المسألة الزاعية بالمغرب وتمركز الرأسمال في الزراعة الجزء 1


امال الحسين
2013 / 3 / 23 - 16:32     

المسألة الزاعية بالمغرب وتمركز الرأسمال في الزراعة ـ الجزء 1

عندما قررنا تأسيس النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين أدركنا جيدا مدى جسامة قضايا ومشاكل المسألة الزراعية بالمغرب، وكانت التجربة الطويل للنضال مع الفلاحين من أجل الحق في الأرض والماء والثروات الطبيعية، انطلاقا من نضال الفلاحين ضحايا سياسة السدود بإوزيون وأولوز وامتداداتها على أراضي الجموع والصراع من أجل السيطرة على الماء، في تخوم حوض سوس وجبال الأطلس الصغير والكبير، أدركنا جيدا أن بلورة نضال نقابي ديمقراطي مستقل للفلاحين يتطلب مزيدا من الصمود أمام العوائق الذاتية والموضوعية التي تعوقه، فكان لا بد من فهم واقع المسألة الزراعية بالمغرب والعوامل المتحكمة في تحولها وتطورها.

فخلال قرن من تدخل الأمبريالية في بلادنا سياسيا واقتصاديا وعسكريا، تحولت الأرض إلى أداة لقهر الفلاحين ووسيلة لإغناء البورجوازية الكومبرادورية، هذا التدخل استهدف استغلال الأرض باعتبارها وسيلة من وسائل الإنتاج. وكان الهدف المركزي للمستعمر هو السيطرة على الأرض وتحويل أساليب الإنتاج التقليدية ذات الأسس الجماعية إلى وسائل عصرية رأسمالية لفرض الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وشكلت مسألة استغلال الأرض جماعيا من طرف الفلاحين هدفا مركزيا للسياسية الإستعمارية من أجل ضرب صفتها الجماعية، عبر ضرب أسس نمط الإنتاج الجماعي العفوي للأراضي السائد في المجتمعات القبائلية. وشكلت البادية المغربية في سياسة المستعمر قطبا اقتصاديا مركزيا يجب التحكم في إنتاجه من أجل بلورة السياسة الرأسمالية في المجال الزراعي.

ومن أجل التحكم في الأراضي الشاسعة سلك الإستعمار القديم اتجاهين أساسيين هما:

ـ السيطرة على بعض الأراضي الخصبة وتفويتها للمعمرين الفرنسيين من أجل الإستثمار الرأسمالي في اتجاه تصدير المنتوج الزراعي.
ـ سن قوانين جديدة لضرب الحق في الملكية الجماعية للأرض والإستغلال الجماعي لها (قوانين 1916 و1919 و1925).

وخلال أربعة عقود من صدور أول قانون يضرب حق الإستغلال الجماعي للأرض من طرف الفلاحين إلى بداية الإستعمار الجديد، إستطاع الإستعمار القديم تركيز أسس نمط الإنتاج الرأسمالي في الزراعة وتقعيده قانونيا. فإلى جانب بقايا الإقطاع ظهر الملاكون العقاريون الكبار المعمرون الجدد والعمال الزراعيون/الفلاحون الذين فقدوا حقهم في الأرض وتحولوا إلى طبقة عاملة زراعية، وتحولت المسألة الزراعية إلى عامل من عوامل السيطرة على السلطة الإقتصادية، عبر الصراع على السلطة السياسية التي تم حسمها لصالح تحالف الإقطاع والكومبرادور في 1956.

وكان للسياسة الفلاحية الطبقية التي وضع الإستعمار القديم أسسها أثر كبير رسم الطريق للمعمرين الجدد لتركيز السيطرة على الأرض، التي أصبحت أحد العوامل المركزية في الصراع الطبقي بالمغرب. فرغم إنشاء مؤسسات صناعية في عهد الإستعمار القديم فإن السياسة الفلاحية هي الموجه الأساسي للإقتصاد، حتى أصبح المغرب بلدا فلاحيا وعبارة عن ضيعة من ضيعات أوربا بالخارجة خاصة الإمبريالية الفرنسية، عبر فرض سياسة القروض/سيطرة الرأسمال المالي وسيادته على توجيه السياسة الإقتصادية للدولة الكومبرادورية في اتجاه مزيد من الإندماج في الإقتصاد الإمبريالي، عبر تمركز الرأسمال في المجال الزراعي الذي تم حسمه عبر سيطرة البورجوازية الكومبرادورية على السلطة السياسية خلال الفترة ما بين 1956 و1960. وتركيز السياسة التبعية واندماج الرأسمال الكومبرادوري بالمراكز العالمية للرأسمال الإمبريالي خدمة للرأسمال المركزي بالغرب وخاصة أمريكا وفرنسا.

إن العمل النقابي الديمقراطي المستقل في أوساط الفلاحين يطرح على المناضلين الفلاحين النقابيين الدراسة العميقة لواقع المسألة الزراعية بالمغرب وتحولاته وتطوراته التي عرفها خلال نصف قرن (1961 – 2010). فكان لا بد أولا من تفسير هذا الواقع تاريخيا وإدماج البعد السياسي –الإقتصادي في هذه الدراسة وتحليل عوامل تحولاته، من أجل بلورة أسس النضال الإقتصاد الكفاحي للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين في اتجاه جماهيرية التنمية الإقتصادية والإجتماعية والثقافية بالبوادي المهمشة. إن ضبط التحولات الطارئة على الزراعة ببلادنا خلال مرحلة تاريخية من النضال الطبقي بالمغرب يشكل أهم الركائز التي يجب أن تعتمده دراسة المسألة الزراعية بالمغرب، دراسة مادية تاريخية تحدد معالم التغيير المنشود للخروج من مظاهر التخلف الذي تعيشه البوادي المغربية، والوقوف على أسباب التهميش التي جمدت حياة جماهير الفلاحين وجعلتهم مجالا للإستغلال وحولت الأرض إلى وسيلة من وسائل قهرهم واغتناء المتحكمين في السياسة والإقتصاد.