شبح ماركس يطارد البرجوازية ونظامها الرأسمالي!


توما حميد
2013 / 4 / 6 - 16:51     

بدت الازمة الاقتصادية الحالية للنظام الرأسمالي وكانها كارثة نزلت فجاة من السماء. اذا لم يكن هناك اي حديث جدي عن بوادر ازمة اقتصادية حتى بفترة قصيرة جدا من انفجار ازمة الرهون العقارية في الولايات المتحدة الامريكية والتي انتشرت فيما بعد لتشمل الاقتصاد الرأسمالي برمته. لقد بدت كانها "غضب نزل من السماء" لسبب وهوان قادة البرجوازية لاسباب لامجال هنا لذكرها يحكمون من خلال الهتافات، اذ حتى وقت انفجار الازمة ظل قادة البرجوازية اما ينكرون وجود اي مشكلة او يقللون من اهميتها وحتى بعد انفجار الازمة كانوا يتحدثون باستمرار عن كونها ازمة قصيرة وغير عميقة ويمكن التصدي لها ببساطة ولكن الايام اثبتت بان ايا من تلك الادعاءات لم تكن صحيحة. ومن جهة اخرى،عدا عدد محدود جدا فان خبراء الاقتصاد البرجوازيون لم يتوقعوا ولم يروا هذه الازمة اتية لانهم لايعرفون عن الاقتصاد الرأسمالي غير ايجابياته او مايعتبر ايجابيات. لقد بدت هكذا رغم ان بوادر لازمة عميقة كانت في كل مكان ومنذ سنوات ولم يتفاجأ المطلعين على الماركسية بالازمة بل لانها تاخرت كل هذا الوقت.
الغالبية العظمى من الاقتصاديين البرجوازيين يدرسون علم الاقتصاد البرجوازي النيوكلاسيكي الذي اسس على يد ادم سميث وديفد ريكاردو وغيرهم و الذي ببساطة يرى في النظام الرأسمالي نظاما عظيما خاليا من العيوب قادر على حل كل مشاكله وافضل ما تمكن وسيتمكن الانسان من الوصول اليه. اصحاب هذه النظرية يعتقدون بان النظام الرأسمالي نظام كفوء ومستقر وهو مصدر الرفاهية اي مصدر الحسنات المتمثلة بالوظائف والبضائع والخدمات بالنسبة للاغلبية الساحقة من الناس، لذا يجب الاحتفاء به ونقله الى كل اجزاء الكرة الارضية التي لم يصلها. اتباع هذه المدرسة لايقبلون باي نقد للنظام الرأسمالي. وهذه هي النظرية السائدة في الجامعات والاعلام وعلى المستوى الحكومي. ولكن البرجوازية قبلت بانتقاد لطيف للنظام الاقتصادي الرأسمالي المتمثل بالنظرية الكينزية تسميتا بالاقتصادي البريطاني جون كينز الذي صاغ نقده للرأسمالية في عمق الكساد الكبيراي الازمة الاقتصادية العميقة التي اصابت النظام الرأسمالي بين 1929-1939. وجون كينز الذي اشهر بشكل لا لبس فيه عن حبه واعجابه ودفاعه عن النظام الرأسمالي واعتبره نظاما عظيما و بشكل عام نظاما كفوءا وينتج مايحتاجه الناس اعترف بان لهذا النظام نقاط ضعف وعيوب يجب التعرف عليها وفهمها من اجل مواجهتها و ايجاد حلول لها. جون كينز وهو يعيش فترة الكساد العظيم اعتقد بان النظام الرأسمالي هو نظام غير مستقر حيث يشهد دورات اقتصادية دورية تتميز بفترات ازدهار تعقبها فترات ركود وكساد تقضي على الكثير من منجزات فترات الازدهار وهي مصدر ماسي والالام كبيرة لقطاعات واسعة من المجتمع . ولذلك جاء كينز بفكرة السياسة النقدية والسياسة المالية التي يجب ان تستخدم من اجل تخفيف من تاثيرات فترات الانكماش والركود الاقتصادي وتقصيروتلطيف تلك الفترات. تكون السياسة النقدية وسيلة في يد البنك المركزي للتغلب على فترات الازمة عن طريق ضخ اموال جديدة الى النظام الاقتصادي وعن طريق الابقاء على اسعار الفائدة منخفضة. ومن ناحية اخرى تستخدم الحكومة نفوذها عن طريق السياسية المالية لفرض الضرائب وصرف الاموال التي تجمع من الضرائب لتحفيز الاقتصاد في اوقات الازمة وتحديد الاموال المصروفة من قبل الدولة في اوقات الانتعاش. رغم ان البرجوازية قد سمحت بهذا النوع المعتدل من النقد وتبنت الاجراءات التي دعى اليها لمواجهة الازمات الاقتصادية الا ان النظرية النيوكلاسيكية ونظرتها للنظام الرأسمالي بقت هي السائدة في الاعلام وعلى المستوى الحكومي.
اما النظرية الماركسية التي هي نظرية متقدمة و متكاملة وغنية جدا تحلل النظام الرأسمالي من وجه نظر نقدية هي غائبة بشكل شبه تام في كل مكان في التعليم والاعلام وبين الاوساط السياسية على الاقل لحد 2007. لذا فان النظام التعليمي في ميدان علم الاقتصاد اي في الجانب الذي يتعلق بفهم اليات عمل النظام الاقتصادي الرأسمالي وتوقع مايحمله المستقبل وليس في الجانب المتعلق باقامة وادارة مشاريع اقتصادية وتحقيق ثروة هو قاصرا الى حد كبير. لايمكن ان تكون دراسة لنظام اقتصادي كاملة عندما تعتمد على وجهات نظر المؤيدين للنظام وتهمل اراء نقاده.
لقد اعلنت البرجوازية العالمية وماجوريها موت ودفن ماركس للمرة الثانية في نهايات القرن العشرين ابان انهيار قطب راسمالية الدولة في الاتحاد السوفيتي واوربا الشرقية. وكان يفترض ان يكون فكر ماركس والصراع الطبقي والحلم الاشتراكي والشيوعي قد مات معه والى الابد لذلك اعلنت ان النظام الرأسمالي هو نهاية التاريخ. كان غالبا مايشار الى الماركسية كنموذج لنظرية اثبتت فشلها.
ان الخطاب البرجوازي الرسمي كان دائما ولايزال يضع الشيوعية الى جانب النازية والفاشية كحركات تمثل نقطة سوداء في تاريخ البشرية تم تجاوزها الى حد لاعودة اليها. لقد اصبحت الشيوعية ممثلة بالانظمة التي ادعت او اعتبرت شيوعية مرادفة للشر الذي لايجد قادة البرجوازية و مخرجوا افلام الاثارة اي داعي لاثبات شرورها وقد هزم هذا الشر. لحد وقت قريب كان منظروا البرجوازية الحمقى يشيرون الى ماركس من باب التندر والاستخفاف على اعتبار ان فكره مكرس لخداع البشر و نشر الاوهام. ولحد بداية الازمة الاقتصادية الحالية للنظام الرأسمالي كان ينظر الى الماركسيين في الكثير من الدول وخاصة الولايات المتحدة اما كاناس يعانون من علة عقلية او كخونة وحاقدين على مجتمعاتهم.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وصف الصراع الطبقي الذي قال ماركس انه يحدد مسار التاريخ كامرا مصطنعا. وبدا النظام الرأسمالي في تلك الفترة التي شهدت ازدهارا الى حد ما و كانت الاحصاءات تشير بان الملايين قد انتشلت فعلا من الفقر في العقود الاخيرة في عهده رغم بعض الاخطاء والنواقص والمساوئ هو نظام واعدا وقادرا على تقديم مايحتاجوه الجماهير. وبدات العولمة والتجارة الحرة والاستثمار الاجنبي والقدرة على الوصول والتاثير على ابعد زاوية من زوايا العالم وربطها بالنظام المالي العالمي مربحا بالنسبة للجميع ابتداءا من المستثمرين في وولستريت الى اصحاب احدث الابتكارات في سليكون فالي في كاليفورنيا الى ابسط عامل في اي مصنع من مصانع المدن الصينية الواقعة تحت الارض او مواطني المدن والقرى النائية في افريقا التي وجدت الصين مادة خامة او معدنا من المعادن فيها. لم يكن مناصروا الرأسمالية بحاجة للجدال بصدد مشروعية النظام الرأسمالي .ولكن هذه النظرة الى الازمة الحالية و لواقع النظام الرأسمالي والى ماركس والماركسية كان سطحيا الى ابعد الحدود وقد تبين ذلك بشكل جلي منذ 2007.
لا الازمة الاقتصادية الحالية ظهرت فجأة ولا الماركسية اثبتت فشلها ولا النظام الرأسمالي هو ذلك النظام العظيم الذي يتحدثون عنه. ان خبراء الاقتصاد وقادة البرجوازية اما فشلوا في توقع هذه الازمة نتيجة قصر فهمهم للنظام ام انهم حاولوا اخفاء الحقيقة عن الجماهير. ورغم الحديث المستمر عن بوادر لانقشاء الاوضاع والخروج من الازمة كل الدلائل تدل على ان الازمة تتعمق يوم بعد يوم. من الواضح ان المبشرين بانتهاء الازمة قريبا هم اما من الحمقى الذين لايعرفون شيئا عن اليات عمل النظام الرأسمالي او انهم بصدد تضليل الناس من اجل مكاسب انية انتخابية او غيرها. ان اي انفراج في مكان او قطاع يعني ببساطة ان البرجوازية قد تمكنت ولو مؤقتا نقل الازمة الى بقعة جغرافية اخرى او قطاع اقتصادي اخر.
النظام الرأسمالي الذي وصف بانه نظام ناجح وقادر على التأقلم والتغلب على ازماته قد غاص في ازمة اقتصادية عميقة تأبى ان تزول الى جانب الازمة البيئية الخطيرة والكثير من الازمات الاجتماعية الناتجة عن اغتراب الانسان والازمات السياسية واحتمالات نشوب حروب مدمرة. ونفس هذه الازمة الاقتصادية بينت ان كل ما قاله ماركس عن النظام الرأسمالي هو صحيح.
لقد قال ماركس ان النظام الرأسمالي بطبيعته نظام غير عادل واستغلالي و غير مستقر الى حد كبير ولايلبي حاجاة الغالبية في المجتمع وغير كفوء وقمعي، ويحتوي على الكثير من التناقضات،و يدمر نفسه. واليوم نجد صحة كل هذه الاحكام بشكل قاطع.
لقد جادل ماركس يوم كانت البرجوازية الثورية ايام الثورة الفرنسية ترفع شعار "العدالة، المساواة ،الاخوة" بان النظام الرأسمالي لن يحقق هذا الشعار بل سيخلق نظام مستند على عدم مساواة مثله مثل النظام الاقطاعي. لقد قال بان النظام سوف يؤدي بشكل حتمي الى افقار الاغلبية الساهقة من الجماهير وتركيز ثروة العالم في ايدي اقلية قليلة مما سيؤدي الى الازمات الاقتصادية واشتداد الصراع بين البرجوازية والطبقة العاملة. لقد كتب ماركس " ان تراكم الثروة في جهة يعني في نفس الوقت تراكم البوس،والشقاء،والعبودية، والجهل، والقسوة، والانحطاط الفكري في الجهة المقابلة".
فبصدد قول ماركس بان النظام الرأسمالي لا يلبي حاجات ورغبات الغالبية في المجتمع فان احصاءات مؤسسات النظام نفسه مثل البنك الدولي هي افضل دليل على هذه الححقيقة. ان الحرمان بلغ مديات خيالة وخاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار القوة الانتاجية الهائلة والثروة المتراكمة على المستوى العالمي. يكفي ان نعرف ان 1.4 مليار انسان يعيش تحت خطر الفقر ويوجد 100 مليون طفل من اطفال الشوارع حول العالم وان 22000 طفل يموت يوميا نتيجة الفقر.
ان التفاوت الطبقي في النظام الرأسمالي وصل الى حدود مذهلة والفجوة بين الاغنياء والفقراء قد وصلت الى ارقام خيالية والبرجوازية تزداد غنى والطبقة العاملة تزداد فقرا. ففي الولايات المتحدة مثلا، ان نسبة صغيرة من السكان ( حوالي 10%) تمتلك 90% من الممتلكات المالية والعقارية في المجتمع. ان اغنى 400 فرد في الولايات المتحدة معا لهم من الثروة مايعادل ثروة افقر 150 مليون انسان في نفس البلد. ان اغنى 1% من الاسر في سنة 2000 كان لهم تقريبا نفس الحصة من الدخل الوطني الامريكي ما يعادل دخل افقر 60% من السكان. ان معدل الاجر الحقيقي ( مقاس بالقوة الشرائية) للعامل الامريكي اليوم هو اقل مما كان عليه قبل اربعين سنة اي عام 1973 رغم ان انتاجية العامل ازدادت سنويا بدون انقطاع كل تلك الفترة. وازدياد الفجوة بين القوة الانتاجية والاجور يعني ان الطبقة العاملة لاتحصل على حصتها من الثروة الناتجة عن تطور البشرية حتى بمقايس الرأسمالية ماقبل مرحلة الامبريالية نفسها. ان ازدياد الفجوة بين الاغنياء والفقراء لاتحدث في العالم الصناعي الذي يعاني من نمو بطئ والغارق في الديون فقط بل حتى في الدول التي تشهد نموا سريعا. بل ان الفجوة بين الاغنياء والفقراء هي اسوا في دول مثل الصين والهند والدول الاخرى التي تسمى بالاقتصاديات الصاعدة.


لقد قال ماركس ان النظام الرأسمالي نظام غير مستقر اذ يمر باستمرار بدورات اقتصادية تشهد فترات ازدهار يعقبها فترات انكماش وركود اقتصادي. فكل 3-7 سنوات يمر النظام بدورة اقتصادية من تلك الدورات . شهدنا في الثمانيات ازمة السندات، تلتها في التسعينات مايسمى بازمة دوت كوم ثم ازمة دول جنوب شرق اسيا ومن ثم الازمة الحالية. هذا عدا الازمات المحلية التي تضرب باستمرار الدول المختلفة. وكل ازمة من هذه الازمات تعني للملايين من البشر معاناة وماسي لاتحصى. لقد كان مناصروا النظام يتفاخرون بان النظام تمكن من رفع الملايين من سكان العالم من الفقر. رغم ان هذا الادعاء كان ادعاءا مخادعا حيث ان التحسن الطفيف الذي طرأ على حياة الملايين في الدول المستقبلة للرأسمال مثل الصين والهند وفيتنام وكمبوديا وغيرها رافقه تدمير لحياة الملايين ،وان كان عددهم اقل، من الذين عاشوا حياة مرفهة في الدول المتقدمة. الا ان منذ الازمة الاقتصادية الملايين انزلقوا مرة الاخرى الى وضع الفقر والافاق المستقبلية القاتمة.
وقال ماركس ان النظام الرأسمالي غير كفوء. ان هذه الحقيقة اوضح اليوم اكثر من اي وقت اخر. فبالاضافة الى التدمير الناتج من الازمات الاقتصادية المتتالية هناك اليوم بعض الدلائل التي تبين عدم الكفاءة هذه بشكل اكبر. ففي الولايات المتحدة التي تمثل المركز المثالي لهذا النظام اكثر من 20% من وسائل الانتاج لاتستعمل وهي كما يقول الماركسي ريجارد وللف تراكم الصدأ والغبار في وقت ان الملايين من الامريكين عاطلين عن العمل او مرغمون للعمل في اعمال جزئية وهناك حاجات انسانية هائلة حيث ان 50 مليون انسان في هذا البلد يعيشون في فقر وهذا يحدث لسبب بسيط وهو ان ما من راسمالي يجد فرصة لتحقيق الربح من خلال تشغيل وسائل الانتاج تلك. وهناك الملايين من العمال الذين لايعملون في اختصاصاتهم و لا يستخدمون كفائاتهم كما يسرح يوميا المئات بل الالاف من العمال من مختلف الكفاءات لان الرأسمال يجد ان مصلحته تقتضي غلق مشاريع في الدول المتقدمة ونقل عملية الانتاج الى دول اخرى مثل الصين والهند وكل ما يرافق هذه العملية من تدمير مادي ومعنوي هائل والعشرات من الامثلة الاخرى على عدم الكفاءة و هدر الطاقات.
لقد انتقلت مقادير هائلة من الرأسمال من الولايات المتحدة واوربا واليابان الى الصين لان الاجور كانت منخفضة جدا بحيث حولت الصين الى مركز العالم الصناعي وهذا ادى في فترة ثلاثة عقود الى انتقال الملايين من الفلاحين من القرى الى المدن للالتحاق بالطبقة العاملة في حين ان هذه العملية اخذت قرون في اوربا. ولكن اليوم الاجور في الصين في ارتفاع بالمقارنة بدول اخرى بحيث ان اجر العامل الصيني الذي يعمل في صناعة السيارات مثلا هو 333 دولار امريكي في الشهر وهو ربع الاجر في الولايات المتحدة. بينما اجر العامل في فيتنام هو 111 دولار في الشهر وكمبوديا هو 82 دولار واندونيسيا والفلبيين هو 78 دولار ولذلك فان الرأسمال بدا بالانتقال الى تلك الدول بدلا من الصين وهناك احتمال انتقال الرأسمال من الصين الى تلك الدول وعندها سيكون الملايين في الصين في مازق. ويقوم الرأسمال بتحميل المواد واجزاء البضائع في سفن و شحنها من المجتمعات المتقدمة الى الصين والدول الاخرى من اجا تجميعها ومن ثم شحن البضائع المصنعة مرة اخرى الى الدول الاصلية التي تستهلكها لانه يجد هذه العملية اكثر مربحية من تجميع البضائع في الدول المتقدمة نفسها مع كل مايتضمن هذا الامر من عدم كفاءة وهدر في الطاقة.
وقال ماركس بان النظام الرأسمالي يميل نحو تدمير نفسه. من المعروف ان احد اسباب الازمة الحالية هو ان القوة الانتاجية قد ازدادت بشكل سنوي بسبب التطور التكنلوجي منذ قيام النظام الرأسمالي الا ان النظام تمكن لاسباب تاريخية من الابقاء على الاجور راكدة في العقود الثلاثة – الاربعة الاخيرة اي ان حصة الطبقة العاملة من الثروة التي صنعتها قد بقت على حالها وفي بعض الاحيان تراجعت في حين ان حصة الطبقة البرجوازية قد وصلت الى مديات خيالة. وحيث ان الاجور التي يحصل عليها العمال هي مصدر الكثير من الطلب على البضائع وخاصة غير الكمالية لذا فان هذا الطلب قد اصبح راكدأ ممايؤدي الى الازمات الاقتصادية. ان الحل ضمن حدود النظام الرأسمالي سيكون زيادة الاجور وتدخل الدولة لخلق وظائف جديدة مما سيؤدي الى زيادة الطلب على البضائع والخدمات وبالتالي الى تنشيط الاقتصاد ولكن رد البرجوازية هو زيادة الضرائب على الفقراء، وتقليل الاجور والهجمة على الخدمات واستخدام المال العام في دعم المؤسسات الراسمالية الغنية مثل البنوك وكل هذه الاجراءات تقلل من قدرة الناس على الشراء وهذا يزيد من شدة الازمة.لذا فان رد البرجوازية على الازمة الناتجة عن فقر الطبقة العاملة وتقشفها هو المزيد من التقشف وفرض المزيد من الافقار عليها. لماذا يقومون بتلك الاجراءت بدلا من القيام بما يمكن ان يخفف الازمة الحالية هو ليس الجهل بل ان تلك الاجراءات يفرضها منطق النظام الرأسمالي واليات السوق العمياء التي تخدم مصالح اقلية صغيرة جدا في المجتمع.
ان نفس هذه الحقيقية تؤكد على هراء الادعاءات بصدد ديمقراطية النظام. لقد اصبحت الحكومات والبرلمانات في اكثر الدول "ديمقراطية" في العالم ، رغم انها اساسا ادوات تخدم وتحمي مصالح الطبقة الرأسمالية لعبة ورهينة ليس فقط في يد البرجوازية ككل بل في يد عدد صغير من طواغيت المال و الثروة ايضا وقد اصبح هذا الامر واضحا لقسم كبير من المجتمع. ديمقراطية النظام هي بصدد ديمقراطية اقلية صغيرة غنية وحرية الرأسمال للتنقل واستغلال الطبقة العاملة في اي بقعة من العالم واستغلال وتدمير البيئة. تسمح قوانين النظام الرأسمالي بشكل من الاشكال للاغنياء بشراء اي هيئة منتخبة او اي قرارمن القرارات المهمة التي تتعلق بمصير المجتمع او على الاقل منع صدور اي قرار او قانون ليس في مصلحتهم. ان الشلل السياسي في الولايات المتحدة من وجه نظر البرجوازية نفسها هو افضل مثال على ذلك. من جهة اخرى ان الديمقراطية ليس لها اي وجود في موقع العمل. يقضي الانسان البالغ جزء كبير من حياته في العمل او في التحضير للعمل اوالذهاب والاياب من العمل ولكن رغم هذا فان العامل اي الغالبية العظمى من البشرية يؤمر على اداء عمل معين تحت ظروف معينة لانتاج بضاعة معينة وان يترك في نهاية اليوم انتاج قوته العضلية او الذهنية خلفه لتصبح ملك صاحب وسائل الانتاج ولايكون للعامل اي رأي في سرعة وطريقة الانتاج وظروف العمل ونوع التكنلوجيا المستخدمة ونوع البضاعة المنتجة والسوق المستهدف ومصير المشروع الاقتصادي نفسه وامور كثيرة اخرى.
هذه الازمة الاقتصادية وازدياد الفجوة الاجتماعية قد خلقت استياءا هائلا على النظام الرأسمالي في اكثر الدول الرأسمالية تطورا واستقرارا. و الاستياء في مدن الصناعية الصينية وفي الدول الاخرى المستقبلة للرأسمال العالمي ايضا يصل الى نقطة الغليان حيث ساعات العمل الطويلة وظروف العمل الماساوية ، والغلاء الفاحش، و الاجور القليلة و المتاخرة. والمخيف بالنسبة للطبقة الحاكمة هو ليس مجرد وجود هذه الفجوة وازدياد الغضب على النظام بل ان الطبقة العاملة بدأت تعي هذه الفجوة والتوتر والانقسام الطبقي حيث يعكس في استطلاعات الرأي التي تجرى في مختلف الدول. والعامل بدأ يعي الافاق المظلمة التي تواجهه. لابد ان قسم من عشرات الملايين من العمال الذين نزلو الى شوارع مدريد واثينا وروما ونيقوسيا والمدن الامريكية احتجاجا على خطة التقشف التي تجعل الامور اسوأ، سيبدأ بوضع النظام الرأسمالي تحت طائلة السؤال وربما اخذ النقد الموجه لهذا النظام بجدية.
لذا لقد عاد ماركس بقوة وشبحه يطارد البرجوازية ونظامها الاقتصادي وخبرائها الاقتصاديين. عاد ماركس كمفكر العصر بينما ينزوي مفكرو البرجوازية الى النسيان. لم يعد من السهل في اوضاع مثل اوضاع الازمة الحالية حجب ماركس وافكاره عن الملايين من العمال حول العالم الذين يعانون في اوضاع مأسوية مهما حاولت البرجوازية وماجوريها من اهماله. بالنسبة للملايين من العمال وهم يواجهون اشرس هجمة على مستوى معيشتهم ورفاهيتم وحقوقهم من خلال سياسات التقشف الحالية في وقت كانوا اصلا يعانون تحت وطاة البطالة وتحت خطر فقدان وظائفهم ووطاة ديون خيالية واجورحقيقية رأكدة في بعض الدول منذ عقود لابد ان يعني ماركس والماركسية الكثير. في هذه الاوضاع لايمكن رفض واهمال نقد جدي للنظام الرأسمالي مثل النقد الماركسي بسهولة. ان هذا الاهمال الرسمي المقصود لاكثر النظريات صلة بحياة الانسان المعاصر لايدل على فشل النظرية نفسها بل على خوف مرضي من قبل البرجوازية من هذه النظرية. لايوجد تفسير اخر لهذا الاهمال والانكار لنظرية تحلل من وجه نظر انتقادية النظام الذي يحكم اليوم وليس في مرحلة تاريخية سابقة حياة المليارات من الناس؟
ان اتساع الفجوة بين الفقراء والاغنياء يبرز الصراع الطبقي كمحرك للتاريخ بينما تتحول نظريات مثل " صدام الحضارات" و" نهاية التاريخ" الى فقاءات وقتية. اليوم التوتر بين الرأسمال والطبقة العاملة هو الذي يرسم بشكل او باخر الاحداث الاقتصادية والسياسية حول العالم بدءا من السياسات الاقتصادية في الولايات المتحدة الى اوربا الى الصين وابعد زاوية من زوايا العالم. التوتر الطبقي الذي هو في اشتداد بلغ في المجتمعات المتقدمة درجات تذكر بالتوتر في بداية القرن العشرين قبل الثورة البلشفية. ولكن هناك فرق كبير وهو ان لحد الان ليس هناك حركة قوية تدعو الى قلب النظام واقامة نظام اخر محله بل معظم النضال هو من اجل اصلاح النظام بحيث يكون قابل للتحمل والادامة على المدى الطويل عن طريق توزيع اكثر عدلا للثروة. ولكن هذا الوضع لن يستمر الى الابد عندما يفشل النظام من تحقيق اي نوع من الاصلاح بل ان الطبقة الحاكمة وسياساتها الاقتصادية تزيد الفجوة في الدخل والتوتر الطبقي من خلال شن هجمة على الخدمات الاجتماعية والقضاء على حقوق ومكاسب العمال وعندما تكون الحلول التي تختار لاصلاح الرأسمالية هو المزيد من رأسمالية منفلتة العقال. وعندما تعي البروليتاريا الحقوق الطبقية المشتركة فان احد الخيارات امامها هو قلب النظام الرأسمالي غير العادل واقامة الاشتراكية.
وهناك اصوات داخل الطبقة البرجوازية تقر بان الرأسمالية في شكلها الحالي قد اصبحت بدرجة من عدم العدالة وعدم الاستقرار بحيث تلهب الصراع الطبقي و تواجه خطر الانهيار.