ماركسية محنطة في أعلى مراحلها


يعقوب ابراهامي
2013 / 6 / 2 - 18:52     

(ردّي على حسقيل قوجمان وماجد الشمري)

"لو أن أنف كليوباترا كان أصغر قليلا لتغير وجه العالم" - بليز باسكال، رياضي فيزيائي وفيلسوف فرنسي، (1623 ـ 1662)

ما هي "الماركسية المحنطة"؟
"الماركسية المحنطة" هي مدرسة في الفكر الماركسي ترى في النص الماركسي نفسه الدليل على صحته. أي إن الدليل على صحة المقولة الماركسية هو المقولة نفسها. وجدتَ النص الملائم – وجدتَ الدليل على صحة النص.
ما نعنيه هنا بالنص الماركسي هو اقتباسٌ من الكتابات الكلاسيكية لأحد مؤسسي الفكر الماركسي: ماركس، أنجلز أو لينين. يلاحظ القارئ أنني لا أذكر اسم ستالين هنا. ستالين لم يكن في يومٍ من الأيام منظِّراً ماركسياً بل كان خريج مدرسة لاهوت استخدم النظرية الماركسية سلاحاً للبطش بخصومه. كتابه "المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية" هو مثالٌ للجدب الفكري وللماركسية المحنطة. (أذكر أن واحداً من كبار مفكري "الماركسية المحنطة" اقترح مرةً عقد مؤتمر عالمي للبت في القضية المصيرية التالية: كم هو عدد "المعلمين" - أربعة: ماركس أنجلز لينين وستالين، أم خمسة: بإضافة اسم ماوتسي تونغ إلى القائمة؟ عندما وقع نظري على هذا الإقتراح كنتُ منأكداً للوهلة الأولى أن صاحبه شاء أن يمزح. أي عاقلٍ يقترح عقد مؤتمر عالمي للبتّ في عدد "المعلمين"؟ وأي عاقل يوافق على حضور مثل هذا المؤتمر الغريب؟ لكن سرعان ما تبين لي، لدهشتي الكبيرة، إن الإقتراح هو اقتراحً جدي للغاية. لم يخطر ببال هذا "المفكر الماركسي" (صاحب اقتراح عقد مؤتمر عالمي للبت في عدد "المعلمين") أننا قد بلغنا سن الرشد (وبعضنا قد تجاوزه) ولم نعد بحاجة إلى "معلمين" نسجد لهم، بل نحن بحاجة إلى مفكرين نتعلم منهم، نحاول أن نفهمهم، نناقشهم، نعترض عليهم ونبادلهم الآراء. إنتهى إلى غير رجعة عصر "معلمي الطبقة العاملة" الكبار).

مفكرو "الماركسية المحنطة" يستخدمون النص الماركسي لا لتعزيز حججهم في الدفاع عن فكرةٍ مقتنعين بصحتها، وذلك باقتباسٍ نصٍّ ملائم من كتابات مؤسسي الفكر الماركسي (وهذا استخدامٌ للنص الماركسي مشروعً جداً ومحبذٌ للغاية. أنا لا أتكلم هنا عن آفة الإقتباسات المشوهة نتيجة الترجمات العربية الرديئة) بل أنهم يستخدمون النص الماركسي كدليلٍ (وحيد في أغلب الأحيان) على صحة موقفهم. لا لتعزيز موقفهم بل كدليل على صحة موقفهم. ليس لهم ما يدافعون به عن صحة الفكرة التي يريدون الدفاع عنها سوى النص الماركسي نفسه.
واضحٌ طبعاً إن موقفاً كهذا من النصوص الماركسية يمنع سلفاً كل محاولةٍ للشك في صحة المقولة الماركسية أو في النقاش بحرية حول مدى احتفاظها بصحتها في ظروفٍ قد تختلف (كلياً أو جزئياً) عن الظروف التي قيلت فيها. مفكرو "الماركسية المحنطة" يتحولون في هذه الحالة من "مفكِّرين" إلى "مفسِّرين" والنتيجة: عقمٌ فكري.

كلنا نعرف الجملة التي يبدأ بها كارل ماركس (وفردريك أنجلز) "البيان الشيوعي": "إن تاريخ أي مجتمع حتى الآن ليس سوى تاريخ صراعات طبقية".
إذا كنتُ أفهم العربية جيداً فإن عبارة "ليس سوى" تعني في اللغة العربية: "فقط"، "لا أكثر ولا أقل"، "لا شياً آخر غير ذلك". عندما أقول أن ("أ") ليس سوى ("ب") فإن ما أريد أن أقوله (إذا كنتُ أتكلم اللغة العربية) هو أن "أ" = "ب"، "أ" هو "ب" لا أكثر ولا أقل.
إسألوا كل ماركسي من مدرسة "الماركسية المحنطة" كيف يستطيع أن يثبت بالأدلة والقرائن التاريخية صحة "ليس سوى" الواردة في الجملة الشهيرة من "البيان الشيوعي"، وسيجيبك على الفور إن الدليل على صحة هذه المقولة هو المقولة نفسها: "إن تاريخ أي مجتمع حتى الآن ليس سوى تاريخ صراعات طبقية – كارل ماركس، البيان الشيوعي، مطلع الفصل الأول". هذا هو الدليل.
وعندما تسأله: إذا كان الأمر كذلك ماذا سنفعل ب"إنف كليوباترا"؟ إذا كان كل تاريخ البشرية يمكن اختزاله بمعادلة واحدة: (التاريخ البشري = صراعات طبقية) في أي طرفٍ من طرفي المعادلة سنضع "إنف كليوباترا"؟ - سينظر إليك مفكر "الماركسية المحنطة" نظرة من يرثي لجهلك وينصحك بإعادة تثقيف نفسك بالإستعانة ب"حفّار الوثائق البولشفية" عبد المطلب العلمي. ("لا تصغِ لقوم لا يفقهون حرفاً من أبجدية الصراع الطبقي" – همس مرة فؤاد النمري في أذن صاحبه الماركسي المحنط).

(لفترةٍ طويلة كنتُ أعتقد أن عبارة "ليس سوى"، المُشار إليها آنفاً، هي من إبداعات المترجم العربي وليس لها أساسٌ في النص الأصلي ل"البيان الشيوعي". ولكنني عندما راجعتُ "البيان الشيوعي" (النسخة الإنكليزية) من جديد، استعداداً لكتابة هذا المقال، وحدتُ أن عبارة "ليس سوى"، خلافاً لما كنتُ أظن، هي في الواقع ترجمة دقيقة للنص الأصلي (الإنكليزي). هذا، على كل حال، ما أظنه الآن.
النص الأصلي هو كما يلي:
The history of all hitherto existing society is the history of class struggles.
الكلمة الصغيرة (the) تصنع كل الفرق. لو استبدلنا كلمة (the) ب-(a) لحصلنا على ما يلي:
The history of all hitherto existing society is a history of class struggles.
وهذا في نظري له معنى آخر. هذا طبعاً لا ينقذ "إنف كليوباترا" من الخطر، لكنني على الأقل لا أشعر هنا بوقع "ليس سوى". لستُ متأكداً من ذلك وكنتُ أود أن اسمع رأي القراء،لاسيما قراء اللغة الألمانية، في ما أقوله).

اسمعوا القصة الطريفة التالية. هذه القصة تحمل في طياتها كل عناصر "الماركسية المحنطة".
بعد أن يئستُ من إقناع حسقيل قوجمان أن "قانون فناء الضدين" الذي اكتشفه خالٍ في الواقع من كل معنى حقيقي، لا "قانون"، لا "فناء" ولا "ضدين"، قلتُ له: "حسناً. كيف تبرهن على صحة هذا القانون؟" وهو بدون تردد، ووفقاً لكل قواعد نظرية "النص هو البرهان"، قذف بوجهي "البرهان" التالي من "البيان الشيوعي": "حر وعبد، نبيل وعامي، بارون وقن، معلم وصانع، وبكلمة ظالمون ومظلومون، في تعارض دائم، خاضوا حربا متواصلة، تارة معلنة وطورا مستترة، حربا كانت تنتهي في كل مرة إما بتحول ثوري للمجتمع كله، إما بهلاك كلتا الطبقتين المتصارعتين".
هلاك كلتا الطبقتين المتصارعتين: هذا هو قانون فناء الضدين - قال لي حسقيل قوجمان بلهجة المنتصر.
على سؤالي منذ متى اصبحت كل جملة كتبها كارل ماركس "قانوناً" له قوة "القانون الطبيعي"، وأين ومتى حدث في التاريخ البشري أن طبقتين متصارعتين انتهى صراعهما بهلاكهما معا؟ أين رأيتَ ذلك أو سمعتَ عن ذلك في المرة الأخيرة؟ - على سؤالي هذا لا زلتُ انتظر الجواب حتى الآن.

قبل عدة شهور جرى على صفحات "الحوار المتمدن"، بين أثنين من جهابذة "الماركسية المحنطة" - حسقيل قوجمان وفؤاد النمري - نقاش حول نظرية فائض القيمة (رجعنا إلى فائض القيمة. هل تقرأ هذا شامل عزيزي أم أنك مشغول بفوائض أخرى؟).
"المفكران الماركسيان"، قوجمان والنمري، اتفقا فيما بينهما أن نظرية فائض القيمة هي حجر الزاوية في الإقتصاد السياسي الماركسي. أحدٌ منهما لم يخامره أدنى شك بصحتها المطلقة - لا عندما وضعها كارل ماركس للمرة الأولى، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ولا اليوم، في عصر الكومبيوتر والروبوتات في النصف الأول من القرن الحادي والعشيرن. لا حسقيل قوجمان ولا فؤاد النمري، أحدً منهما لم يسأل نفسه السؤال البسيط التالي: هل أن فائض القيمة الذي حصل عليه صاحب معمل غزل القطن، الذي خلده كارل ماركس في عملٍ فنيٍّ ضخم عام 1867، هو نفس فائض القيمة الذي يكشر بأنيابه اليوم ،عام 2013، من خلال الشاشة، بوجه المحلل النفسي ماجد الشمري، كلما اضطر هذا (مكرهٌ أخوك لا بطل) إلى استخدام جهاز السمارت فون؟
الخلاف بين مفكري "الماركسية المحنطة"، قوجمان والنمري، لم يكن حول حول صحة أو عدم صحة نظرية فائض القيمة. لم يخامر أحدهما الشك في صحتها. هما اختلفا فيما بينهما على "تفسير" النظرية. كل منهما "فهم" نظرية فائض القيمة بشكلٍ مغاير لما فهمه الثاني. كيف يمكن ذلك؟ كيف أن كليهما "يُؤمنانٌ" بصحة نظرية يختلفان في تفسيرها؟
لكي تدركوا مدى الغرابة والسخرية في هذا الأمر تخيلوا أن عالمي فيزياء يتفقان فيما بينهما أن معادلة آينشتين الشهيرة:
E = MC2
هي حجر الزاوية في الفيزياء الحديثة. هذان العالمان لا يشككان بصحة النظرية، لكنهما يختلفان فيما بينهما حول ما عناه آينشتين بالحرف C في المعادلة: أحدهما يقول أنه سرعة الضوء والثاني يقول أنه سرعة الصوت.
هل يمكنكم أن تتصوروا وضعاً كهذا؟ طبعاً لا. ولكن هذا بالضبط هو ما جرى في النقاش حول نظرية فائض القيمة بين فؤاد النمري وحسقيل قوجمان (وإذا كنتم تريدون أن تعرفوا: حسقيل قوجمان كان هو المصيب في هذا النقاش. فؤاد النمري لم يفهم الماركسية، في يومٍ من الأيام، كما يجب). هذا بالضبط ما يحدث عندما يتحول المفكر الماركسي من "مفكر" إلى "مفسِّر". وحسقيل قوجمان يقول أن "علم" الماركسية لا يقل دقة عن علم الفيزياء.

في رسالةٍ إلى زينة محمد، على هامش النقاش الذي دار بيني وبينه حول "الإمبريالية هي أعلى مراحل الرأسمالية"، لخّص حسقيل قوجمان كل "الماركسية المحنطة" في جملة واحدة.
" لم يسبق لي التسوق في الولايات المتحدة" - كتب حسقيل قوجمان في جوابه إلى زينة محمد – "لكنني اعرف بالضبط ما يجري في الاسواق الاميركية وغيرها من الاسواق الامبريالية استنادا الى ما جاء في كتاب لينين".
كتاب لينين الذي يشير إليه قوجمان هو كتاب " الإمبريالية أعلى (أو آخر) مراحل الرأسمالية". لينين انتهى من كتابة الكتاب عام 1916، والكتاب صدر لآول مرة عام 1917. حسقيل قوجمان يقول بصراحة أنه يعرف بالضبط ما يجري في الاسواق الاميركية اليوم، عام 2013، استنادا فقط الى ما جاء في كتابٍ صدر قبل حوالي القرن. أليس هذا هو ما نعنيه ب"التحنيط"؟
يجدر الإنتباه أيضاً إلى كلمة "بالضبط" التي يستخدمها حسقيل قوجمان في تعريفه ل"الماركسية المحنطة". مفكرو "الماركسية المحنطة" دائماً يعرفون كل شيء "بالضبط". حسقيل قوجمان يعرف ما يجري في الأسواق الأمريكية (وغيرها من الأسواق الإمبريالية) لا معرفة جزئية، بصورةٍ عامة، بخطوطٍ عريضة، على وجه التقريب، بل يعرف ذلك "بالضبط". وكل ذلك بفضل كتابٍ صدر قبل مائة عام. (حسقيل قوجمان يعرف أيضاً "بالضبط" من كتب "العهد القديم")
ويُسأل السؤال: إذا كان حسقيل قوجمان يعرف "بالضبط" ما يجري في الاسواق الاميركية اليوم – كيف لا يعرف إذا كان بيل غيتس رأسمالياً أم لا؟ "انا مثلكِ لا اعلم ان كان بيل غيتس راسماليا ام ليس راسماليا" - كتب قوجمان في جوابه إلى زينة محمد.
قد يبدو غريباً للوهلة الأولى أن من يعرف "بالضبط" كل شيءٍ عن الأسواق الأمريكية لا يعرف إن كان بيل غيتس رأسمالياً أم ليس رأسمالياً. لكن هذا ليس غريباً على الإطلاق: اسم بيل غيتس لم يرد في كتاب لينين "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية".
لكننا من أجل تكرار نصوصٍ كُتِبت قبل مائة عام لا نحتاج إلى مفكرين ماركسيين. من أجل هذا يمكننا أن نكتفي ببغاء.

في النقاش مع حسقيل قوجمان (الذي انظم إليه فيما بعد المحلل النفسي وعدو السمارت فون ماجد الشمري) لم يحاول أحدٌ من المعارضين (أو لم يستطع) أن يفهم الأفكار التي طرحتها.
في هذا النقاش طرحتُ الأفكار التالية:
1. إن لينين لم يكن يستطيع أن يقرر عام 1917 (يوم صدر كتاب "الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" لأول مرة) أن المرحلة التي وصلتها الرأسمالية آنذاك هي أعلى (أو آخر) مراحل الرأسمالية. لم أناقش صحة تحليل لينين للخصائص التي تميز رأسمالية زمانه عن باقي مراحل الرإسمالية التي سبقتها. أنا أفترضتُ وأفترض أن تحليلاته للإمبريالية كانت صائبة. لكنني قلتُ أن لينين لم يكن نبياً ولم يكن يستطيع أن يتنبأ بما قد يحدث في المستقبل. لينين لم يكن يستطيع أن يقول أن الإمبريالية هي آخر مراحل الرأسمالية. كيف كان يستطيع أن يعرف ذلك؟ (التاريخ مراوغ – كان سارتر يقول)
2. أثبت التاريخ أن لينين قد أخطأ في تقديراته. بعد مرور قرابة مائة عام لا تزال الرأسمالية قائمة. (لا شك أن لينين عندما تكلم عن آخر مراحل الرأسمالية كان يلمِّح أيضاً، وريما بالأساس، إلى قرب زوالها). ورأسمالية العولمة اليوم تختلف كثيراً عن "آخر مراحل الرأسمالية" كما عرفها لينين عام 1917. أي معنى يمكن أن يكون للنقاش عما إذا كانت العولمة مرحلة جديدة في الرأسمالية أم لا سوى التحنط الفكري؟
3. حسقيل قوجمان يقول إن الإمبريالية هي أعلى مراحل الرأسمالية لسببٍ واحدٍ فقط لا غير هو : أن لينين قال ذلك. لو أن لينين قال غير ذلك لقال حسقيل قوجمان غير ذلك.
لماذا يقول حسقيل قوجمان أن رأسمالية العولمة ليست مرحلة جديدة في الرأسمالية ؟ لا لأنه بحث وقارن ونقب وفحص ودرس ثم توصل إلى القناعة أن رأسمالية اليوم هي نفس رأسمالية عام 1917 التي تكلم عنها لينين.
حسقيل قوجمان (ككل مفكري "الماركسية المحنطة") ليس بحاجة إلى أن يفعل كل ذلك. يكفيه أن لينين قال قبل مائة عام أن الإمبريالية هي أعلى مراحل الرإسمالية. هذا بالنسبة له برهانٌ كافٍ على أنه لن تكون هناك مرحلة أخرى للرأسمالية حتى بعد ألفي سنة.

هذه هي النقاط التي عرضتها في نقاشي مع حسقيل قوجمان.
ما هي أهمية النقاش حول ما إذا كانت العولمة مرحلة جديدة من الرأسمالية أم لا؟ لا أهمية لذلك على الإطلاق. هذا نقاش لا طائل من ورائه.
المشكلة هي أن اصرار حسقيل قوجمان (ومفكري "الماركسية المحنطة") على أن العولمة ليست مرحلة جديدة يخفي وراءه أصراراً على عدم رؤية الجديد والتمسك بكل ثمنٍ بالقديم.
إقرأوا الفذلكة اللسانية التالية: "العولمة هي احدى سياسات المرحلة الامبريالية وليست مرحلة بحد ذاتها".
هناك في المرحلة الإمبريالية إذن سياسات مختلفة والعولمة هي السياسة الإمبريالية في أعلى مراحلها. ومع ذلك يبقى السؤال الذي على حسقيل قوجمان أن يعطي عليه الجواب: مراحل أو لا مراحل، سياسات أو لا سياسات، هل الرإسمالية التي تكلم عنها لينين عام 1917 هي نفس الرأسمالية اليوم، عام 2013؟ هل الثورة المعلوماتية أحدثت تغييراً نوعياً في الرأسمالية على غرار ما أحدثته الثورات السابقة في التاريخ، كالثورة الصناعية مثلاً؟
لم أتلقّ جواباً من أحد. سوى تحليل نفسي ممتع للغاية قام به عدو السمارت فون ماجد الشمري. (عن تشويهه السافل لموقفي من هجرة حسقيل قوجمان من اسرائيل إلى بريطانيا – سأتحدث في الفقرة التالية)
لكن التحليل النفسي، مهما يكن ممتعاً، لا يمكن أن يكون بديلاً لمقارعة الحجة بالحجة.

ماجد الشمري في أدنى مراحله:
لا أعرف ما الذي في كلمة "الصهيونية" يجعل المثقف العربي يفقد توازنه العقلي كلما اصطدم بها. زميلي رعد اقترح علي مرة أن استبدل كلمة "الصهيونية" بكلمة أخرى. رفضتُ.
إنظروا ماذا جرى لماجد الشمري عندما حاول أن يعالج الإنتقادات التي وجهتها لحسقيل قوجمان في كل ما يتعلق بإسرائيل والصهيونية.
لم أهاجم حسقيل قوجمان في يومٍ من الأيام على تركه اسرائيل واتخاذه بريطانيا موطناً له. لكل إنسان الحرية التامة في اختيار اليلد الذي يراه ملائماً لإقامته. الوطنية هي الملجأ الأخير للأنذال وأنا أخر من يهاجم أنساناً على اختياره الحر اللجوء إلى هذا الوطن أو ذاك دون غيره.
أنا أيضاً أفهم وأحترم وأقدر كل من لم يعد قادراً على تحمل وصمة عار التحكم بمصير شعبٍ آخر ويقرر الهجرة من اسرائيل والإقامة في وطنٍ آخر. هذا موقفٌ أخلاقي شريف من الدرجة الأولى.
إنتقاداتي لحسقيل قوجمان بهذا الخصوص هي ليست في هذا النطاق.
عندما تنتابك المحن وتضيق بك الطرق، واسرائيل (الدولة اللقيطة التي غرسها الإستعمار في قلب العالم العربي) تفتح ذراعيها لاستقبالك دون أي شروط ( من أجل هذا قامت دولة اسرائيل: لكي تكون ملجأً آمناً لكل يهودي مضطَهد)
وعندما تستعين في محنتك بمنظمة صهيونية (مؤامرة عالمية) من أجل أن تساعدك على الخروج من العراق والوصول إلى اسرائيل (قاعدة امبريالية عسكرية)
وعندما لا تستغني، عند وصولك إلى اسرائيل، عن المنح والمساعدات (رأسمال يهودي عالمي) التي تقدمها الوكالة اليهودية (مؤسسة امبريالية أمريكية) للقادمين الجدد
وعندما تسكن في القدس في (أي بيتٍ فلسطيني تحتل يا يعقوب؟) وتدرس في الجامعة العبرية (الصهيونية) على حساب دافع الضرائب الصهيوني
وعندما تقوم دار نشر تابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية (جيش الكيان الصهيوني) بنشر "قاموس قوجمان – عبري عربي" في ثلاثة مجلدات وبطباعة أنيقة (وأنتَ تعرف بالضبط أية مؤسسة في جيش "الكيان الصهيوني" يمكنها أن تكون مهتمة بقاموس عبري-عربي)
ثم بعد كل ذلك، من ملجئك الآمن في ظل أعلى مراحل الرأسمالية في لندن، بعيداً عن صواريخ حماس وحزب الله، تحتج على الشروط القاسية (!!!) والمذلة (!!!) التي تفرضها أمريكا على دول الخليج لأنها في صفقات الأسلحة التي تعقدها معها تشترط عليها عدم توجيه السلاح ضد اسرائيل - فإن هذا هو نكران الجميل في أعلى مراحله.

كيف فهم ماجد الشمري موقفي هذا؟ إقرأوا:
"واخيرا يتهم ابراهامي -قوجمان- وان بشكل غير مباشر- بالتنكر،وانعدام الولاء للكيان الصهيوني، والذي اطعمه من جوع وآمنه من خوف، بأموال دافعي الضرائب!!وكأن الموقف الانساني والفكري والسياسي الفردي المستقل امرا مرفوضا قطعيا- ثقافة القطيع والابن الضال!!-. ومعيار ومحك (الوطنية) هو التماهي والاندماج بالجماعة العرقية-الدينية-الكيان-الحكومة!! وينسى او يتناسى -كمثال- ان الالمان الذين عاشوا ودرسوا في المانيا- مفكرين وكتاب وشعراء ومواطنون عاديون- وغادروها الى الشتات مرغمين في فترة صعود الرايخ الثالث، ثم ناصروا الحلفاء، وساهموا في القضاء على الوحش النازي ،فهل يعتبرهم المعلم خونه ولا ولاء لهم لوطنهم، وعضوا اليد التي اطعمتهم، يد النازي المقيت؟؟!!...."
كيف وصل ماجد الشمري إلى هتلر وإلى الرايخ الثالث؟ هل "الكيان الصهيوني" أفقده صوابه؟

عدو البشرية:
من هو الشخص الذي يطلق عليه ماجد الشمري الأوصاف التالية:
" عقلية غارقة في الدوغما،وشخصية سايكوباثية لاامل في شفاءها.فالمتغطرس ،والمتعالي،والجائع النهم للمديح،والثناء،والتعظيم،والتقدير،والتميز،والحاكم الفكري المطاع،والمخدر بالتلقيب الفخم،والغاطس بخيال مريض (عصابي) قهري مزمن!.لن تجد لدى ركام كهذا مايقدمه للآخر،سوى الكراهية والنبذ والازدراء،والتحصن المتكلس داخل الذات.انه شخصية مرآوية.يحدق بتيه،في صورته المنعكسه،بمرآة محدبه،عملاقا من الخيلاء السقيمة،فلا يعي ذاته والآخر عبر مرآته،بل يتوهم ذاتا مخادعة مخدوعة تمسخ الآخر،ويزيد الطين بله،جوقة من الامعات والنفايات الثقافية،تجلي وتلمع مرآته تلك ليزداد تبخترا واعجابا وتنرجسا.فهو صحراء قاحلة من الجفاف والفقر الانساني،والتحجر الفكري المتصلب!!"