المادية الجدلية أقوى من هذيان أفاكيان التحريفي


محمد علي الماوي
2013 / 6 / 4 - 17:42     

المادية الجدلية أقوى من هذيان أفاكيان*التحريفي.

من اين تأتي الافكار الصحيحة ؟ و من اين يتبلور الخط العام للتنظيم الشيوعي وللحركة الشيوعية عامة ؟ انه لن يأتي بالتأكيد من الخلاصة الجديدة لافاكيان التي تنكرت للم الل الماوية و وصفتها "ببقايا الماضي" وكالت لها التهم العديدة بالاعتماد على نواقص التجربة .ان الافكار الصحيحة والخط السياسي العام لا تنزلان من السماء ولاهي في دماغ أفاكيان الذي يعتبر نفسه منبع الحقيقة . انها تأتي من الممارسة الاجتماعية"من الانواع الثلاثة للممارسة الاجتماعية : الصراع الطبقي والصراع من اجل الانتاج والتجربة العلمية "(ماو تسي تونغ- من أين تأتي الافكار الصحيحة ) .
يمثل دماغ الانسان معمل اكتمال الفكر لا منبعه لذلك فهو في حاجة الى "مواد أولية " ولا يمكن لهذه المواد ان تأتي إلا من العالم الموضوعي مرورا بالممارسة فإذا فصلنا الدماغ عن الممارسة و اذا أهملنا المواد الاولية المحسوسة في العالم الموضوعي فلن يكون هناك فكر مادي . لقد اشار انجلز الى انّ - بالمقارنة مع الاشكال القائمة في العالم الموضوعي - "الفكر لا يمكنه ابدا ان يستمد او يشتق هذه الاشكال من حد نفسه بل بالتحديد من العالم الخارجي وحده "(ضد دوهريغ-دار النشر الاجتماعية ص 65) وهكذا اذا انعزلت وظيفة الفكر عن المواد الاولية المستمدة من العالم الخارجي فإنها ستسير في طريق المثالية .
ان اعتبار الممارسة العملية هي المحك لا يعني بالنسبة للم الل الماوية السقوط في التجريبية واعتبار الحركة كل شيء والهدف لا شيء كما يزعم أفاكيان بل ان الممارسة العملية تخضع الى خط ايديولوجي وسياسي تطبيقا لمقولة لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية لذلك لا يكفي العملي وحده بل لابد من الاسترشاد بالنظرية الثورية لان تجربتنا الشخصية او تجربة التنظيمات محدودة في حين ان الم الل الماوية حقيقة صالحة في كل مكان بشرط اعتمادها كمرشد للعمل وهي ليست مقدسة او دوغما- قوالب جامدة - يقع التمسك بها " دينيا " كما تتهمنا بذلك تحريفية أفاكيان. ان" التحليل الملموس للواقع الملموس " هو اساس المادية الجدلية والمادية التاريخية لان كل واقع موضوعي هو ملموس وكل ظاهرة لها خصائصها المميزة لذلك يتحتم علينا , اذا اردنا معرفة الاشياء بدقة , ان ننطلق من الاوضاع الحقيقية لنقوم بتحليل ملموس لها ولا يمكن بلوغ الخط الصائب دون اعتماد هذا الاسلوب الماركسي في التحليل ودون التوصل الى تحديد التناقضات التي تحكم المجتمع والتركيز على التناقض الاساسي والرئيسي أي على الحلقة الرئيسية التي بمسكها والتقدم في حلها يقع دفع عجلة التاريخ الى الامام وتقع المساهمة في تحويل الطبقة العاملة من طبقة في ذاتها الى طبقة لذاتها والارتقاء بتجربة الفئات الشعبية الى مستوى المواجهة السافرة والمعلنة مع الامبريالية والصهيونية والرجعية العميلة .
ان التناقضات التي تحكم المجتمعات معقدة بالتأكيد لكن تفكيكها والتوصل الى الحقيقة الموضوعية التي تديرها أمر ضروري في ضبط المهام العملية المباشرة لكل حزب شيوعي وهي مهام لا يمكن اعتبارها قومية أو محلية معزولة كما يدعي افاكيان(1) لأنها تربط بين ما هو خاص وما هو عام . وقد كتب لينين "ان العام لا يوجد إلا في الخاص وبواسطة الخاص وكل خاص هو –بطريقة او بأخرى-عام (حول المسألة الجدلية م 38 ص345-دار التقدم) وهو ما يعني ان كل الاشياء وكل الظواهر هي وحدة التناقض بين الطابع العام للتناقض وطابعه الخاص وهو ما يقع تحريفه لدى افاكيان بحيث يظل يسبح في عالمه الشيوعي ويقفز على الواقع الملموس بهدف حرف النضال الثوري وبث البلبلة في صفوف الحركة الشيوعية واتهامها بالقومية وبإهمال الطابع الأممي الخ وتهدف مثل هذه الاتهامات الى تفجير الحركة من الداخل وفق مخططات انخرط فيها أفاكيان منذ زمان وتطرح اكثر من تساؤل لدى المناضلين لا عند المغفلين فاقدي الشخصية والمنبهرين بالانجاز الامريكي .
فكيف تعامل التحريفي أفاكيان مع هذه المبادئ العامة وما هو رأيه حول الممارسة والتجربة السابقة في هذا المجال ؟ يقول "ستتحول مقولة ان الممارسة مصدر النظرية ومقولة الممارسة معيار صحة النظرية الى كذب عميق ان جرى تأويلها وتطبيقها بأسلوب ضيق تجريبي ذاتي "(ص24 نسخة ب د اف موقعrevocomanifesto)ويتهم التجربة الشيوعية بالبراغماتية الضيقة والتجريبية وتبني "الحقيقة الطبقية التي وجدت الى درجات مختلفة وبأشكال معينة داخل الحركة الشيوعية , نظرة مادية اختزالية و جلفة "(ص20). ودون اطالة لأن أفاكين لا يستحق كل هذا الاهتمام , فهو يتستر وراء الشعار الخاطئ "الحركة كل شيء والهدف لا شيء " ليضرب مبدأ الممارسة العملية الذي لا يؤمن به في الحقيقة بما انه يستعمل اساليب مخابراتية في الاتصال بالعناصر لجمع المعلومات عن الاطراف السياسية لا غير. و بتعلة نقد الاقتصادوية ينبذ في الحقيقة الممارسة العملية ويعتبرها "ممارسة ضيقة وذاتية وتجريبية ومجرد تبعية للجماهير .. تتخندق في الماضي".(ص33)
ان الخلاصة الجديدة التي تطرح نفسها كبديل للتجربة السابقة تشوه الشيوعية والمبادئ العامة بحجة تطويرها, فلا نجد في تجربة وتراث الاتحاد السوفياتي او الصين ما اسماه التحريفي افاكيان مقولة "الحقيقة الطبقية " بل ان التراث الشيوعي اعتبر دوما ان الحقيقة هي ما يتطابق مع القوانين الموضوعية بمعزل عن الرغبات الطبقية ولا علاقة للماركسية بمفهوم هيقل الذي دافع عن الفكرة المطلقة وعن الموضوعية المثالية كما ان الماركسية تمايزت تماما مع المثالية الذاتية التي جسدها بركلي وماخ ومع البراغماتية والوضعية المنطقية , فهؤلاء الفلاسفة انكروا الطابع الموضوعي للحقيقة . واعتبر البراغماتيون الحقيقة كأداة لتحقيق حاجياتهم الذاتية ومصالحهم لذلك عندما يصف افاكيان الحركة الشيوعية بالبراغماتية و بالدفاع عن الحقيقة الطبقية فهو يشوه التاريخ اولا ويقف ضد مصالح الطبقة العاملة وعجلة التاريخ ثانيا لأنه في الحقيقة لا يدافع عن مصالح الطبقة العاملة وهو يجهل واقعها ومطالبها وليس له اية علاقة مباشرة بها , فكيف له اذن ان يرتقي بوعيها ويحولها من طبقة في ذاتها الى طبقة لذاتها ؟
لقد أكد تراث الحركة الشيوعية ان الحقيقة هي حقيقة موضوعية ومضمونها الموضوعي يظل مستقلا عن الرغبات الذاتية لأية مجموعة او طبقة وبالرغم من اختلافاتنا الطبقية وما ينجر عنها من تأويلات متعددة فان هناك حقيقة واحدة لا يمكن بلوغها إلا عندما يتطابق وعينا بظواهر الاشياء مع قوانينها الموضوعية. وفي هذا الاطار ينبغي على الحزب الشيوعي الذي يتطلع الى رسم خط صائب واستراتيجية صحيحة ان يلتزم بالقوانين الموضوعية ويقوم بالتحقيقات الميدانية اللازمة ويوفق بين الحقيقة العامة للم الل الماوية والواقع الملموس لمجتمعه .لأنه انطلاقا من هذا الواقع الملموس وانطلاقا من التحقيقات الميدانية والبحوث يمكن اكتشاف قوانين الاشياء والظواهر و"التحكم " في الحقيقة الموضوعية.
غير ان الامريكي أفاكيان لا يريد ان تكون هذه الحقيقة الموضوعية في خدمة الطبقة العاملة وفي خدمة تحرر الانسانية لذلك ينعتها بالحقيقة الطبقية ويصف تراث التجربة الشيوعية بالانحياز الذاتي للطبقة العاملة وبالتعصب الديني والحتمية في غير محلها .
اتبع الخط الشيوعي الماوي في تونس هذا التوجه- توجه التحليل الملموس للواقع- وخاض العديد من الصراعات و النضالات وتوصل منذ عقود الى تحديد طبيعة المجتمع وطبيعة الثورة و التمييز بين الاعداء و الاصدقاء وبين التناقضات صلب الشعب والتناقض بين الشعب و اعدائه وحدد كيفية التعامل مع هذا وذاك ورسم الخط العام للتحرر عبر العنف الثوري والحرب الشعبية في مواجهة الحرب الرجعية لكن بالرغم من كل المكاسب فان الخط في حاجة دائمة الى التطعيم والتطوير وفق تطور الصراع وتطور الاستنتاجات النظرية . وعليه فان من يدعي انه لا وجود لخط شيوعي ماوي ولا وجود لاستراتيجيا واضحة-وتحديدا استراتيجية الثورة الوطنية الديمقراطية,الديمقراطية الجديدة- وتكتيكات محددة ولا وجود لتراكمات فانه يتجاهل هذا الواقع ويتجاهل هذا التراث رغم نواقصه واخطائه ويعتبره من "بقايا الماضي"على غرار معلمه افاكيان الذي اعتبر الم الل الماوية من "بقايا الماضي"حسب تعبيره ويريد اسقاط "الخلاصة الجديدة"الامريكية على الواقع في تونس وفي اشباه المستعمرات وفرضها عالميا وفق مخططات وقع هندستها في مكاتب الدراسات الاستراتيجية .
وقد انخرط شادي الشماوي أو ناظم الماوي (اسمان لنفس الشخص) الذي ينشط حصريا على عدة مواقع الاجتماعية باسماء مختلفة من بينها "الخلاصة الجديدة"(سابقا ازاد اينديا) انخرط في خدمة هذه الاهداف المتناقضة كليا مع مكاسب الحركة الشيوعية الماوية ومع واقع الحركة الشعبية وتطلعاتها. واكتفى شادي الشماوي-ناظم الماوي (مترجم افاكيان) بالترديد كالببغاء مقولات ماركسية او ماوية بمعزل عن الممارسة العملية وفي قطيعة تامة مع الحقيقة الموضوعية . واعترف هذا الشخص عديد المرات انه منهمك في كتب افاكيان وفي كوكب امريكي لا تهمه التحركات الشعبية والممارسة العملية التي يحذر منها كل الحذر باسم تطبيق السرية لتغطية جبنه السياسي في حين انه يطبق الليبرالية على الافتراضي ويوهم نفسه انه يمارس بصفة سرية , لكن سرّيته ليست في الحقيقة إلاّ سرية على الجماهير وليست سرية بتاتا على البوليس , وبما انه معزول عن الواقع فانه يزايد "بالثورة الشيوعية وبالاممية وبالعالم الشيوعي" ويظل يحلق فوق الصراع الطبقي والنضال الوطني في برجه العاجي وفي غرف مغلقة. فكيف يمكن لمثل هذا الشخص ان يبلور خطا صحيحا صائبا من عدم دون جذور وبمعزل عن تاريخ الخط الشيوعي الماوي في تونس ؟ وبما انه غير قادر على ذلك فقد التجأ الى ترجمة افاكيان وكأن دستور الجمهورية الامريكية -جمهورية في مخيلة افاكيان ومترجمه فقط - موجودة وتتطابق مع الوضع في تونس مثلا.
لقد صمدت الماوية امام الهجمات الامبريالية والتحريفية وظل العلم الاحمر يرفرف فوق العديد من المناطق في العالم بحيث لا يمكن الحديث عن ماوية تنقسم الى اثنين كما يدعي مترجم افاكيان ان الم الل الماوية نظرية واحدة اما التحريفيون المتكلمون بها فهم كثيرون: فالصين الراسمالية تتظاهر بالوفاء لماو فهل هي ماوية ؟ وهل الماوية تنقسم الى اثنين؟ بالطبع لا . هناك ماوية من جهة وتحريفية من جهة ثانية لأنه لا يعقل ان لا يتفق الماويون ان كانوا ماويين بالفعل وبما ان هناك انقسامات فهناك من هو ماوي قولا وفعلا وهناك من يرفع صور ماو ويطبق خطا تحريفيا . وتتخذ التحريفية اشكالا عدة وجب على الم الل الماويين فضحها وتعرية حقيقتها مثل تحريفية أفاكين و الأرهاط الذين حوله من المرتزقة.

ملاحظة: حرّف افاكيان العديد من المفاهيم الماركسية مثل العلاقة بين القوى المنتجة وعلاقات الانتاج -علاقة البنية التحتية بالبنية الفوقية-مفهومه البرجوازي للفن... لكن سنركز في الحلقة القادمة على نظرية التحول السلمي والتنكر لمبدا العنف الثوري كتجسيد لاستمرار الصراع الطبقي باشكال اخرى.

(1) "نقد التوجه نحو القومية نحو فصل النضال الثوري في بلد معين نزعة تمظهرت في كل من الاتحاد السوفياتي والصين لما كانتا بلدين اشتراكيين"-افاكيان
*الناطق الرسمي باسم الحزب "الش"الثوري الامريكي .
محمد علي الماوي
تونس 4جوان 2013