ذلك ما تجلى في سياسات الأنظمة التابعة لكلي المعسكرين الإمبريالي والإشتراكي الإمبريالي وأساسا في رموزها الأصولية الظلامية، السنية والشيعية، السعودية وإيران. وانساقت التحريفية والإصلاحية الحزبية وراء المعارك الإنتهازية حول خدمة الأنظمة الديكتاتورية إلى حد التحالف مع الأصولية الظلامية بشعارات لبرالية "الديمقراطية وحقوق الإنسان" في ظل "العولمة" بدعوى "نهاية التاريخ" وشيخوخة الماركسية، وسارعت إلى محاربة الحركات الماركسية اللينينية التي تقودها الشبيبة الثورية خاصة في أوساط الطلبة بالجامعات التي تشكلت فيها مجموعات ثورية بعد تفكيك التنظيمات الماركسية اللينينية وعلى رأسها "منظمة إلى الأمام" المنظمة الماركسية اللينينية المغربية.

هكذا تم فصل الحركة الثورية بالبلدان العربية والمغاربية عن تنظيماتها الثورة القادرة على قيادة الثورات الجماهيرية الشعبية في اتجاه الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية، فمع التطور الهائل لوسائل الإنتاج المادية والثقافية خلال خمسة عشر سنة الماضية وما أحدثه ذلك من تطور كبير في مستوى القوى المنتجة باعتبارها القوة الثورية الحاسمة في الصراع الطبقي بتغيير علاقات الإنتاج البائدة التي تسود في الأنظمة الكومبرادورية، حدث تحول نوعي في الوعي الحسي للجماهير الشعبية الذي ارتفع إلى حد قدرتها على الخروج عن طاعة الديكتاتوريات والمطالبة بإسقاطها لكن دون امتلاك مشروع ثوري بديل عن المشروع الديمقراطي البورجوازي الصغير للأحزاب التحريفية والإصلاحية، التي ترى قياداتها البورجوازية الصغيرة في الثورات الجماهيرية الشعبية مناسبة للمساومة على الحكم مع الأوساط الإمبريالية والكومبرادورية، وقدمت نفسها خدمة لها كما حدث في تونس وليبيا ومصر واليمن وسورية متجاهلة أن المشروع الإمبريالي يرى في الأصولية الظلامية بديلا لها.

وكان للإفلاس الأيديولوجي والسياسي للأحزاب التحريفية والإصلاحية سببا في وقوعها في فخ الإمبريالية وقبلت بالتحالف مع الحركات الأصولية الظلامية التي بدونها لا تستطع بناء روابط سياسية مع الجماهير الشعبية الثائرة في الشوارع. أما المجموعات الشبيبية الثورية في الحركة الماركسية اللينينية فلم تستطع الخروج من نفق العزلة والتشرذم مما دفع بجلها إلى الإنجرار وراء الطرح البورجوازي الصغير لمفهوم للثورة، وذلك بانخراطها في الإحتجاجات الشعبية بشكل فج دون ضوابط التنظيم الحديدي التي تشترط السرية في العمل السياسي الثوري، وكان لاعتمادها على طرح "الإنطلاقة الثورية" الذي تخلت عنه منظمة "إلى الأمام" منذ بداية تأسيسها سببا في انسياقها وراء الطرح التحريفي للثورة نظرا لقصور الوضوح الأيديولوجي والسياسي لدها، مما يستوجب مجابهة هذا الطرح البورجوازي الصغير للثورة بإبراز الطرح الثوري لدى منظمة "إلى الأمام" المتحلي في "الإستراتيجية الثورية"، ولن يتم ذلك إلا في ظل بناء المنظمة الماركسية اللينينية المغربية في أفق بناء الحزب الماركسي اللينينية المغربي.
وكان للثورة الجماهيرية الشعبية المصرية الثانية في 30 يونيو 2013 دور كبير في إبراز أهمية القيادة الثورية في تحقيق أهداف الثورة، حيث لم يستطع المشروع الإمبريالي الصهيوني الرجعي العربي المتمثل في حكم "الإخوان المسلمون" أن ينسجم ومتطلبات الوعي الحسي للجماهير الشعبية، التي رأت في المشروع الأصولي الظلامي خروجا عن أهداف الثورة التي يجب أن ترتكز على الحلول الإقتصادية والإجتماعية لمشاكلها اليومية في الوقت الذي أحبطت فيه مطالب الشباب الثوري في الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية. بينما حكم "الإخوان المسلمون" إنخرط في المشروع الإمبريالي عالميا والمتمثل في العمل على تغلغل الفكر الأصولي الظلامي في المنطقة ضد المد "العلماني" الذي يقوده الشباب الثوري والقوى الديمقراطية البورجوازية الصغيرة، وخرجت الجماهير الشعبية معلنة عن سقوط حكم "الإخوان المسلمون" في ظل نفس شروط الثورة الأولى في 25 يناير 2011 وهي عدم وجود قيادة ثورية تقود ثورتها ولم تجد أمامها إلا قيادة الجيش المصري.

لقد أصبح الجيش المصري أسطورة في الحكم بعد تأسيس النظام الناصري الذي أسقط الملكية بمصر في 1952 وأسس أصول الإشتراكية الشوفينية/القومية العربية، مما جعل الإخوان أعداء تاريخيين له بما لهم من علاقة أيديولوجية بالنظام الملكي البائد المناقضة للمد القومي التحرري، مما ساهم في نشر الوعي القومي في أوساط الجيش المصري بتغلغل الأيديولوجيا الناصرية في أوساطه. وكان لارتباط الجيش بالسلطة أثر كبير في إضعاف القوى السياسي "اليسارية" و"اللبرالية" بعد القضاء على المد الشيوعي في الحركة العمالية بعد بروز التحريفية بالإتحاد السوفييتي في 1956. وكان من الطبيعي أن تفشل جميع المشاريع السياسية أمام وجود جيش قوي يتوفر على قيادات سياسية نمت في اتجاه أمريكا بعد وفاة جمال عبد الناصر وتوقيع إتفاقية كامب ديفيد، في حربها ضد المد الأصولي الظلامي بعد اغتيال الخائن أنوار السادات في 1981، الشيء الذي جعل الجيش نقيضا ل"اليسار" و"الأصولية الظلامية" معا، مما وفتح أمامه المجال للتحكم في السلطة في ظل غياب القيادات الثورية الوطنية الديمقراطية الشعبية.