أوهام الحرية في ظل الرأسمالية

محمد فرج
2013 / 5 / 17 - 08:51     



في المواجهة الضارية أثناء الحرب الباردة التي دارت بين المنظومة الإشتراكية والمعسكر الرأسمالي العالمي، كانت الرأسمالية تبحث عن سلعة ما لبيعها في بروبوغاندا المواجهة، فإن كانت المنظومة الإشتراكية تقدم العدالة الإجتماعية، أو على أقل تقدير الحماية من الفقر والجوع، كان لا بد للرأسمالية أن تروج مزاياها، فكانت تجارتها الإعلامية الأولى مرتبطة بالديمقراطية وتداول السلطة والتعددية الحزبية والحرية بمعناها الواسع والعريض، وتم تسليط الضوء تحديداً على ما يعرف بالحرية الفردية.


الحرية والاقتصاد


فيما يتعلق في الاقتصاد فهناك وهمان تمكنت الرأسمالية من ترويجهما: الأول هو وهم الحرية في الاقتصاد والثاني وهو وهم الحرية في ظل هذا الاقتصاد. والمقصود بالأول هو حرية النشاط الاقتصادي على مستوى الأمم والدولة والأفراد، والثاني هو الحرية الفردية “حرية الإرادة” في ظل النظام الاقتصادي الحر.

يقوم الجانب النظري للسوق الحر على نظرية اليد الخفية لآدم سميث والقائمة بدورها على البحث عن المصلحة الفردية، ومن هناك يتم بناء المجتمعات ضمنياً ودون أي “تدخل”، الجميع في سياق بحثه عن مصلحته الخاصة، يجبر على التعامل الجيد مع الآخرين، ومن هنا تتعاظم أخلاقيات هذا المجتمع بطريقة قسرية وإجبارية تحت شعار المصلحة، المصلحة فقط. في الرأسمالية تجلت حرية السوق نظرياً في آدم سميث وتحديداً في مبدأ “اليد الخفية”، ومفادها أن المجتمع يتطور ويتقدم انطلاقاً من حرص الفرد على مصلحته الخاصة، وفجأة يكتشف أنه يقدم الفائدة للمجموع “نحن لا نتوقع الحصول على عشائنا بفضل نزعة الخير لدى اللحام أو الساقي أو الخباز، بل من إهتمامهم بمصلحتهم الخاصة”. كان من الأجدى لهذه النظرية أن تسمى باليد القذرة بدلاً من الخفية، لقد تطورت لغة النظرية إلى أن أصبحت بالكامل لغة سلطة، وبات كل شيء متاحاً لتحقيق “المصلحة الخاصة” التي تصب في النهاية لصالح “المصلحة العامة” تحت عنوان إرضاء الزبون “customer satisfaction”!!، ومن هنا يمكن التعريج على منظومة الفساد التي تحارب اليوم بمعزل عن الصورة الكاملة والنهائية للنظام ككل، فتحقيق المصلحة الخاصة كهدف أساسي لا يمكن له أن يتقاطع بهذا النحو الأخلاقي اليوتوبي مع المصلحة العامة، المصلحة الخاصة تعني أن كل شيء متاح لتحقيق هذا الهدف، المصلحة الخاصة تعني نهاية المجموع، فوضى ليست محكومة بقوانين داخلية إلا المافيا والنصب و”الفساد”، لا يمكن أن تبنى بعزل هذه العوامل، لأن هذه العوامل باختصار بنيوية فيها، عضوية. يتعرض مركس في مخطوطات 1844 بشكل واضح لهذه الصيغة:

“يفكر الإنسان في خلق حالة جديدة للإنسان الآخر، من أجل إجباره على تضحية جديدة، لوضعه في إطار تبعية جديدة، ولإغرائه بنوع جديد من السعادة، لجره من خلال تلك الوسيلة إلى الدمار الاقتصادي. فكل إنسان يحاول أن يؤسس فوق الآخرين قوة مغربة، لإشباع حاجاته الأنانية، وبمقدار حجم الأشياء تتوسع مملكة الكينونات المغربة، التي يخضع لها الإنسان. أي نتاج جديد يمثل إمكانية جديدة للغش واللصوصية المتبادلة”

وهم الحرية الاقتصادية والحرية في ظل هذا الاقتصاد
◾على المستوى العالمي لا يوجد ما يسمى الاقتصاد الكوني الحر، فصعود أي أمة من الأمم بعيداً عن النظام الاقتصادي العالمي، يهدد وجودها ومن الأمثلة على ذلك استخدام نظرية اقتصاد الكوارث بعد تدمير العراق عسكرياً، ومن ذلك أيضاً إتلاف العديد من المنتجات الزراعية فقط لغايات الحفاظ على السعر العالمي.
◾العلاقات التي تحكم المراكز الصناعية بالأطراف المستهلكة تلتزم بالصيغة المدمرة للأطراف، ومن ذلك:
1.العلاقات التجارية الحرة هي في مصلحة المراكز المصنعة ولا معنى لهذه الحرية في دول الأطراف، أي لا معنى بالنسبة للأطراف الضعيفة بحرية التبادل، وإنما هي معنية بحرية الخيار الاقتصادي، والمحاولات التي تشكلت في هذا السياق إما تعرضت للهجوم مثل العراق وسوريا اليوم، أو مهددة بشكل دائم مثل إيران وكوريا الشمالية.
2.تعتبر الحماية الإغلاقية من الأشكال التي يرفضها السوق الحر، ولكن هذه الحماية الإغلاقية يمارسها الإتحاد الأوروبي وأمريكا نفسها إلى حد ما واليابان، وتمنع الدول الفقيرة من هذه الممارسات لإبقائها في شكل سوق مفتوح لمنتجات المراكز. انتقد الكاتب نوربيرغ في كتابه “دفاعاً عن الرأسمالية” الحماية الإغلاقية التي مارستها الهند، في الوقت الذي يعتبر فيه اقتصاديون آخرون أن نقطة الانطلاق للاقتصاد الهندي كان من هذه النقطة بالذات.
3.الحروب التي خاضتها الإمبريالية العالمية هي حروب اقتصادية بحتة، وكانت في أغلبها حروب في مواجهة الخيار الحر للاقتصاد على النقيض من الاقتصاد الحر بالوصفة الأمريكية، ومن ذلك الحرب على بنما في عام 1989م بسبب القناة، والحرب على العراق وأفغانستان بسبب الثروة النفطية، وتدبير الانقلاب على السلفادور في تشيلي لإعادة تموضعات جيوسياسية بالإضافة إلى الثروة النحاسية التي تتمتع بها تشيلي، وتدبير الإنقلاب على محمد مصدق بسبب انتهاجه سياسات اقتصادية تأميمية.
4.في الأزمة المالية الكبرى التي هزت العالم في عام 2008م، من تدخل لإنقاذ الموقف كانت الدول، وهذا بحد ذاته يعبر عن شكل من أشكال الاقتصاد الموجه وليس الاقتصاد الحر، وهنا يظهر موقف المفكر المصري سمير أمين “النظرية الاقتصادية الخيالية”، على أن الاقتصاد الحر هو الذي يمثل الطوباوية والخيار الحالم وليست الإشتراكية المتهمة بذلك من قبل الرأسمالية بشكل دائم.
◾وفي إطار حرية الشركات في العمل، فقد تكون حرة في البدء أحياناً (وأقول أحياناً لأن تأسيس مشغل اتصالات على سبيل المثال يحتاج إلى ملايين ولربما مليارات الرشاوى كي يتمكن من البدء) بالتأسيس لعمل في قطاع لا تستهدفه السلطة السياسية القائمة، ولكنها ليست حرة أبداً في النجاح، من الأمثلة على ذلك، في البحرين يمنع بناء أي مشروع اقتصادي دون دفع عمولة لولي العهد “سلمان بحر”، وفي السعودية، على سبيل مطعم الدجاج “البيك” منع من العمل في الرياض دون تسجيل حصة لأحد الأمراء، فتحايل على المسألة بافتتاح المطعم تحت مسمى آخر، وحتى لا تكون الأمثلة مقتصرة عربياً فقط، ومن ثم يبرر ذلك بفشل التطبيق وليس فشل النظرية، شركة بيكتيل التي كان رئيسها التنفيذي جورج دبليو بوش كانت أولى الشركات التي حصلت على عطاءات في العراق ضمن حزمة عقود إعادة الإعمار.
◾وبالنسبة للمشاريع الصغيرة التي وضعت الأفراد في طموحات عشوائية لمشاريع مليونيرات، فما تمارسه الدولة من سياسات جبائية تضع فكرة الاقتصاد الحر بأكملها على المحك.

الوهم الثاني: وهم الحرية الفردية “حرية الإرادة، وحرية الفعل الاجتماعي” في ظل الاقتصاد الرأسمالي
◾وهم الحرية الفردية في الاختيار الحر للعمل. لقد حققت البرجوازية تطوراً في البشرية عما عاشته في مرحلة الإقطاع. ولكن حرية الإرادة، وحرية الفعل، وحرية الإختيار بقيت جميعها مقيدة لحساب العرض والطلب من جهة، وضغط ال Career path من جهة أخرى. إن خيارات البشر في العمل ووفقاً لآليات تقسيمه لا بد لها أن تصطدم في أفق “النجاحات” الراهنة “مستويات الدخل، فرص العمل،…إلخ”. إن الطلب هو المحدد الأساسي للإختيار، فهو فرصة النجاة من واقع مرير قادم “البطالة، انخفاض الدخل، غياب الضمانات الإجتماعية الأساسية،…إلخ”. لذلك العرض والطلب هو النقيض الصارخ للإبداع والإختيار الحر، هو القيد الأساسي لإنفجار رغبات الناس وترجمتها إلى قيمة حقيقية، لإنقاذها من تحول طاقاتها إلى قوة بشكل عجز. وبذلك لا يمكن الحديث عن حرية الإنسان في العمل دون الحديث عن استلابه للعرض والطلب. أما في الحديث عن ال Career Path ، تم تشويه مفهوم الخبرة في العمل إلى العمل المكرر الذي يحرم الإنسان من الحرية في اقتحام مساحات جديدة من المعرفة، لأن الخبرة وال Career path والعرض والطلب ومستوى الدخل جميعها تتشكل في منظومة استلابية واحدة.
◾لا تتمكن الرأسمالية من العيش دون فرض مجموعة من الأخلاقيات التي تمررها على شكل مسلمات، على سبيل المثال أخلاقيات الملكية الفكرية كجزء أساسي من الملكية الخاصة، وبالتالي الإنسان في ظل الرأسمالية ليس حراً أبداً في الوصول إلى المعلومة، هو حر في الوصول إلى معلومة معينة من ضمن الخيارات المتاحة، من الأمثلة على ذلك IEEE، Science Direct.

تقرير الحرية الاقتصادية عام 2012

اشتركت مجموعة من الجهات في إصدار تقرير بعنوان “الحرية الاقتصادية في العالم العربي”، الجهات هي منظمة فريدريتش ناومن الألمانية، ومعهد فريزر الكندي، ومؤسسة البحوث الدولية في سلطنة عمان. أهم النقاط التي يمكن الوقوف عندها في هذا التقرير هي: تعريف الحرية الاقتصادية، معايير الحرية الاقتصادية، وبعض الإحصائيات المتعلقة بالدول العربية.

التعريف

الحرية الاقتصادية بنظرهم هي عبارة عن المدى الذي يمكن للفرد من خلاله مواصلة النشاط الاقتصادي بدون تدخل الحكومة حيث تبنى الحرية الاقتصادية على أساس الاختيار الشخصي والتبادل التطوعي والحق في الاحتفاظ بما يملك الفرد وأمن حقوق ملكية الأفراد.

إن استيعاب آليات الحرية الاقتصادية سهلة، حيث يجب أن يستفيد كلا الطرفين من أي معاملة اقتصادية وأي معاملة لا تفيد كلا الطرفين يجب رفضها من قبل الطرف الأقل استفادة.

إن الحرية الاقتصادية هي في الواقع عودة إلى النموذج العريي للتجارة الحرة والسوق المفتوحة وهو الضامن لتوليد فرص العمل، وهذا يشكل النقيض من إحدى أهم مبادئ الرأسمالية نفسها “Reduction of staff cost”، حيث عملت الفترة التي كان فيها الاقتصاد موجهاً من قبل الحكومة على جلب تغيرات واستخدامات أخرى للسلطة الحكومية (تعتمد بشكل كبير على النماذج الاشتراكية) من أجل توجيه الاقتصاد إلا أنها لم تحقق النتائج المرجوة من تحقيق التقدم والازدهار والرخاء في المنطقة.

وقد توصل عدد كبير من الأبحاث التجريبية إلى أن الحرية الاقتصادية هي المفتاح ليعم الرخاء والازدهار، وخاصة بين الدول الناشئة. وأشارت دراسات تقوم على حقائق ثابتة تم إجراؤها في أهم المجالات الأكاديمية إلى أن الحرية الاقتصادية تدفع الأفراد ليكونوا أكثر عناية بأنفسهم عندما تتاح لهم الحرية للقيام بذلك دون أية قيود خارجية.

ويقول التقرير إن الحرية الاقتصادية تفتح الباب على الحريات الأخرى، فتحرر الفرد من الاعتماد على الحكومة يدفعه إلى الحرية في المساحات الأخرى. وهنا نتساءل كيف يمكن للحرية الاقتصادية أن تفتح الباب للحريات الأخرى، إن ما يفتح الباب للحريات الأخرى هو التحرر من ضغط الحاجات الاقتصادية وليس الحرية الاقتصادية نفسها، الموظف حر في الإختيار بين المهن التي يقدمها له السوق، ولكن مقيد تماماً داخل الاختيار نفسه “Modern Slavery”.

المعايير

المعيار الأول: حجم الإنفاق الحكومي: النفقات والضرائب والشركات

ويتضمن هذا البند أن زيادة الإنفاق الحكومي تحد من الحرية الاقتصادية، وفي هذا البند عاملان أساسيان: الاستهلاك الحكومي، والتحويلات والإعانات.

بالنسبة للاستهلاك الحكومي فهو أن تقوم الحكومة على سبيل المثال ببناء طريق من خلال موظفيها أو مؤسساتها المملوكة لها، يعتبر المنظرون الاقتصاديون الرأسماليون أن هذا يمثل استهلاكا حكوميا ويحد من الحرية الاقتصادية، ولكن في حال اعتمدت الحكومة على شركة خاصة لبناء الطرق فهذا لا يعتبر استهلاكا حكوميا وإن اعتبر إنفاقا حكوميا.

المعيار الثاني: إطار القانون التجاري والاقتصادي وأمن حقوق الملكية

يعتبر أمن حقوق الملكية الذي يتم حمايته عن طريق سيادة القانون عاملا أساسيا في الحرية الاقتصادية.

المعيار الثالث: السياسة النقدية

والمعيار بالتحديد هو سهولة استخدام العملات الأخرى المحلية والأجنبية عن طريق الحسابات المصرفية. البحرين والكويت والأردن ولبنان هم الأعلى، النسب الأقل: العراق وسوريا وموريتانيا.

المعيار الرابع: حرية التبادل التجاري

وهذا يتحدث بالضبط عن الرسوم الجمركية أو السياسات الجمركية إجمالاً.

المعيار الخامس: الإجراءات الحكومية المتعلقة بالعمل والعمالة والائتمان
◾القيود التنظيمية التي قد تحد من العمالة وأسواق المنتجات.
◾الحرية الاقتصادية للموظفين وأصحاب العمل على حد سواء.
◾المقدرة لدى الفرد في إنشاء الأعمال التي يرغب، حقه في البدء بها، حقه في إنهائها كذلك.

إحصائيات

ضمن المعايير المطروحة أعلاه يرتب التقرير دول الوطن العربي كما يلي:

1. البحرين
2. الإمارات
3. الأردن
4. الكويت
5. لبنان
6. عمان
7. قطر
8. السعودية
9. اليمن
10. جزر القمر
11. تونس
12. مصر
13. جيبوتي
14. المغرب
15. سوريا
16. موريتانيا
17. الجزائر