هل ثمة برجوازية طفيلية وبرجوازية لا طفيلية؟١


حسقيل قوجمان
2013 / 3 / 2 - 13:13     


اولا اود ان افسر ما الذي دعاني الى اختيار هذا العنوان لهذا المقال. في فترة حكم خروشوف غورباشوف التحريفية كان احد المفاهيم التي شاعت في الاحزاب الشيوعية التحريفية التمييز بين البرجوازية الانشائية او الضرورية او الطبيعية اوغير ذلك من الاسماء تمييزا لها عن البرجوازية الطفيلية. ونشأ عن ذلك كأن النضال يجب ان ينصب ضد البرجوازية الطفيلية لا ضد البرجوازية ككل. فهل هناك حقا برجوازية طفيلية وبرجوازية لاطفيلية؟
ان تعريف الاحياء الطفيلية في علم الاحياء هو ان الحي الطفيلي هو الذي يعيش على حساب غيره من الاحياء. واذا حاولنا تطبيق هذا التعريف على الانسان فان الانسان الطفيلي هو انسان يعيش على حساب غيره. وعلى هذا الاساس تكون الطبقات الحاكمة المستغلة كلها طبقات طفيلية لانها تعيش على انتاج الطبقات التي تستغلها. وعلى هذا الاساس تكون البرجوازية كلها طفيلية ولا تنقسم الى برجوازية طفيلية واخرى غير طفيلية. ان هذا التقسيم الى برجوازية طفيلية واخرى لاطفيلية هو تحريف للماركسية لان الماركسية لا تقدر دور الطبقات الحاكمة بكونها طفيلية او غير طفيلية وانما تقدر دور الطبقات الحاكمة حسب دورها في علاقات الانتاج التي تمثلها بالنسبة لقوى الانتاج في اللحظة المعينة.
قوى الانتاج قوى متطورة دائمة التطور لا يتوقف تطورها طالما بقي المجتمع الانساني قائما. بدأ هذا التطور عند انفصال المجتمع الانساني عن المجتمع الحيواني ولم يتوقف عن تطوره في جميع ظروف المجتمع التي نشأت خلال تاريخه الطويل ولن يتوقف عن تطوره ما دام المجتمع قائما على الارض. وعلاقات الانتاج هي نتاج لهذا التطور ومقياس دور الطبقات الحاكمة المستغلة يقاس بمقدار ما تقرره سياسات هذه الطبقات الحاكمة المستغلة. فاذا كانت سياسات الطبقات الحاكمة تنسجم مع تطور قوى الانتاج وتسانده تكون علاقات الانتاج في هذه الحالة تقدمية مفيدة للمجتمع واذا كانت سياسات الطبقات الحاكمة المستغلة معيقة ومعارضة للتطور وتعمل على ايقاف تطوره او تحول تطوره للاضرار بقوى الانتاج تكون الطبقات الحاكمة المستغلة رجعية ومعيقة لتطور قوى الانتاج والمجتمع كله.
نرى من هذا ان الطبقات الحاكمة المستغلة هي دائما طبقات طفيلية تستغل الطبقات الكادحة التي تمثل تطور قوى الانتاج ولكن علاقاتها بالنسبة لتطور قوى الانتاج تكون منسجمة ومنظمة ومساندة ومسرعة لتطور قوى الانتاج لفترة زمنية ثم تصبح علاقاتها بالنسبة لتطور قوى الانتاج معيقة ومثبطة ومعادية احيانا اخرى.
حين انفصل المجتمع الانساني عن المجتمع الحيواني لم تكن حياة الانسان تختلف اختلافا كبيرا عن حياة الاحياء الاخرى. هو كسائر الاحياء يبحث عن فريسة او مادة تبقيه على قيد الحياة. ولكنه تطور الى انسان. اختلف عن سائر الاحياء باستقامة قامته وتخصص يديه للعمل على الطبيعة وتطور دماغه الى درجة يستطيع معها اختزان تجربته وتعلم تكرارها وتطويرها وربما تطورت حنجرته لاخراج اصوات واضحة كمقدمة للمقدرة على الكلام وتكوين لغة التفاهم. من ذلك الوضع بدأ صراعه مع الطبيعة يختلف عن صراع الحيوانات الاخرى مع الطبيعة. فكلما اكتشف سرا من اسرارها تعلمه وعمل على اكتشاف المزيد من اسرارها. ادى تطور هذا الصراع بين الانسان والطبيعة الى تشكيل قوى الانتاج المكونة من الانسان العامل على الطبيعة والطبيعة التي يعمل عليها.
منذ البداية صارع الانسان الطبيعة جماعة لان ذلك ساعده على التغلب على صعوبات مصارعة فرائسه والتغلب على مقاومة الحيوانات التي تريد بدورها افتراسه. منذ البداية نتج صراع الطبيعة كجماعة عن تكون علاقات بين الجماعة التي تعمل مشتركة على الحصول على انتاجها. علاقات تنظم امتلاك وتوزيع المواد الغذائية التي يحصلون عليها، علاقات انتاج الصراع المشترك. فصراع الانسان المشترك ضد الطبيعة يشكل قوى الانتاج وعلاقات توزيع ما يحصلون عليه هو علاقات الانتاج.
كانت علاقات الانتاج الاولية بين قوى الانتاج في هذه الفترة بالضرورة علاقات منسجمة مع قوى الانتاج. فكان من الطبيعي جدا حين كان ما تنتجه الجماعة في صراعها للطبيعة لا يكاد يكفي لاشبعاع الجماعة. لم يكن بامكان جزء من الجماعة ان يستولي على الجزء الاكبر من الانتاج ليترك الاخرين يموتون جوعا. كانت علاقات الانتاج انئذ بالضرورة علاقات مشاعية. لذلك اطلق على هذه الفترة من حياة المجتمع الانساني فترة المشاعية البدائية. الجماعة تنتج ما تستطيع انتاجه ويجري توزيع الانتاج الشحيح بالتساوي بين منتجيه. مشاعية حتمتها شحة الانتاج فهي مشاعية بدائية.
وتطور انتاج الجماعة بصورة بطيئة ودائمية فتعلم الزراعة ودجن الحيوان واستخدمه كمساعد له في انتاجه واكتشف النار واستخدمها في صهر المعادن وتغيرت علاقات الانتاج وفقا لهذه التطورات. فجرى مثلا التخصص في العمل البيتي في الزراعة وتربية الحيوانات بينما بقي قسم من الجماعة يمارس الصيد وتخصص بعض الناس في عمليات صهر المعادن وصناعة ما تحتاجه الجماعة من ادوات في عملها كصناعة المنجل او السهام او الرماح وغيرها. وجرى توزيع العمل بين المرأة والرجل. في هذه الاوضاع تطور الانتاج بحيث اصبح في مقدور الجماعة ان تخصص بعض انتاجها لاشخاص غير عاملين مباشرة في الانتاج. فعلى سبيل المثال كان بمستطاع الجماعة ان توفر حاجات الكاهن الذي كان لا يعمل مباشرة في الانتاج بل كان يعكف على تعلم ظروف الزراعة واوقات البذار وظروف تحسين الزرع فيرى المجتمع من واجبه توفير ما يحتاجه من طعام وكساء.
وقد ادى تطور الانتاج الى ظهور علاقات انتاجية جديدة غير علاقات الانتاج المشاعية. فظهر مثلا النظام العائلي الابوي واعتبار شيخ العائلة او العشيرة وحكيمها مشرفا على توزيع الانتاج وفقا للعلاقات الجديدة وظهرت بالضرورة امكانية تحول بعض الانتاج الى ملكية خاصة يحوز عليها شيخ الجماعة. او كان من حق المحارب البارع ان يحتفظ لنفسه بمقدار من الغنائم التي بحصل عليها. وهذا يعني ان علاقات انتاج جديدة نشأت في احضان علاقات الانتاج المشاعية، علاقات الملكية الخاصة. علاقات انتاج جديدة اكثر تطورا من علاقات الانتاج المشاعية السائدة. وكان من الضروري ان تتطور علاقات الانتاج الجديدة الى مديات اوسع ويصبح تحول المجتمع الى منتجين واخرين حائزين على مقادير متزايدة من الانتاج الاجتماعي. اصبحت ثمة ضرورة لتغيير علاقات الانتاج المشاعية الى علاقات انتاج الملكية الخاصة. ويبدو لي ان التطور الهام في هذا الاتجاه هو تملك الاسرى. قطالما لم يكن بامكان كل انسان كادح ان ينتج ما يزيد على مستلزمات معيشته كانت الجماعة تقتل الاسرى الذين تستولي عليهم في المعارك ولكن التحول الهائل كان حين اصبح في مقدور الانسان الكادح ان ينتج اكثر من مستلزمات حياته اصبح من المفيد ابقاء الاسرى احياء من اجل استغلالهم ونشأت ملكية العبيد مما ادى الى تحول المجتمع من النظام المشاعي الى المجتمع العبودي. من المجتمع المشاعي اللاطبقي تحول الى مجتمع طبقي حيث نشأت طبقة اسياد العبيد تمتلك عددا متزايدا من العبيد.
نرى من هذا ان تطور قوى الانتاج ادى الى حتمية تحول المجتمع من مجتمع مشاعي لا طبقي الى مجتمع طبقي، مجتمع عبودي. اذا تساءلنا عما اذا كانت طبقة اسياد العبيد هي طبقة طفيلية ام لا طفيلية فان الجواب هو انها اسوأ طبقة طفيلية في التاريخ. الا ان الماركسية لا تقدر دور اية طبقة حاكمة من حيث كونها طفيلية ام لاطفيلية. ان طبيعة اية طبقة حاكمة مستغلة يحددها كون دورها في علاقات الانتاج التي تمثلها هي علاقات مفيدة ومناسبة لقوى الانتاج وتساعد على تطورها.
رغم ان التحول كان تحولا من مجتمع المشاعية البدائية اللاطبقي الى مجتمع عبودي طبقي فان التاريخ يشهد على ان هذا التحول كان تحولا مفيدا ومساعدا على تطور قوى الانتاج اي كان تطورا تقدميا بالنسبة للمجتمع.
التاريخ يعلمنا ان طبقة اسياد العبيد قامت بالابقاء على حياة الملايين من اسرى المعارك وانقاذهم من الموت. وقامت طبقة اسياد العبيد بعد التحول بتنظيم قوى الانتاج العبودي وبدفعه الى التطور. وقامت بتطوير وسائل الانتاج وتطوير علوم ذلك العصر. يشهد على ذلك تقدم علم الطب الى درجة توصل علم الطب الى طب التحنيط وتطوير علم الهندسة الى درجة اقامة وبناء هذه المعالم التى ما زالت قائمة الى ايامنا وما زلنا نكتشف المزيد منها. ونظمت عمل ملايين العبيد الذين كانوا هم اداة الانتاج الرئيسة بحيث ان ما نفخر به اليوم بانه عجائب الدنيا جرى انتاجها بعمل هذه الملايين من العبيد. كل ذلك امكن انجازه لان علاقات الانتاج العبودية كانت في بداياتها منسجمة مع قوى الانتاج الاجتماعي انسجاما تاما.
في المجتمع العبودي يؤدي تطور قوى الانتاج الى نشوء علاقات انتاج جديدة عند ازدياد دور الارض والزراعة ونشوء معالم الانتاج الزراعي المختلفة عن علاقات الانتاج العبودية. كانت هذه العلاقات الانتاجية الجديدة تناقض علاقات الانتاج العبودية ونشأ صراع بين طبقة اسياد العبيد التي ترى من مصلحتها ابقاء العلاقات الانتاجية العبودية وانصار علاقات الانتاج الجديدة في احضان المجتمع العبودي.
عند الانتقال من المجتمع المشاعي البدائي الى المجتمع العبودي لم تكن ثمة في المجتمع طبقة منظمة في دولة تقاوم التحول فجرى التحول الى المجتمع العبودي تحولا سلسا بسيطا وسلميا. اما عند نشوء علاقات الانتاج الجديدة، العلاقات الاقطاعية، فلم يحصل التغير بسلاسة كما جرى في التحول الاول.
ادى الصراع بين طبقة اسياد العبيد ودولها المقاومة لتقدم المجتمع من اسلوب الانتاج العبودي الى اسلوب الانتاج الاقطاعي الى صراع هائل تشهد عليه ثورات العبيد الدامية التي فشل بعضها ونجح بعضها الاخر. ولكن محصلة اتجاه المجتمع الحتمي كان القضاء على علاقات الانتاج العبودية وتحولها الى علاقات الانتاج الاقطاعية.
كما كانت علاقات الانتاج العبودية في بدايتها منسجمة ومساعدة على تطور قوى الانتاج كانت علاقات الانتاج الاقطاعية منسجمة ومساعدة على تطور قوى الانتاج. ولكن تطور قوى الانتاج يؤدي الى نشوء علاقات انتاج راسمالية في احضان المجتمع الاقطاعي.
كان من الطبيعي ان تكون علاقات الانتاج الراسمالية الناشئة علاقات انتاج تجارية اذ لم تكن في المجتمع صناعة متطورة. كانت هذه العلاقات ما يدعى المانيفكتورا حيث يزود الراسمالي الفلاحين بمواد الانتاج لكي يعملوا عليها بادواتهم الاولية ويدفع لهم ثمن عملهم ويستلم منهم ما انتجوه لكي يبيعه حيث يستطيع بيعه. وقد تعرض هذا النوع من الانتاج الى مقاومة الطبقة الاقطاعية ومقاومة الصناعات الحرفية المسماة الاصناف السائدة في حينه.
رغم ان الانتاج في فترة المانيفكتورا لم يكن استخداما واضحا لطبقة عمالية وشراء قوة عملها بصورة واضحة كما تحولت في القترة الصناعية الا انها مع ذلك علاقات راسمالية بكل ما في ذلك من معنى, كان التاجر مالكا للنقود وكان عن طريق الانتاج المانيفكتوري يوظف نقوده في صناعة حرفية بسيطة ويحولها الى سلع يقوم ببيعها للحصول على ما يزيد عن النقود التي وظفها. اصبحت النقود الموظفة في الانتاج المانيفكتوري راسمالا لانها كانت نقودا تولد مزيدا من النقود. اصبح قانون التبادل فيها قانون الراسمال، ن س ن + ن. نقود سلعة نقود مع زيادة.
كان التاجر حين ينقل بضاعته من مدينة الى اخرى يجتاز من اقطاعية الى اقطاعية اخرى وكان عليه ان يدفع ضرائب للاقطاعي المسيطر على كل اقطاعية مما زاد تكاليفه وقلص ارباحه. وكانت الصناعات الحرفية السائدة في المجتمع الاقطاعي تتمسك بقواعد صارمة حيث يحتاج المتعلم الى العمل منذ طفولته عشرات السنين لكي يصبح حرفيا معترفا به. ولكن تاجر المانيفكتورا لم يكن يحتاج الى العمل من اجل نيل الكفاءة على عمله . كان مجرد انسان يمتلك النقود يستخدمها في استغلال الفلاحين ويتاجر ببضاعته وبهذه الطريقة حول نقوده الى راسمال. كانت الصناعات الحرفية المسماة الاصناف تعتبر اشتغال الراسمالي بدون ان يمر فيما يسمى تعلم الصنعة خرقا لقواعد وقوانين الحرف الصناعية المعترف بها. وقد عبر شعار الثورة الفرنسية "دعه يعمل دعه يمر" تعبيرا واضحا عن هذا الصراع. دعه يعمل بدون تقييده بقواعد الحرف الصناعية ودعه يمر بدون الاضطرار الى دفع الضرائب في كل اقطاعية.
قامت الثورات البرجوازية في بريطانيا والولايات المتحدة والثورة الفرنسية الكبرى وتلتها الثورات البرجوازية في بلدان اوروبا من اجل تحقيق انسجام علاقات الانتاج الجديدة بالتطور الذي جرى على قوى الانتاج فتحولت هذه المجتمعات الى مجتمعات راسمالية.
كما كان التحول من المجتمع المشاعي البدائي الى مجتمع العبودية تحولا مفيدا ومساعدا لتطور قوى الانتاج وكان تحول المجتمع العبودي الى مجتمع اقطاعي مفيدا ومطورا لقوى الانتاج فقد كان التحول من المجتمع الاقطاعي الى المجتمع الراسمالي مفيدا ومنسجما ومطورا لقوى الانتاج. كانت علاقات الانتاج الراسمالية مطورة ومسرعة لتطور قوى الانتاج.
فيما عدا التحول الاول من المشاعية البدائية الى المجتمع العبودي الذي جرى بدون الحاجة الى ثورة اذ لم تكن في المشاعية البدائية دولة ترى من مصالحها مقاومة التحول ولديها القوى اللازمة لمقاومة التحول جرى التحول من المجتمع العبودي الى المجتمع الاقطاعي عن طريق ثورات العبيد وجرى تحول المجتمع الاقطاعي الى المجتمع الراسمالي عن طريق الثورات على الطبقة الحاكمة من قبل القوى التي تمثل علاقات الانتاج الجديدة.
في كل ثورة من هذه الثورات نشأت طبقتان متناقضتان، طبقة تشكل قوى الانتاج الجديدة وطبقة تمثل علاقات الانتاج الجديدة. وكان الانسجام بين علاقات الانتاج الجديدة وقوى الانتاج الجديدة انسجاما مؤقتا لان قوى الانتاج بطبيعتها قوى دائمة التطور بينما علاقات الانتاج بطبيعتها وبالقوى التي تساندها تميل الجمود وعدم التطور.
الطبقة التي تشكل قوى الانتاج تعاني صعوبات الصراع القاسي ضد الطبيعة بينما تقوم الطبقة التي تشكل علاقات الانتاج بالحصول على نتائج هذا الصراع ضد الطبيعة. قاست طبقة العبيد كل صعوبات انتاج الحضارة المتقدمة وعاشت حياة قريبة من الموت جوعا بينما حصل اسياد العبيد على كل منجزات هذه الطبقة لانها تمثل علاقات الانتاج الجديدة في امتلاك العبيد.
وتحملت طبقة الاقنان كل قساوة الانتاج وعاشت حياة صعبة لا تختلف عن حياة العبيد بسوى ان الاقنان لم يكونوا ملكا مطلقا للطبقة الاقطاعية التي استولت على كل نتائج عمل طبقة الاقنان.