البرجوازي الصغيرُ القائدُ الشرقي


عبدالله خليفة
2013 / 5 / 11 - 10:50     


بين لينين والخميني وحسن البنا جوانبٌ مشتركة رغم تباين الإيديولوجيات والمراحل التاريخية والبُنى القومية التي عمل فيها كل زعيم، وهم يمثلون الأغلبية السائدة من زعماء العالم الثالث، حيث التخلف وتحديات التنمية وتصعيد نماذج حكومية شمولية تحولية لأنها أسهل من سلوكِ طريقِ الديمقراطيةِ ولضخامةِ الأجهزة الحكومية تاريخياً وضعف الفئات الوسطى والعمالية حديثة الديمقراطية، ولكن هؤلاء القادة يتماثلون كذلك في رفض مسايرة الغرب الديمقراطي التحديثي، وإصرارهم على خلق تجارب من قواهم الاجتماعية، ومن فئاتهم البرجوازية الصغيرة التي قامت بمغامرات سياسية وإيديولوجية لتصنعَ حركات ودولاً شمولية تقوم بالنهضة على تلك الأسس.
النص المقدس لدى لينين في الماركسية يُكيف حسب طبيعة القوة البرجوازية الصغيرة المسيطرة على حزب البلاشفة والمُعَّدة له في كيان شمولي قيادي بين الجمهور، وتغدو الطبقات العاملة العنيفة أساس حراكه الجماهيري وأداة سيطرته، حتى يتم إنتاج في النهاية رأسمالية دولة نهضوية شمولية. إن الدعوة للديمقراطية وتنميتها عبر الصراع السياسي كان سوف يمثل نتائج أخرى أهم للشرق والإنسانية من تصعيد الدكتاتوريات والفاشيات، فصناعةُ ديمقراطية متعددة حذرة في تطورها السياسي وغير متسرعة لا تؤدي إلى مقتل ملايين الناس وهو الأمر الذي عقّد التطورَ التاريخي في القرن العشرين.
وفيما تمثل روسيا لحظةً شرقية متطورة قياساً للعالم الإسلامي، حيث عاملت قوى العمال والنساء بدرجة أرقى وتوجهت نحو إزالة الإقطاع من دون أن تصعد لمستوى غرب أوروبا، فإن التجاربَ الشمولية المتصاعدة في العالم الإسلامي كانت مختلفةً، لكن في الحصيلة التاريخية هناك تقاربٌ في هيمنة الذكورية وبقاء أوضاع العمال مستغلين وذوي أجور منخفضة وحقوق متدنية، وبعيدين عن المشاركة في السلطات والبرجوازية لصوصُ مطابخ حكومية.
البرجوازي الصغير عبرَ لينين كيّف النصَ الماركسيَّ العمالي لتصعيدِ الفئات الوسطى الصغيرة لتسيطرَ على الحكم، مثلما فعل الخميني الذي لم ينشىء حزباً بل اعتمد على الدعوة العامة والقوى المذهبية السياسية المتعددة، والصدام مع النظام وثورةُ الجمهور هي وحدها التي طرحت ثمرةَ السلطة بين هذه القوى. لكن هنا كان بروز البرجوازية الصغيرة في واجهة السلطة الإيرانية الجديدة سريعاً عابراً، فالحسن بني صدر على سبيل المثال كان وامضاً، فيما صعدتْ القوى التاريخية العتيقة للإقطاع الديني، حيث استولت على الحكم الآياتُ العظمى الكبار ذوو السيطرة المادية والروحية الهائلة على المؤمنين ودخولهم، فكان لهذه العودة المحافظة هيمنة على وقف تدفق الحريات الاجتماعية والسياسية وراحت قوى الإقطاع تضربُ أي منحى تحديثي ديمقراطي، وتشكل الديمقراطيةَ الانتخابية في مضمون إقطاعي، راح يهيمن على رأسمالية الدولة العسكرية المتصاعدة. هنا معنى عدم التوجه للرأسماليةِ الحرة والديمقراطية ومساواة الجنسين وتعاون القوميات في ظل دولة واحدة. أي حدثَ الضدّ وبمضامين مقاربة لروسيا.
بين البيان الشيوعي والقرآن أيدلوجيات خاصة تقوم البرجوازيات الصغيرة بتكييفهما حسب مصالحها وتخلفها في إنشاءِ نظام شمولي، فهي تخشى الحريةَ والديمقراطية ومساواة الجنسين ومساواة القوميات والأديان، وتخاف على سيطرتها من الانفلات حين تتصاعد الديمقراطية الحقيقية. فروسيا تؤكد على الدكتاتورية وترفض نمو الاشتراكية الديمقراطية والانتخابات الحرة، ويهيمنُ الروسُ على الأقوام الأخرى، فيما يتصاعد دورُ الفرس وهيمنتهم ويمنع الذكورُ حرياتَ النساء والأطفال، ويهيمن ملاكُ الأراضي الزراعية ورجالُ الدين على الاقتصاد والثقافة. إنه عجزٌ مشتركٌ عن إنتاج طبقتي الحداثة: رأسماليون وعمال أحرار.
إن لكلِ دولةٍ ظروفا خاصة ومستوى من التطور ولكن مع تنامي التجارب تحدث مقارباتٌ في هيكل رأسمالية الدولة الشمولية العسكرية، فالجوانبُ التاريخيةُ المختلفة الهامشية تزولُ لصالح الجوهر الطبقي، حيث تتصاعد التجربةُ المأزومة التي تجد نفسها مرة أخرى أمام ضرورة الرأسمالية الحرة الديمقراطية ولكنها سوف تجري بأشكالٍ انفجارية.
وهذا هو معنى التقارب المتردد للإخوان المصريين للتجارب الروسية والإيرانية والسورية، ولا تزال التجربة المصرية العربية في قماطها الطفولي بعد، ولكن الجوهرَ الطبقي نفسه يتصاعد، والبرجوازي الصغير الذي يضعُ قدماً في الرأسمالية وقدماً أخرى في الإقطاع، قدماً مع الناس وقدماً ضدهم، قدماً مع الديمقراطية وقدماً مع الشمولية، تتصاعدُ مصاعبُهُ الآن في مصر والعالم العربي، حيث وصل النموذجُ الاستبدادي الحكومي الشرقي عامة إلى أزمتهِ المتفجرة في سوريا وأيديه تمتد إلى أشباهه. وستكون كارثةً عالمية حين تتحولُ لأزماتٍ شرقية عنيفة متداخلة!
والفارق أن العديد من دول العالم العربي قد خرجت من تطرف هذا النموذج قبل زمن قليل، متطلعة لتجاوزه غير أن ظروف بُناها الاقتصادية والاجتماعية لم تكن مؤاتية، فالطبقاتُ الوسطى والعاملة لم تكن لها مؤسسات روافع قوية، والفئاتُ الوسطى الصغيرة واسعة وحادة النشاط وذات جذور في التخلف والريف، ورغم ذلك فانتصارها الانتخابي هش، وسيطرتها متزعزعة، وإمكانيات إعادة إنتاج الأنظمة الشمولية غدت صعبة.
وعلى مدى قوى التحالف العمالي الرأسمالي، التحديثي الديمقراطي، المقتبس للنموذج الديمقراطي العالمي والمتشبث بجذوره، تتأسس التجاربُ الجديدة وتتجه لتغيير الهياكل الاقتصادية الاجتماعية المتخلفة مع تحويل ذلك إلى تحالفات شرقية ديمقراطية بين القوى السياسية والاجتماعية والنظم الليبرالية لدرء مخاطر ومغامرات الفئات الصغيرة المهووسة