الرأسمال المتاجر: نقد الطبيعة والماهية


محمد عادل زكى
2013 / 4 / 6 - 02:15     

الرأسمال المتاجر: نقد الطبيعة والماهية
"ملاحظات أولية"
----------------------------------
المثل الذى يضربه ماركس، بصدد الرأسمال التجارى، هو باختصار:" لنفترض ان الرأسمال الصناعى الكلى، خلال سنة، 720 ث + 180 م = 900، والقيمة الزائدة = 100%. ومن ثم فإن الناتج = 720 + 180 + 180. فإذا رمزنا لهذا الناتج أو هذا الرأسمال السلعى الذى تم إنتاجه بالرمز (ب) ، فإن ثمن الإنتاج = 1080، ومعدل الربح = 20%". ثم يدخل ماركس، خلسة، 100 جنيه رأسمال تجارى، ويجعل له حصة مماثلة فى الربح بما يتناسب مع حجمه، على الرغم من أن ماركس صرح، وبوضوح، ان رأسمال التاجر لا يسهم فى إنتاج القيمة الزائدة، ولكنه يعود فيقول :" ان رأسمال التاجر يسهم، كمحدد، فى تكوين معدل الربح العام". وذلك حينما يفترض إضافة 100 جنيه، رأسمال تاجر، إلى الرأسمال الصناعى البالغ 900 جنيه، ومن ثم تبلغ حصة الرأسمال التجارى 1 من 10 من القيمة الزائدة البلغة 180، فيحصل على معدل ربح مقداره18%. والواقع أن الربح المتعين تقسيمه على بقية الـ 9 من 10 من الرأسمال الكلى = 162 فقط، وعند تقسيمه على رأسمال 900= 18%. وبذلك فإن الثمن الذى يبيع (ب) به مالكو الرأسمال الصناعى البلغ 900 إلى تجار السلع = 720 ث + 180 م + 162 ق ز = 1062. ولو أضاف التاجر الربح المتوسط البالغ 18، إلى رأسماله البالغ 100، فإنه يبيع السلع بمقدار يساوى 1062 + 18 = 1080، أى يبيعها بموجب ثمن إنتاجها". المصدر نفسه، ص 584. والسؤال هنا: ألم يسهم رأسمال التاجر فى عملية إنتاج القيمة الزائدة، حينما فقد هويته، كرأسمال تجارى، واندمج مع الرأسمال الصناعى؟ إذ ما كانت الإجابة: نعم ساهم رأسمال التاجر فى خلق القيمة الزائدة، فإن تقسيم الرأسمال، حين حساب معدل الربح الوسطى، إلى رأسمال إنتاجى كلى، ورأسمال تجارى، يكون عديم المعنى. فالقانون هو أن الرساميل النشطة فى عملية التداول بصورة مستقلة، لا بد من أن تدر متوسط ربح سنوى شأنه شأن الرساميل الناشطة فى مختلف فروع الإنتاج. فإذ ما در رأسمال تاجر متوسط ربح أعلى من رأسمال صناعى، فإن جزءً من الرأسمال الصناعى يتحول إلى رأسمال تاجر. وإذا در رأسمال التاجر متوسط ربح أدنى، جرت عملية معاكسة، فإن جزءً من رأسمال التاجر يتحول إلى رأسمال صناعى. أى أن المستوى العام لمعدلات الربح الوسطى تكون تقريباً واحدة أيا كان نوع الرأسمال الموظف. أن ماركس، وعلى الرغم من أنه كان يرى أن إنتاج القيمة الزائدة يتم فى حقل الإنتاج المادى، كما يتم فى حقل "الإنتاج غير المادى"، ويضرب على ذلك مثلاً، فى المجلد الأول من "رأس المال"، حين يقول:"... وإذا ذكرنا مثالاً من خارج نطاق الإنتاج المادى، لوجدنا أن المُعلم فى المدرسة يُعد عاملاً منتجاً حين ينهك نفسه أثناء العمل، من أجل إثراء مالك المدرسة، بالإضافة إلى تعليم الأولاد. أما كون مالك المدرسة قد استثمر رأسماله فى مدرسة للتعليم أم فى مصنع لإنتاج المقانق، فذلك لا يغير من الأمر شيئاً..." أى أن ماركس لديه الوعى بأن إنتاج القيمة الزائدة ليس بقاصر على حقل الإنتاج المادى، أى الرأسمال الصناعى، نقول على الرغم من ذلك إلا أنه وجد صعوبة، على ما بدا لى، حينما إنتقل، فى المجلد الثالث، إلى مناقشة الربح التجارى. وبصفة خاصة حين تسأل كيف يُنتج العمال فى قطاع التجارة قيمة زائدة:"ما وضع العمال المأجورين الذين يستخدمهم الرأسمالى التجارى؟" إذ رأى أن العمال فى حقل الإنتاج غير المادى ينتجون قيمة زائدة، وإنما بشكل غير مباشر، إذ بفضل عملهم يحصل الرأسمالى التجارى، أى قطاع الخدمات، على القيمة الزائدة المنتجة فى حقل الإنتاج الصناعى، ويقدم لذلك تفسيرين، الأول: "أن الرأسمال الصناعى ينتج القيمة الزائدة من خلال الاستيلاء مباشرة على عمل الآخرين غير مدفوع الأجر، أما الرأسمال التجارى فانه يستولى على جزء من القيمة الزائدة عن طريق اجبار الرأسمال الصناعى على التنازل عن أحد أجزاء تلك القيمة له". وهذا التفسير غير صحيح؛ لأن الرأسمال التجارى يدخل فى حساب الرأسمال الاجتماعى الكلى، بعد أن يفقد هويته أثناء الإنتاج، ولا ينبغى أن يضللنا تفاوت الدورانات واختلافها من نوع إلى آخر من الرساميل. الثانى: "أن العامل فى قطاع الخدمات لا يخلق قيمة زائدة مباشرة، بل لأنه يساعد فى تقليص تكاليف تحقيق القيمة الزائدة". وهذا التفسير أيضاً غير صحيح؛ فالعامل، فى قطاع الخدمات، لا يقلص ولا يزيد من تكاليف تحقيق القيمة الزائدة، المنتجة فى قطاع الصناعة، وإنما يخلقها فى قطاعه هو. ولا شأن له بقيمة زائدة منتجة فى قطاع آخر. إلا بقدر كون ما ينتجه من قيمة زائدة هو أحد الأجزاء المتساوية من القيمة الزائدة الإجمالية على الصعيد الاجتماعى. وأنا أرى أن التفسيرين، بمثل هذا التشوش، إنما يرجع إلى الطريقة التى تعامل بها ماركس مع الرأسمال التجارى، ومن ثم الربح التجارى، فبعد أن حلل ماركس القوانين الموضوعية التى تحكم عمل النظام الرأسمالى، الصناعى، وجد لزاماً عليه أن يحلل رأسمال، رأه هو، أى ماركس، له طبيعة مختلفة، وهذا غير صحيح، وهو الرأسمال التجارى، وبعد أن استبعد قدرة هذا النوع من الرأسمال على خلق القيمة الزائدة، كان عليه أن يدخله، خلسة، بنصيب فى الإنتاج الصناعى. ومن ثم تعود إليه قيمة زائدة، تصور ماركس انها أنتجت فى حقل الصناعة، وحتى لو كان ذلك صحيحاً من زاوية ما، فإنما أنتجت القيمة الزائدة بفعل دخول الرأسمال التجارى بنصيب فى الدورة الرأسمالية الكلية على الصعيد الاجتماعى. أما وانها خلقت فى المصنع، برساميل صناعية وتجارية، فهو لا يعنى على الاطلاق أن الرأسمال الأخير لم يسهم فى خلق القيمة الزائدة، بل العكس هو الصحيح. ان الارتباك يزول حين يُعاد النظر إلى الرأسمال التجارى كأحد أجزاء الرأسمال الكلى على الصعيد الاجتماعى، من جهة، وحين ننشغل بحقل الرأسمال التجارى، بوصفه السابق، ونحلل كيف تُنتَج القيمة الزائدة بداخله كحقل مستقل فى نفس الوقت، من جهة أخرى. وعلى كل حال ليس من المناسب هنا إلا أن نذكر أننا نمد، بدون إلتواء، القوانين الموضوعية التى تحكم عمل التنظيم الاقتصادى الرأسمالى الصناعى، على القطاع الخدمى. وكما يمكن استخلاص قيمة زائدة من عامل الحديد والصلب، فيمكن، بالمثل ووفقاً لنفس القانون، استخلاص قيمة زائدة من الطبيب الذى يعمل فى أحد المستشفيات طبيباً مأجوراً.