الاقتصاد الفلسطيني وسبل الخروج من أزماته المستعصية


غازي الصوراني
2013 / 3 / 4 - 18:26     


حديثي عن واقع ومكونات الاقتصاد الفلسطيني وآفاقه ،  هو حديث عن العلاقة الداخلية في مجتمعنا ، يرتكز إلى الأسس النظرية للاقتصاد السياسي الماركسي والاشتراكية والمنهج المادي الجدلي، ويُسَخّرها في تحليل الواقع ، بما يحقق التجسيد المأمول في وحدة النظرية والممارسة في مجرى النضال الديمقراطي والصراع الطبقي لمجابهة مظاهر الاستغلال والإفقار التي تنشأ عن تزايد التراكم الرأسمالي واتساع الفجوة بين القلة من الأثرياء والأغلبية الساحقة من الجماهير، والعمل على توفير عناصر الاستقرار الاقتصادي الفلسطيني على أساس فك التبعية مع الاقتصاد الإسرائيلي وإلغاء بروتوكول باريس، وفي إطار الترابط والتكامل مع الاقتصاد العربي ، وفق أسس التنمية المستقلة والتخطيط الهادفة إلى إلغاء آليات اقتصاد السوق وتحقيق العدالة الاجتماعية بآفاقها الاشتراكية .
ونظراً لتأثير العوامل الاقتصادية على العلاقات السياسية بين الناس والدول، فإنني مع وجهة النظر التي تعرف مبادئ علم الاقتصاد السياسي بأنه الاقتصاد الذي يدرس الجانب الاجتماعي من الإنتاج، أو العلاقات الاجتماعية المرتبطة بالإنتاج والتوزيع، بمعنى أن علم الاقتصاد السياسي هو علم تطور العلاقات الاجتماعية للإنتاج ارتباطاً بتطور العلاقات الاقتصادية بين الناس، ذلك هو فهمنا للظواهر والعمليات الاقتصادية في إطار علاقات الإنتاج الرأسمالي، المحكومة لمعادلة "جماعية الإنتاج والملكية الفردية لوسائل الإنتاج" ، حيث يتجلى الاستغلال أو الاستيلاء على فائض القيمة من العامل لحساب الرأسمالي كمحدد رئيسي للعلاقة بينهما .
وفي مرحلة الإمبريالية تطور شكل ومضمون الاستغلال إلى الاستيلاء على فائض القيمة للشعوب المستعمرة والفقيرة، خاصة في ظروف العولمة الراهنة ، تحقيقاً للمبدأ الأساسي للرأسمالية، الذي يتلخص في التوسع والمنافسة بهدف ضمان أكبر نسبة من الربح (رأس المال ينزف دماً من كل مساماته).
ما يهمني التأكيد عليه في مرحلة العولمة الراهنة ، يتلخص في بشاعة انتزاع الفائض وتعميق انقسام العالم إلى بلدان (مناطق) غنيـة تستحوذ على  85% من الناتج الإجمالي للكرة الأرضية ومناطق فقيرة لا يتجاوز نصيبها 15% ، وتنحصر هذه المناطق في بعض بلدان آسيا وأفريقيا وبلدان الوطن العربي في ظل قيود التبعية والتخلف والخضوع .
وضمن هذه المجموعة ، تندرج فلسطين في أدنى السلم الاقتصادي والتنموي عبر خضوعها لشروط العولمة الإمبريالية من جهة و شروط دولة العدو الصهيوني وقيودها من جهة ثانية .
 
المنطلقات الأساسية للاقتصاد الفلسطيني كما تحددت في القانون الأساسي :
رغم وجود تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة: البطالة، والفقر وفجوة الموارد المحلية، واختلالات هيكلية جذرية وجوهرية في الاقتصاد وسوق العمل المجزأ والمفتت بين الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة وإرث الاحتلال الثقيل، إلا أن المشرع الفلسطيني قد سارع إلى إقرار منهج اقتصاد السوق الحر ، ودون تقدير أو دراسة لإمكانيات التطبيق .
فقد حدد القانون الأساسي منهج الاقتصاد الحر حسب المادة (21) التي نصت على أن: النظام الاقتصادي في فلسطين يقوم على أساس مبادئ وآليات الاقتصاد الحر على الرغم من المعوقات الخارجية والداخلية التي تمنع هذه الآليات من الانتشار والتطور واستغلال الموارد والاستثمار وتحقيق الكفاءة الاقتصادية، ومن بين هذه المعوقات:
أولاً : تقسيم الضفة الغربية بموجب اتفاق طابا عام 1995 إلى مناطق جغرافية ثلاث هي (C, B ,A) على أساسها تم تحديد صلاحيات ومسؤوليات السلطة الفلسطينية في كل منطقة . علماً بان المنطقة (C) وهي تشكل معظم مساحة الضفة الغربية الكلية ليس للسلطة أي صلاحيات مدنية أو أمنية . مما يعني أن السيادة الوطنية الفلسطينية ليست كاملة على الأرض والموارد .
ثانياً: حالة التجزئة والانقسام والتفكك الجغرافي والاقتصادي الداخلي بين الضفة الغربية وقطاع غزة. وهو ما أدى إلى تشكل سوقين بل وحكومتين منفصلتين تماما.
ثالثاً : سيطرة سلطات الاحتلال الإسرائيلي على الحدود والمعابر الخارجية.
رابعاً : تأثر قوى العرض والطلب وجهاز الأسعار في الأراضي الفلسطينية بقوى العرض والطلب والأسعار والسياسات الاقتصادية السائدة في الاقتصاد الإسرائيلي بحكم التبعية (التجارية والمالية والنقدية والعمل ).
فالاقتصاد الفلسطيني يتسم بكونه اقتصاد هش وضعيف ، تابع ومشوه ، ومجزأ ،و مستورد بالدرجة الأولى، ويهيمن عليه الطابع الاستهلاكي- الخدماتي. كما أن القطاع الخاص الرأسمالي في الأراضي الفلسطينية لا هم له سوى الربح على حساب الأهداف الوطنية في معظم الحالات ، حيث يتركز معظم نشاطه في قطاعات التجارة والخدمات والعقار والمصارف والمضاربات المالية والإنشاءات ، ويبتعد كثيرا عن الاستثمار في القطاعات الإنتاجية خاصة الزراعية والصناعية، الأمر الذي أدى إلى تعريض الصناعة الفلسطينية الناشئة للمنافسة الشديدة مع السلع المستوردة خاصة الصينية، ومن ثم تراجع دور الصناعات التحويلية- لاسيما الملابس والأحذية وبعض الصناعات الغذائية- في تشغيل الطاقة الإنتاجية وقدرتها الاستيعابية للأيدي العاملة وتوفير فرص العمل، وتراجع مساهمة الصناعة ككل في الناتج المحلي الإجمالي لحساب المصالح الكومبرادورية والطفيلية .
وفي مثل هذه الأوضاع، من المستحيل أن يقوم اقتصاد السوق الحر، بالعمل على تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتوازنة في حالة الأراضي الفلسطينية اليوم وغداً .
 
ذلك إن تحقيق بعض أهداف التنمية ، تتطلب من قوى اليسار المطالبة بتعديل المادة (21) من القانون الأساسي بحيث تصبح كما يلي: يقوم النظام الاقتصادي في فلسطين على أساس مبادئ الاقتصاد المختلط والتخطيط الذي يضمن تدخل الدولة وملكيتها لوسائل الإنتاج الرئيسية بما يضمن تطبيق مبادئ العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص والضمان الاجتماعي والربط بين مبدأ الاقتصاد الحر ومبدأ التوازن الاجتماعي، أسوة بالبلدان الرأسمالية التي تخلت عن الهيمنة المطلقة لمبادئ الاقتصاد الحر وربطت بينها وبين مبادئ العدالة الاجتماعية والضمانات الاجتماعية والصحية.
 
الأوضاع الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية
 
نظرة على الأوضاع الاقتصادية في الضفة والقطاع :
يتميز الاقتصاد الفلسطيني بخصوصية، تميزه عن باقي اقتصاديات البلدان العربية، فهو محكوم لشروط اتفاق أوسلو و بروتوكول باريس وسياسات وقوانين الدولة الصهيونية التي تتحكم في كافة الموارد الاقتصادية والقطاعات الإنتاجية وغير الإنتاجية، عبر سياسات وأوامر عسكرية، حالت دون تطور أو نمو البنية الاقتصادية... وجاء الانقسام في حزيران 2007 ليكرس المزيد من عوامل التفكيك الاقتصادي علاوة على التفكيك السياسي والاجتماعي ، إلى جانب توليد ومراكمة المزيد من المصالح الخاصة  ذات الطابع الطفيلي من خلال الشرائح الرأسمالية الرثة التي تكاثرت في إطار تجارة الممنوعات والتهريب عبر الانفاق .
وفي مثل هذه الأوضاع، كان من الطبيعي أن تتزايد عوامل الضعف في مكونات الاقتصاد الفلسطيني، علاوة على حصار قطاع غزة وتدمير معظم المنشآت الصناعية والزراعية.
 
نورد فيما يلي، تطورات الأداء الاقتصادي الفلسطيني قبل وأثناء سنوات الحصار والانقسام، تعبر عنها المؤشرات الرئيسية التالية :
1-   إذا كانت الجدوى الاقتصادية تُعَرَّف بأنها قدرة الاقتصاد على استخدام موارده البشرية والمالية وثرواته الطبيعية، كي ينمو ويديم نفسه، ويرتقي بالأوضاع المعيشية للسكان المقيمين بمنطقته، فإنه من المستحيل في الظروف الحالية الحديث عن الجدوى في الضفة الغربية وقطاع غزة، لأنهما لا يشكلان اقتصاداً  واحداً موحداً، إلى جانب أن البروتوكول الاقتصادي كرَّس التبعية الاقتصادية، وظلت السياسة التجارية الفلسطينية مرتبطة بالسياسة التجارية الإسرائيلية.           
    وازداد الوضع سوءاً في ظل الانقسام حيث تعرض جزأي الاقتصاد الفلسطيني، أي الضفة والقطاع، إلى مزيد من التفكك بدلاً من التكامل، الأمر الذي يشكل تحدياً خطراً لمستقبل الدولة الفلسطينية وقابليتها للحياة اقتصادياً، أو توفر السيناريوهات التي تعزز خطط حركة حماس وبعض القوى الخارجية في أن تصبح إقامة دولة فلسطينية أمر مسموح به في القطاع فقط، من دون الضفة، التي يتم دمجها أكثر فأكثر في الاقتصاد الإسرائيلي والأردني في إطار ما يسمى بـ"الخيار الأردني - الكونفدرالية أو الفدرالية أو الدولة العربية المتحدة بجوازي سفر فلسطيني وأردني" أو "التقاسم الوظيفي الإسرائيلي الأردني الفلسطيني"
2-  تسارع النمو الكمي في القطاع الحكومي ، حيث بلغ عدد العاملين في القطاع الحكومي عام 2011، (185) ألف يتبعون لحكومة رام الله  بالإضافة إلى (42) ألف في حكومة حماس .
3-  التناقص المضطرد في قدرة الاقتصاد المحلي الفلسطيني على خلق فرص عمل جديدة وتراجع قدرته على التشغيل واستيعاب العمالة الفلسطينية، الأمر الذي أدى إلى تنامي ظاهرة البطالة بشكليها السافر والمقنع (يدخل إلى سوق العمل الفلسطيني سنوياً حوالي 40 ألف شاب معظمهم من الجامعيين ، ولا تتجاوز قدرة استيعاب السوق أو فرص العمل الجديدة أكثر من 5 ألاف فقط !!).
4-  استمرار ظاهرة العجز الكبير في الميزان التجاري،  فقد بلغ إجمالي قيمة الواردات السلعية المرصودة خلال العام 2011 حوالي 4.5[1] مليار دولار، بارتفاع مقداره نحو 14% عن العام 2010 . أما الصادرات السلعية المرصودة خلال العام 2011 فقد بلغت نحو 759 مليون دولار مقارنة مع 575 مليون دولار خلال العام 2010. وعلى ذلك، وصل عجز الميزان التجاري السلعي إلى 3.7 مليار دولار خلال العام 2011 وهذا يزيد بنسبة 8% مقارنة مع عجز العام 2010 (3.4 مليار دولار).
5-  تنامي الاتجاه لزيادة العون الدولي والإسرائيلي والعربي الرسمي للسلطة ، ما يعني المزيد من التبعية والارتهان السياسي.          
وفي هذا السياق نشير إلى غياب دور المستثمرين الفلسطينيين  في تطوير الاقتصاد الفلسطيني وحل مشكلة البطالة . علماً بأن حجم الاستثمار الفلسطيني في الخارج وفقا  لتقرير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني وسلطة النقد الفلسطينية  قد بلغ العام 2010 نحو 5.3 مليار دولار .
أما حجم الاستثمار الفلسطيني في الاقتصاد الإسرائيلي فيبلغ حوالي  2.5 مليار دولار (صحيفة القدس 7122011)
6-  ارتفاع حجم الدين العام الفلسطيني من 1883 مليون دولار عام 2010 إلى 2213 [2] مليون دولار عام 2011، بما يعني استمرار ارتهان الإنفاق الحكومي التطوري لما يتوفر من عون دولي، سواء كمنح أو قروض .          
7-  الناتج المحلي الإجمالي[3] : ارتفع الناتج المحلي الإجمالي عام 2011 ليصل إلى 6323 مليون دولار حسب الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني ، يتوزع كما يلي : الضفة الغربية 4472.4 مليون دولار بنسبة 70.1% من إجمالي الناتج المحلي ، وقطاع غزة 1850.6 مليون دولار بنسبة 29.9% من الإجمالي ، وبالتالي بلغ الدخل الحقيقي للفرد في الأراضي الفلسطينية المحتلة (عام 2011) 1609 دولار بمعدل 1912 دولار للفرد في الضفة الغربية، و1164 دولار للفرد في قطاع غزة ، مع العلم بان السوق الفلسطيني يسوده نفس مستوى الأسعار السائدة في السوق الإسرائيلي، الذي يبلغ متوسط نصيب الفرد فيه من الناتج القومي الإجمالي 34000 دولار، أي أن نسبة متوسط دخل الفرد في فلسطين تشكل 5.6 % فقط من متوسط دخل الفرد في "إسرائيل" عام 2011.
8-  بلغ خط الفقر المدقع للأسرة الفلسطينية (عام 2011) 1832 شيكل شهرياً ، أي أن معدل الدخل السنوي للأسرة (ضمن خط الفقر المدقع) 5941 دولار ، ومعدل دخل الفرد من هذه الأسرة 990 دولار سنوياً ، وبالتالي معدل الدخل اليومي  للفرد 2.7 دولار، في حين يقدر خط الفقر المتوسط للأسرة المرجعية (المكونة من ستة أفراد، بالغين اثنين وأربعة أطفال) في الأراضي الفلسطينية خلال (عام 2011) حوالي 2800 شيكل، أي ان معدل الدخل السنوي للأسرة (ضمن خط الفقر المتوسط) 9081 دولار ، ومعدل دخل الفرد السنوي 1513 دولار، ومعدل الدخل اليومي للفرد 4.1 دولار .
9-  انخفاض حجم الاستثمار خاصة في قطاع غزة بسبب التدمير الإسرائيلي لمئات المصانع والمنشآت. أما على صعيد الاستثمار والتطوير في المنشات الاقتصادية والإنشاءات والصناعة في الضفة الغربية، يمكن ملاحظة صعود رسمها البياني ضمن سياسات مرسومة لا تخرج عن شروط وقواعد ما يسمى بـ"السلام الاقتصادي" كما طرحه رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بداية عام 2009 ، وهي خطة ستؤدي لعزل الاقتصاد في قطاع غزة عن امتداده في الضفة الفلسطينية ضمن المشهد الغزاوي أو ما يسمى بـ "امارة غزة".
10-   توزعت مساهمة القطاعات الاقتصادية في الناتج الإجمالي (عام 2011 - 6323 مليون دولار) كما يلي: (يسهم قطاع الخدمات والتجارة بنسبة 65% وقطاع الصناعة يساهم بنسبة 12.6% ، قطاع الزراعة 5.5% الانشاءات 11.2% وأخرى 5.7%).
11-  بلغت القوى العاملة عام 2011 : 1059000 عامل ، بنسبة 71% في الضفة الغربية ويبلغ عددهم  751890 (منهم 10% يعملون في إسرائيل والمستوطنات)، وبنسبة 29% في قطاع غزة ، ويبلغ عددهم 307110 . أما بالنسبة لعدد العاملين بالفعل فيبلغ  838 ألف (في الضفة وغزة) موزعين بنسبة 71.2% في الضفة وعددهم 596655 ، وبنسبة 28.8% في قطاع غزة  وعددهم 241345 ، وقد بلغ عدد العاطلين عن العمل (عام 2011) 221 ألف (في الضفة و غزة)، يتوزعون بنسبة 17.6% من مجموع القوى العاملة في الضفة الغربية وعددهم  132332 ، وبنسبة 28.9% في القطاع وعددهم 88755  (من مجموع القوى العاملة في القطاع)... أي أن مجموع الفقراء تحت خط الفقر المدقع كما يلي : 221 ألف عاطل عن العمل ×  معدل إعالة أربعة أفراد لكل منهم  = 884 ألف شخص بنسبة 20.6% من إجمالي السكان في الضفة والقطاع البالغ 4.29 مليون نسمة (1.65 مليون في قطاع غزة 2.64 مليون في الضفة الغربية) ، أما نسبة الفقر المدقع في الضفة فتبلغ 20.0% (وعددهم 529328 فرد) ، ترتفع هذه النسبة في قطاع غزة لتصل إلى 21.6% (وعددهم 355020 فرد).
12-     البطالة : بلغ معدل البطالة في العام 2011 في الأراضي الفلسطينية 20.9% (17.3% في الضفة الغربية و 28.7% في قطاع غزة). ومن أهم مواصفات البطالة في الأراضي الفلسطينية في العام 2011 ما يلي :
·  أنها مرتفعة في أوساط الشباب: بلغ معدل البطالة بين الشباب من الفئة العمرية 15-24 سنة 35.7% (53% للإناث و 32% للذكور). هذا يوحي أن نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل في الأراضي الفلسطينية هم الداخلين الجدد لسوق العمل .
·  أنها متمركزة في أوساط الأقل تعليماً بالنسبة للذكور. فهي تبلغ 22% عند الذكور ذوي تعلم 1-6 سنوات ، بينما 14.9% عند ذوي تعليم 13 سنة فأكثر .
- الأجر وساعات العمل :
وعلى الرغم من ارتفاع متوسط أجر عمال غزة، إلا أن الهوة ين متوسط الأجور في الضفة والقطاع ما زالت واسعة نسبياً (الأجر في القطاع يمثل 70% فقط من متوسط الأجر في الضفة).
 
الحد الأدنى للأجور:
تم إقرار الحد الأدنى للأجور بـ 1,450 شيكل شهريا، و 65 شيكل يوميا ، و 8.5 شيكل للساعة، لكن هناك رأيان متعارضان بالنسبة لمعيار تحديد الحد الأدنى للأجور في الأراضي الفلسطينية[4].
 الأول (ممثلو العمال) يرى أن يتم تحديد الأجر على ضوء تكاليف مستلزمات الحياة الضرورية، والثاني يرى أنه يجب تحديده على ضوء المتغيرات الاقتصادية.
ومن الواضح أن الرأي الأول أو ممثلو العمال يرون ، أن حساب الحد الأدنى للأجر يرتبط بالعلاقة مع المستوى الضروري / المقبول للحياة ، بحيث يتم تحديد الحد الأدنى على ضوء الدخل الأدنى الضروري لحياة الفرد أو على ضوء مستويات خطوط الفقر الوطنية .
وفي هذا السياق، أشير إلى أن خط الفقر الشهري للفرد في "إسرائيل" يبلغ 2,268 شيكل. وخط الفقر الشهري لأسرة من 4 أفراد هو 5,807 شيكل . كما تجدر الإشارة إلى أن الحد الأدنى الفعلي للأجر في إسرائيل الآن هو 4,300 شيكل/شهر.
أما الرأي الثاني (أرباب العمل) : يطالبون بحساب الحد الأدنى للأجر ارتباطاً بالعلاقة مع المتغيرات الاقتصادية، ويرون أيضاً ، أن الحد الأدنى الضروري للحياة يخلط بين السياسة الاجتماعية والسياسة الاقتصادية، والبديل من وجهة نظر أنصار هذه المدرسة هو الانطلاق ليس من خط الفقر للأسرة ولكن من مستوى الأجور الفعلية في السوق ، أي من إنتاجية العمل.
- هيكل النظام المالي الفلسطيني :
يتكون القطاع المالي الفلسطيني من نوعين رئيسين من المؤسسات، المؤسسات الخاضعة لإشراف سلطة النقد الفلسطينية، ممثلة بالمصارف، ومحال ومؤسسات الصرافة، ومؤسسات الإقراض المتخصصة. والمؤسسات الخاضعة لإشراف هيئة سوق رأس المال الفلسطينية، ممثلة بقطاع الأوراق المالية، وشركات التأمين، وشركات تمويل الرهن العقاري، وشركات التأجير التمويلي.
- القطاع المصرفي الفلسطيني[5]:
وصل عدد الفروع والمكاتب في نهاية العام 2011 إلى 226 فرعاً ومكتباً .
سجل صافي موجودات (مطلوبات) المصارف عام 2011 نمواً بنسبة 6.1% مقارنة مع العام 2010. وهذا يعني أن زيادة بنحو 525.8 مليون دولار قد تحققت في موجودات (مطلوبات) المصارف خلال فترة المقارنة، لتصل إلى حوالي 9115.7[6] مليون دولار مع نهاية العام 2011، موزعة كما يلي :
-       27% فيها موزعة لدى البنوك في الخارج .
-       38,2% تسهيلات ائتمانية مباشرة (31% فيا للقطاع العام و 69% للقطاع الخاص).
-       10,3% أرصدة لدى سلطة النقد .
-        3,7 % أرصدة لدى البنوك في فلسطين .
-       5,5% نقدية ومعادن ثمينة .
-        9,1% محفظة الأوراق المالية .
- محال وشركات الصرافة :
في نهاية العام2011 بلغ عدد شركات الصرافة المرخص لها مزاولة المهنة في الأراضي الفلسطينية 292 شركة، منها 248 شركة في الضفة الغربية، و44 شركة في قطاع غزة.
- مؤسسات الإقراض المتخصصة:
عدد المؤسسات التي تزاول نشاط تمويل المشاريع الصغيرة قد بلغ 10 مؤسسات خلال العام 2011، تعمل من خلال 68 فرعاً، وتتولى إدارة محفظة من القروض بلغت حوالي 75.7 مليون دولار ، مرتفعة بنسبة 19% مقارنة مع العام 2010، كما بلغ عدد العملاء الناشطين 43,409 عميل، موزعين بنحو 29,923 عميل في الضفة الغربية و13,208 عميل في قطاع غزة. يذكر أن متوسط حجم القروض لا يتجاوز 1730 دولار للقرض الواحد.
13-   تركيبة القطاعات الاقتصادية حسب الملكية :  القطاع العام والقطاع الخاص :
يتكون الاقتصاد الفلسطيني من قطاعين رئيسين حسب الملكية وهما القطاع العام (الحكومي) والقطاع الخاص.
المساهمة النسبية للقطاعين العام والخاص في التوظيف [7]:
القطاع العام (الحكومي) الفلسطيني أصبح قطاعاً رئيسياً من حيث توظيف (استخدام) قوة العمل، حيث استوعب هذا القطاع 27 % من العاملين في الأراضي الفلسطينية عام 2011، وارتفع إلى 227 ألف موظف عام 2011 (185 ألف يتبعون حكومة رام الله + 42 ألف يتبعون حكومة حماس) أي بزيادة إجمالية بلغت أكثر من 150% بالنسبة إلى عدد العاملين في القطاع العام عام 1997 اللذين لم يتجاوز عددهم 80 ألف موظف.
   أما القطاع الخاص فإنه استوعب القسم الرئيسي من العاملين  نحو (70%) .
على مستوى المنطقة، فإن القطاع العام بات موظفاً رئيسياً أو منافساً للقطاع الخاص في استخدام الأيدي العاملة في قطاع غزة، حيث استوعب القطاع العام  48.0% بينما استوعب القطاع الخاص 52.0% من إجمالي عدد العاملين في قطاع غزة .
 يعود ذلك إلى تراجع دور القطاع الخاص في قطاع غزة نتيجة الحصار وإغلاق سوق العمل الإسرائيلي أمام العمالة الغزية بشكل تام.
في الضفة الغربية ارتفعت نسبة العاملين في القطاع العام، من 14% (1997) إلى 17% (عام 2010).
 
إن استعراضي لهذه الأوضاع وغيرها الكثير، ينطوي على أهمية قصوى من أجل تفعيل دور القوى اليسارية الفلسطينية في مواصلة النضال الديمقراطي والضغط الجماهيري لإنهاء الانقسام والعودة إلى الاحتكام للنظام الأساسي والتعددية الديمقراطية والسلطة التشريعية، بما يمكننا من بلورة رؤية وأسس وطنية تضمن تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية كمحدد رئيسي لحركة ومسار الاقتصاد الفلسطيني الآن وفي المستقبل.
 
سأتناول فيما يلي أهم مكونات الاقتصاد الفلسطيني، المتمثلة في كل من القطاع الزراعي والقطاع الصناعي والقطاع التجاري والخدمات ، والوضع المالي للسلطة خلال عام 2011 ، وموازنة حكومة حماس ، وتجارة الأنفاق .
 
 
 
أولاً  /  القطاع الزراعي:
من أهم القطاعات الإنتاجية في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث يعتمد عليه أكثر من 20% من السكان (الذي يعملون في الزراعة وتربية المواشي / الثروة الحيوانية، وصيد الأسماك)، لكن مساهمته في الناتج الإجمالي لا تتجاوز 6.5%[8] في حين أنه يشغل 11.9% من مجموع العاملين (89500) عامل وعاملة .
 
التعداد الزراعي 2010 [9]:
 
الحيازات الزراعية :
عدد الحيازات الزراعية في الأراضي الفلسطينية بلغ 111,310 حيازات، منها   90,908 حيازات في الضفة الغربية وتشكل ما نسبته% 81.7 ، أما في قطاع غزة فبلغ عدد الحيازات الزراعية 20,402 حيازة، تشكل ما نسبته% 18.3  وذلك خلال العام الزراعي 2009 /2010 .
أما على مستوى فئات المساحة للحيازات الزراعية فنجد أن % 42.2  من الحيازات الزراعية في الأراضي الفلسطينية وبواقع 46,982 حيازة تقع ضمن فئة المساحة الصغيرة )أقل من 3 دونم(، و 23,348 حيازة تقع ضمن فئة المساحة( 3- 5.99 دونم) بنسبة %21.0 ، و 13,456  حيازة بنسبة %12.1   تقع ضمن فئة المساحة (6.0 – 9.99 دونم) و 27520 حيازة أكثر من 10 دونمات.
 
استخدامات الأراضي:
بلغ إجمالي مساحة الحيازات الزراعية في الأراضي الفلسطينية 1,207,061 دونمًا، منها 1,105,146 دونمًا في الضفة الغربية، و 101,915 دونمًا في قطاع غزة وذلك خلال العام الزراعي  2009/2010 .
الثروة الحيوانية[10] :
الأبقار: بلغ عدد الأبقار التي يتم تربيتها في الأراضي الفلسطينية 33,925 رأسًا، منها 24,290 رأسًا في الضفة الغربية و 9,635 رأسًا في قطاع غزة.
الضأن: عدد رؤوس الضأن التي يتم تربيتها في الأراضي الفلسطينية بلغ 567,236 رأسا، منها 505,833 رأسًا في الضفة الغربية، و 61,403 رؤوس في قطاع غزة.
الماعز: عدد رؤوس الماعز التي يتم تربيتها في الأراضي الفلسطينية 219,364 رأسًا، منها 207,214  رأسًا في الضفة الغربية، و 12,150 رأسًا في قطاع غزة.
الجمال: بلغ عدد رؤوس الجمال التي يتم تربيتها في الأراضي الفلسطينية 1,521 رأسًا منها 746 رأسًا في الضفة الغربية و 775 رأسًا في قطاع غزة.
 مزارع الدواجن : بلغ عدد أمهات الدجاج اللاحم في الأراضي الفلسطينية 399.4 ألف طير، وبلغ عدد الدجاج اللاحم 31.1 مليون طير، أما عدد الدجاج البياض فقد بلغ 1.5 مليون طير، فيما بلغ عدد طيور الحبش 521.1 ألف طير منها 274.7 ألف طير ذكور، وذلك خلال العام الزراعي2010/2009.
النحل : بلغ عدد خلايا النحل في الأراضي الفلسطينية 38,216 خلية. بالنسبة لتوزيع الخلايا حسب النوع فقد بلغت35,494  خلية حديثة بنسبة %92.9 ، مقابل 2,722 خلية تقليدية بنسبة %7.1، وذلك كما .2010/10/01
 
أهم المشاكل والعقبات التي تواجه تنمية وتطوير القطاع الزراعي :
         ‌أ-         مصادرة الأراضي، والاغلاقات، والحصار، وشق الطرق الالتفافية، والتجريف، وإعاقة التسويق.
 ‌ب-      غياب التخطيط التنموي للقطاع الزراعي وترابطه مع قطاع الصناعة .
  ‌ج-       ضعف دور مؤسسات الإقراض الزراعي، والبنوك في تقديم الدعم والتسهيلات للمزارعين الفقراء.
   ‌د-        تخلف قطاع التسويق الزراعي، وضعف بنيته التحتية التي تشمل عدم توفر شبكة مواصلات جيدة خاصة بالنسبة للطرق من القرى إلى المدن.
  ‌ه-       هناك مشاكل ذات طابع اقتصادي / اجتماعي ترتبط بتفتت الملكية الذي يؤدي إلى ضعف الإنتاج والإنتاجية، بل وأحيانا الإهمال، نظراً لقلة الإيراد وتدني العائد من الزراعة.
   ‌و-        ضعف الاستثمار في القطاع الزراعي.
   ‌ز-        عدم قيام مشاريع زراعية كبيرة نموذجية ذات تنوع إنتاجي.
  ‌ح-       يعاني القطاع الزراعي في قطاع غزة من مشكلة ارتفاع ملوحة مياه الري واستنزاف المياه الجوفية.
 
وفي ضوء ما تقدم فإنني أؤكد على تطبيق مجموعة من الإجراءات الهادفة إلى تطور القطاع الزراعي نذكر منها ما يلي:
           ‌أ-         ضرورة تعديل الأنماط الإنتاجية بما يتناسب واحتياجات الاستهلاك المحلي.
         ‌ب-      ضرورة إيلاء القطاع الزراعي الفلسطيني اهتماماً أكبر من خلال توفير الأموال اللازمة.
          ‌ج-       العمل على إدخال التقنيات الحديثة.
           ‌د-        العمل على توفير مصادر تمويل وإقراض ضرورية لإقامة مشاريع زراعية نموذجية.
   ‌ه-   ترشيد عملية الرعي، بما يساهم في زيادة أعداد القطيع والارتفاع بالقدرات الإنتاجية من اللحوم الحمراء والحليب ومشتقاته.
          ‌و-        تنمية وتطوير الثروة السمكية.
          ‌ز-       تشجيع المشاريع الريفية الصغيرة المنتجة في مجالات تربية الحيوانات والدواجن.
 
 الموارد المائية : حسب العديد من المصادر الرسمية ، فقد تسبب الجدار العنصري في مصادرة  أكثر من 15% من أراضي الضفة الفلسطينية، وحجز في ذات الوقت أهم الأحواض المائية الفلسطينية في الضفة الغربية من الجهة الغربية للجدار لصالح المحتلين الإسرائيليين واستخداماتهم المختلفة، سواء للزراعة أو للشرب أو للصناعة، الأمر الذي سيؤدي إلى تعطيش الفلسطينيين واتساع ظاهرة التصحر في أرضهم الزراعية.
وفي هذا السياق ، تشير تقارير الجهاز المركزي للإحصاء (2010) إلى أن نسبة حصة الفلسطينيين من مياه الأحواض المائية 15% فقط، بينما حصة الإسرائيليين من هذه الأحواض تشكل النسبة الأوفر حظا والتي تقـدر بـ85%.
إن مصادر المياه الجوفية التي يعتمد عليها 1.7 مليون فلسطيني في غزة تواجه خطر الانهيار، وإيجاد مصادر مياه بديلة، بما في ذلك بناء محطات تحلية المياه.
يصل نصيب الفرد الإسرائيلي السنوي من المياه نحو 1600 مترا مكعبا مقابل 450 مترا مكعبا فقط للفلسطيني.
تم تقدير كمية المياه النقية (المتجددة) المتوفرة في الأرض الفلسطينية بنحو 2.4 مليار متر مكعب سنويًا، حيث تقوم إسرائيل باستغلال نحو 90% من هذه الكمية مقابل 15% فقط للفلسطينيين، (تحتاج الضفة سنوياً إلى 250 مليون متر مكعب، أما قطاع غزة يحتاج إلى 150 مليون متر مكعب ، يستهلك القطاع الزراعي 65% - والاستخدام المنزلي 27% - وقطاع الصناعة 8%) وبالتالي إجبار الفلسطينيين على شراء المياه من شركة المياه الإسرائيلية (ميكروت)، التي أصبحت المصدر الرئيسي للحصـول على المياه للاستخدام المنزلي، حيث بلغت كمية المياه التي تم شراؤها عام 2010 من شركة ميكروت 53 مليون متر مكعب في الضفة الغربية ، مقارنة مع 47 مليون متر مكعب عام 2009.
 
وتتركز مصادر المياه في الضفة الغربية في الخزانات الجوفية الرئيسية التالية :
- الخزان الغربي : ويمتد من جنوب قلقيلية إلى جنوب جنين، وهي منطقة غنية بالمياه العذبة.
- الخزان الشمالي : ويشمل منطقة جنين والمناطق المحيطة بها في الشمال والشرق وهي غنية بالمياه أيضا.
- الخزان الجنوبي : ويمتد تحت القدس و بيت لحم حتى شمال الخليل .
- الينابيع : يبلغ عددها حوالي ( 4000 ) نبع .
- الآبار .
أما في قطاع غزة فإن أهم الخزانات الجوفية فيه وأكبرها وأعذبها، تقع في منطقة المواصي لكن شح مياه الامطار وتزايد ضخ المياه الجوفية ارتباطاً بزيادة السكان، فقد بدأت الملوحة (الكلوريد) تتسرب إلى هذه الخزانات .
 
ثانياً / قطاع الصناعة :
إن تطور الصناعة يشكل العمود الفقري أو جوهر العملية التنموية، لما للتصنيع من دور ريادي في هذه العملية.
 لكن العقبة الكبرى في مواجهة قطاع الصناعة – في الضفة وقطاع غزة – لا تتوقف عند التخلف والتبعية فحسب، كما هو حال البلدان النامية، بل إنها تتجلى بالدرجة الأساسية في الوجود الاحتلالي الصهيوني لبلادنا ، وإلى جانب ذلك يبدو أن الاعتماد على الدول المانحة، وما رافق ذلك من مظاهر الهبوط والتراجع والانقسام وعدم الاستقرار وضعف الدور الفعال للقطاع الخاص، عَمّق شدة الحاجة لمصادر التمويل الخارجية من جهة، وأدى إلى إهمال تطوير القطاعات الإنتاجية وخاصة الصناعة في الضفة والقطاع مع تزايد الارتهان للسوق الإسرائيلي، إلى جانب التدمير شبه الكلي للصناعات في قطاع غزة.
فعلى الرغم من تزايد عدد المؤسسات ذات الصفة الصناعية، إلا أن معدلات النمو ظلت منخفضة في القطاع الصناعي في الضفة والقطاع  قياسا بقطاع الخدمات.
- مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي 12.6% [11]عام 2011 .
- عـدد مؤسسـات القطاع الصناعي: حوالي(15) ألف عام 2011 منها حوالي 4000 منشأة في قطاع غزة .
- التشغيل في القطاع الصناعي: حوالي 11,5% من مجموع العاملين عام 2011 86500 عامل .
آثار الحصار على الصناعة :
  تراجعت مساهمة القطاع الصناعي في الناتج الإجمالي لقطاع غزة، منذ نوفمبر 2007، من حوالي 13% إلى أقل من 5% حسب معظم التقديرات، بسبب إغلاق حوالي 90% من المنشآت العاملة في القطاع الصناعي، حيث أدى ذلك إلى انخفاض أعداد العاملين في القطاع الصناعي في قطاع غزة من 35.000 عامل إلى نحو 4.200 عامل، وإلى حوالي 1500 عامل في منتصف عام 2009.    
وفي هذا السياق، فإنني أشير إلى أن أكثر القطاعات الصناعية تضررا هو قطاع صناعة الأثاث والملابس والنسيج والصناعات الغذائية، إذ انخفضت عدد المنشآت العاملة في قطاع صناعة الأثاث في قطاع غزة من 600 مصنع خلال العام 2005 إلى نحو120 مصنع في يوليو2007 ثم تراجعت إلي أقل من 50 مصنع في يوليو 2009 وانخفض عدد العاملين في صناعة الأثاث من 5,500 عامل إلى نحو 550 عامل في يوليو 2007 ثم تراجع إلي أقل من 200 عامل في يوليو 2009.
 
ثالثاً / قطاع الخدمات :
يغطي قطاع الخدمات في الأراضي الفلسطينية أنشطة تجارة الجملة والتجزئة وأنشطة الفنادق والمطاعم، وأنشطة النقل والاتصالات والتخزين والأنشطة العقارية والايجارية، وأنشطة التعليم، والصحة،  والعمل الاجتماعي، وأنشطة الخدمة الاجتماعية والشخصية الأخرى . (مساهمة في التشغيل حوالي 60%  ما يعادل 451 ألف عامل، أما مساهمة في الناتج الإجمالي 65%)، وفي هذا الجانب أشير إلى أن التجارة (وهي جزء من الخدمات) تستوعب 18% من الأيدي العاملة الفلسطينية (135) ألف عامل وتسهم في الناتج الإجمالي بنسبة 13% .
أشير إلى أهمية قطاع الخدمات في تنشيط الحركة التجارية والسياحية والمعرفية والنقل والمواصلات والاتصالات، بما يعزز الفرص الاستثمارية ، لكن في إطار الترابط مع قطاعي الإنتاج الرئيسيين : الزراعة والصناعة .
وفي هذا السياق، أؤكد على أن السياسة التجارية الفلسطينية والاتفاقيات الاقتصادية المبرمة لم تساعد على توسيع وتنويع قاعدة الإنتاج المحلي، بل أدت لتراجع القدرة التنافسية للمنتجات الفلسطينية أمام الواردات، التي ارتفعت عام 2011 إلى 3027 مليون دولار، والصادرات لم تتجاوز 452 مليون دولار، وبالتالي فإن العجز في الميزان التجاري بلغ 2575 مليون دولار، والسبب في تراكم هذا العجز يعود إلى عدم انتهاج سياسية تجارية فلسطينية لضبط وتقييد الواردات .
- نسبة التجارة الخارجية مع "إسرائيل" وصلت إلى حوالي 77% - 80 % من حجم التجارة الخارجية الفلسطينية خلال السنوات الماضية، تليها دول الاتحاد الأوروبي، ثم الأردن، ثم باقي الدول العربية.
 
 
- خلاصة الوضع المالي للسلطة الفلسطينية خلال العام 2011 [12]:
1.  ظلت الإيرادات العامة للموازنة على مستواها تقريباً بين العامين 2010/2011 (3.2 مليار دولار تقريباً)، هذا على الرغم من انخفاض المساعدات الخارجية بمقدار 23%. والسبب في ذلك يعود إلى ارتفاع الإيرادات المحلية بمقدار 14.5% بين العامين (إلى 2.2 مليار دولار).
2.  جاءت معظم الزيادة في الإيرادات المحلية من الارتفاع في إيرادات المقاصة التي بلغت 1487 مليون دولار في حين أن الإيرادات المحلية (الضريبة والرسوم) بلغت 702 مليون دولار.
3.    ارتفعت حصة الرواتب والأجور من إجمالي الإنفاق الجاري لتصل عام 2011 إلى 1679 مليون دولار.
4.  ارتفع الدين العام (عام 2011) إلى 2,213 مليون دولار (25.2% من الناتج المحلي الإجمالي) مقابل 1,883 مليون (22.6%) في العام 2010.
 
الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية [13]:
يمكن الحديث عن الأزمة المالية للسلطة ضمن خمسة مستويات، هي: 
1.    أزمة خسارة سنوية في الناتج المحلي. 
2.     أزمة مديونية متراكمة مع فوائدها
3.     أزمة العجز الجاري في موازنة السلطة.
4.    "الأزمة بالعدوى"؛ فما يصيب الاقتصاد الإسرائيلي، ينسحب على الاقتصاد الفلسطيني.
5.    "الأزمة الاحتياط"، المتأتية عن تحكَّم "إسرائيل" بالاقتصاد الفلسطيني.
 
يقول الرفيق د.حسين أبو النمل: "حين يتم الحديث عن أزمة مالية غير مسبوقة، لا نكون أمام أزمة تخص عام  2012 حصراً، بل أزمات مرحَّلة تراكمياً منذ 2008 وصولاً لسنة 2012، التي بدأت مع دين يبلغ 1.5 مليار دولار، وفق أرقام رئيس الوزراء، و2.2 مليار وفق معطيات المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار "بكدار". وبذلك، يمكن الحديث (كما يؤكد د.حسين أبو النمل) عن مديونية في سنة 2012 تتراوح من 2.5 - 3 مليارات دولار، باعتبار أن العجز المتوقع يبلغ حوالي مليار دولار وفق تقديرات فياض"[14].
 
وفي هذا الجانب، يوضح د. أبو النمل ، الكلفة التي يدفعها الاقتصاد الفلسطيني سنوياً جراء الاحتلال، فيقول :  ثمة رقم متداول يقول أن خسارة الاقتصاد الفلسطيني سنوياً بسبب الاحتلال، تبلغ 6.8 مليارات دولار، أي أكبر من الناتج المحلي سنة 2012، المقدَّر بحوالي 6 مليارات، أي أنه مقابل كل قرش ينتجه الفلسطيني يخسر ما يساويه جراء الاحتلال.
وبالتالي فإن توفير الناتج المحلي المهدور، يعني توفير دخل وطني مساوٍ تقريباً، مما يعني أيضاً توفير ضريبة دخل للسلطة تبلغ حوالي مليار دولار سنوياً، تعادل المساعدات الخارجية الموعودة.
فبالمقارنة مع "إسرائيل" التي بلغ عدد سكانها عام 2011 نحو 7.8 ملايين نسمة، مع ناتج محلي يتجاوز 244 مليار دولار، يقول د. أبو النمل :  لو تعادلت الإنتاجيتان الفلسطينية والإسرائيلية، فإن 4.17 مليون فلسطيني، يساوون 53.2% من سكان "إسرائيل"؛ يجب أن ينتجوا 130 مليار دولار، التي هي قيمة 53.2% من ناتج "إسرائيل"، لأن الضفة وغزة مدارة منذ 45 سنة من قبلها، مما يفترض تقارب إنتاجية كل منهما لو تعرضتا للتطور الإيجابي نفسه.
بناء عليه، -كما يضيف د. أبو النمل - يمكن القول إن الناتج المحلي الفلسطيني الافتراضي يبلغ 130 مليار دولار، أي 22 ضعف الناتج المحلي الواقعي البالغ حوالي ستة مليارات، أي 4.6% من حجمه الافتراضي. يعني ما تقدم أن خسارة الناتج المحلي الفلسطيني، نتيجة تدني الإنتاجية، تعادل 124 مليار دولار سنوياً.
ولكي يتلافى د. أبو النمل اختلاف شروط الإنتاج في "إسرائيل"، وافتراض صعوبة توفرها للفلسطينيين، يقدم مثلاً ثانياً هو لبنان مع عدد سكان شبيه بعدد سكان أراضي السلطة، وناتج محلي يبلغ حوالي 45 مليار دولار، أي أكثر من سبعة أضعاف الناتج الفلسطيني.
وبالنظر إلى أن دولة العدو الإسرائيلي، تبدي قلقاً شديداً من تطور الأزمة المالية للسلطة إلى حد انهيارها أو لجوئها إلى تحركات أحادية، أو اندلاع انتفاضة ثالثة، أو حصول فوضى. بسبب هذه المخاوف، توجهت بطلب عاجل إلى الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بتحويل مئات ملايين الدولارات إلى السلطة لإنقاذها من الانهيار، علاوة على ما تقدمه من أحوال السلطة المحتجزة لديها.
 
إذاً، تؤكد الوقائع ثانية أن لدى "إسرائيل" قرار فتح وإغلاق صنابير المساعدات الخارجية على السلطة، لمنع الانفجار وليس لحل المشكلة، مما يقتضي من النخبة الاقتصادية الفلسطينية استثمارها فكرياً باتجاه إنهاء الانقسام وتشكيل رؤية تحظى بإجماع وطني يدعو إلى مسار سياسي جديد، هو وضع إنهاء الاحتلال عنواناً وحيداً للحل. غير ذلك، ليس إلا العيش المؤقت بانتظار الانهيار والانفجار.
ذلك يقتضي إجماع القوى السياسية الفلسطينية وتوحدها هو شرط أول لحمل أعباء المرحلة التاريخية المعقدة الراهنة بكل أبعادها الاقتصادية والسياسية .
وبالتالي نحن بحاجة إلى توفير إرادة سياسية وإدراك عميق يصل حدَّ اليقين، بضرورة مغادرة موقع المتلقي إلى موقع المبادر، ليس فيما يخص الأعداء بل الأصدقاء أيضاً، الذين آن لهم أن يعطوا فلسطين حسب حاجتها وكحق لها، لا أن يأخذوا منها بالسياسة ما يعطونه لها بالمال، الذي يبدو "مِنةً" منهم عليها. أي أن تقرر فلسطين ما تريده منهم لا أن يقرروا هم لها، وأن تكون وظيفتهم خدمة فلسطين لا أن تكون في خدمتهم!
 
موازنة "حكومة" حماس :
في ديسمبر 2012 أعلنت حكومة حماس موازنتها لعام 2013 بقيمة إجمالية بلغت 897 مليون دولار، منها 243 مليون دولار إيرادات محلية  أي بنسبة 27% والباقي  قيمته 654 مليون دولار، أي ما يقارب 73% عجز يفترض تغطيته من التبرعات الخارجية .
وفي هذا الجانب، نشير إلى بعض مصادر التمويل الأساسية لحكومة حماس كما يلي :
الأول: إيرادات الضرائب والرسوم الجمركية وغيرها من الرسوم ، والثاني: استغلال أراضي المواصي ( المستوطنات المخلاة ) فـي تنمية القطـاع الـزراعي والحيواني وتربية السمك، والثـالث: التبرعات من حركة الإخوان المسلمين ، والرابع: معونات من قطر والسعودية وغيرها من البلدان العربية والإسلامية .
 
تتكون الموازنة العامة لحكومة حماس أربع بنود هي :
1. الرواتب والأجور وخصص لها مبلغ 449 مليون دولار "  50% " من الموازنة لتغطية رواتب وأجور 42,000 موظف  يمثلون إجمالي الجهاز البيروقراطي لها (الرواتب والأجور لسنة 2012 من حكومة رام الله بلغت 1793 مليون دولار). 
2.   النفقات التشغيلية و هي تغطي مصاريف تشغيل الوزارات وخدمات المياه والكهرباء ومهمات السفر والبريد وتبلغ قيمة  103 مليون دولار "11.48%" من إجمالي النفقات العامة .
3. النفقات التحويلية، و يقصد بها معاشات التقاعد ومخصصات الرعاية الاجتماعية و خصص لها 110 مليون دولار أي نسبة 12.26 % من إجمالي النفقات العامة.
4. النفقات الرأسمالية و التطويرية  وتشمل شراء اصول جديدة وتنفيذ مشاريع تطويرية مثل شق الطرق وبناء المدارس وقد خصص لها مبلغ 235 مليون دولار أي ما نسبته 26%.
 
تحليل الموازنة:
ارتفاع الموازنة المخصصة للأمن  مقابل القطاعات الأخرى .
"خصصت الموازنة  مبلغ 241 مليون دولار ( 30%) من الموازنة لقطاع الأمن و النظام العام في حين خصص مبلغ 281 مليون دولار " 34%"  لعدد من الوزارات الأساسية مجتمعة و هي المالية-الاوقاف-سلطة المياه-المتقاعدون- في حين خصص مبلغ  12 مليون دولار اي ما نسبته 1.5 % للتنمية الاقتصادية. هنا لا يوجد اختلاف كبير مع الحكومة الفلسطينية في رام الله التي تخصص أكثر من 30% منها للأمن. بما يؤكد أن  الأمن هو الاولوية الاهم  لكليهما"[15].
تجارة الأنفاق [16] :
الحديث عن التهريب والأنفاق في مدينة رفح هو حديث عن ظاهرة تاريخية تراكمت واتسعت عبر خبرة التجارب القاسية -مع الهجانة وسلاح الحدود المصري في المرحلة الممتدة من عام 1949-1967 ثم المرحلة التالية من الاحتلال وما تلاها منذ قيام السلطة عام 1994 إلى اليوم- عبر إطار من العلاقات الاجتماعية التراتبية السرية والعلنية في مساحة جغرافية تخطت حدود رفح إلى سيناء في إطار العلاقات والمصالح المشتركة مع قبائلها البدوية ، بصورة عملت على ضمان نجاح عملية التهريب عبر الشريط الحدودي الذي يبلغ طوله حوالي 12 كم وعرضه حوال 700 متر .
وبسبب هذا الحصار والإجراءات المرتبطة به ، لم يكن مستغربا في شيء ، بل كان - وما زال- أمراً طبيعيا أن تتجدد وتتسع عملية بناء الأنفاق التي كان يتوجب على كافة فصائل المقاومة والقوى الوطنية أن تبادر إلى الإشراف عليها وتنظيمها كشكل من أشكال التحدي للحصار وتعزيز صمود المواطنين ، لكن للأسف سرعان ما تحولت الأنفاق إلى تجارة مزدهرة تقدر قيمتها الإجمالية نهاية عام 2012 بحوالي 800 مليون دولار، استخدمت مئات العاطلين عن العمل ، المستعدين للمخاطرة بحياتهم لحساب جماعات التهريب في كل من رفح الفلسطينية والمصرية الذين لم تنقطع علاقتهم بعمليات التهريب ارتباطا بصلاتهم الاجتماعية والعائلية/العشائرية وجماعاتهم المنظمة منذ انفصال رفح المصرية عن الفلسطينية عام 1982 .
ولذلك فإن تهريب البضائع وغيرها -عبر أنفاق رفح- ، هي عملية تختلط الدوافع والأسباب لدى العاملين فيها بصورة مملوءة بالتناقض والمفارقات ، بدءا من أسباب الفقر والحاجة بالمعنى الإنساني وصولا إلى جشع العصابات عبر تهريب كل أنواع السموم والمخدرات مرورا بما بينهما من متنفذين وتجار كبار يتحكمون بالسوق ويحتكرون السلع ويفرضون الغلاء الفاحش ، لا همً لهم سوى تحقيق الحد الأقصى من الأرباح دونما أي اعتبار لأي بعد إنساني أو وطني .
المهم هنا هو انتعاش واتساع وتطوير الخبرات في عملية التهريب التي تحولت إلى صناعة منظمة عبر الأنفاق التي باتت تخضع لقوانين أو أنظمة خاصة بها ، حيث أصبحت الأنفاق مهنة أساسية لأصحابها ومصدراً هاماً للحصول على الثروة ليس فقط من تهريب السلع والبضائع للسوق وإنما أيضا من تهريب الممنوعات بكل أنواعها تحقيقا لمزيد من الربح والثروة ، حيث تشكلت شريحة اجتماعية من أثرياء الأنفاق تمكنوا من مراكمة ثروات هائلة في وقت زمني قصير وأصبح الحديث عن وجود المليونيرات المحدثين من الأنفاق والعقارات بما يزيد عن ألف مليونير في قطاع غزة . ليس لهم علاقة بالمشاريع الاستثمارية المنتجة نظراً لفقدانهم الحد الأدنى من الخبرة أو القيم الوطنية ، فاتجهوا للاستثمار في الأراضي وبناء الشاليهات الباذخة وشراء أحدث السيارات الفارهه ، الأمر الذي أدى إلى انتشاء العديد من أنماط النشاط الاقتصادي الطفيلي ، الترفي التفاخري الباذخ وأسهم في تزايد حالة التراجع في منظومة القيم الأخلاقية والوطنية.
لكن المثير للقلق بالمعنى الاجتماعي والسياسي، إمكانية تزايد انتشار القيم الاجتماعية السالبة على حساب منظومة القيم الوطنية والاجتماعية التكافلية جنباً إلى جنب مع استمرار الانقسام، وبالتالي توفير المزيد من الدوافع للشرائح الاجتماعية الرثة من تجار الأنفاق أو العصابات المنظمة المتخصصة في التهريب رغم كل المخاطر[17] المرافقة لها طالما هي وسيلة لضمان تحقيق الثروات الطارئة وتراكمها الهائل في زمن قياسي قصير ، على الرغم من انتشار السوق السوداء والاحتكارات وتزايد مظاهر الغلاء الفاحش ، وهو أمر طبيعي ارتباطاً بالمصالح الطبقية والخاصة القائمة على الاستغلال في كل الظروف طالما توفرت الإمكانية لذلك في ظل فوضى الأنفاق وفوضى التهريب وفوضى الاحتكارات دون أي شكل من أشكال الرقابة والتقنين بالنسبة لأنواع البضائع أو لنسبة الربح وتحديد الأسعار .
ويبدو أن إدامة عملية التهريب عبر الأنفاق تنطوي على مصالح متنوعة ومنفصلة ، فهناك مصالح لسلطة حماس (وبعض أجهزتها) ارتباطا بالحصار حيث أن معظم أصحاب الأنفاق هم من المقربين من حركة حماس أو من المحسوبين عليها ، ومصالح مصرية (اقتصادية) ، ومصالح أمنية إسرائيلية إلى جانب مصالح مجموعات التهريب الفلسطينية المتشابكة مع كافة الجهات ، وما يعنيه استمرار هذا الوضع من المزيد من الأضرار والانهيار للمصانع والإنتاج المحلي الذي لم يعد قادراً على المنافسة بسبب الارتفاع الهائل في كلفة المواد الأولية المهربة من ناحية ومنافسة سلع الأنفاق من ناحية ثانية .
إذن يمكن القول أن الأنفاق لم تقدم إلا حلاً جزئياً في توفير السلع الضرورية ، لكنها لم تسهم في تخفيف الأعباء عن المواطنين الفقراء بسبب جشع التجار و ارتفاع الأسعار إلى عدة أضعاف ، بحيث أصبحت الأنفاق أداة رئيسية للاستغلال و الاحتكار و الثروات السوداء المتراكمة لدى الشرائح المستفيدة[18] منها ( أصحاب الأنفاق و المهربين – و التجار عموماً و تجار النفط خصوصاً ) الأمر الذي سيؤدي إلى تزايد تفسخ النسيج الاجتماعي بعد أن تفسخ النسيج الوطني و السياسي و غاب تأثير الأهداف أو الأفكار الوطنية الكبرى التوحيدية بسبب استمرار الانقسام السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي في المجتمع الفلسطيني .
وفي ضوء ذلك يمكن القول "ان اقتصاد تجارة الأنفاق يقوض إمكانية بناء وتأسيس اقتصاد منتج يقوم على تعظيم الموارد الذاتية المتوفرة والممكنة، تمهيداً لاقتصاد سوّي يؤسس لمعالجة الخلل القائم في الميزان التجاري، ويعزز إمكانات الاقتصاد المجتمعي المؤسس على تحفيز إنتاج الخبرات المادية من سلع وخدمات من شأنها توفير المقومات المادية لتنمية اقتصادية مستدامة تضع في المقام الأول مكافحة ظاهرتي البطالة والفقر ضمن سياسات اقتصادية مالية وتجارية ونقدية متوازنة تنحو نحو العدالة الاجتماعية، وتضع حداً للعمل غير المنتج والثراء الفاحش والغير مشروع، وتقضي على قيم تجار الموت ليحل محلها قيم التنوير والنهضة تمهيداً للحداثة واللحاق بركب التقدم"[19].
 
المخاطر السياسية والاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن استمرار الانقسام :
بعد مرور أكثر من ستة أعوام على الانقسام ، بات من الواضح أن القوى الرأسمالية بكل شرائحها هي محل منافسة بين حكومتي رام الله وحماس غير الشرعيتين ، حيث تسعى كل منهما إلى استشارة المتنفذين فيها من كبار الرأسماليين في الضفة والقطاع، وإرضائهم عبر تأكيد حرص كل من الحكومتين على مصالحهما، وهو أمر غير مستغرب انطلاقاً من التزام الحكومتين بقواعد وأسس النظام الرأسمالي والسوق الحر، وعند هذه النقطة يمكن تفسير صراعهما على السلطة والمصالح دون ايلاء الأهمية المطلوبة في معالجة الظواهر الاجتماعية الداخلية المتفاقمة، التي تتجسد في اتساع الفجوة –بصورة غير مسبوقة- بين 5% من الشرائح الاجتماعية الرأسمالية العليا، وبين 95% من الشرائح الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة في الضفة وقطاع غزة ومخيمات اللجوء والمنافي، بسبب الحصار والانقسام، بل واستمرار ذلك الصراع بينهما عبر تغذية داخلية وخارجية، حيث نلاحظ تغير شكل وترتيب أنساق القيم المجتمعية، بحيث باتت قيم الثروة والثراء والأنانية والانتهازية وثقافة الاستهلاك تحتل قمة هرم القيم، في حين تأتي قيم النضال السياسي والديمقراطي والشعبي والكفاحي والنقابي ، وقيم الحق والخير والتكافل والدافعية الوطنية في أسفل سلم القيم.
إننا إذن ، أمام حركة متسارعة من تراكم رأس المال الطفيلي القائم على الربح السريع والعمولات والتهريب وغسل الأموال والصفقات ومظاهر البذخ الكمالي التفاخري –الداخلية والخارجية- البعيدة - إلى حد كبير- عن إطار تطور اقتصاد الصمود عبر التخطيط والتنمية والتقشف بعدا شاسعا .
وبالتالي فان التشابك والتداخل العضوي في المصالح بين كافة الشرائح العليا الطفيلية، الكومبرادورية التجارية والصناعية والزراعية والعقارية والمصرفية… الخ، هو تداخل في المصالح الاجتماعية الاقتصادية والسياسية في الضفة وقطاع غزة ذات المنطلق والمصالح الجوهرية المشتركة ،التي يمكن أن تسهم بدورها في تقريب المسافات بين القطبين المتصارعين، سواء عبر أصحاب رؤوس الأموال وطموحاتهم السياسية الجديدة أو عبر ما يسمى بالمستقلين الجدد من أبناء الشرائح "البرجوازية" بكل أنواعها، الطامحين إلى دور سياسي توفيقي أو "معتدل" بصورة انتهازية في ظروف وفرت لهم هذه الإمكانية رغم ان أي منهم لا يملك أي تجربة أو لحظة تاريخية في صفوف الحركة الوطنية، مع ملاحظة الدور الذي يحاول أن يلعبه عدد غير قليل ممن تخلوا عن أحزابهم - اليسارية خصوصاً- لحساب البرنامج السياسي الهابط للسلطة أو عبر منظمات NGO s في مقابل تأمين مصالحهم الانتهازية الخاصة.
إذن نحن في مواجهة خارطة سياسية جديدة، محكومة في مساحة كبيرة منها، بالمصالح الفئوية، إلى جانب الصراع والمنافسة غير المبدئية بين القطبين، وهي كلها عوامل ستسهم في المدى المنظور في زيادة الفجوة على الصعيد الاجتماعي بين المصالح الطبقية للشرائح العليا – في الحكومتين- ، وبين الشرائح الشعبية الفقيرة من العمال والفلاحين والبورجوازية الصغيرة، مع بقاء الحصار والعدوان ومظاهر الدمار والخراب في قطاع غزة ، إلى جانب تفتيت الضفة الغربية عبر الجدار والمستوطنات والحواجز والاعتقالات، واستمرار التفاوض العبثي ومضامينه السياسية الهابطة، كل ذلك أدى إلى تراجع القاعدة الجماهيرية لكل من حركتي فتح وحماس بنسب متفاوتة، بحيث لم تعد هذه القاعدة قائمة على أساس الاقتناع والالتزام الفعلي والموضوعي بالشعارات أو البرامج المطروحة من الفريقين (رغم التباين بينهما) بسبب مظاهر القلق والإحباط واليأس التي تزايدت تراكماتها منذ ما بعد الانقسام ، حيث أن هذه القاعدة الجماهيرية باتت –في الظروف الراهنة- محكومة إلى حد كبير للاحتياجات والمتطلبات الحياتية وسبل العيش المرتبطة بكلا الحكومتين في رام الله وغزة، ما يعني تراجع الولاء للوطن والنضال الوطني التحرري، ومن ثم تراجع الأفكار والأهداف الوطنية التوحيدية في الذهنية الشعبية في أوساط فقراء شعبنا لحساب لقمة العيش، في حين تراجعت هذه الأفكار والأهداف الوطنية في أوساط الطبقات "البرجوازية" والشرائح البيروقراطية العليا لحساب الهبوط بتلك الأهداف وفق متطلبات وشروط التحالف الإمبريالي الصهيوني والنظام العربي بما يضمن مصالحهم الطبقية الأنانية، على حساب مصالح فقراء شعبهم، عبر المزيد من مظاهر الجشع والاستغلال والاحتكارات البشعة .
وفي ضوء هذه الاستنتاجات ، فإن من أولويات وواجبات الفصائل الوطنية الديمقراطية عموماً وفصائل وأحزاب اليسار خصوصاً ، أن تبادر إلى مجابهة هذا الواقع عبر صياغة الأسس والأفكار الاقتصادية التنموية للخروج من هذه الأحوال الاقتصادية المتردية .
 
أفكار أولية مقترحة حول الإستراتيجية الاقتصادية التنموية في نظام فلسطيني ديمقراطي موحد:
   يفترض الحديث عن الإستراتيجية التنموية، وضوحا مؤكدا في معالم المستقبل الاقتصادي لأي بلد من البلدان، وبالتالي فإن تناول موضوع الإستراتيجية التنموية في أرضنا الفلسطينية المحتلة لا تعترضه ضبابية المستقبل وتعقيدات الحاضر، ليس بالنسبة للاقتصاد فحسب، بل تعترضه أيضا إشكالية عدم اليقين بالنسبة للمستقبل السياسي أيضا ارتباطا بالموقف العدواني الإسرائيلي المسنود بدعم أمريكي صريح ومباشر، وبنظام عربي وصل إلى حالة من التبعية والخضوع والتفكك بات يتعامل عبرها مع قضيتنا الفلسطينية وحقوقنا السياسية والاقتصادية كعبء ثقيل على كاهله لم يعد قادرا أو راغبا في التعاطي معه إلا في حدود ما تسمح به السياسة الأمريكية .
لذلك فإنني لا أبالغ في القول إن اقتصادنا الفلسطيني – خاصة في ظروف الانقسام والحصار والتدمير الإسرائيلي بات أكثر ضعفا وانكماشا مما كان عليه من قبل وخاصة في قطاع غزة، الأمر الذي أدى إلى تغييب الوضوح أو التأكيد بالنسبة للمستقبل على الصعيد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي معا، نتيجة للدور الإسرائيلي – الأمريكي على وجه التحديد، ولكننا على ثقة من أن إعادة بناء العلاقات الداخلية الفلسطينية واستعادة وحدة النظام السياسي الفلسطيني التعددي، والتغلب على افة الانقسام الخطير وفق ثوابتنا الوطنية والمجتمعية، وبإرادة وطنية تقوم على المشاركة والتعددية فإننا سنملك بالتأكيد القدرة على تحديد معالم مستقبلنا بوضوح، بدل تكريس انفصال قطاع غزة اقتصادياً وسياسياً عن جناحه الرئيسي في الضفة الفلسطينية التي يعمل تحالف العدو الإسرائيلي الأمريكي على ترك مستقبلها غامضاً بما يعني تفكك وانهيار المشروع الوطني التحرري الديمقراطي الفلسطيني، وهي الغاية الأساسية  لدولة العدو الصهيوني التي تستهدف التبديد السياسي للفلسطينيين، بعد أن بات قيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة نوعاً من الوهم.
صحيح أننا نقر بمسؤولية العدو الصهيوني وحصاره وعدوانه المستمرين، كسبب أساسي من أسباب التراجع والتدهور الاقتصادي إلا أن ذلك لا يعني إغفالنا لدور الانقسام والصراع على المصالح الطبقية والفئوية لحركتي فتح وحماس ، ولدور الممارسات والسياسات الداخلية من قبل حكومتي فتح وحماس غير الشرعيتين طوال الستة أعوام العجاف الماضية ، التي عمقت مظاهر الخلل والهبوط والانحطاط والتفكك السياسي والمجتمعي ، إلى جانب التراجع في كافة القطاعات الإنتاجية وغير الإنتاجية في القطاعين الخاص والعام على حد سواء، بما يستدعي العمل الجاد لخلق ومواصلة حالة جماهيرية شعبية ضاغطة لإنهاء الانقسام واستعادة مقومات الوحدة الوطنية ، بما يمكننا من تفعيل العملية التغييرية الديمقراطية الداخلية التي يجب أن يرتكز محورها أو جانبها الاقتصادي، على المفاهيم والخطوط العامة للإستراتيجية التنموية التي يجب العمل على بلورتها وتبنيها للخروج من هذا المأزق الحاضر إلى المستقبل،وذلك لتحقيق هدفين[20] :
الأول : إيجاد إطار مفهومي يوضح الأولويات الاقتصادية الفلسطينية .
الثاني : تعريف ماهية المراحل المتعاقبة التي من خلالها يمكن تحقيق الأهداف التنموية بأسلوب تدريجي .
على ان ندرك ان الإطار المطلوب ما بعد إنهاء الانقسام " يجب ان يقوم على أساس الأحوال الموضوعية للاقتصاد الفلسطيني، وان يتجه صوب تحقيق الطموحات الفلسطينية الوطنية، آخذين بعين الاعتبار دروس التنمية الهامة في بلدان أخرى من جهة، وبوضوح الأهداف ذات الصلة بالموضوع، لتطوير رؤية تنموية فلسطينية تسلط الضوء على أهداف واحتياجات الجماهير الشعبية الفقيرة، عبر دور مركزي للسلطة من جهة، وللقطاعين الخاص والعام من جهة ثانية، ومن أهم هذه الأهداف : الاهتمام بعملية التحويل البنيوي، والتركيز على تخفيض الهوة في الميزان التجاري، إلى جانب مشاركة كافة المؤسسات والقوى – في السلطة وخارجها – بدور فعال من أجل صياغة إستراتيجية وطنية للتطور التكنولوجي لأهميته القصوى في تطوير الاقتصاد الفلسطيني بكل قطاعاته عموما وقطاع الخدمات خصوصا، وكل ذلك مرهون بإيجاد بيئة داخلية خالية من مظاهر الصراع وعدم الثقة .
وفي هذا السياق أقدم فيما يلي اقتراحاً لمجموعة من الأسس المكونة لهذه الإستراتيجية :-
أولاً : حصر كافة البيانات والمعلومات الخاصة بالموارد الطبيعية والبشرية الفلسطينية عبر فريق وطني اقتصادي متخصص، تمهيدا للسيطرة المباشرة عليها وإدارتها،  كهدف وطني يستحيل بدون تحققه تطبيق أي خطة تنموية فلسطينية
ثانياً : خلق مقومات اقتصاد المقاومة والصمود انسجاماً مع متطلبات هذه المرحلة، وما يعنيه ذلك من العمل الجاد على تطبيق سياسة اقتصاد التقشف أو المخيمات أو المناطق الفقيرة، بكل ما يعنيه من إجراءات تلغي – بعد المحاسبة القانونية- امتلاك أي مواطن أو مسئول لأي شكل من أشكال الثروة الطفيلية غير المشروعة وإلغاء كافة مظاهر الإنفاق الباذخ بكل أشكاله وأنواعه وأساليبه عموما وفي مؤسسات السلطة خصوصا .
ثالثاً : فك الارتباط والتبعية والتكيف مع الاقتصاد الإسرائيلي ووقف هذا التضخم في حجم الواردات، وفرض الرسوم الجمركية العالية على الكماليات المستوردة مقابل تخفيف الرسوم على الواردات الأساسية، ووقف عمليات الاستيراد المباشر وغير المباشر من السوق الإسرائيلي، الأمر الذي يعني إلغاء بروتوكول باريس .
رابعاً : التخطيط التأشيري والمركزي لتفعيل العملية الإنتاجية في الصناعة والزراعة، والعمل على تفعيل العلاقة بين هذين القطاعين بما يخدم تطوير المنتجات الصناعية المعتمدة على الإنتاج الزراعي، وإقرار مشروع القانون الزراعي بهدف تحديد وإرساء إستراتيجية زراعية فلسطينية تتناسب مع أهمية القطاع الزراعي.
خامسا: وضع سياسة تنموية زراعية آنية ومستقبلية تقوم على التخطيط و تفعيل دور مؤسسات الإقراض الزراعي والبنوك لتقديم الدعم للمزارعين الفقراء، وتطوير وتوسيع الأراضي الزراعية وأراضي المراعي والثروة الحيوانية.
سادسا : مراعاة الحفاظ على ثبات الأسعار للسلع الأساسية الضرورية للفقراء ورفع أجور الفئات والشرائح الاجتماعية من ذوي الدخل المحدود.
سابعا : تطوير دور القطاع العام والتعاوني والمختلط بعيداً عن أشكال الاحتكار، بما يدفع إلى توسيع القاعدة الإنتاجية الفلسطينية، والسوق الفلسطيني، على نحو يؤدي إلى إيجاد المزيد من فرص التشغيل المتواضعة، لليد العاملة، في الإنتاج والسوق المحليين من ناحية، ويسهم في ضمان معدلات عالية – نسبيا- من النمو لقطاعي الإنتاج الرئيسيين – الزراعة والصناعة- من ناحية ثانية. وفي هذا السياق فإن من الواجب والضروري، الأخذ بمقترحات البرنامج العام للتنمية الذي أشرف عليه المفكر الاقتصادي الفلسطيني الراحل د.يوسف صايغ، إذ أن هذه المرحلة وضروراتها الاقتصادية-السياسية معا تقتضي من كافة المسئولين في السلطة الأخذ بتلك المقترحات بعد إهمال طويل وغير مبرر لها.
ثامنا : إنشاء وتفعيل المؤسسات الاقتصادية الكبرى في قطاع الصناعة على نمط الشركات الصناعية المساهمة العامة والشركات القابضة والمختلطة بين القطاعين العام والخاص، لمواجهة هذا الضعف في البنية الصناعية ونقلها من طابعها الحرفي-الفردي- العائلي إلى طابعها الإنتاجي العام الكفيل وحده بتطوير القطاعات الإنتاجية في بلادنا.
تاسعا: العمل بكل جديه، وعبر كافة السبل والضغوط السياسية الممكنة، من اجل تفعيل وتوسيع مجال التبادل التجاري الفلسطيني العربي، ووقف احتكار السوق الإسرائيلي لهذه العملية. وكذلك التركيز على فتح سوق العمالة العربي، في مختلف البلدان، أمام العمالة الفلسطينية، الماهرة وغير الماهرة، وفقا لقوانين وأنظمة التشغيل في تلك البلدان، دون أن يؤثر ذلك إطلاقا في هوية الفلسطيني أو يتخذ أي بعد سياسي يتناقض مع حقه في العودة أو الإقامة الدائمة في وطنه، علما بأن السوق العربي في دول الخليج والسعودية يستوعب أكثر من خمسة ملايين عامل أجنبي سنويا.
عاشرا: متابعة تنفيذ البرامج والدراسات والتوصيات المتعددة الخاصة بتفعيل دور رأس المال الفلسطيني في الشتات، رغم وعينا بارتباطه برأس المال العالمي المعولم .
إن هذه الرؤية، أو الخطوط العامة الأولية المقترحة، لا بد لها لكي تملك مقومات التغيير الإيجابي المطلوب، أن تتبنى منهجا علميا، وفلسفة ذات مضمون ديمقراطي، وطني وقومي، تقوم على الإيمان العميق، بوجوب تمتع شعبنا الفلسطيني بحقوقه وحرياته الأساسية وممارسته لها، كمقدمة تؤدي إلى وقف تراكمات الأزمة الراهنة، وتفاقم تناقضاتها المحكومة بثنائية غير منطقية أو منسجمة، تتراوح بين فردية القرار وأحادية الخطاب في السلطة وأجهزتها من جهة، وبين جماعية المعاناة والتضحيات والآمال الكبيرة من جهة ثانية، وبالتالي فإن إلغاء هذه الثنائية المتناقضة، هو سبيلنا الوحيد نحو نظام الحكم الديمقراطي الوطني، العادل والقوي، الممتلك للفهم السليم والواضح لوظيفته الجوهرية بشقيها: الوطني والديمقراطي الداخلي بما يضمن رسم السياسات الإستراتيجية المعبرة عن مصالح جماهير شعبنا، بمثل ما يضمن أيضا، توجيه وزارات ومؤسسات وأجهزة السلطة نحو تحقيق تلك السياسات أو الرؤى في الاقتصاد كما في السياسة، بكفاءة عالية تخدم أهدافنا وثوابتنا الوطنية العامة، بمثل ما تخدم وترتقي بأهدافنا المطلبية الداخلية دون أي انفصام بينهما.
على أن تطبيق هذه الخطة الإستراتيجية، مرهون بعملية تغيير جدي وعميق، بدايتها الأولى إنهاء الانقسام والالتزام بالثوابت الوطنية والسياسية التوحيدية المستندة إلى الديمقراطية ببعديها السياسي والاجتماعي، بما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية والتعددية والحرية، وتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص وسيادة القانون وقواعد المحاسبة ضد أي شكل أو مظهر من مظاهر التفرد أو الصراعات غير المبدئية أو الخلل والفساد من جهة أخرى، إذ أن تطبيق هذين الشرطين في إطار الرؤية الإستراتيجية سيمكننا من الحديث بثقة عن تحقيق أهم ركيزتين من ركائز صمودنا على الصعيد الداخلي همـا :-
1-  ضمان وحدة وتعددية النظام السياسي واستمراه وفق مبادئ حرية الرأي والمعتقد وسيادة القانون، ووقف استخدام السلطة، من قبل الكثير من رموزها، كجسر لجمع وتراكم الثروات الطفيلية غير المشروعة على حساب قوت وحياة الجماهير الشعبية، حيث أدى هذا الاستخدام الأناني البشع التي تراكم العوامل التي دفعت بدورها إلى الصراع الدموي الداخلي ومن ثم الانقسام بين فتح وحماس عبر حكومتين غير شرعيتن في كل منهما، كما أدى إلى فقدان مساحات واسعة من جماهيرنا لدورها وحريتها.
2- تقوية وتعزيز الوحدة السياسية لمجتمعنا وتوفير قدراته على الصمود والمقاومة حتى طرد الاحتلال وتفكيك وإزالة مستوطناته على طريق الحرية والاستقلال وتقير المصير والعودة  والتنمية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية .
أخيراً : إنني أفترض أن هذا الفهم للتنمية يجب أن يشكل أحد المحاور الرئيسية لنشاط و برامج الحركة الوطنية الفلسطينية لأنه المحور المكمل عبر علاقة جدلية ومتصلة لعملية التحرر الوطني والاستقلال  والدولة، فالانهيار الاقتصادي – الاجتماعي الناتج عن استمرار تفكك وانقسام  النظام السياسي الديمقراطي الفلسطيني، واستفحال مظاهر الفساد والاستبداد والهبوط السياسي والتفاوض العبثي وغياب سيادة القانون العادل، يدفع أو يراكم بالضرورة نحو خلـق المزيد من مقومات الانهيار السياسـي والاجتماعي بما يجعل من الفوضى والعشوائية والفلتان الأمني والاقتصادي من ناحية وتزايد تحكم القوى الخارجية (الأمريكية الإسرائيلية) في مستقبلنا من ناحية ثانية، عاملاً مقرراً في أوضاعنا السياسية الاقتصادية المجتمعية، وفي كلا الحالتين يصبح مستقبل شعبنا معلقاً بعوامل لا دخل لإرادة جماهيرنا في تشكيلها أو التأثير فيها، وهذا بالقطع وضع يائس، ما أتعس الأمة التي تجد نفسها فيه .  


[1]  المصدر: المراقب الاقتصادي والاجتماعي - معهد ماس – العدد 28 – حزيران 2012 .
[2] سلطة النقد الفلسطينية - تقرير الاستقرار المالي 2011 - تموز 2012 .
[3] المصدر : الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 2012 ، إحصاءات الحسابات القومية ، رام الله – فلسطين
[4]  سلطة النقد الفلسطينية - تقرير الاستقرار المالي 2011 - تموز 2012 .
[5] المصدر السابق .
[6]  المصدر السابق .
[7] دراسة بعنوان : رؤية بديلة للاقتصاد الفلسطيني – دراسة بحثية – إعداد د.نصر عبدالكريم و د.ماجد صبيح – تشرين الثاني 2010.
[8] المصدر: المراقب الاقتصادي والاجتماعي  - معهد ماس - العدد 30 - تشرين أول 2012 .
[9] كراس التعداد الزراعي – 2010 – الجهاز المركزي للاحصاء – كانون أول / ديسمبر ، 2011
[10] المصدر السابق .
[11] المصدر : المراقب الاقتصادي والاجتماعي - معهد ماس - العدد 28 - حزيران 2012
[12] المصدر: المراقب الاقتصادي والاجتماعي - معهد ماس - العدد 30 - تشرين أول 2012 .
[13]  د. حسين أبو النمل - موقع الزيتونة - التقدير استراتيجي (48): أزمة المالية العامة الفلسطينية: مداواة العرَض وإبقاء المرَض! - أيلول/سبتمبر 2012 .
[14] المصدر السابق - د.حسين أبو النمل .
[15] عمر شعبان - مقال بعنوان: حول موازنة حكومة حماس ... خطوة صغيرة في طريق الشفافية الطويل - 23 يناير 2013 - الانترنت - موقع http://www.palthink.org ..
[16] غازي الصوراني - ورقة حول : أنفاق رفح وآثارها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية - الانترنت الحوار المتمدن http://www.ahewar.org.
[17]  عدد القتلى منذ عام 2007 وصل إلى 232 شخص حتى تاريخ 17/يناير/2013 - مركز الميزان - الانترنت .
[18]  حسب التقديرات فقد تراجع عدد الأنفاق إلى نحو ألف نفق بداية عام 2013 .
[19] وفيق الاغا و سمير أبومدللة - اقتصاد الانفاق ضرورة وطنية أم كارثة اقتصادية واجتماعية - مجلة الأزهر - غزة - العدد 1B - 2011.
[20] دراسة حول انجازات المرحلة المؤقتة ومهمات المستقبل – سكرتارية الاونكتاد و د. فضل النقيب – 2000 .