المسألة الراعية بالمغرب وتمركز الرأسمال في الزراعة الجزء 2


امال الحسين
2013 / 3 / 29 - 16:29     

المسألة الراعية بالمغرب وتمركز الرأسمال في الزراعة ـ الجزء 2

كان الهدف المركزي من استعمار بلادنا هو نشر نمط الإنتاج الرأسمالي اقتصاديا وإنشاء نظام تبعي للإمبريالية، مما تطلب تفكيك البنيات الإجتماعية – الإقتصادية ما قبل الرأسمالية التي عمت في المجتمع المغربي، وعلى رأسها الملكية الجماعية للإراضي. واحتلت المسألة الزراعية في السياسية الإستعمارية مركزا هاما تجلى في السياسة الطبقية في المجال الفلاحي عبر تطبيق القوانين الجديدة لاستغلال الأرض، التي كانت ضرورية لنزع ملكية الأراضي الجماعية الزراعية والرعوية والغابوية عبر موقع سلطة الدولة على الأرض، وتحولت الأرض إلى أداة لقهر الفلاحين الذين هبوا لمقاومة الإستعمار، وتحالفت البورجوازية الفرنسية مع البورجوازية الكومبرادورية المحلية والإقطاع ضد الفلاحين وباقي الطبقات الشعبية. فكان لا بد من القضاء على قوة طبقة صغار الفلاحين بتجريدهم من الأرض، وسيلة الإنتاج الوحيدة التي يمتلكونها، وبالتالي دعم الإقطاع وشبه الإقطاع بالبوادي عبر منحه هامش من السلطة السياسية، التي يستعملها للسيطرة على باقي الأراضي وتطبيق القوانين الإستعمارية الجديدة لاستغلالها.

وعمل الإستعمار على السيطرة على أراضي شاسعة خصبة تزيد عن مليون هكتار وفق شروط جديدة للتملك، تعمل على إلغاء الأعراف والتقاليد التي سادت في استغلال الأرض من طرف القبائل والعائلات، وأصبح التملك يتطلب التسجيل والتحفيظ العقاري كشرط أساسي لهوية الملكية العقارية، مما جعل أكثر من 15 مليون هكتار من أراضي الجموع خارج الملكية الجماعية للقبائل لتصبح تحت وصاية الدولة، فتحولت الأرض من أداة إنتاج ثانوية قبل الإستعمار إلى أداة إنتاج أساسية في ظل الوضع القانوني الجديد للملكية. فأصبح الأعيان بالبوادي من المحظوظين حيث باستطاعتهم التملك عبر قوة السلطة التي منحها لهم الإستعمار، فسارعوا إلى الإستحواذ على أراضي شاسعة وضعوا لها وثائق ضمن القانون الجديد تمنحهم ملكية خاصة لهذه الأراضي، جزاء لتعاونهم مع الإستعمار لإخماد ثورة الفلاحين ضد الإمبرياليتين الفرنسية والإسبانية.

هكذا تم اقتطاع مساحات شاسعة من الأراضي الجماعية التي تحولت إلى ملكية خاصة للمعمرين والأعيان من أجل دعم سلطة الإستعمار وقهر ثورة الفلاحين، وتطاولت أيدي الإقطاع لتصل حد السيطرة على الأراضي الخاصة التي يمتلكها الفلاحون الرافضين لدعم الإستعمار، كوسيلة لقمع أية انتفاضة يقوم بها الفلاحون ضد تحالف الكومبرادور والإقطاع والإستعمار. وهكذا نشأت طبقة الفلاحين بدون أرض قدرها الباحث ألبير عياش ما بين 1933 و1952 ب27%، وطبقة الملاكين العقاريين المغاربة الذين يملكون قطعا أرضية تبلغ كل قطعة حوالي 100 هكتار تشكل مساحتها مليوني هكتار، إضافة إلى الملاكين الذين يسيطرون على حوالي أربعة ملايين هكتار وعددهم حوالي 600 ألف. ذلك ما شجع الإقطاع بالبوادي على تقوية سلطته عبر الضريبة الفلاحية وبالتالي تحسين وضعه الإقتصادي بمزيد من السيطرة على المساحات الشاسعة من الأراضي.

لقد أدى تمركز الملكية الخاصة في المجال الزراعي عبر ملكية الأراضي وفق القوانين الإستعمارية الجديدة إلى بروز قوتين ساسيتين – اقتصاديتين، هما الإقطاع (القواد والشيوخ بالبوادي) والملاكين العقاريين المغاربة/المعمرين الجدد، هاتين القوتين تتصارعان فيما بينهما حول الأرض والموقع في السلطة السياسية والإقتصادية، وتشكلان منافسا للإستعمار/المعمرون الفرنسيون وحليفا لهم ضد جماهير الفلاحين، وشكل تطور الموقع الإجتماعي – الإقتصادي لهاتين الطبقتين خطرا على استقرار السلطة الإستعمارية، وذلك نتيجة تضاعف حجم جماهير الفلاحين بدون أرض الذي قد يؤدي إلى ثورة اجتماعية للفلاحين في اتجاه مقاومة الإستعمار السبب الرئيسي في معاناتهم.
لقد حولت السياسة الإستعمارية الفلاحية حياة الفلاحين الصغار عبر اقتطاع مساحات شاسعة من الأراضي الجماعية وتمركزها في أيادي الإقطاع والملاكين العقاريين المغاربة/المعمرون الجدد، فنشأت طبقة العمال بالبوادي/الفلاحين بدون أرض العاملين بالضيعات والمناجم يتم استغلالهم من طرف الرأسمال، الذي يعمل على دعم أعيان السلطة بالبوادي لقهر الفلاحين الصغار الذين يتحولون شيئا فشيئا إلى فلاحين فقراء. فنشأ نمط الإنتاج الالرأسمالي الذي بدأ يتمركز في الزراعة إلى جانب النمط التقليدي الذي يعتبر دعامة للرأسمال، خاصة عبر وضع المرأة الفلاحة في الإنتاج الذي تخدم النظام الرأسمالي عبر قوة عمل المرأة بدون أجر، إضافة إلى وجود العمال الزراعيون والمنجميون بأجور زهيدة، مما يساهم في تراكم الرأسمال المالي على حساب استغلال قوة عمل الطبقة العاملة.

لقد استفاد الرأسمال المالي الإمبريالي في هذا الوضع الذي يوفر له جميع شروط الإستغلال التي توفر أرباحا هائلة، عبر تمركز الرأسمال في الزراعة في اتجاه إنتاج زراعي للتصدير يخدم الرأسمال المركزي العالمي. إضافة إلى الخدمات التي يقدمها الإقطاع للرأسمال عبر سلطته بالبوادي في ظل علاقات الإنتاج التقليدية القريبة من العبودية، والتي توفر مجالا كبيرا من الربح ومجالا واسعا لاستغلال الطبقة العاملة الزراعية بالمشاريع الإستثمارية للمعمرين الفرنسيين والجدد في ظروف شبيهة بالإقطاع، حيث الإقطاع/سلطة القواد والشيوخ ليست فقط ضمن بنيات سلطة سياسية تخدم الإستعمار بل كذلك استمرار علاقات إنتاج تقليدية شبيهة بالعبودبة.
وكان لازدواجية السلطة الإستعمار – الإقطاع التي عاشت البادية المغربية في ظله، أثر كبير في وضع المسألة الزراعية بالمغرب اليوم، فتحولت البادية إلى مركز أسياسي لدعم السلطة المركزية الإستعمار – المخزن، التي خططت للسياسة العامة التبعية للإمبريالية بعد 1956.