عظمة الراسمالية: دورة الزمان البنيوي للرأسمالية


عذري مازغ
2013 / 3 / 4 - 21:40     

مابين سنة 1992 وسنة 2008 تمخض في جعبة الحزب الشعبي الإسباني ممثل الكادحين من الرأسماليين، تمخض لديه من المال في شكل كرامات ما يفوق 40 مليون يورو، تشكل منها نسبة 71 في المائة عطايا مجهولة المصدر (هذا فقط ما برز للوضوح من معطيات في زمن كتابة هذا المقال ومما أزاحته زوبعة الفضائح المالية بإسبانيا، في كل يوم تظهر معطيات أضخم بكثير من معطيات اليوم الاول، لتظهر شكلا من الترابط البنيوي فيه تتحكم اللوبيات المالية في رسم المعالم السياسية للبلد ضدا على إرادة المنتخبين)، هذا ناهيك عن عطايا وكرامات لأشخاص بعينها حولت بقدرة قادر موظف عادي إلى رأسمالي متميز يملك ملاين اليوروهات خارج بلاد الدونكيشوت، يمثل هذا الحزب إنطلاقا من ابجديات تأسيسه البرجوازية الصغيرة والمتوسطة، وهو بهذا، يمكن بجلاء عظيم أن يكون سندا رائعا لزنابير الفتح الجديد لعشاق الطبقة المتوسطة، إذ يمكن تحليله من تربص عملية التسلق لأشخاص كانوا في وضع فصاروا بقفزة برغوت كائنات رأسمالية ناجحة تماما بشكل يعبر عن الدهشة العظيمة في الإبداع الرأسمالي التي يبشر بها بعض زنابير الهامش الرأسمالي. لكن مشكلة الزنابير بما هم نتاج عقم ثقافي، هي أنه سيظل البرجوازي الصغير صغيرا رغم انتفاخ بطنه حتى الإنفجار، يبقى صغيرا "كبارسيناس" برغم تحوله من موظف مالي يشرف على ميزانية الحزب الشعبي إلى مالك لرصيد بنكي خيالي في بنوك سويسرا، ومالك أيضا لحقول زراعية بالأرجنتين قدرت مساحتها بمساحة عاصمة إسبانيا نفسها ، وهذا جدير تماما بأن يفتح شهية عشاق التسلق الطبقي ليكشفوا لنا عن سحر الإبداع لدى الطبقات المثقفة والعجيبة، هذا التسلق من وضع موظف مالي بسيط إلى سينيور كبير هو فقط أنموذج صغير لعناصر متعددة ساهمت في صناعة زوبعة الفضائح المالية التي عرت بالجلاء العظيم نفسه بنية حزب قاد انتخابات إسبانيا الأخيرة تحت شعار "انقاذ إسبانيا" من الفقاعة المالية ليأتي تدبيره عكسا لبرنامجه الإنتخابي حيث يصبح الإنقاذ إنقاذا للمؤسسات المالية والبنكية على حساب المكتسبات التاريخية للشعب الإسباني، وهو إنقاذ لعب فيه العامل الإيديولوجي والعامل الإقتصادي دور تعليب الوعي الإجتماعي من خلال استناد الإيديولوجي على الإقتصادي، أو الإقتصادي على الإيديولوجي لرسم شكل المعالم السياسية التي يجب أن يتخذه مسار البلد الأوربي، وهو إعادة هيكلة النظام الإقتصادي بشكل يعيد دورة النظام الرأسمالي الذي يشرف على الموت، هذه الصياغة التعليبية اتخذت في الفضاء الإعلامي اليومي المسيطر في ارتباطها بالحراك الإجتماعي شكل إنقاذ النظام السياسي برمته، النظام الوحيد الممكن حسب مجمل التصريحات المتوزعة بين شكلي الحزبين المهيمنين في تاريخ إسبانيا الجديدة: الحزب اليميني الشعبي والحزب الإشتراكي الديموقراطي، الأول يختزل اليمين والآخر يختزل اليسار برمته في عملية توهيم خارقة يقيمها الإثنين، لم تعد بسبب مما راكمه الحزبين على مستوى التدبير طيلة عقود خلت، لم تعد تؤدي دورها الأساسي في استقرار النظام، من حيث هما، برغم من تلك العملية من التناوب، برغم ذاك التقوقع العارم في تمثل أحدهما لليمين والآخر لليسار، وعلى أرض المعطيات الميدانية، برغم كل ذلك، لم يخرجا عن كونهما معا يمثلان وجهين لعملة واحدة، بسبب من أن المهيمن الحقيقي في النظام السياسي هو ما اصبح يعبر عنه أوربيا بالترويكا الأوربية، فالذي يضع الشروط العامة لمسار الدول الأوربية أو الذي يرسم المعالم السياسية للبلد، ليس البرنامج او البرامج السياسية للأحزاب بل هي المؤسسات المالية والشركات الكبيرة المتعددة الجنسية. إن الأحزاب السياسية في اوربا بشكل عام، لا تستطيع أن تنجز سوى هذا الشكل الذي تنجزه الأحزاب عندنا في شمال إفريقيا وبعض دول الشرق الأوسط برغم التفاوت البنيوي في ما بينها، وهو هذا القناع الكبير الذي تسميه الدول والحكومات بالإكراهات المحلية والدولية، وهو الخطاب الذي غلف مرحلة هامة من تاريخ الشعوب في العقدين الآخيرين على أقل تقدير، إنه الإنجاز الوحيد لكل أحزاب العالم المهيمنة وهو المعلمة التي تستند إليها الأحزاب الصاعدة الجديدة والتي التهمتها أيضا أحزاب اليسار التي لم تصل بعد إلى الحكم، حيث أن ماكان به يتحدد اليسار سابقا وهو الموقف التحرري من العلاقات الكولونيالية التي اتخذت في الوقت الراهن شكل التحكم في الأسواق بكل تنوعاتها، أصبح الآن في وهم اليسار نفسه شرط إكراهات اتخذت طابع الضرورة في ما يسمى بالتحديث السياسي وتفجرت عمليا في تفويت وخوصصة المرافق والشركات العمومية وصلت في دول من امريكا اللاتينية واليونان مثلا إلى خوصصة القطاع الأمني (لوح للأمر إبان ثورة التتار الوهابي بليبيا)، أي أن ما كان به يتحدد موقف اليسار إبان حركة التحرر الوطني، أصبح في شروط جديدة من تذويب الطابع الوطني للدولة بشكل عام من خلال تلك العملية من التفويت، ليلعب دورا أساسيا جديدا للنظام الرأسمالي بشكل عام أيضا، هو دور مصاص امان لحماية مصالح الرأسماليين من خلال دورها القمعي من جهة، ومن خلال إعادة هيكلة دورة المسار الرأسمالي نفسها لضمان توالي سيرورتها من خلال التحكم في أطوار بنيتها الزمنية: نعني بالدورة الزمنية هذه مراحل تشكل وإعادة تشكل حركة تنقل الرأسمالية عبر أطوارها الإقتصادية الثلاث : طور الإنتعاش فالركود فالركود الأزمي المزمن، تلعب الدولة في هذه المراحل بما هي مصاص أمان دور ضمان سيرورة هذا الإنتقال الدائري، فعلاقتها بالمواطنين هي علاقة وهمية تجد أساساها في لعبة الديموقراطية التي هي الاخرى تحمل هذا الطابع الدوري التداولي، وهو ايضا طابع شكلاني من خلال تبادل أدوار وهمية بين حزبين (وهو موضوع أيضا يستحق معالجة خاصة بالنظر إلى تحليل قوتهما التي تحيل إلى إشكالية أخرى لها علاقتة بالمؤسسات المالية العمومية او الخاصة، كما لها علاقة ببنية الإنتخاب نفسها من حيث توزيع الأصوات ومن حيث أيضا قوة التفاوض والتساوم السياسي في ما بينها)، نستند في القول بالطابع الوهمي للدولة في علاقتها بالمواطنين إلى تلك العلاقة من تفويت مرافقها العامة إلى شراكات خاصة، يعني الأمر إفراغ الدولة مما يجعلها قوة اقتصادية، إفراغعها من آلياتها الإنتاجية التي تؤمن قوتها المالية بشكل يجعلها قادرة على تأمين حاجات مواطنيها في الصحة والشغل والسكن وما إلى ذلك، وبالتالي إفراغها من المحتوى المادي الذي به تستطيع الأحزاب المنتخبة أن تفي ببرامجها الإنتخابية، وهذا بالتحديد ما يفسر طابع الإكراهات التي تحولت إلى علة تبريرية في يد الأحزاب فعوض أن تحلها كإشكالية، تلجأ إلى تعميقها من خلال عملية الإقتراض أو الخضوع إلى شروط المؤسسات المالية والشركات الكبرى في ما تبلور في هذه العقود الأخيرة وأصبح صيحة السياسة العصرية بكل تلويناتها الفسيفساء: تشجيع الإستثمارات وجلبها، وهو الشعار الذي يحمل ظاهريا أفق الإنتعاش بينما يحمل في العمق ما يرهن الأرض والسماء والماء من خلال الشروط التي تفرضها علاقة الإستثمار نفسها من خلال مايسمى عولمتها انسياقا للتمدد البنيوي للرأسمال،، وهو أيضا الشعار الذي حملته الكثير من الأحزاب اليسارية وهو كما قلنا سابقا ما يحول موقفها من موقف مؤسس على قطع العلاقة الكولونيالية بتعبير مهدي عامل كهوية يسارية إلى موقف يؤيمنها (من اليمين) من حيث هي تحمل هذا الطابع الإنفتاحي نحو ما يسمى بجلب الإستثمارات الذي يعني كسر تلك العلاقة من الممانعة بتكييف القوانين والتشريعات بما يتجاوب مع شروط التمدد أو لنقل للدقة توطين الإستثمارات.. أي هذا الشكل الآخر الذي فيه تتجلى علاقة الهيمنة الإمبريالية، فالعولمة بما هي كوننة العلاقات الرأسمالية من وجهة نظر الرأسمالية تعني أيضا وبشكل تناقضي عملية توطين الرساميل بما يجعلها تحظى بمزايا الإنتاج الوطني المحلي..
لم نفي بعد موضوع دور الدولة كصمام أمان وعلاقة ذلك الدور بالدورة الرأسمالية حقه من التحليل، فانطلاقا مما سبق من عملية إفراغ الدولة من محتواها المادي، المالي بالتحديد، لم يعد يبقى لها في علاقتها بمواطنيها سوى هذا الشكل السلطوي القمعي الذي به تخضع مواطنيها خضوعا تاما لهيمنة المؤسسات الرأسمالية، ويبقى تاليا تصويت المواطنين لبرنامج الأحزاب السياسية هو تصويت شكلاني من حيث أن الحزب السياسي هذا مهما كانت يساريته وإيديولوجيته فهو حين يصل إلى السلطة في إطار النظام الديموقراطي نفسه بالشكل اللبرالي المبهج لأسارير الفوز العظيم، الفوز التاريخي تفخما، لن يجد في الدولة الإمكانيات اللازمة لتنفيذ وعوده، سيجد سلطة الدولة بما هي جهاز قمعي وفقط، وسيستند في احسن الأحوال إلى شرعية التصويت في ممارسة سلطته القمعية وإلى خرافة الإكراهات في ممارسة تشريعاته السياسية، وهي ممارسات من وجهة نظر الناخب، المواطن العادي، ممارسة غير شرعية انطلاقا من ميثاق الإخلال بالوعود، وبالإرتباط بدورة الرأسمال، ومن حيث الدولة مرهونة عمليا للمؤسسات الرأسمالية، اما إذا أراد الحزب المنتخب ان يحقق مشروعه الإنتخابي استنادا إلى شرعية التصويت التي حملته إلى السلطة، فحتما عليه أن يخضع لإكراه التصويت، أن يبدع من داخل الآلية الإنتخابية نفسها واستنادا إلى شرعية التصويت التي حملته إلى السلطة نهجا مختلفا بكسر علاقة هيمنة المؤسسات المالية، وهذا ما فعلته وتفعله الأحزاب اليسارية في امريكا اللاتينية حين تمارس في السلطة ممانعتها السياسية لنظام العولمة من خلال استعادة وتعميم الكثير من القطاعات المنتجة، مع أن هذه الإستعادة، وفي إطار نفس النظام السياسي نفسه استنادا إلى نظام اللعبة السياسية نفسها في شكلها اللبرالي الرأسمالي الفج لا ينتج في الحقيقة سوى خطوة إلى الوراء، أي خطوة إلى ما بعد تذويب الدولة، أي استعادة الشكل التقليدي للدولة الرأسمالية حيث الدولة تلعب دور توفير خدمات عمومية للمواطنين، أي بناء شكل من الرأسمال العمومي يلبي حاجات الوعود الإنتخابية من دون اللجوء أو الخضوع لشروط المؤسسات الرأسمالية الخاصة. أما في إطار البقاء في سياق اللعبة الديموقراطية اللبرالية بالتحديد، فهذا يعني، من خلال نظام التداول الحزبي على السلطة، من خلال تبادل الأدوار في لعبة اليمين اليسار، فهو ينتج بشكل ما إعادة تجديد دورة الرأسمال في طابعها التقليدي أيضا وليس طابعها الآخر الفاحش كما نراه في قلب المركز الرأسمالي، يمكن باختصار كبير الإستنتاج بأن ما يبنيه اليسار الممانع في أمريكا اللاتنية (وليس اليسار الثوري) من خلال تعميم مرافق حيوية (استعادة انتعاش دورة الرأسمال التقليدية) يهدمه اليمين الرأسمالي من خلال إعادة تفويت نفس المرافق في حالة فوزه، وهذا بالتحديد هو مضمون الترقب العارم لدوائر المركز الرأسمالي للإنتخابات العامة في أي بلد من بلدان امريكا اللاتنية ….... يتبع