كلمة عن الديالكتيك


فريدريك انجلز
2013 / 5 / 14 - 15:15     

إن الديالكتيك، المدعو بالديالكتيك الموضوعي، يهيمن في الطبيعة بأسرها، أما الديالكتيك المدعو ((بالذاتي))، ديالكتيك الفكر، فليس سوى إنعكاس للحركة، السائدة في كافة أرجاء الطبيعة . وهذه الحركة تتم من خلال الأضداد، التي تحدد حياة الطبيعة بصراعها المستمر، وبانتقالها النهائي أحدها إلى الاَخر، أو إلى أشكال أرفع .ويبدأ الاستقطاب مع المغناطيسية، وهنا يتجلى في الجسم ذاته، أما في الكهرباء فيتوزع بين جسمين أو أكثر، مشحونين بكهربائيتين متعاكستين . والعمليات الكيميائية كلها تردّ إلى ظاهري الجذب والدفع الكيميائيين . وأخيراً، في الحياة العضوية، يجب أن ننظر أيضاً إلى تشكل النواة الخلوية على أنه مظهر لاستقطاب مادة البروتين الحي . إن نظرية التطور ( النشوء والارتقاء ) تبين أن كل خطوة إلى الأمام بدءاً من الخلية البسيطة وانتهاءً بأشد النباتات تعقيداً، من جهة، وبالإنسان، من جهة ثانية – تتم من خلال الصراع الدائب بين الوراثة والتكيف . وهنا تتضح مدى محدودية تطبيق مقولات، ك((الإيجابي)) و ((السلبي))، على أشكال للتطور كهذه . إن بالإمكان اعتبار الوراثة جانباً إيجابياً، يحتفظ بالسمات، واعتبار التكيف جانباً سلبياً، يهدم السمات الوراثية باستمرار . ولكن لنا الحق ذاته في اعتبار التكيف نشاطاً إيجابياً، فعّالاً ومبدعاً، واعتبار الوراثة – نشاطاً سلبياً، مقاوماً . بيد أنه، على غرار مايجري في التاريخ، حيث يظهر التقدم على شكل نفي لما هو قائم، كان من الأفضل، هنا، انطلاقاً من اعتبارات عملية محضة، اعتبار التكيف نشاطاً سلبياً . ففي التاريخ، نجد أن الحركة من خلال الأضداد تتجلّى على أشدِّها في كل الفترات العصيبة للشعوب الطليعية . ففي أوقات كهذه لا يبقى أمام الشعب إلّا اختيار أحد قطبي المعضلة : (( إما – وإما ))! وفي الحقيقة، تطرح المسألة، دوماً، على نحوٍ، مغاير تماماً لما يريده الفيلستريون * المتلاعبون بالسياسة في كل عصر . وحتى الفيلستر الليبرالي الألماني في عام 1848 وجد نفسه، في عام 1849، فجأة ورغماً عن إرادته، أمام المشكلة : إما العودة إلى الرجعية القديمة في صورة أكثر عنفاً وضراوة، وإما الاستمرار بالثورة حتى إقامة النظام الجمهوري... وربما حتى جمهورية واحدة، لاتتجزأ، ذات خلفية اشتراكية . ولم يتردد طويلاً، فوقف إلى جانب إقامة حكم رجعي مانتيوفيلي، هو نخبة الليبرالية الألمانية . وعلى هذا النحو تماماً في عام 1851، عندما وجد البورجوازي الفرنسي نفسه أمام معضلة، لم يكن يتوقعها بالتأكيد : إما صورة كاريكاتورية للإمبراطورية، والحرس الإمبراطوري واستغلال فرنسا من قبل عصابة من الأوغاد، وإما جمهورية اشتراكية – ديموقراطية؛ فأحنى رأسه لعصابة الأوغاد، اَملاً من أن يتمكن، تحت حمايتهم، من المضي في استغلال العمال .
=========================================
*Philister (ألمانية) وتعني الإنسان الضيق الأفق، المحدود التفكير، الراضي عن نفسه، إلخ . المترجم
------------------------------------
طبع الكترونيا من قبل جمال احمد من المصدر
فريدريك إنجلز ، ديالكتيك الطبيعة ، الطبعة الثانية 2011، ترجمة د. توفيق سلوم . ص ص 244-245.