الماركسية والمجتمع -علم الاجتماع الماركسي-


مجدي مشعل
2013 / 6 / 16 - 08:46     

...(...إن تاريخ كل المجتمعات هو تاريخ الصراع الطبقي...)...،،
هذا هو ما سجله كارل ماركس في أول جملة له في "البيان الشيوعي"

أولاً
المسلمات الأساسية للنظرية الماركسية

1 ــ أن أساس الواقع الاجتماعي والحياة الاجتماعية مادي وليس فكري، و بالتالي فإن نقطة البدء في تحليل المجتمع يجب أن تكون الأفراد الحقيقيين بلحمهم و دمهم.و لهؤلاء الأفراد احتياجاتهم الفيزيقية الحقيقة و لكي يتم إشباع هذه الحاجات لا بد أن يتفاعل الأفراد مع الطبيعة
2 ــ أن الإنسان كائن قابل للتطور دائماً و قادر على تغيير عالمه الطبيعي والاجتماعي.
3 ــ أن التطور الاجتماعي يحدث نتيجة للصراع الدائم بين الإنسان و الطبيعة من جهة و بين المجموعات الاجتماعية المتصارعة في المجتمعات الطبقية من جهة أخرى.
4 ــ أن المجتمع يكون فقط في حالة ثبات نسبي، ذلك أنه ما أن يظهر تكوين اجتماعي ــ اقتصادي جديد على أنقاض تكوين سابق حتى تظهر فيه أيضاً بذور فنائه ، و على الرغم من ثباته النسبي إلا أنه تحدث فيه تغيرات كمية يؤدي تراكمها إلى حدوث تغير كيفي فيه.
5 ــ أن وظيفة العالم ليست فقط دراسة الظاهرات الاجتماعية من أجل فهمها و لكنها أيضاً تشمل الممارسة أو العمل من أجل تغييرها وفقاً للقوانين الاجتماعية التي يكتشفها.
6 ــ إن وحدة التحليل الأساسية ليست هي الفرد و لكن التكوين الاجتماعي الاقتصادي الذي يكون تاريخياً .
7 ــ إن النظرية الاجتماعية يجب أن تضم القوانين العامة التي تحكم المجتمع الإنساني في تطوره و القوانين النوعية التي تحكم كل نمط من أنماط المجتمعات في مرحلة تاريخية محددة و التي تحكم الظاهرات النوعية.
8 ــ المتغيرات التي يتم على أساسها تفسير الظاهرات الاجتماعية هي المتغيرات الاقتصادية ــ الاجتماعية ذات الطبيعة التاريخية.

و هكذا نرى بأن هذه المسلمات انطوت على العديد من المفاهيم و الأفكار التي ناقشها ماركس في أطروحاته و مؤلفاته و بياناته ، و يمكن الإشارة إليها باختصار و هي :

* ــ المادية التاريخية .
* ــ الأساس الاقتصادي و البناء الفوقي للمجتمع.
* ــ التكوين الاقتصادي الاجتماعي .
* ــ التقسيم الطبقي و الصراع الطبقي.
* ــ ظاهرة الاغتراب كأحد المتغيرات المرتبطة بالتغير الاقتصادي ــ الاجتماعي.
* ــ الوعي الاجتماعي كأحد سبل تغيير المجتمع من خلال الثورة لدى ماركس،،

ثانياً
تتكون الماركسية من شقين متكاملين:
هما المادية الجدلية و المادية التاريخية،و تسلم الأخيرة بأن القوانين العامة التي تحكم تطور المجتمع قوانين موضوعية ، أي أنها مستقلة عن وعي الإنسان تماماً مثل قوانين الطبيعة و هي أيضاً قابلة للمعرفة و يمكن للإنسان أن يستفيد منها في نشاطه العملي، و قد رفض ماركس النظر إلى المجتمع على أنه مجرد تجمع آلي للأفراد و على أنه يظهر و يتغير بطريقة عرضية ، و رأى أن التطور الاجتماعي إنما هو عملية تحكمها قوانين معينة و أن مهمة العلم الاجتماعي الكشف عن القوانين الأساسية للتاريخ الاجتماعي.
و المادية التاريخية أو "علم الاجتماع الماركسي" يهدف إلى تحقيق فهم علمي للمجتمع على الأسس المنهجية التالية:
1 ــ عدم الاقتصار على وصف الظاهرات الاجتماعية و تجاوز ذلك إلى تقديم تحليل علمي لها.
2 ــ استخلاص الخصائص المشتركة في مختلف المجتمعات التي تنتمي إلى نفس المرحلة من التطور التاريخي.
3 ــ التمييز بين القوانين الاجتماعية العامة التي تحكم عدداً من التكوينات الاجتماعية ــ الاقتصادية و بين القوانين النوعية التي تحكم كل تكوين اقتصادي اجتماعي على حدة، و التي تحكم ظاهرات اجتماعية معينة مثل اللغة،،

ثالثاً
الأساس الاقتصادي و البناء الفوقي للمجتمع:
يعتبر الأساس الاقتصادي حجر الزاوية في الفهم الماركسي للمجتمع ، و هذا الأساس شرط لابد منه لظهور ما يسمى بالبناء العلوي، أي البناء السياسي و التشريعي و الفلسفي و الأخلاقي والجمالي والديني للمجتمع، و ما يترتب على ذلك من علاقات و مؤسسات و منظمات ، و البناء العلوي هنا يعتمد على الأساس (الاقتصادي) فيظهر بتنوع هذا الأساس، و لو أخذنا المجتمع البدائي على سبيل المثال لوجدنا أن انعدام الملكية الخاصة و الطبقات فيه، كان هو السبب في أنه لم يكن في هذا المجتمع دولة أو مؤسسات سياسية أو تشريعية، و مع ظهور الملكية الخاصة إلى الوجود و ظهور الطبقات (سادة و عبيد) ظهر بناء علوي من نوع مخالف ، فظهرت أفكار تبرر حكم صاحب العبيد للعبيد و ظهرت مؤسسات (مثل الدولة) لتحمي هذا الحكم ، ويرى ماركس بأن أفكار و مؤسسات الطبقة المسيطرة هي التي تسود ، فالطبقة التي تمثل القوة المادية الحاكمة في المجتمع هي الطبقة الفكرية الحاكمة ، و في ظل الرأسمالية يكون للبورجوازية السيطرة الاقتصادية و بهذا فإن لأفكارها و مؤسساتها السيادة في المجتمع ، و تستخدم هذه الأفكار لمحاربة الطبقات الكادحة (البروليتاريا) و هذه الطبقة تكون أفكارها و مؤسساتها التي تتصارع مع البورجوازية (مثل النقابات العمالية و الأحزاب السياسية)،،

واخيراً
الوعي الاجتماعي كأحد سبل تغيير المجتمع من خلال الثورة لدى ماركس:

" ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم الاجتماعي، بل وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم"
هذا هو ما يقوله ماركس و ذلك للتعبير عن أهمية الموقع الاجتماعي و الطبقة التي ينتمي إليها الفرد في تشكل وعيه الاجتماعي ، فتبعاً لهذا الموقع و هذه الطبقة يتحدد الوعي الاجتماعي ، و يرى ماركس أن المسيطر على تشكيل الوعي الاجتماعي هم الفئة المسيطرة على القدرات الاقتصادية و التي تساهم في تشكيل وعي الأفراد بصورة تحمي مصالحهم، هذا الوعي المتشكل هو وعي زائف كما يرى ماركس، حيث لا يلحظ البروليتاري أن الوضع ليس في صالحه، و إنما يفكر بطريقة يشارك من خلالها في استمرار سيطرة الطبقة البرجوازية .
و يرى ماركس أن الدين كايدولوجية نتجت عن الوجود الاقتصادي، إذ يعبر عن وعي زائف يعكس العلاقات الاجتماعية المؤسسة على التفاوت الطبقي حيث تكرّس الطبقة المهيمنة اجتماعيا واقتصاديا الوعي الديني بما هو وعي يخدم مصالحها من جهة كونه ينظر إلى الوضعية التعيسة التي عليها الطبقة الكادحة كـ"امتحان لصبر" هذه الطبقة على الشقاء الأرضي "لتنعم في السماء بجنان فردوس" لذلك يعتبر "ماركس" أن هذه الرؤية الدينية لا تكرّس إلا خنوع الطبقة الكادحة وقبولها بأوضاعها المزرية مما يحمي مصالح الطبقة البرجوازية المالكة لوسائل الإنتاج، فالدين هنا يستخدم كـ" مخدّر " يمنع هذه الطبقة من الثورة على أوضاعها المزرية.
و الحقيقة أن الأمثال الشعبية تكشف عن هذه الحقيقة و تعبر عنها ببساطة حين تقول.. "الناس على دين ملوكهم" ،
فالملوك أو من لديهم السلطة السياسية من واقع أنهم الفئة المسيطرة على الوجود الاجتماعي، هم من يوجهون الشعب إلى دين أو مذهب لا يشترط أن يكون ديناً يحمل الطقوس العبادية و إنما قد يكون هذا الدين هو فكر سياسي أو اقتصادي ، هذا التشكيل قد يؤدي إلى ما أسماه ماركس بالوعي الزائف ، فالحقائق لا تعرض كما هي و إنما نجدها مغيبة عن كثير من الأذهان، و يحسب معها أفراد المجتمع أنهم قد فهموا الواقع بينما هم لا يدركون حقيقة ما هو عليه .