سهولةُ الهجومِ على اليسار!


عبدالله خليفة
2013 / 4 / 22 - 07:57     

يستغللا بعضُ الأقلام التي لا علاقة لها بالكتابة الفكرية السياسية، وعاشتْ في غيابٍ فكري طويل مسيّس ينتظرُ الفرصَ وانتشار المستنقعات، عثراتَ اليسارِ وتذبذبه بين نهجين طائفي شمولي ووطني ديمقراطي، لكي تدعي مكانةً في هذا اليسار وتقدمُ النصائحَ الثمنيةَ له وتوزع النياشين الوطنية على أبطال الورق!
يعتقد هؤلاء أن اليسارَ صار جداراً هابطاً ويمكن لكل من فك الحرف أن يهاجمه ويقلل من شأنه، ويسرق شيئاً من ضوئه وتضحيته، فيخلطُ الأوراقَ بين الانتهازية والبطولة، بين التردي الفكري والشموخ النضالي.
لقد مرتْ على البشرية ككل في العقود الأخيرة اضطراباتٌ وتحولاتٌ غيرُ مسبوقة، وكان تصدعُ اليسار القديم وانهيار المنظومة الاشتراكية فرصةً كبرى للتلاعب بالفكر والتوجهات التقدمية والديمقراطية في العالم، والخلط بين رأسماليات شرقية وطنية تحولية شمولية والفكر الاشتراكي الديمقراطي المتجدد الدائم والمصطف مع الجمهور العامل.
كانت العظامُ الفكريةُ السياسية للكثير من المجموعات السياسية هشةً، وكان التناقضُ غير الجدلي يحكم وعيها وهو التناقضُ بين رأسماليات الدول الشرقية وبين نضالات الأغلبية الشعبية، فحين أيدت هذه المجموعات رأسماليات الدول الشرقية الشمولية ولم تستطع نقدها وخاصةً من قبل صغارِ الطلبة والمنتفعين بالدراسات المتخثرة والشهادات الزائفة، وكان العجز عن هذا النقد للمعسكر الاشتراكي سائداً، فما كان بإمكان مثل هؤلاء أن يحدسوا بالتناقضات التي تنمو في قلبِ هذه المجتمعات، وما كان بإمكان مثل هذا الوعي السطحي أن يتقدم على اللجان والمكاتب السياسية للمخضرمين في التاريخ النضالي!
لكن بعد أن أتضحت التناقضات وهي تنفجرُ وبانت عظامُ رأسمالياتِ الدول الشمولية الوطنية النهضوية لزمنٍ هام ومفيد معين، فما عاد يمكن القبول بمثل هذا الوعي ونشره وترسيخه في الأحزاب والقوى الاجتماعية.
ثم غدت التحولاتُ تأخذ منحى خطيراً وتجذبُ إلى دائرة أزمتِها الكثيرَ من الدول وتصعدُ التيارات الطائفية السياسية وتُدخلُ الشعوب في حروب ضارية، وغدا عدم نقد الرأسماليات الحكومية البيروقراطية وتغييرها جريمة سياسية، مثلما أن الطبطبةَ على رؤوس الحركات السياسية الطائفية جريمةٌ لا تقل عن تلك.
إن نشر النظرة الحولاء السياسية هذه استمرار للانتهازية السائدة سابقاً، حيث الوقوف مع السائد القوي، والعيش تحت مظلةِ منافعه، ولكن نتائجها وخيمة على الشعوب والحركات السياسية الباحثة عن الحقيقة، وعن القراءة الموضوعية للتطور في الماضي والحاضر.
إن عجزَ الأحزاب التابعة للرأسماليات الحكومية القومية عن قراءةِ تاريخها بموضوعية على المستويين العالمي والوطني، تعبيرٌ عن ضعفِ أدوات وعيها التقدمية والديمقراطية، وغياب دراساتها ودفاعها عن العاملين، وتبعيتها للطبقات العليا، وعدم قيام هذه الأحزاب بالواجبات الفكرية السياسية النقدية وتعرية أخطائها، يجعل من صغار المتسلقين ومدعي الكتابة أبطالاً يقفون فوق المسرح يوزعون بطاقات اليسار والنضال على كائناتٍ لا علاقةَ لها بذلك كله.
يتحول نبشُ التاريخ وأكلُ اللحم الميت عيشاً باذخاً، ويصيرُ من سقطوا في المنح المجانية وناموا عن الدروس الحقيقية، علماءً ومنظرين في زمن نوم النظرية، وتحولها لملفاتٍ بيروقراطية، ودعوات احتفالية مجانية على حساب الساهرين الليليين، وتُقدمُ الأماديح للانتهازيين الجدد والبيروقراطيين والمتلاعبين بالمال العام.
فلا عجبَ أن يتحول الطائفيون السياسيون حملة المفخخاتِ لتدمير المجتمعات أبطالاً آخرين، فلقد نامتْ نواطيرُ النظرية، وقد بشمتْ الثعالبُ الطائفيةُ في كلِ مِصر، وتساوى الشهداءُ بالقتلةِ والمجرمين، والعلماءُ المضحون بمزيفي الشهادات وخاطفي العباءات بالمديح المضلل!