التحديات التي تواجه الشيوعية العمالية - مداخلة مع الرفيق رزكار عقراوي حول : ( آفاق الشيوعية العمالية في العراق )


عواد احمد صالح
2013 / 7 / 19 - 17:10     

التحديات التي تواجه الشيوعية العمالية
مداخلة مع الرفيق رزكار عقراوي حول : ( آفاق الشيوعية العمالية في العراق )

نشر الرفيق رزكارعقراوي مقالين في نقد الشيوعية العمالية الاول بعنوان : (الشيوعية العمالية -الحكمتية إلى أين؟) بتاريخ 29/6/2013 والثاني بعنوان ( افاق الشيوعية العمالية في العراق) بتاريخ 1/7/2013 ودعى الرفيقات والرفاق في الاحزاب الشيوعية العمالية في العراق وايران للدخول في حوار لمناقشة جميع القضايا التي تتعلق بالشيوعية العمالية كما فصلها هو في مقاليه ، وقد وجدت ان من الضروري مناقشة بعض تلك القضايا التي مازال بعض رفاقنا يترفعون عن الخوض فيها وذلك طبقا لتجربتي ورؤيتي الشخصية منطلقا من ادراك اهمية المراجعة والنقد في تقويم الاخطاء وتلافي النواقص ان وجدت بهدف ايجابي وفعال هو النهوض بالشيوعية العمالية وحركتها ودفعها للتقدم الى الامام ، اتمنى ان لا تشكل ارائي الموجزة والصريحة موضع احراج لاي احد من رفاقنا .
في البدء لابد ان اثمن الرؤية السديدة والحرص الذي ابداه الرفيق رزكار عقراوي في موضوعاته فهو ينطلق من الحرص على تطوير الشيوعية العمالية واحزابها ونقد النواقص والاخطاء وتطوير الرؤية السياسية والتنظيمية ومن الطبيعي جدا ان تكون ثمة اختلافات في وجهات النظر بيننا فالاختلافات تنجم عن اختلاف الرؤية السياسية والموقف الشخصي وللثقافة النظرية والخبرة السياسية للفرد وحتى المكان له علاقة مباشرة تماما بموضوع الاختلافات ايضا .

لن اذهب بعيدا في التفاصيل بل ساحاول الاختصار قدر الامكان - اود التأكيد مرة اخرى ان ما سأقوله يمثل وجهة نظري الشخصية - متجنبا الامور والقضايا التي حسمها الزمن وتطور الاحداث خاصة ما يتعلق منها بتاريخ الشيوعية العمالية ومؤسسها منصور حكمت وسأتناول بعض القضايا التي اعتقد انها تستحق التوضيح :
1- الولاء الشخصي وعبادة الفرد والشخصنة : هذة القضية حسمها تطور الاحداث والزمن بعد وفاة منصور حكمت والانشقاقات العديدة التي حدثت داخل الحزب الشيوعي العمالي الايراني ثم الحكمتي ، وبشكل اخص لابد من القول اليوم ان هناك في الحزب الشيوعي العمالي العراقي نضج سياسي كبير عند قادة الحزب والان تدار الامور باوسع درجات اختلاف وجهات النظر ولا حجز او تابو على اي راي مخالف او اقصاء ولا نفي للافكار المغايرة. ومن خلال تجربتي في الحزب منذ عام 2006 وجدت ان الامور تدار بشفافية عالية وبروح جماعية وتتداول المسؤولية بشكل طبيعي وخاصة السكرتير ونائبه واعضاء اللجنة المركزية جرى باستمرار تطعيمهم بعناصر جديدة ، وللتأكيد فان مثل هذه المسؤوليات تحتاج الى خبرة نظرية وسياسية وكفاءة وتحمل المسؤولية واستعداد دائم للالتزام بالعمل الحزبي بكافة متطلباته. ان كل ما يتعلق بالولاء الشخصي او عبادة الفرد ليس له وجود داخل الحزب اليوم .وفيما يتعلق بمنصور حكمت فهو صاحب الفضل في تأسيس الحزب الشيوعي العمالي العراقي وهو مؤسس الشيوعية العمالية من هذا الباب فان الحزب ينظر اليه بعين الاحترام والوفاء والتقدير العالي لدورة خارج اطار مفاهيم التقديس الفردي وغيرها .
2- الانشقاقات : وهي ظاهرة سلبية معيبة ومخزية وللاسف هي تقليد سياسي قديم ظهر في تاريخ الحركة العمالية منذ تأسيس الاممية الاولى ثم الاحزاب الاشتراكية – الديمقراطية وبعدها الاحزاب الشيوعية ، من الناحية السياسية والاخلاقية فان الانشقاقات داخل احزاب البروليتاريا بوجه عام ربما تعكس الى حد ما ميول وتأثير البرجوازية الصغيرة والشرائح الاجتماعية غير البروليتارية التي تتكون منها غالبية هذه الاحزاب وهي تعبير بشكل اخص عن امزجة فردية تتعلق بدور ومكانة الاشخاص في القيادات وتعكس ايضا عدم الالتزام المبدئي والحزبي وعدم الجدية في النضال من اجل مصالح الطبقة العاملة وعموم كادحي ومحرومي المجتمع وباختصار شديد هي جانب من مرض الطفولة السياسية وعدم النضج وعدم احترام الذات ومدعاة لفقدان الهيبة والمكانة السياسية في المجتمع وامام العدو الطبقي .وهي تسبب دائما انفضاض الناس ونفورهم من الشيوعية .
والسؤال المهم اليوم كيف نحصن الشيوعية العمالية من الانشقاقات مستقبلا؟؟ هو بايجاد تقاليد سياسية شفافة ومباشرة وتعزيز اجواء الثقة المتبادلة والعلاقات الرفاقية من القمة الى القاعدة على مختلف المستويات والمزيد من الجدية والوعي والالتزام المبدئي ونكران الذات والتفاني في سبيل القضية المشتركة .
3- الماركسية والحكمتية : مع تقديرنا الكبير لدور الرفيق الخالد منصور حكمت في اسهاماته النظرية في تطوير الماركسية على اساس تجربة الثورة الايرانية والتجارب العالمية السابقة انما يمكننا القول ان دوره يتلخص بشكل عام في نقطة جوهرية ، اعادة وضع الماركسية على قاعدتها الاصلية اي الطبقة العاملة ، كما يقول الرفيق سامان كريم .وحتى عندما نعتبر الحكمتية تيار ثوري جديد في الماركسية وله سمات وتقاليد متقدمة ومختلفة عن اليسار التقليدي فان ذلك لا يعني تجاوز تراث الماركسية ذلك التراث المتشعب والعريض والغني بالتجارب والاسهامات النظرية والتجارب العملية للقادة الماركسيين بكافة المراحل التاريخية وهناك دائما اعادة قراءة وتقييم للتراث الماركسي بنظرة موضوعية دون الاكتفاء بالماركسية وفق المنظور الذي قدمها من خلاله منصور حكمت .

4- الحزب الشيوعي العمالي العراقي اهميته وضرورته التاريخية :

الحزب الشيوعي العمالي العراقي تنظيم ماركسي ثوري ورديكالي في تاريخ القوى السياسية اليسارية في العراق تأسس عام 1993 وعقد مؤتمره الاول في مدينة السليمانية في كردستان العراق . ورد في الفقرة الاولى من النظام الداخلي ))الحزب الشيوعي العمالي العراقي : تنظيم ثوري ماركسي شكل من اجل تنظيم و توجيه الطبقة العاملة لانجاز الثورة الشيوعية- )) تكمن اهمية الحزب في انه اعاد الاعتبار من الناحية النظرية لشيوعية ماركس ولينين اي لدور الطبقة العاملة في مقابل احزاب البرجوازية والشيوعية التقليدية الداعية للثورة الديمقراطية والتحرر الوطني .ومن الناحية الموضوعية ولد متاخرا بعض الشيء لم يستطع اليسار العراقي بكل تلاوينه حتى فترات تسيده الشارع ان يفرز تيارا او حزبا ثوريا يسعى الى التغيير لاسباب سبق ان اشرت اليها في مقالات سابقة وبسبب تقاليده غير الثورية لم يخرج من عباءته اي تيار شيوعي ثوري ربما باستثناء تيار القيادة المركزية الذي تم القضاء عليه من اليمين ومن البرجوازية والفاشية بسرعة فائقة .. هنا تكمن اهمية وجود تيار ثوري عمالي ورديكالي اقصوي يدافع بجراة وشجاعة عن مكانة ودور الطبقة العاملة التاريخي والجماهير الطامحة للحرية والمساواة ويناضل في سبيل تحقيقها .
ان وجود الحزب الشيوعي العمالي كحزب رديكالي وثوري وجذري حاجة موضوعية وتاريخية املتها الظروف الاجتماعية والتاريخية التي مر بها المجتمع العراقي وكان وجوده ضروريا منذ سبعينيات القرن الماضي . ولولا تطور وتجذر الاوضاع في كردستان قبل وبعد انتفاضة اذار وتاثير اليسار الثوري الايراني ودور منصور حكمت لكان الحزب غير موجود الان بسبب عدم امكانية تاسيسه في داخل العراق مع وجود النظام البعثي الفاشي والقمعي المغلق والدموي ...ان قادة الحزب الاساسيين هم من الناطقين باللغة الكردية وكانوا وما زالوا يشكلون الضمانة الوحيدة لثورية الحزب وجذريته مع تقديرنا التام لادوار الرفاق الاخرين من العرب الذين هاجروا الى كردستان هربا من قمع النظام البعثي .في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات وساهموا بفعالية واخلاص في بناء الحزب .
ان اهمية الحزب تكمن في انه لم يبنى على اساس مزاج ورغبة افراد معزولين عن الواقع الاجتماعي بل ولدته الظروف والحاجة الموضوعية لنضال العمال وكل دعاة التحرر والمدنية والمساواة من اجل الوصول الى عالم افضل خال من الاستغلال والتفاوت الطبقي واستثمار الانسان لاخيه الانسان .
وليس من باب المبالغة ابدا القول ان قادة الحزب الشيوعي العمالي العراقي هم من انبل وافضل الشيوعيين واكثرهم مبدأية ونزاهة والتزام وجرأة ، يتمتعون بارواح نقية مفعمة بالانسانية العالية وهم من اكثر الناس اخلاقية – ليس بالمفهوم البرجوازي – واخلاصا لقضية الشيوعية وتحرر الطبقة العاملة وهم يمتلكون مقدرة سياسية ونظرية قلما يمتلكها الكثير من الماركسيين والشيوعيين في العالم .
ان الحزب الشيوعي العمالي العراقي من اكثر التيارات السياسية نزاهة وشفافية وجرأة في طرح المواقف السياسية بشكل شجاع ودون تردد او خوف وقف ضد الاحتلال الاميركي للعراق بقوة وضد الطائفية والقومية وكل اشكال تقسيم الانسان وهو من اشد المدافعين عن دولة المواطنة المتساوية والعلمانية و فصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم والحريات الفردية والمدنية ومساواة المرأة التامة مع الرجل والحرية والعدالة وكافة الحقوق الانسانية العامة والشاملة .

قضية التحالفات والتنسيق مع القوى اليسارية :
ان الحزب الشيوعي العمالي العراقي واحزاب الشيوعية العمالية عموما بنيت على اساس قاعدة الصراع الطبقي وقضية العمال وعندما يدعى الحزب الى سياسة التحالفات او التعاون الطبقي لن يكون ولن يبقى حزبا شيوعيا وعماليا .... لكن هذا لايعني رفض التنسيق والعمل وفق برامج محددة مرحلية مع سائر القوى اليسارية وبشكل متوازن ..واذا كانت القوى اليسارية والشيوعية جادة فعلا بالتنسيق والعمل المشترك عليها اولا ان تتجاوز سلبياتها ، التزمت العقائدي والتعصب الفكري والوصاية الابوية ، وتبدا خطابا سياسيا متوازنا يعترف بتعددية اليسار واختلاف الرؤى بين فصائله ونبذ الاقصاء والتجاهل والعصبوية الضيقة .

مشكلة القيادة والتنظيم
ان مشكلة اليسار الرديكالي الدائمة وفي جميع البلدان واحدة : بناء القيادة الثورية القوية والموحدة والرصينة ، قيادة تعمل على مدار الساعة في قلب الصراع الطبقي للمجتمع وتتمكن من قراء الاوضاع السياسية المتغيرة برؤية ثاقبة وحكيمة وتتمكن من بناء جهاز حزبي منضبط ويعمل اشبه بماكنة عملاقة تتحرك مفاصله في جميع الاتجاهات تكون القواعد مسلحة بنظرة ثورية وصلابة مبدأية لا تخشى العواقب تعمل في الظروف العلنية والسرية بنفس القدرة والفعالية .

بعض الحلول المقترحة للنهوض بالشيوعية العمالية :
1- حضور القيادات الدائم بكاملها عدا من يتطلب عمله الحزبي البقاء في الخارج حضورها في الداخل لمدة لاتقل عن عشرة اشهر في السنه للاشراف بشكل مباشر على ادارة التنظيم والعمل الحزبي وسرعة رد الفعل سياسيا على اي تطور او تغير في الاوضاع السياسية والاجتماعية .
2- انفتاح القيادة على التيارات الماركسية القريبة من توجهاتنا على المستوى المحلي والاممي والتفاعل والتنسيق معها في أطار رؤيتنا للتنظيم والتحزب الطبقي .
3- ادانة نهج الانشقاقات في حركة الشيوعية العمالية ودعوة الأحزاب والتيارات المنشقة للوحدة في اطار نكران الذات وتجاوز الخلافات وتسويتها في بما يرضي الجميع مادمت جميع احزاب الشيوعية العمالية تتبنى برنامج منصور حكمت (عالم افضل ) فان خلافاتها مهما كانت فهي شكلية لا تتعدى المواقف السياسية او التكتيكات المرحلية او الخلافات الشخصية . ادعو قيادة حزبنا لطرح مبادرة الوحدة واعادة اندماج أحزاب الشيوعية العمالية دون شروط مسبقة .
4- عقد ندوات او سيمينارات سياسية حزبية شهرية او على الاقل كل شهرين تجمع اعضاء منظمات كل محافظة او اكثر لبحث مختلف القضايا السياسية والفكرية وبشكل منهجي وعلى مدار السنة مع الاخذ بنظر الاعتبار الوضع الامني والسياسي الملائم . بهدف التوعية السياسية وبناء كوادر شيوعية عمالية جريئة وذات فعالية سياسية وتنظيمية مقتدرة .
5- ترسيخ الانضباط والالتزام الحزبي وذلك باعتماد (انظمة داخلية ) دقيقة وواضحة ومختصرة ومتكاملة تحدد حقوق وواجبات الاعضاء والعقوبات الحزبية وذلك للخروج من اطار عدم الالتزام التنظيمي والحزبي والليبرالية السياسية والتنظيمية التي تسود احيانا داخل احزاب الشيوعية العمالية كرد فعل معاكس للاساليب التنظيمية السائدة في اليسار التقليدي او الاحزاب الستالينية .
6- بناء القاعدة العمالية للحزب والاندماج الفعلي بالطبقة العاملة وتمثيل مصالحها وحركتها الموضوعية في النضال ضد النظام الراسمالي واظهارها كطبقة موحدة ذات توجه سياسي مناقض ومغاير للاحزاب والحركات البرجوازية . اذ لا شيوعية عمالية بدون العمال . هذه المسألة تشكل محور جوهري اليوم في توجه وعمل الحزب الشيوعي العمالي العراقي ومعلنة في برامجه وادبياته ومقررات مؤتمراته المنشورة في موقع الحزب بشكل علني .
7- فتح مدارس حزبية لتدريب القادة الشيوعيين والعماليين لاستيعاب الماركسية وتأهيل قادة شيوعيين اجتماعيين فعالين ومبدأيين يشكلون نقاط ارتكاز وجذب للجماهير يعكسون اخلاق وتقاليد وسنن الشيوعية العمالية لبناء قاعدة اجتماعية واسعة للحزب ولابراز دوره المؤثر في المعادلات السياسية .
8- ايلاء اهتمام اكبر بالاعلام الحزبي الورقي والالكتروني وقد خطى اعلام حزبنا خطوات متقدمة في هذا المجال حيث ان جريدة الحزب "الى الامام " تصدر اسبوعيا بشكل منتظم وبالالوان كما ان موقع الحزب على الانترنيت تم تطويره بشكل ممتاز وهومنفتح الان لنشر كتابات مثقفي اليسار وغير المنتمين للحزب الشيوعي العمالي العراقي .ويواكب الاحداث والتطورات السياسية اولا بأول . كما انوه الى ضرورة بذل جهد اكبر من اجل انتظام صدور مجلة " المد " المجلة الفكرية والنظرية للحزب وهي مجلة دورية تصدر كل 3 اشهر وانفتاحها على كتاب ومثقفين ويساريين من خارج حزبنا .
9- تعديل برنامج الحزب " عالم افضل " ليواكب المتغيرات والتطورات السياسية الحاصلة حتى اليوم . لقد شكل المؤتمر الخامس للحزب لجنة لتعديل البرنامج ولم ينته عملها حتى الان على حد علمي وسيتم تعديل فقرات محددة من البرنامج قرر عليها المؤتمر الخامس .
واخيرا هذه بعض الافكار المختصرة جدا التي تمثل وجهة نظري الشخصية – ومعظمها معروف ومطروح داخل حزبنا - والتي تهدف الى تطوير الشيوعية العمالية والتخلص من السلبيات ونقاط الضعف ولا اعتقد انها شاملة ونهائية... وبامكان الرفاق الاخرين اذا شاؤوا المساهمة والاضافة في هذا الحوار الجدي والهادف .
عواد احمد
تموز 2013