إشكالات في النظرية الماركسية 1-2


وليد مهدي
2013 / 7 / 25 - 15:22     

ينقل سعد محمد رحيم * عن كاستورياديس في كتابه " التاسيس المتخيل للمجتمع " :
يريدنا كاستورياديس أن لا نكتفي في البحث عن معنى الماركسية فيما كتبه ماركس حصراً، وإلاّ ، نكون قد تنكرنا لمبدأ في الماركسية ذاتها يقول أن " دلالة نظرية ما لا يمكن فهمها بمعزل عن الممارسة التاريخية والاجتماعية التي تتوافق معها، والتي تتغلغل داخلها أو تشكل ستاراً لها" ...
موضوع " العلم الماركسي " من اكثر المواضيع الشائكة والمعقدة حين يتم بحثها وتحليلها معرفياً ، ومسألة ان الماركسية نظرية غير قابلة للفحص والاختبار تكاد ان تكون مسلمة راسخة لدى اغلب الماركسيين ولا اقول جميعهم ، وإنطلاقاً من مبدأ فحص النظرية سالف الذكر لكاستور ياديس ، فربما قد حان وقت مواجهة الماركسية بنتائج ولو بسيطة من امتحانها في التاريخ ..
فخلال ما قدمناه في المقالين السالفين من هذه السلسلة ، نصل الى دراسة الاشكالات " التطبيقية " التي واجهتها التجارب الاشتراكية خلال المئة عام الماضية والتي يمكننا تلخيصها بما ياتي :

1. الاشكال المعرفي ( الابستمولوجي )
2. الاشكال الاقتصادي
3. الاشكال الطبقي
4. الاشكال الثقافي

سنناقش في مقال اليوم الاشكالين الاول والثاني ، اما الثالث والرابع فسنناقشه في المقال القادم .

أولاً : الماركسية والاشكال المعرفي

الماركسية كنظرية في الاجتماع والاقتصاد السياسي لا تخضع لضوابط ومنهجية البحث الاجتماعي والاقتصادي المعاصر ، لكنها من ناحية اخرى بما قدمته من افكار وطروحات فلسفية لا تتنافى مع نتائج العلم الحديث تحولت الى " مذهب " في فلسفة العلم اثر كثيراً على مسيرة علم الاجتماع والاقتصاد في القرنين العشرين والحادي والعشرين ..
كثير من الباحثين والمفكرين اثرت بهم الفلسفة الماركسية هذه لدرجة اننا نقرأ عن علم اجتماع ماركسي واقتصاد ماركسي ، لكن هل هناك " علم ماركسي " مستقل منفصل ، ام ان النظرية الماركسية خاضعة لعلم اكاديمي محدد ذو منهج محدد يسمح له باختبارها ؟؟
في الحقيقة ، الماركسية تكاد ان تكون نظرية معرفة في إطارها العام وليست علماً ولا نظرية علمية في فرع من العلوم الانسانية او الطبيعية ..
منهج هذه النظرية قائم على " التحول " المادي في التاريخ نتيجة الصراع الطبقي وكفاح الانسان التاريخي لقهر الطبيعة واستغلالها ..
بالتالي ، يمكن لهذا المنهج ان يتحول الى علم يسمى " علم التاريخ " كما يسميه لويس التوسير ، لكنني اختلف مع التوسير بان الماركسية لم تتحول الى " علم التاريخ " بعد ، لا يوجد اليوم علم ذو منهج محدد ونظريات قابلة للفحص وكل ما لدينا هي " الماركسية " بشروحها المختلفة واركانها المتشعبة في الاقتصاد والسياسة والمجتمع والثقافة والتي لم ترتق بعد لتصبح علماً شاملا للانسان وتاريخه لعدة اسباب اهمها التسليم بانها نظرية غير قابلة للاختبار بسبب حاجتها لامتداد الزمن عشرات وربما مئات السنين ، لكن ماذا عن التجربة السوفييتية التي امتدت لاربعة وسبعين عاماً , والتجربة الصينية التي يزيد عمرها حتى اليوم على الستين سنة ؟
ماذا عن التجارب الاشتراكية الاخرى في عموم العالم ؟؟
في الحقيقة ، يضاف الى مسالة " استحالة الاختبار " وبسبب الطابع الايديولوجي اللاعلمي للماركسية كعقيدة سياسية ، سواء اللينينية وشروحها او الاتجاهات المتعددة الاخرى ، فإن مراجعة هذه التجربة لاعادة انتاج النظرية يعتبر بمثابة الكفر بالنصوص الدينية المقدسة على غرار المؤمنين بالاديان ، فلولا هذا الطابع الايديولوجي للماركسية لكان بالامكان فحصها ومراجعتها وتحويلها الى فلسفة علم رصينة حقيقية وواضحة ومحددة غير مموهة بإستحالة التحقيق او متخفية وراء اسطورة " الهيمنة " على التاريخ وتجاوزه باعتبارها النظرية الوحيدة التي فسرت التطور الاجتماعي تفسيراً كاملاً ...!!
لا انكر بان الماركسية كفلسفة هي كذلك بالفعل ، خطوة اولى على هذه الدرب ، تفسير الانسان بشموله الفردي والاجتماعي الكلاني ، لكنها وقفت في مكانها ولم تتحرك للامام بعد ..!
وكما سنلاحظ في فقرات مقال اليوم ، والمقالات القادمة ، الاشكالية المعرفية تنجلي حين نفصل في التعريف بين " المعرفة " و " العلم " ...كون العلم نطاق ودائرة اوسع من المعارف وهي محتواة فيه ضمناً ، بالتالي لا يزال ينقصنا الكثير لاكمال هذه الطريق وترصينها بنتائج اختبار التجربة الماركسية عبر العالم في بيئات وحضارات وازمنة مختلفة .

ثانياً : الماركسية والإشكال الإقتصادي

مفهوم فائض القيمة الذي طرحه كارل ماركس كجوهر لمفاهيم الاقتصاد الماركسي المعروفة هو من المسلمات اللاجدلية لدى الماركسيين ، بل ومن المفاهيم التي تثير حرجاً كبيراً لدى الراسماليين ...!!
لهذا السبب ، اكتسب هذا المفهوم زخماً وقوة جعلته بمثابة بنية مفاهيمية صلدة لا جدال ونقاش فيها ..
هذا المفهوم هو الآخر ، وحين نعيد فحصه بعموم التجربة الاقتصادية الكلية عبر العالم ، نجده مفهوماً بني من قبل ماركس والماركسيين بناء على فحص تفصيلي دقيق للعلاقات الانتاجية بين العامل والراسمالي الذي يملك وسائل الانتاج والذي هو " سارق " برأيهم للقيمة المضافة فوق السلعة التي تحوزها السلعة المنتجة جراء العمل ، هذه القيمة المضافة تساوي قيمة السلعة في السوق مطروحٌ منها كلفة انتاجها ...
يرى ماركس ان الفارق الممثل لهذه القيمة هو من استحقاق العامل وليس من استحقاق الراسمالي الذي لم يقم باي عمل , فهو فقط يمتلك وسائل الانتاج التي لا يمتلكها العامل ...!!
وحسب الفرضية الماركسية الاساس بهذا الخصوص فإن :
(( " العلاقة بين رأس المال والعمل هي المحور الذي يرتكز عليه كامل نظامنا الراهن" ... وأن " العمل هو مصدر كل أنواع الثروات ومقياس كل القيم.. إن قيمة أي سلعة تقاس بالعمل اللازم لإنتاجها " )) ..

بالتالي ، هناك استبعاد قسري لمسالة ان الراسمالي يمتلك عملة نقدية تمثل " قيمة " عمل ، او اعمال مسبقة ، اذ يمكن للعامل الذي يتقاضى الاجور ان يتحول الى راسمالي مالك لوسائل الانتاج عبر صعوده في الهرم الاقتصادي للسوق ...

هذا الاستبعاد القسري للتعريف الاقتصادي للـــ " العملة النقدية " سببه منهج الماركسية نفسه المهتم بتفاصيل العلاقات الانتاجية والمبتعد عن مجمل المحصلة الكلية لناتج هذه العلاقات وهو هيكل الاقتصاد التبادلي ( سنوضح عنه ما يسمح به الموضوع بعد قليل ) ..

إشكالية المفهوم الماركسي للعمل والقيمة المالية له في الهيكل الاقتصادي التبادلي قمت بشرحها وتوضيحها بهيكل مخطط في دراسة خاصة نشرتها في العام 2010 في مجلة المستقبل العربي التابعة لمركز دراسات الوحدة العربية ، وكانت تحت عنوان :

هيكل الاقتصاد العالمي حتى العام 2012

هذا الهيكل التبادلي للاقتصاد العالمي يمكن مراجعته مع بعض الشرح التوضيحي في الرابط :

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=207849


وهو هيكل مستوحى من قراءة عبر الخارج ( Zoom out ) للهيكل الاقتصادي العالمي التبادلي المؤسس على الرافعة المالية التي تمثل حالة من تطور التبادل ما بعد " المعدني " السائد قبل ولادة النظام الراسمالي العالمي قبل قرنين وما قبل " الرقمي " في البورصات التي يتم فيها تداول الاسهم والسندات والتي ظهرت قبل قرن تقريباً ..

دراسة العلاقة بين عملية الانتاج بقيمة ما والتسويق بقيمة اكبر هي ما ركز عليه ماركس ومنهجه بتفصيل دقيق نسميه القراءة عبر الداخل ( Zoom in ) ، لكنها برؤية شاملة خارجية Zoom out للاقتصاد العالمي التبادلي نجد بان القيمة المضافة عبارة عن " نمو طبيعي Growth Natural " في هيكل الاقتصاد العالمي يحتم تحفيز الاقتصاد ليتوسع عبر قيم مضافة على عملية الانتاج ، من المفترض ان تكون اقل ما يمكن لتحافظ على بنية الاقتصاد الكوني من الركود والكساد وتجنب البشرية الازمات ..!!!

فالقيمة المضافة حسب كاميرا البحث الماركسية التفصيلية الداخلية لعلاقات الانتاج ، هي " تقريباً " ولا نقول تماما من استحقاق من يعمل ، لكنها بعملية الــ ( Zoom out ) من الخارج للاقتصاد العالمي الكلي هي ليست من استحقاق طبقة ما في الهرم الاقتصادي ، هي جزء طبيعي من هيكل الاقتصاد العالمي واذا ما اتسعت متسارعة " فوق العادة " ولدت فقاعة .. يؤدي انفجارها لكوارث عالمية كما حدث في ازمة العام 1929 المعروفة بالكساد الكبير وازمة العام 2008 المعروفة بازمة الرهن العقاري الامريكي ، وكليهما في وول ستريت ...

(( قد ذكرت تفاصيل الازمة في ضوء هذا الهيكل في البحث المشار اليه اعلاه ويمكن مراجعته مكتوباً بدون مخطط في الحوار المتمدن عبر الرابط :

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=207849

والعودة الى مخططه الهيكلي التبادلي المنشور مع بعض الشرح في موقع دروب عبر الرابط :

http://www.doroob.com/?p=4908

إن ازمة 2008 شطبت 12 % من قيمة الاقتصاد العالمي بفعل انفجار فقاعة وول ستريت ، وقد بلغت ترليونات من الدولارات ، لان تسارع نمو الاقتصاد العالمي تجاوز " طبيعته " التاريخية قبل العام 2008 بسبب تزايد " القيمة " المضافة على الاسهم والسندات في البورصات العالمية لاسباب غير طبيعية مثلتها الارادة البشرية عبر المضاربات الفاحشة ، هذه القيمة عادت الى الاقتراب من حدودها الطبيعية اليوم ليس إلا ....!!

الـــ 12 % من قيمة الاقتصاد العالمي المتبخرة هي قيمة حقيقية مستحقة للعمل في ضوء الماركسية الكلاسيكية ، لكنها في الواقع فقاعة وهمية لا تعبر عن واقع الاقتصاد العالمي في ضوء قيمته " التاريخية " ...

وموضوع " القيمة التاريخية " للاقتصاد العالمي ستكون هي البديل المؤقت عن " القيمة " الماركسية المعروفة ، سنناقشها في مواضيع لاحقة .

ما اود قوله في ختام مقال اليوم عن الاشكال الاقتصادي في الماركسية هو انه اشكال تطبيقي وليس نظريا صرفاً ، ويمكن عبر دراسته بعمق والاستفاضة فيه الخروج بتوسعة أو اضافة على النظرية تجعلها بادئة لعلم التاريخ الانساني بحق كما يتصورها اليوم الماركسيين ، لكنني اشدد ، ليس بعد ، ليست الماركسية علماً كاملا ذات منهج او قواعد استنباطية لدراسة ظاهرة او ظاهرات بعد تتيح لها التنبؤ السليم بمستقبل المجتمع البشري واقتصاده ، والتي سنوضحها اكثر في المقال اللاحق الذي سنناقش فيه الاشكالات الطبقية والثقافية في الماركسية ...


*********************************************************
هامش :
• سعد محمد رحيم
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=133042