صنمية النص


جمال احمد
2013 / 3 / 2 - 23:25     

صنمية النص
" قياساً على صنمية السلعة "
اريد ان اقارن ال " نص " بالسلعة ، ولا اعرف هل ستكون ملهاة ام مأساة ؟
- هل لديك نص ؟
- لا
- إذن ، لايحق لك التقرب من هذا السوق ، فأنت ضعيف ولا تملك شيئا!!!!
- أه ، لقد نسيت ، لدي بعض منها
- فمرحبا بك اذن ، اعرضها كم هوعددها ؟ وكم من الوقت صرفت عليهم؟ فهذا ما يحدد قيمة ما لديك ( طبعا ليس قيمتك ، شخصيا ، وانما قيمة ما تملكه)
انتهى الحوار . والان لنتأمل انواع النصوص :
فمنها ما تُؤكل ؛ لاشباع جوع الثقافة !! . ومنها ما تُلبس ؛ لأخفاء الجسد والتباهي بها !! . ومنها ما تستخدمها عليها ؛ للوصول للاهداف المرجوة . ومنها ما تعيش فيها ؛ للاحساس بالسكن مثلما في القصص والدواوين الشعرية !! . ومنها ما تُحمل كسلاح ؛ لتخويف الأعداء ( اعداء الله) او لرجمهم او لاحتلالهم !! . ووو ..........
بعضهم ( اي المالكون) كريمون ، يوزعون نصوصهم على العامة ، والأخرون بخيلون ، فيقفلون عليها في صناديقهم . اه ، مسكين انت يا " نص " ، حالك حال السلعة .
فتحول ال " نص " الى سلعة ، يفترض سوقا للتبادل ؛ فهناك اسواق عديدة ، فمنها للمتدينين ، بعرض أيات من كتاباتهم المقدسة . ومنها للقوميين ، ياتون ب أبطالهم وأمجادهم وتاريخهم الحافل بالانتصارات . ومنها للجامعيين ، ليرفعون شهاداتهم. ومنها لليساريين ، بالتهديد بمقاطع لاقوال رجال عظام ويعرضونه بشكل ، كأنما هم الأحفاد الأنبياء و أهل البيت . واسواق اخرى متعددة. وبشكل عام فالمالك الذكي كالتاجر الفطن يعرف كيف يربح .
وعندما يتقابل مالكي النصوص ؛ يتوهمون عندما يقارنون موسى بعيسى او محمداً، علياً و ابو بكراً. عبدالناصر و صدام حسين ، هتلر و فرانكو. شهادة الطب و الهندسة ، دكتوراه و ماجستير . لينين و بليخانوف ، ستالين و تروتسكي ، خروتشوف و ماو تسي تونغ. نعم يتوهمون ، بان نصوص هؤلاء الاشخاص ، او بالاحرى تلك الاشياء ، يقارنون انفسهم ذاتياً . وان احدهم ( اي النص) يفند الاخر ويعلن احقيته و علوه ؛ فلايعلمون بانهم هم انفسهم ( المالكون) يُقارنون من خلال النصوص والشهادات ، وانهم يخافون ان يظهروا بانهم هم الذين يريدون الحق واللاستعلاء لانفسهم . فبشكل عام ، تكون نفس ما كانت للسلعة من صنمية ونفس حالة مالك السلعة ( للاطلاع انظر الى موضوع صنمية السلعة لكارل ماركس في راس المال ) ، هذا في عالم الثقافة وذاك في عالم الانتاج الراسمالي.
اي باختصار ان اؤلئك الذين لهم حمى النصوص ، يبادلون العلاقة الثقافية المباشرة بين الافراد، لتبادل مفاهيمهم و معلوماتهم و خبراتهم ؛ الى علاقة بين النصوص وهم مالكين لها.
في عالم عبادة النص ، يكون هناك خالقاً هو المفكر ، المطلق، المؤله ، الصحيح ؛ اما العباد ، فهم الخاطئون ، المُستَقبِلون ، انهم كوعاء تًجمَع فيها ما يقطفونه من الخالق ( بكسبهم و كدحهم ) . فبهذا يصير الكُتّاب هم رسل السماء الذي اتاهم الوحي او انهم الله في صورة الانسان .
فالسؤال: من اين لك هذا ؟، أشر الى النص ، فتدخل ذلك في علم أوعية الرُسل . في هذه المنظومة، يكون المستفيد الوحيد ، الحاخامات والقساوسة و الأئمة ( وحواشيهم ، واتباعهم ) . انهم يمضغون الخرافات ويعيشون على المنتجين .اما العامة من الشعب هم اوعية فارغة ( لايملكون نصا ما ) . لا نص لك ، لا وعي لك !!!!. هنا او هناك قد تظهر ملحداً ! يا للهول انه يهذي ، لا يعترف بالحاخامات والقساوسة و الأئمة ، ولا " نص " لديه ، اي لا يقدس كلام الله ، انه خارج عن منظومتنا ، انه المنبوذ ، وان ما يطرحه فهو بدعة.
الفرق بين المنتج والمالك في العملية الثقافية ، هو : المنتج المثقف ، هو ما يتطلع على ما اُنتِج ، وهضمه والعمل به والإتيان بشيء جديد او عرضه بروح جديدة ؛ اما المالك يعمل للاستحواذ على اية شيء و يطرحها كمالك لها وليس بجديد فيها، وانما كتشكيل لوحة من قطع البوسل -puzzle-( والأغلب لا يفهمها حتى هو نفسه) .
في المدارس والجامعات ، حيث مجموعة من المصادر المقررة مسبقا في مجموعة من المواضيع، ويوضع الطالب فيها بشكل جبري . و عند الامتحان يُطلب منهم عرض ما جمعوا من النصوص والمفاهيم و المعادلات . في هذه العملية الروتينية ، لا ينتج إلا اقل من 1% من المبدعين ، والبقية يساقون كقطيع إلى اماكن العمل المختلفة .
عندما تُكتب أطروحة ، يحتاج ذلك الى المصادر في مجال الموضوع كي ترتكز إليها وتكتمل.
عندما تُقّيم او تُنقد كتابا او موضوعا ما ، فان الاتيان بنصوص منها ، لعرضها وبحثها وعرض نصوص اخرى لمقارنتها ؛ فهو عملية التقييم او النقد هكذا.
ولكن ان تكتب خطابا او مقالة ما وتحشوه بنصوص ، فانه دلالة على ضعف الكاتب بقناعاته والتوسل للمساعدة اوللتزيين لمقاله او اخفاء الشعور بالنقص وعرض مدى اطلاعه كي يكون مقبولا ما يكتبه للقراء .
عند الحوار، فالاتيان بالنصوص هو علامة فشل المحاورين واللجوء الى عالم اخر غير عالمهم هم، اي انهم يتضائلون ، وان نصوصهم هي التي تتحاور .
ان تقديس النصوص ، هو بالضبط تسقيط العقل لعمله ، اي شله ، او طيران اعمى وكلمات النصوص تاخذه الى مايشاء مالك النص!!!
ان الاغتراب الفعلي للانسان ، يكون في سيطرة المنتوج على مُنتِجها وقيادته ، او خضوع الانسان لمنتوج دماغها او يديه . في البدء ، خلق الانسان الالهات ( كائنات فكرية )، وعلاقاتهم وصراعاتهم باشكال والوان ، وبدأ بعبادتها ، وتفسير كل ما حوله عن طريقها . و ما ان يهيمن الانتاج البضاعي ، حتى ظهرت نفس العملية ، ولكن هذه المرة ، خلقتها اليد و ليس الرأس ، وهذا (الانتاج البضاعي ) اصبحت الاساس المادي لاستمرار الظاهرة الاولى (الكائنات الدينية ) بجانبه . والان نرى شكل ثالث قد اكتشفت على هامشهم ليكملهم ، من منتوج الراس ، ولكن بشكل مدني و علماني !!
ان هذه الظواهر ، لاتختفي و لا تفنى ، طالما اساسه المادي موجود ( انتاج الراسمالي للسلعة " وظواهرها " وتجديد انتاجها )،فكل صراع ونضال ( دون المس باساسها المادي ) ، يكون عبثا .