الرأسمالياتُ الحكوميةُ والربيعُ الدامي


عبدالله خليفة
2013 / 3 / 6 - 08:00     


لم تستطعْ الشعوبُ في الشرق أن تتحررَ من الرأسماليات الحكومية الشمولية بسهولة، لكن لم تزل الرأسمالياتُ الكبرى قويةً وتدافع عن خنادقها التي تحاصرُهَا الشعوب.
معركةُ الشعب السوري هي بؤرةُ المشهدِ الحادة الرهيبة.
كانت السيطراتُ على الطبقات العاملة خلال عقود هي العمودُ الفقري لتشكيل رأسماليات غير ديمقراطية ذات ثقافة استبدادية بأشكالٍ ماركسية وإسلامية زائفة.
ووجدت الطبقاتُ العاملةُ نفسَها بلا قيادات، والفئاتُ الصغيرة والفلاحية الكثيفة غير المتمركزة إنتاجاً وتخطيطاً وعقلاً في سوريا لم تبدأ النضالَ الديمقراطي الطويل الدائب، فلم تَحدث تراكماتٌ تمنع هذه المذبحة.
الشكلُ الديني الذي تغلغل في عظام الكادحين هو مضمونُ التيهِ الذي تكوّن في نضال هؤلاء الناس الذين فقدوا بوصلةَ الرؤية الموضوعية، فحين تظهر أشكالُ الوعي الديني الضبابية تكون الجماهيرُ تائهة، تقودها فئات انتهازية تسخرُ المقدسَ لما هو وضيع، وتغدو الأهدافُ ملتبسة، ويلبس الحراميةُ ملابسَ الثوار، ويتم تضييع العلاقات الموضوعية الطبقية التي يمكن تغييرها إلى دخان لغوي، فالقوى الصغيرة الاجتماعية الانتهازية الكثيفة لا تريد للطبقات العاملة أن تتوحد وتؤثر وتصنع تيارات ديمقراطيةً صلبة.
هذا ما فعله الحراميةُ في الثورات الكبرى، حين خدعوا الطبقات العاملة بأن نصرهم وشيك، وانهم هم الحكامُ وموزعو الثروة على أنفسهم، ولكن الإدارات البيروقراطية والعسكرية تنامت وأمسكتْ الخزائن ومفاتيحَ القطاعات العامة.
هذا ما يقرأهُ حراميةُ الثورات المغدورة في روسيا وإيران والصين يخافون من تصاعدِ نمطٍ آخر في الثورات العربية، بأن يظهر الشكلُ الديمقراطي التعددي الحر، وأن تكون القطاعات العامة مراقبة وموجهة من قبل برلمانات منتخبة حقيقية.
ولتضييعِ وعي الطبقات العاملة لابد من استثمار الوعي الديني الضبابي الانتهازي بين جماعة النصرة التي تجعلُ الناسَ ترفضُ الثورة، وتكرِّهَهم في الدين، وبين جماعة الإخوان التي يُمهد لها عبر تزيين وجودهم ونموذجهم من خلال خلق التناقض الحاد بينهم وبين النصرة هذا الشكل الشرس من القتل المماثل للعدو.
جماعاتُ الثوراتِ المغدورة تقومُ بتضييع الوعي الثمين الذي تكوّن، وهو الوعي الديمقراطي العلماني العقلاني، زهرةُ النضالِ المتوجة في تُربِ المذابح.
وهم في مناوراتِهم وحفاظهم على الخزائن المسروقة من الشعوب يوسعون دوائرَ الحرائق، لتمضي النار من بلد إلى آخر.
التشدد في دول الثورات المسروقة خلافاً للدول التي عاشتْ بأشكالِ تطورٍ عادية غير حادة، هو نتاجُ الخوف من الثورات، حيث جرت فيها الثوراتُ الانقلاباتُ بأشكالٍ كاسحة دموية، ولهذا فالناسُ غير قادرين فيها على التعبير والتنظيم والاحتجاج، وهم يكبتون مشاعرهم رغم الظروف السيئة في الاقتصاد والأجور والمساكن والبطالة وارتفاع الأسعار وتدهور العملات ولهذا تخاف الطبقاتُ العليا من انفجارات مماثلة فلم تكون بيئةً سياسية عقلانية.
لكن لديهم قواهم الاستخباراتية التي تراقبُ وتقيس مقاديرَ الحرارة المتصاعدة في الشعوب.
ولهذا يتعاونون على الشعب السوري البطل، وبطبيعة الحال لا يتركون الشعوبَ الأخرى في مساراتِها المستقلة من أجل الترويجِ لنموذجهم الفاشل، أو لعدم وقوف البشر مع الشعب السوري.
تصعيد القوى الدينية المتذبذبة المسيطر عليها هو أمرٌ خطر لأن الوعي الديني المحافظ خداعٌ ومرواغ، وقد تمّ التلاعب بالمقدس فيه، ومن هنا لا حرامَ لديه.
ظهور التيارات العقلانية الديمقراطية العلمانية أمرٌ ممكن وهو أمرٌ حتمي كذلك، لأنها البوصلة في تحديد الطرق الاجتماعية المأمونة، وهي التي تمثل كذلك جذور الأديان والتيارات الإنسانية أيضاً، عبر تلاقي مختلف الطبقات وصراعها السلمي الحضاري التعاوني وحفاظها على ملكياتها العامة والخاصة وعدم إستخدام آراء فوق الواقع وتجارب دموية شمولية تم تجاوزها.