فريدريك انجلز والعرب


جمال احمد
2020 / 11 / 30 - 10:30     

اليوم بمجرد أن تظهر كلمة العرب، تطغي صور الدين الاسلامي أولاً ومن ثم البداوة واضطهاد المرأة واضطهاد الاقليات الاثنية وصور شيوخ النفط والفقر والجهل والتخلف والارهاب والوف نعوت لاحتقار شعوب تتكلم اللغة العربية .
بعد اُفول الحضارة اليونانية ومع فترة ركود القرون الوسطى كانت المناطق العربية هي وحدها فقط التي تنبض بالحياة وتنتج الافكار، فكانت تصول مئات ان لم تكن الاف العقول والعلماء في جميع الميادين (1) ، في حين كانت اوروبا تنيخ في الظلام وتحت الارهاب الكنيسي .
ان الدول العربية المعاصرة ، هي نتاج قرن العشرين ، ونتاج رسلمة المجتمعات في هذه البقعة . ان جميع الظواهر الحديثة في هذه الدول من اشكال التجمعات الاجتماعية ووضع المرأة والطوائف المختلفة وشكل العائلة ، وكذلك اشكال الحكم والاحزاب السياسية والثروات والفقر و الافكار المنتجة ، الخ ، فهم نتاج للاساس المادي لنمط الانتاج في تلك المجتمعات . اي عندما يراد البحث عن اسباب تلك الظواهر فيجب ايجادها في موقع تلك البلدان في الاقتصاد العالمي،وضرورة ظهورها ،وصراع اشكال الاقتصاديات العالمية، ونزاع الاشكال المحلية ،والاصطفافات الاجتماعية والطبقية ؛ بكلمة اخرى موقع تلك الدول في تقسيم العمل العالمي ونمط انتاج المحلي وصراعات بين اقسامها . وليس البحث في افكارها واديانها وتاريخها الموغل في القِدَم .
ان الذين يفسرون ظواهر المعاصرة لهذه الدول من خلال الدين الاسلامي وعلاقته بالاديان الاخرى او ارجاعها للبدواة او التراكيب النفسية للافراد ، انما يرون العالم بالمقلوب ، ويغضون الطرف عن الاسباب الواقعية ويخدعون انفسهم بمنتجات خيالهم ليقنعون الاخرون وانفسهم . اي ينخدعون بالظواهر ويغيب عنهم الجوهر . وان الحضور القوي للدين الاسلامي بتشريعاته وقيمه وتفسيراته لهو تبرير ديني للممارسات المفروضة من النمط الانتاجي الذي لبس لبوساً دينياً . وان الاصطفافات الاجتماعية الطائفية والمذهبية والدينية لهي من اجل المقاومة البقاء والدفاع والنزاع والصراع بين مكونات الاقتصادية، باشكال غير ناضجة تاريخياً ، وان الارهاب والاستبداد والتسلط لهو ضرورة تدخل الدولة في ضبط الاقتصاد وتسييره حين لاتستطيع اَلية السوق من عمل ذلك ، وكثير من الامور اخرى .
ان الأقزام فقط لايستطيعون ان يروا ماذا اعطت المجتمعات العربية في الماضي .
بينما نجدعملاقا كانجلز يقول:
(( بخلاف حدسيات القدامى العبقرية في الفلسفة الطبيعية، واكتشافات العرب التي كانت بالغة الأهمية، لكنها جاءت متقطعة، وضاع معظمها بدون نتائج، تتميز الدراسة المعاصرة للطبيعة بأنها الدراسة الوحيدة، التي حققت تقدماً علمياً، دائباً ومنتظماً وشاملاً . وترقى هذه الدراسة، مثل التاريخ الحديث كله، إلى بداية ذلك العصر العظيم، الذي نسميه، نحن الألمان – بما كان يلازمنا اَنذاك من مصيبة قومية – " عصر الاصلاح "، ويسميه الفرنسيون " عصر النهضة "، والايطاليون " الخمسمائيات "(2)، رغم أن أياً من هذه التسميات لا يكفي للتعبير عن مضمونه . إنه ذلك العصر، الذي يبدأ بالنصف الثاني من القرن الخامس عشر . فبالاعتماد على بورجوازية المدن، قامت السلطة الملكية بتحطيم جبروت النبلاء الاقطاعيين، وأنشأت ممالك كبيرة، ترتكز أساساً على القومية، بدأت تتطور، في اطارها، الأمم الأوروبية الحديثة، والمجتمع البورجوازي الحديث . وفي حين كان البورجوازيين والنبلاء يواصلون الصراع فيما بينهم، رسمت الحرب الفلاحية الألمانية، على نحو مبدئي، صورة الصراعات الطبقية المقبلة، لأن الذين خاضوا غمار هذه الحرب لم يكونوا الفلاحين الثائرين وحدهم – فذلك أمر ليس فيه جديد -، بل ظهر أيضاً وراءهم أسلاف البروليتاريا الحديثة: الراية الحمراء في قبضاتهم، ومطلب شيوعية الممتلكات على شفاههم. وفي المخطوطات، التي تم إنقاذها عند سقوط بيزنطة، وفي التماثيل القديمة، التي نُبشت من خرائب روما، تكشّف للغرب المأخوذ عالم جديد : العصر اليوناني القديم، الذي راحت روائعه المتألقة تبدد أشباح القرون الوسطى . وفي ايطاليا ازدهر الفن ازدهاراً لا مثيل له من قبل، بدا وكانه انعكاس لضياء العصور الكلاسيكية القديمة، ازدهاراً، لم يتسنَ، بعد ذاك، بلوغ نظيره . وفي ايطاليا وفرنسا وألمانيا انبثق أدب جديد، كان أول أدب حديث . وبعد ذلك بفترة وجيزة،عرفت إنكلترا واسبانيا العصر الكلاسيكي في أدبيهما . وتمَّ تجاوزأطر العالم (3) القديمة . والاَن، وللمرة الأولى، اكتُشِف العالم حقاً، وأرسيت أسس التجارة العالمية اللاحقة، وتم الانتقال من الصناعة اليدوية إلى المانيفاكتورة، هذا الانتقال، الذي شكل، بدوره، نقطة انطلاق الصناعة الحديثة الضخمة . وتهاوى استبداد الكنيسة بعقول الناس، فخلعت أغلبية الشعوب الجرمانية دكتاتورية الكنيسة، واعتنقت البروتستانتية، بينما كان الفكر الحر، المتفائل والمفعم حباً بالحياة، الذي انتقل من العرب، وتغذى بالفلسفة اليونانية المكتشفة حديثاً، يضرب جذوره أعمق فأعمق عند الشعوب اللاتينية ممهداً لمادية القرن الثامن عشر )) (4)
(( وكان العمل الرئيسي للعلوم الطبيعية، في بداية هذه المرحلة الأولى، هو التمكن من المواد المتوفرة. وفي معظم الميادين كان على العلماء أن يبدأوا من الصفر. كانت العصور القديمة قد ورَّثت إقليدس ونظام بطليموس الشمسي؛ وكان العرب قد خلّفوا العد العشري، ومبادئ الجبر، والكتابة الحديثة للأعداد ( الأرقام ) والخيمياء، في حين لم تترك القرون الوسطى المسيحية شيئاً وراءها . )) (5)
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
(1)http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%A1_%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%88%D9%86
(2) Cinqueccento (حرفيا) أي القرن السادس عشر – المحقق.
(3) Orbis Terrarum (حرفيا) دائرة الأراضي : هكذا كان الرومان القدامى يسمون العالم، الأرض – المحقق .
(4) فريدريك انجلز ، ديالكتيك الطبيعة ، ترجمة د. توفيق سلوم ، الطبعة الثانية 2011 ص ص 29-30
(5) نفس المصدر ص ص 32-33


2013