الدولة الإشتراكية هي الدولة الرأسمالية، نقطة نظام


عذري مازغ
2013 / 5 / 19 - 17:32     

هل يمكن، انطلاقا من رصد إحصائيات الديون عند الدول الرأسمالية الإستنتاج التام بأنها لم تعد دولا رأسمالية؟
مثير جدا هذا الجدل في الحوار المتمدن ويحيل إلى فهم خاص في الماركسية، نستشف من الكثير من المقالات هذا الرصد البارج لهذه الديون لكن يبقى السؤال جوهريا تماما، هل هذه الديون، ديون الدولة، تلزمنا بالإستنتاج والإقرار بأن الرأسمالية لم يبقى منها سوى الصلاة على النبي؟ أم أن الطرح من هكذا منطلق يستلزم تفكيكا آخر كما أنه يحيل إلى خلفيات أخرى؟ وبعبارة أخرى نتساءل، هل الدولة الرأسمالية هي بالفعل جهاز رأسمالي، أم أن الدولة هي شيء آخر غير أن تكون جهازا رأسماليا؟ هذه الأسئلة ضرورية لفهم الأمر انطلاقا من كشف هذه العلاقة المستتيرة بين موت الرأسمالية الوهمي (كما في بعض الكتابات)كأثر رجعي لممارسة إيديولوجة معينة وبين أن تكون هي، انطلاقا من حركيتها الكونية قد تحولت إلى شكل آخر فيه تظهر للواقع الفعلي بمظهر الإمبراطور الذي مازال يمسك بزمام الأمور، وأن شكل إمساكه للأمور هو الذي تغير؟.
يعرف الماركسيون الدولة على أنها الجهاز الذي به تمارس الطبقة المسيطرة سيطرتها السياسية، هذا تعريف عام يساعد على فهم عام، كل الأحزاب السياسية بما فيها الرأسمالية تعي تماما هذه القاعدة العامة بدليل واضح وملموس يفهمه الصغير قبل الكبير في أي دولة حتى لو كانت متخلفة كالمغرب، البرلماني، المرشح القروي او البلدي أو أي كان، في حملته الإنتخابية يقول: إذا نجحت في الإنتخابات سأقوم بكذا وكذا لمنطقتنا،بمعنى أنه يحيل في الوعي المباشر والبسيط للمواطنين أنه بفعله ذاك(نجاحه) يستطيع أن يلبي طلبات المواطنين، بمعنى أنه يحيل إلى نوع من السلطة التي تتيح له تحقيق أهداف حملته (هذا فقط الشكل البسيط والعادي للعملية التي يفهم منها شكل للممارسة السياسية، أما إذا تحقق له النجاح، فهناك أيضا الشكل المعقد للعملية، نسبة الأصوات، التحالفات وما إلى ذلك مما قد يفتح شهية التبريرات، لكن لا يهمنا الأمر بقدر ماتهمنا هذه الإحالة إلى الفعل السياسي)،الدولة جهاز قمعي، هي أداة الممارسة السياسية الذي به تمارس الطبقة الحاكمة عنفها الثوري، وهذا تعريف آخر لينيني يحيل إلى حمولة خاصة تحيل بدورها إلى الشكل العنفي لممراسة السلطة السياسية، وهذا بالتحديد ما يؤسس للفهم اللينيني في صياغته لمفهوم الديكتاتورية البروليتارية، هذه الممارسة لديكتاتورية البروليتاريا ضروية في الفهم اللينيني خروجا به من مستواه العملي كما هو في الفهم الرأسمالي بهدف تغيير البنية الإجتماعية تغييرا ثوريا الهدف منه محو الطبقات،لا يمكن محو الطبقات بدون هذا العنف السياسي إذا اردنا تحقيق المجتمع الإشيوعي، استقى لينين هذا الفهم انطلاقا من العنف نفسه الذي تمارسه الرأسمالية في تحقيق أهدافها، إذا كان العنف مبررا بالنسبة للرأسمالية لتهيمن على الطبقات في مجتمعاتها، كما هو مبرر أيضا لتهيمن على الشعوب الأخرى،فما الذي ينفيه أو يمنعه في الممارسة الأخرى، أي الممارسة النقيضة؟ تبقى الإشارة أيضا أن العنف الثوري اللينيني، له مبرراته في بناء المجتمع الإشتراكي هو بالتحديد قطع مراحل التطور الرأسمالي وتحقيق المجتمع الإشتراكي دون انتظار دورة التطور الرأسمالي الطبيعية،هذا بالتحديد ماكان يرمي إليه لينين من خلال العنف الثوري، وفي صياغته للعمل السياسي في تحقيق الأمر، صاغه وفق الآليات التي تمكنه من ذلك،منها شكل الدولة التي تتيح ذلك، وهو أن تكون الدولة رأسمالية، أن تكون الدولة هي من يوفر العمل بامتلاكها لوسائل الإنتاج وبامتلاكها للمال لتستثمره في خلق العمل من جهة وتلبية حاجيات المجتمع من جهة أخرى: خلاصة بهذا المعنى يمكن اعتبار لينين هو أول من بنى الدولة الرأسمالية، ولا تسعنا هذه الورقة في التطرق لماذا فشلت تلك الدولة او لم تفشل، بل يجب الإقرار استنادا إلى جعل وسائل الإنتاج في يد الدولة وتحويل الملكيات إلى ملكية الدولة خلق عمليا رأسمالية الدولة.
الآن يمكن أن نتكلم عن الدولة الرأسمالية كجهاز لقمع الطبقات الرأسمالية وفي نفس الوقت كإطار مالك للرأسمال الوطني بشكل عام، ويمكننا تبعا لذلك أن نتكلم عن تدبيرها المالي والإقتصادي بشكل هي كمالك للراسمال الوطني، هي المسؤولة عن الدين العام ولمن هي مدينة وسياستها في التشغيل وما إلى ذلك، رأسمالية الدولة التي تحققت في الإتحاد السوفياتي هو ما نسميه بالإشتراكية،أي أن وسائل الإنتاج والراسمال الوطني فيها هو ملك للجميع، لذلك سمي بالنظام الإشتراكي، هل ينطبق الأمر على ما أسميه شخصيا بدولة الرأسماليين وليس الدولة الرأسمالية؟
بالتأكيد ليس الأمر كذلك، فدولة الراسماليين هي دولة تهيمن فيها قطاعات خاصة، مالكون خواص هم من بيدهم الثروة المالية وهم من بيدهم حتى ما نسميه بقطاع الخدمات وما إلى ذلك، الدولة بالنسبة لهم ليست سوى اداة سياسية لتحقيق عنفهم الطبقي،لكن هذه الطبقة تبقي مفهوم الدولة فضفاضا لتبقي على سيطرتها، تبقي أيضا ممارسة الإنتخاب النزيه وما إلى ذلك فضفاضا وشكلانيا لتكريس الوهم، في المغرب، النموذج اللاديموقراطي حقا، وبالشكل الذي أفضت فيه الممارسة الشكلية للديموقراطية في برلمان الكوميديا بتعبير المغاربة، ممارسة صريحة للوهم أو التوهيم، صرح وزير الشغل وهو في حالة سكر علني، ردا على سؤوال حول التشغيل بالقول: «ليست الدولة هي من يوفر فرص الشغل، الإقتصاد هو من يوفر الشغل». لاشك أن الوزير كان صادقا في مرماه،الإقتصاد هو من يوفر فرص الشغل،الإقتصاد المغربي تهيمن عليه شركات أجنبية (وهو أيضا ما يعنيه وزيرنا الشلاهبي) كما يهيمن عليه الخواص المغاربة، هذا الإقتصاد الذي يهيمن عليه الخواص هو من عليه توفير فرص الشغل، في الولايات المتحدة، إذا كان الخواص يستثمرون حيث اليد العاملة رخيصة، أي في دول الهامش فمعنى ذلك أن البطالة سترتفع،وأن قطاع الخدمات نفسه، يتضرر من وجود تكنولوجيا متطورة ( في إسبانيا مثلا كنا نقوم بالكثير من الإستشارات القانونية في ميدان الهجرة،هذه الخدمة يستطيع الآن أي مهاجر أن يقوم بها مباشرة من خلال خدمة النيت، أشغال النظافة البلدية، كان يقوم بها عمال بعضلاتهم، أصبح الآن تقوم بها آلات متطورة، والجدل هو: بإزاحة مستخدمين من هذه الخدمات، تزيح للدولة نوعا من الضريبة على الدخل،تساهم في نقص الإستهلاك،إذا كانت هذه الخدمات تابعة لملك الخواص (البرنامج الذي يوفر الإستشارة في النيت مثلا، وسائل الإنتاج المتطور في ملكية خواص)، فإن أرباح هذه الخدمات تذهب للخواص، ويبقى للدولة فقط ما به تدفع أجور المستخدمين في أجهزة القمع من الضرائب التي تدفعها هذه الشركات وطبعا بالطريقة الغير مباشرة التي يدفعها المواطنون إذ كل ما يدفعه الرأسمالي للدولة يزيده في سعر الخدمة). يجب التمييز بين ما تربحه الدولة الرأسمالية كربح وطني وبين ما يربحه الرأسماليون كمؤسسات خاصة، وحين يحصل هذا التمييز سنعرف تماما بأن دولة الراسماليين لازالت قائمة وأن وظيفتها هو تامين تأبد هيمنة الرأسماليين، وأن ما نسميه الدولة الرأسمالية،في أنها لها ديون وما إلى ذلك راجع لفهم مغلوط بغرد معلوم هو تحويل النظر من الرأسمالي إلى الدولة، تحويل له نتائجه العامة: إذا كانت الأزمة الإقتصادية قد عرت شكل هذه الديون الذي يتلخص في أن نسبته العامة هي ديون خاصة،(70 في المائة من الدين العام في إسبانيا هو دين خاص) فيجب انتساب هذه الديون للدولة كي يتحمل المواطن تبعاتها، هذا الأمر واضح جدا مثلا في أوربا،
لقد تحولت الرأسمالية إلى رأسمالية كونية، وهذا لا يجهله أي ماركسي، فالرأسمالي يستطيع بناء قصوره في أي مدينة أو جزيرة من جزر الجنة المتوفرة حتى الآن (مدن الجنة كما يسميه الغربيون الآن) لكنه يراقب منشآته بكل حرية ويتحكم فيها عن طريق محاميه ومستشاريه. أستطيع كرأسمالي أن أعيش بمدينة إفران، لكن لدي من الممتلكات في الأرجنتين وتونس وفرنسا وأي بلد منشآت خاصة، ليست هي منشآت الدولة، وإذا كنت أمريكيا فإن الدولة الأمريكية بما أني مواطن بها عليها أن تحمي منشآتي رغم أن قصوري بالمغرب،وهذا لا علاقة له بالوضع المالي بأمريكا.
أردت بهذا المقال وضع نقطة نظام في الجدل الدائر بالحوار المتمدن حول انهيار الرأسمالية لعله يمكننا الوصول إلى فهم خاص او إلى فتح نقاش معمق في القضية.