الفلسفة الماركسية موقف أخلاقي قبل أن تكون علما...................


غازي الصوراني
2013 / 3 / 12 - 08:35     

سؤال ما هي الماركسية؟ ما زال متداولاً – بهذه الدرجة او تلك من الجدية والوعي أو التراجع أو الارتباك – بين معظم رفاقنا في كافة احزاب وفصائل اليسار العربي، وما زال النقاش حول هذا السؤال محمولاً بالشكوك او اليقين العاطفي البعيد -بمسافة نسبية بين هذا الرفيق او ذاك – عن امتلاك الوعي العقلاني العميق بالمنهجية الماركسية وقوانينها ومقولاتها وجوهرها المادي النقيض للفلسفة المثالية ولكل الأفكار والمفاهيم الغيبية او الميتافيزيقية، ما يعني ان هذه الاحزاب والفصائل تعيش عموماً حالة من الارتباك والارتداد الفكري او فوضى الأفكار، عززت وكرست – حتى اللحظة – نوعاً من التفكك او التراجع في هويتها الفكرية لحساب "هويات" أو أفكار طارئة ليبرالية او توفيقية انتهازية وملتبسة أودينية شكلانية ، أودت بها الى حالة من الهبوط السياسي والمعرفي ارتباطاً بغياب التحليل الطبقي الماركسي لمجريات الصراع والحركة سواء على صعيد النضال الوطني التحرري او على صعيد النضال والصراع الطبقي الداخلي في مجتمعاتنا العربية ، وهنا تتبدى أهمية طرح السؤال مجدداً: ما هي الماركسية؟ وجوابنا الصريح والواضح رغم كل ما يدور من نقاشات موضوعية او مقترحة حول هذا الموضوع، ان الماركسية هي نظرية علمية، بمعنى انها تتكون من مجموعة من القوانين والمقولات والفرضيات، وهي أيضا – وهذا هو المهم- تنطوي على المنهج: أي الطريقة او الأسلوب وهما الأداة الأساسية لكل علم من العلوم، لكن الماركسية ليست "علماً" بالمعنى المعتاد للكلمة ، وإلا لكفى أي انسان أن يدرسها في مدرسة أو جامعة ما ويتخرج بشهادة في "الماركسية" وهو أبعد ما يكون عن الماركسية الجوهرية، على غرار بعض خريجي الجامعات السوفياتية في زمن ما قبل الإنهيار .

فالماركسية قبل أن تكون علماً ، إنما هي موقف أخلاقي بأعمق مفهوم الأخلاق. فهي مبنية على منطلقات أخلاقية هي إعتبار الإنسان ومحيطه الطبيعي أعلى الغايات والقيم، وبالتالي العمل لأجل تحرير البشر الجماعي والفردي من كل أنواع الإضطهاد وتحقيق المساواة بينهم على إختلاف اجناسهم وأعراقهم وألوانهم. ومن ذلك المنطلق الثوري بإمتياز تتبنى الماركسية وجهة كافة المضطهَدين: الطبقة العاملة بوصفها الطبقة المنتِجة غير المالكة والنساء باعتبارهنّ الجنس المضطهد والأمم والشعوب المقهورة، وهلمّ جرّا... وهذه نقطة أساسية في التثقيف الثوري لسبب بديهي هو التالي: قبل أن يتعلّم المناضلون الماركسية كعلم ولكي يستوعبونها حقاً لا بد لهم بادىء ذي بدء أن يتلقنوا منطلقاتها الأخلاقية ويجعلونها منطلقاتهم، وإلا فما قيمة "المناضل" الذي حفظ قرآن الماركسية عن ظهر قلب ولا تزال عادات التعالي الإجتماعي إزاء الأتعس منه حظاً والذكورية والعنصرية والقومجية تخيّم على أطباعه. فما نفع "المادية الديالكتيكية والتاريخية" إذا درسها ذاك "المناضل" وهو لم يتخلص من رواسب تربيته الإجتماعية؟ والمنطلقات الأخلاقية التي ذكرتها لا يمكن دراستها كأي"علم" بل فقط كمبادىء أخلاقية يجب التحقق من فهمها ليس عن طريق المسابقات الخطّية، بل في الممارسة الحياتية اليومية المحمولة بالروح والارادة الثورية.

..