العلماء والفلسفة


فريدريك انجلز
2013 / 5 / 12 - 23:19     

يظن العلماء أنهم يتحررون من الفلسفة بتجاهلها أم بتحقيرها . ولكن لما كانوا لا يستطيعون أن يتقدموا خطوة واحدة بدون فكر، ولما كانوا في حاجة، من أجل أن يفكروا، إلى مقولات منطقية، يأخذونها، دونما تبصر، أما عن الوعي المشترك للناس ((المثقفين))، هذا الوعي، الذي تسيطر عليه بقايا فلسفات، بليت منذ زمن بعيد، وأما يأخذونها من النتف الصغيرة من الفلسفة، التي يستمع إليها في الدروس الجامعية الاجبارية (نتف، لا تمثل وجهات نظر مجتزأة، فحسب، بل أيضاً خليط من اَراء أناس، ينتمون إلى أكثر المدارس تنوعاً، وفي معظم الأحيان – إلى أسوئها)، وإما من القراءة غير المنهجية وغير الانتقادية لمؤلفات فلسفية من كل نوع – فإنهم، بذلك، يبقون أسرى الفلسفة، لكن، مع الأسف، أسرى فلسفة من أردأ الأنواع في معظم الحالات . إن أولئك، الذين يذهبون أبعد من غيرهم في مهاجمة الفلسفة، هم عبيد لأسوأ البقايا المبسطة لأسوأ المذاهب الفلسفية . أن العلماء الطبيعيين، مهما اتخذوا من وضعيات، يبقون تحت سلطان الفلسفة، والمسألة تنحصر فيما إذا كانوا يرغبون في أن يكونوا تحت سيطرة إحدى الموضات الفلسفية السيئة . أو أن يهتدوا بشكل من الفكر النظري، يعتمد على المعرفة بتاريخ الفكر ومنجزاته .
إن عبارة (( أيتها الفيزياء، احذري الميتافيزيقا)) صحيحة تماماً، لكن بمعنى اَخر 145 .
إن علماء الطبيعة يحفظون للفلسفة بقية حياة مصطنعة، وذلك باكتفائهم بنفايات الميتافيزيقا القديمة . وحين سيتم للعلوم الطبيعية والتاريخية استيعاب الديالكتيك، سيغدو كل سقط المتاع الفلسفي – باستثناء النظرية المحضة عن الفكر – أمراً نافلاً، ويضيع في العلم الوضعي .
--------------------------------------------------------------------
145- أي ليس فهم الميتافيزيقا بمعناها القديم : كما فهمها نيوتن، مثلاً( أنظر الهامش 16). بذلك كان نيوتن يعبر عن موقفه السلبي حيال الفكر الفلسفي عموماً . ويصحح إنجلز: أن الفيزياء لاينبغي أن تكون على حذر من الفلسفة عموماً، بل من النمط الميتافيزيقي ( غير الديالكتيكي) في التفكير الفلسفي .
--------------------------------------------------------------------
الهامش رقم 16 – يقصد إنجلز الفكرة، التي طرحها نيوتن في ختام الطبعة الثانية من مؤلفه الأساسي المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية، الكتاب الثالث ، ارشادات عامة . يقول نيوتن : ((علّلت، حتى الاَن، الظواهر السماوية وظواهر المد والجزر لبحارنا وذلك استناداً إلى قوة الجاذبية، لكنني لم أدلل على علة الجاذبية نفسها)) . وبعد أن يعدد بعضاً من خواص قوة الجاذبية يتابع نيوتن قوله : (( أما علة هذه الخواص فإنني لم أتمكن، حتى الاًن، أن استنتجها من الظواهر، ولم ألفق فرضيات . فكل ما لا يستنتج من الظواهر يجب أن يسمى فرضية ؛ والفرضيات، سواء منها الميتافيزيقية أو الفيزيائية أو الميكانيكية، وكذلك الخواص الغامضة، لا مكان لها في الفلسفة التجريبية . في هذه الفلسفة تستنتج الافتراضات من الظواهر، ثم تعمَّم بواسطة الاستقراء )).
هذا القول بالذات هو ما يقصده هيغل حين يقول في موسوعة العلوم الفلسفية، الفقرة 98، الملحق الأول: (( نيوتن ... حذر الفيزياء تحذيراً صريحاً بألّا تقع في الميتافيزيقا ...)).
=======================================
طبع الكترونيا من قبل جمال احمد من المصدر
فريدريك إنجلز ، ديالكتيك الطبيعة ، الطبعة الثانية 2011، ترجمة د. توفيق سلوم . ص ص 242-243. والهامش 16 من ص 37