بين الستالينية والاشتراكية.. نهر من الدماء - في ذكرى وفاة الديكتاتور ستالين

هالة أسامة
2014 / 4 / 11 - 09:07     

الناشر وحدة الترجمة - مركز الدراسات الاشتراكية
ترجمة هالة أسامة
.

في الذكرى الستين لوفاة الديكتاتور الروسي جوزيف ستالين يعرض "إيان بيرشال" حياته وكيف دمرت سياساته فكرة الاشتراكية لعقودٍ

حزن الملايين على وفاة جوزيف ستالين في عام 1953، الآن وبعد عشرين عامًا من انهيار الكتلة الشرقية لم يبقَ سوى حفنة من محبيه. ولا يزال اسمه وجرائمه تستخدم لتشويه سمعة الثورة الاشتراكية، وإن الاعتراف بالحقيقة بشأن ستالين هو جزء من مهمة الدفاع عن الاشتراكية التي نطمح إليها.

نتجت الستالينية عن الهزيمة، حيث تسبب فشل الثورة في أوروبا الشرقية وانحلال وإحباط الطبقة العاملة في روسيا في ترك مصانع الدولة في أيدي المدراء والبيروقراطيين، وكان اتصالهم مع الطبقة العاملة على مستوى الخطابات فقط.

ولد جوزيف جوجاشفيلي (كان ستالين اسمًا مستعارًا يعني الرجل الحديدي) في جورجيا عام 1878، كان المجتمع الروسي تحت حكم القيصر قاسيًا يتميز بالفقر الشديد والسلطة الاستبدادية. إذا كان ستالين فردًا وحشيًا فهو كان نتاج نظام اجتماعي وحشي.

حصل على تعليمه بالوسيلة الوحيدة المتاحة لطفلٍ فقير، وهي التدريب من أجل الكهنوتية، ولكن المعهد طرده بسبب نشاطاته الثورية، انضم ستالين إلى حزب فلاديمير لينين البلشفي، وقد زعم البعض أنه كان عميلًا للشرطة منذ البداية ولكن ليس هناك دليلًا على ذلك.

كانت الطبقة العاملة الروسية جديدة ومسلحة. واستطاع البلاشفة الذين كانوا يشكلون أقلية من العمال الحصول على دعم أغلبية تلك الطبقة للثورة لإنهاء حكم الرأسماليين في روسيا، وسرعان ما وصل ستالين إلى قيادة البلاشفة، ولكنه لم يكن باحثًا نظريًا على عكس لينين، ولم يكن قائدًا للجماهير على عكس ليون تروتسكي الذي ترأس مجلس سانت بيطرسبرج الثوري الجديد (مجلس العمال) أثناء ثورة 1905.

قضى ستالين معظم فترة الحرب العالمية الأولى منفيًا في سيبيريا، ولكن بينما كان لينين يعيد التفكير بشكل جذري في احتمالات الثورة في روسيا، لم يكتب ستالين كثيرًا أو ربما لم يكتب شيئًا أثناء تلك الفترة. اندلعت الثورة ثانيةً عام 1917 حيث استولى العمال على السلطة وقاموا بتشكيل السوفييتات. لم يكن ستالين رمزًا بارزًا، حيث لم يتحدث علنًا من شهر مارس وحتى أكتوبر 1917 سوى ثلاثة مرات، لم يعجبه كثيرًا عدم القدرة على التنبؤ باجتماعات الجماهير وكان يفضل دفن نفسه في الحزب. ويذكره الصحفي الأمريكي جون ريد في كتابه "عشرة أيام هزت العالم" مرتين عابرتين فقط.

أرهبت الثورة الطبقات الحاكمة في أنحاء العالم، وأرسلت كل القوى العظمى جيوشًا لدعم قادة روسيا السابقين وغزو دولة العمال الناشئة، وأثناء الحرب الأهلية الضارية التي تبعت ذلك أسرع أفضل العمال من السوفييتات والبلاشفة إلى الخطوط الأمامية للدفاع عن الثورة، ومات الآلاف من أشجع النشطاء. في تلك السنوات لاحظ لينين مواهب ستالين ومنحه مهام تتطلب الكفاءة وفرض السلطة للدفاع عن الثورة، ولكن بحلول عام 1922 كتب لينين وهو يحتضر وصيته الشهيرة محذرًا قادة البلاشفة الآخرين يقول: "إن الرفيق ستالين، الذي أصبح أمينًا عامًا، قد حصر بين يديه سلطة لا حد لها، وأنا لست على ثقة في أنه سيعرف على الدوام كيف يستعمل هذه السلطة بما يكفي من الاحتراس".

يزعم الكثيرون أن الثورة الروسية أدت بشكل حتمي لفظائع ستالين، وهذا منهج كسول في قراءة التاريخ، ومحاولة للحصول على تفسير من جملةٍ واحدة لعملية تاريخية معقدة، وتفشل في تفسير سبب قتل ستالين لعدد كبير من أفضل المناضلين الذين كانوا قد بنوا الحزب البلشفي في الأعوام التي سبقت 1917، كان العديد من رفقاء لينين ضحايا لمحاكمات موسكو وتمت إدانتهم استنادًا إلى أكاذيب وأدلة مزورة، وتم نفي تروتسكي وقتله بناءًا على أوامر ستالين.

لقد طرح ستالين سياسة "الاشتراكية في بلد واحد"، بينما كانت استراتيجية لينين بأكملها معتمدة على أمل انتقال الثورة بسرعة إلى الغرب، وكان ستالين يقول أن الثورة العالمية قد تم تأجيلها إلى أجل غير مسمى.

وهكذا كانت المهمة أن تتحول روسيا إلى مجتمع صناعي وحدها، وحذر ستالين عام 1931 قائلًا "إننا متأخرين عن الدول المتقدمة بخمسين أو مائة عام، علينا أن نتخطى ذلك في عشرة أعوام، فإما قمنا بذلك أو نفشل". كان الأمر بسيط منطقيًا، على روسيا أن تحدّث من اقتصادها وتستعد لمواجهة القوى الغربية في صراعٍ عسكري. لقد حطم الانتقال إلى الصناعة في بلاد مثل بريطانيا حيوات ملايين العمال، ولكن لتنفيذ تلك العملية في عقدين فقط بدلًا من قرنٍ أو أكثر كان لابد من استخدام درجات غير معقولة من الوحشية.

لا يمكن مساواة الستالينية مع البيروقراطيين عند نفاذ صبرهم، فقد كانت ثورة مضادة على نطاق غير مسبوق، تم استبدال سلطة العمال التي قامت بالثورة بحكم الطبقة الحاكمة الجديدة، وهكذا فإن ما وُجد كان شكلًا جديدًا من الرأسمالية؛ رأسمالية الدولة، بدا الأمر مختلفًا كثيرًا عن النموذج التقليدي، ولكنه كان شبيهًا به جدًا من وجهة نظر العمال الذين تم استغلالهم.

لم يكن "للاقتصاد المخطط" المزعوم علاقة بالتخطيط الاشتراكي الديمقراطي، ولكنه قدم فقط مجموعة من الأهداف للانتقال السريع إلى الصناعة، كانت هناك إنجازات اقتصادية حقيقية ولكنها كانت غالبًا قليلة جدًا. تعرض الآلاف والآلاف من أعضاء الحزب ومواطنين آخرين إلى التطهير والإعدام، حتى أكثر التطهريين حماسةً تم تطهيرهم لاحقًا، ولكن كانت هناك فرص جديدة للبيروقراطيين الشباب الطموحين الذين لم يلعبوا أي دور في الثورة ولم يكن لهم علاقة بمُثُلها، وأصبح هؤلاء أكثر داعمي ستالين إخلاصًا.

لم يلعب ستالين دورًا في الأممية الشيوعية ولكن كانت لسياساتها تأثيرًا كارثيًا على الحركة العالمية، وكانت أكبر كارثة هي خطاب الشيوعيين الألمان – الذي تم إملائه من موسكو - بأن الاشتراكيين الديمقراطيين لم يكونوا أفضل من الفاشيين، لذا لم يشكل الشيوعيون جبهة موحدة معهم وسمحوا لهتلر بالوصول للسلطة، ثم قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية مباشرة قام ستالين بمعاهدة عدم اعتداء مع ألمانيا في عهد أدولف هتلر.

وهلع الشيوعيون في أنحاء العالم من ذلك بعد أن رأوا أن أحزابهم ألد خصوم الفاشية. وتم تسليم الشيوعيين الألمان الذين لجأوا إلى روسيا لهتلر. كانت المناورة فاشلة، استخدم هتلر المعاهدة كخطة للتأجيل، وبمجرد أن احتل أوروبا الغربية قام بغزو روسيا، قاوم الشعب الروسي بشجاعة ضخمة وبخسائر هائلة، ولكن لم تساعدهم إدارة ستالين تقريبًا، فقد هلك بعض أكثر القادة العسكريين موهبة في حركة التطهير، واستمر ستالين أثناء الحرب في تطهير القادة العسكريين، حيث تم إعدام ما لا يقل عن ثلاثين لواء في عام 1942.

استضاف ستالين رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل في موسكو في أكتوبر من عام 1944، وعقد اللصان صفقة كبيرة وقاموا بالتخطيط لتقسيم ما بعد الحرب لأوروبا بينهم، وندد تشرشل لاحقًا بإنشاء "الستار الحديدي" ولكنه كان قد ساهم في إعداده.

توفي ستالين في الخامس من مارس 1953، وخلفه "نيكيتا خروشوف" وقام بإلقاء خطبة بعد ثلاثة سنوات ندد فيها بجرائم ستالين، وبرغم تلك التنديدات إلا أن سياساته استمرت لعقودٍ، ولكن في عام 1956 رأى العالم بأكمله دبابات دولة العمال الروسية تسحق مجالس العمال في المجر، ترك الآلاف من الشيوعيين أحزابهم غالبًا لتأسيس منظمات جديدة ملتزمة بالاشتراكية الأصلية، وتبع ذلك الغزو الروسي لتشيكوسلوفاكيا عام 1968 ونهوض اتحاد النقابات المستقلة في بولندا في بداية الثمانينيات.

سقط حائط برلين في نهاية الأمر وانهارت الدول الستالينية، ولا يزال بعض النشطاء يساوون الاشتراكية بالستالينية حتى بعد عشرين عامًا من نهاية تلك الأنظمة. يبحث اليوم الملايين من الشباب في أنحاء العالم عن بديل، بينما تقدم الستالينية صورة قاتمة عن كل ما لا تمثله الاشتراكية، ولكن السنوات الأولى من سلطة العمال في روسيا، وتراث هؤلاء الذين قاوموا ستالين حتى على حساب حيواتهم، تقدم رؤية قد تلهمنا وتعلمنا.

* المقال منشور باللغة الإنجليزية في 5 مارس 2013 بجريدة العامل الاشتراكي البريطانية