الامبريالية هي الراسمالية في اعلى مراحلها٣


حسقيل قوجمان
2013 / 4 / 18 - 11:50     

الامبريالية هي الراسمالية في اعلى مراحلها٣
راينا في الحلقة السابقة ان احد اهم مظاهر تحول الراسمالية الى راسمالية امبريالية هو تصدير رؤوس الاموال بدلا من تصدير البضائع المصنعة في بلدانها الى اسواق العالم. وان نتائج تصدير رؤوس الاموال كتحول الدول الامبريالية الكبرى الى مستورد للبضائع الاستهلاكية ليس دليلا على ضعف الدول الامبريالية بل هو دليل على زيادة استغلالها واستعبادها للدول المستعمرة والتابعة ومضاعفة ارباحها وسيطرتها على اقتصاد هذه الدول.
والسؤال الذي يتبادر الى الذهن هو هل يعني اعتماد الدول الامبريالية على استيراد البضائع الاستهلاكية من الدول الضعيفة يدل على عجز الدول الامبريالية عن انتاج البضائع الاستهلاكية في بلدانها بحيث تضطر الى استيرادها من مستعمراتها والاقطار التابعة لها؟ على العكس من ذلك كانت هذه السياسة، سياسة تصدير الاموال وصناعة المواد الاستهلاكية في هذه البلدان سياسة مقصودة اتخذتها الدول الامبريالية من اجل زيادة ارباحها وزيادة استغلالها لهذه البلدان. وهل تدل هذه السياسة على ضعف الدول الامبريالية صناعيا؟ كلا طبعا. الحقيقة هي على العكس اصبحت الدول الامبريالية اشد تركيزا على الصناعات الثقيلة.
احدى نتائج تحول الراسمالية الى المرحلة الامبريالية هي انتهاء الانتاج الراسمالي من كل صفاته الايجابية تجاه تطور قوى الانتاج. اصبح الانتاج الراسمالي الامبريالي في المرحلة الامبيرالية عدوا وعائقا في سبيل تطور قوى الانتاج. وهذا هو ما يفسر اتجاهات الانتاج الراسمالي في هذه المرحلة.
اولا ان تصدير رؤوس الاموال لم يشمل كل ميادين الصناعة. فقد اقتصر تصدير رؤوس الاموال على صناعات انتاج المواد الاستهلاكية. فاذا تفحصنا الصناعات القائمة في البلدان المستعمرة والتابعة نجد انها لا تتضمن صناعات ثقيلة بل تقتصر على صناعات مواد استهلاكية كالملابس ومواد مثل الكاميرات والكومبيوترات والموبايلات والطابعات وغيرها مما لا يحتاج الى صناعات ثقيلة بالمعنى الحقيقي للصناعة الثقيلة. وهذه سياسة اتبعتها جميع الدول الامبريالة الكبرى بدون استثناء. هذه السياسة الاقتصادية ليست صدفة بل هي سياسة مقصودة وبالغة الاهمية بالنسبة للدول الامبريالية من اجل الابقاء على خضوع واعتماد الدول المستعمرة والتابعة صناعيا للدول الامبريالية.
ان استقلال اية دولة مستعمرة وتابعة يتطلب استقلالها صناعيا اذ ما دامت الدولة ضعيفة من ناحية الصناعة الثقيلة لا يمكنها ان تستقل اقتصاديا عن الدول الامبريالية. لذلك اقتصر تصدير رؤوس الاموال على الصناعات الخفيفة او على برامج تنجزها الدول الامبريالية في هذه الدول ولا تفسح لها مجال الاستقلال. فان الشركات الامبريالية تبني في مستعمراتها الغنية بالنفط مثلا اعظم العمارات والشوارع التي تضاهي احسن مدن الدول الامبريالية الكبرى وحتى تتفوق عليها. واعظم مثل على ذلك ما نراه في دول الخليج النفطية من اعمار يفوق ما نجده في الولايات المتحدة التي تقوم بتخطيط وبناء هذه العمارات والمنشات والطرق في هذه البلدان. ان تصدير رؤوس الاموال مقصور على الصناعات الاستهلاكية والبناء ولن تصدر الاموال في انشاء صناعات ثقيلة في هذه البلدان ولو انها قد تكون اكثر ربحا للدول الامبريالية لو فعلت.
تحتفظ الدول الامبريالية بالصناعات الثقيلة في بلدانها ولا تصدرها. ولكن دور الصناعات الثقيلة من حيث الابقاء على النظام الانتاجي الراسمالي وصيانته في الازمات الاقتصادية يختلف باختلاف الصناعات. يختلف دور هذه الصناعات خصوصا في الازمات الاقتصادية حسب مستهلكي منتجاتها.
اتخذ صناعة السيارات نموذجا لمثل هذه الصناعات. ان تسويق السيارات يجري بالطريقة التجارية العادية حيث يجب ايصال السيارة في اخر المطاف الى الشخص الذي يشتري السيارة لاستعماله الخاص او الشركة التي تريد استعمالها لاغراضها الخاصة. ان تصريف السيارات يعتمد على الطلب وهذا الطلب يصاب بالجمود او ما يقرب من الجمود اثناء الازمات الاقتصادية. ولذلك تتعرض صناعة السيارات في هذا المثال للافلاس خلال الازمات الاقتصادية. ومثل السيارات يكون دور كافة الصناعات التي ينبغي تصريفها وبيعها بعد انتاجها ويجب ايصالها الى مستهلكها الشخصي.
يختلف وضع انتاج السيارات ومثلها جميع السلع التي ينبغي قبل بيعها للمستهلك تصديرها وبيعها بدرجات متعددة كبيعها لتجار الجملة ثم لتجار المفرق في ارجاء العالم الى ان تصل الى المستهلك الاخير في حالة الازمات الاقتصادية. فالشركة الصناعية للسيارات في مثلنا تخطط انتاجها للسيارات حسب الطلب، فتزيد الانتاج عند زيادة الطلب وتخفضه عند انخفاض الطلب وهذا يصح على انتاج كافة السلع. ولكن في صناعة السيارات التي هي مثلنا في هذا الموضوع يكون ثمة فترة زمنية طويلة او قصيرة بين موعد الانتاج وموعد تلبية الطلب عليه. في هذه الحال يكون تقدير الطلب على السيارات وفقا لموعد ايصالها الى المستهلكين وهذا الموعد هو الذي يجعل بالامكان تحطيط الانتاج. وهذا التفاوت بين عملية الانتاج وموعد تحقيق البيع يؤدي الى الخطأ في تحديد الطلب. قد يكون الطلب على السيارات في مثلنا واسعا فيتطلب من الشركة زيادة انتاج السيارات لتلبية الطلب الواسع. ولكن خلال الفترة بين انتاج السيارة وبين ايصالها الى المستهلك قد يهبط الطلب وخصوصا عند بداية الازمات الاقتصادية حين يهبط الطلب هبوطا سريعا. وفي هذه الحال تبقى السيارات المنتجة في مخازن الشركة ولا تجد من يشتريها.
يختلف وضع الصناعات التي تنتج ليس للاستهلاك الشخصي بل تنتج من اجل استهلاك مؤسسات عامة. اتخذ صناعة طائرات الركاب كنموذج على مثل هذه الصناعات. ان مستهلكي طائرات الركاب ليسوا اشخاصا. انها تنتج اما للحكومات او لشركات الطيران المختصة في نقل المسافرين بالطائرات. وهذه المؤسسات تحصل على اموالها من ارباحها من عمليات السفر بحيث تكون لديها الاموال اللازمة لشراء الطائرات التي تحتاجها.
هذه البضائع التي تشتريها مؤسسات يجري فيها البيع والشراء مباشرة بين شركات انتاجها والمؤسسات التي تشتريها وتنتفي الحاجة الى مؤسسات مساعدة كما هو الحال في السلع المنتجة من اجل الاستهلاك الشخصي كتجار الجملة وتجار المفرق ونفقات ايصال البضائع الى هذه الشركات من اجل ايصالها الى المستهلك. اضف الى ذلك يجري شراء مثل هذه البضائع مقدما حسب الطلب. فشركة الطيران التي تحتاج الى عدد من الطائرات تتصل مباشرة بالشركة المنتجة من اجل شراء الطائرات التي تريد شراءها والاتفاق على موعد استلامها وهذا يعني ان الشراء يجري قبل البيع. ان مثل هذه السلع اقل من السلع المنتجة للاستعمال الشخصي تاثرا بالازمات الاقتصادية.
فمن الناحية الاولى تعلم شركة انتاج الطائرات مقدار الطلب على طائراتها وتخطط الانتاج وفقا لهذا الطلب نظرا لان الطلب يجري قبل الانتاج وليست بين الانتاج والبيع الفترة اللازمة في السلع الاخرى. ومن الناحية الثانية اذا حدث الكساد في الطلب على الطائرات فان الطائرات المنتجة لا تتراكم في مخازن الشركة المنتجة بل تتراكم لدى مستهلكيها. فالطائرات المنتجة وفقا للطلب عليها قبل صناعتها يجري تسليمها الى الشركات التي طلبت شراءها بصرف النظر عن اتساع الطلب او انخفاضه.
نرى مما تقدم ان تصدير رؤوس الاموال وانتاج المواد الاستهلاكية في المستعمرات والبلدان التابعة لا يدل على ضعف الدول الامبريالية بل يدل على قوتها. فان انتاج المواد الاستهلاكية في هذه البلدان واستيرادها يعني مضاعفة استغلال واستعباد هذه البلدان ونهب ثرواتها. وفي الازمات الاقتصادية يسهل على الدول الامبريالية تحميل هذه الدول المستعمرة والتابعة اعباء الازمة الاقتصادية وتخفيف اعباء الازمات الاقتصادية عن نفسها.
في مرحلة الراسمالية الامبريالية انتهى دور الراسمالية الايجابي تجاه تطور قوى الانتاج واصبح دورها معيقا ومعاديا لتطور قوى الانتاح والمجتمع الراسمالي كله. وهذا الدور السلبي المعيق لتطور قوى الانتاج والمعادي لتطور قوى الانتاج والمجتمع كله يبدو باوضح صوره في انتاج الاسلحة والانتاج الحربي وفي عصرنا بانتاج ادوات غزو وتسليح الفضاء. ويبدو لي ان بحث هذا الدور السلبي تجاه تطور قوى الانتاج والمدمر للمجتمع ينبغي بحثه في حلقة قادمة.