شعاراتُ الرأسمالياتِ البيروقراطية


عبدالله خليفة
2013 / 4 / 6 - 09:09     


لا تستطيع الدول العربية في الوقت الراهن الوصول إلى الرأسمالية الحرة وبرلمانها المنتخب وتداول السلطة، فهي في الزمن التقليدي ومتذبذبة بين الإقطاع والرأسمالية الحديثة.
الدولةُ جسمٌ من الزمن التقليدي أنشأت علاقات رأسمالية في جوانب اقتصادية واجتماعية كثيرة، لكن هذه العلاقات لم تصل إلى جوهر السياسة والسلطة.
طبقةٌ من الرأسماليين الأحرار القادرة على إدارة الدولة وعدم الانحياز للطوائف لم تتشكل، ورأسُ المال خليطٌ بين الأجهزة والشركات الخاصة.
انفصالُ رأس المال عن الدولة لم يتم، وانفصال الدولة عن المذاهب لم يحدث.
بقاءُ الدولة والأحزاب في المذاهب يعني بقاءها في العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والإيديولوجية التقليدية.
نرى هدمَا حتى دولة كبيرة بشكل شبه كامل لم يحقق استقلال الدولة عن الطوائف، والطوائف تعبيرٌ عن تراكم المال من خلال الأشكال التقليدية، مثل استخدام الدولة كأداةٍ لتراكم مالي لدى بعض المنتمين الى مذهب، أو تمتع بعض رجال الدين الكبار بفيض نقدي مهم يضعه المنتجون والتجار المؤمنون بالمذهب لدى هؤلاء.
السيادة في الطائفة سياسياً أو مذهبياً هي سيادة اقتصادية كبيرة، اعتمدت على التبعية وإنشاء علاقات ليس لها علاقة بالانتخاب الديمقراطي، فهي تقوم على العشائرية والطائفية أي تبعية الدم والدين.
ولهذا فإن انفصال رأس المال عن الأشكال السياسية الدينية القسرية العائدة الى زمن العصور الوسطى، وخلقه لمؤسسات سياسية وثقافية واجتماعية مزيلة لعلاقات التبعية القائمة على العشائرية والطائفية، لا تُحدثُ تحولات كبيرة في النسيج الاجتماعي، تتيحُ للناخبين أن يفكروا بشكل ديمقراطي، فهم يُحملون في مواصلات تابعة للمرشحين وتُوضع لهم الأسماء المُراد انتخابها، أو يُوجهون من قبل السلطات المتنفذة.
هناك أناسٌ مستقلون قلة لا يؤثرون في الكتل الشعبية المهيمن عليها والمقادة.
في جوانب الجماعات المعارضة والموالية فهي كذلك تابعة لرأسمالياتٍ حكومية تستخدم نفس الطرق في التحشيد وخلق المؤسسات المُنتخبة غير الديمقراطية، فالشعارات السياسية توضح كيف أن التنظيم المذهبي نشأ بإيعاز خارجي، وتهيمنلا عليه أفكارٌ مقدسة غير قابلة للمناقشة والتعرض لها، كما أن رجال الدين لهم سطوة تحديد القيادة وكيفية عمل التنظيم، وأساليب عمله في كل خطوة مهمة.
والجماعات التي كانت قريبة من التحديث وانساقت مع الجماعات الطائفية كانت هي الأخرى وليدةُ الأنظمة الشمولية وتعرضتْ فيها المناهج الماركسية والقومية والناصرية للذوبان والخضوع للسيطرات الطائفية، وهذا ينطبق أكثر على المشرق العربي.
أما الجماعاتُ الموالية فهي نتاج الطوائف والقوى العليا الرأسمالية البيروقراطية بدرجات محلية أكبر. ولهذا تغدو الليبرالية فيها ضعيفة معبرة عن مصالح أفراد وفئة وليس عن مصالح الطبقة الرأسمالية عامة.
وهذا كله يشير إلى تخلف الرأسماليات في هذه البلدان وعدم تحولها الى رأسمالياتٍ حرة، وعدم قبولها بالعلاقات والأفكار الحرة، ولكنها تريدُ ديمقراطيةً تغدو هي صراعات الطوائف بأقدامها المنغرسة في عالم الإقطاع.
تصير هذه الديمقراطيات محاصصات طائفية، فتقوم الكتلُ المهيمنة على جمهور القبائل والطوائف بشحنِ وسَوق الناخبين للمتنفذين فيها.
ويغدو الصراعُ الطائفي الكبير بين إيران والعرب تعبيراً عن صراع رأسماليتين حكوميتين في قوميتين مختلفتين تحولان البرلمانات الى صراعات سياسية بينهما.
إن مستوى تطور الرأسمالية في كل هذه الدول لم يصل الى التغلغل في البُنى الاجتماعية التقليدية، فقد واجهت هذه البُنى التحولات الديمقراطية الاقتصادية الثقافية طويلاً ورفضت حرية النساء والمفكرين والثقافة واستقلال السلطات وتحول التجار لطبقة رأسمالية حرة، وحريات القوميات في الانفصال عن الدول المركزية الشمولية.
فالكتل الموالية لإيران والكتل الموالية للدول العربية تمثل الانقسام الطائفي السياسي العام بأدوات ديمقراطية شكلية، ولكنها وصلت إلى مستوى الصراع الإقليمي المتخندق في الشعارات المُفصلة على مصالحهِ السياسية الطائفية الاجتماعية.
والإصلاحُ سيبقى مؤجلاً مدة طويلة إلى أن تقوم المجتمعات في داخلها بعمليات التغيير الديمقراطية الاجتماعية تجاه النساء والريفيين وفي القبائل والأجهزة، عبر صعود طبقات وسطى وعاملة تحديثية، يغدو الولاء فيها للمصلحة الطبقية، والبرامج الاجتماعية للطبقات لا للطوائف، ويغدو الأفراد أحراراً لهم أصوات متميزة، ولهذا فإن هذه الدول ستتطور عبر مراحل، بتغييب الطوائف والأفكار التقليدية عن الدول والأحزاب والجماعات الشعبية.