في مغرب السبك وإعادة السبك الطبقي - الحلقة الثانية


محمد بوجنال
2013 / 3 / 1 - 10:24     


في إطار الحصول على جواب عن السؤال الذي طرحناه في الحلقة الأولى: ما معنى الفساد والاستبداد في المغرب؟ نتابع في الحلقة الثانية البحث في الموضوع بطرح مكوناته الطبقية التي لا يشك أحد في كونها مؤسسة وراعية وحامية الفساد والاستبداد.
من المسلمات المعروفة ان الفساد والاستبداد "يكون" دوما إفرازا لطبقية المجتمع التي تعتبر بدورها إفرازا لنمط إنتاجه وبالتالي فحدة ومدى بشاعة الفساد والاستبداد "يكون" مرتبطا جدليا بمستوى درجة وجود البناء الطبقي. بناء وانطلاقا من هذه المسلمة نقول ان المجتمع المغربي، الذي هو مجتمع الفساد والاستبداد، هو، وباللزوم المنطقي، مجتمع طبقي بأفق تتحدد برامجه بصيرورة "كون" و"شرعنة" الفساد والاستبداد، مع استحضار العلاقة الجدلية مع بشاعة مصالح النظام الرأسمالي العالمي.
لاشك ان البناء الطبقي للمجتمع المغربي عموما ثلاثي البناء، وراهنا يسير في اتجاه ثنائية البناء وفق النموذج الطبقي الجديد على المستوى العالمي. فعموما هناك الطبقة الكامبرادورية المغربية التي تتكون من ثلاث فئات متحالفة ومتصارعة في الآن نفسه: متحالفة كلما اقتضى الوضع مواجهة نقيضها من الطبقات، ومتصارعة بفعل المنطق الداخلي لمصالح كل فئة من فئاتها على حدة؛ فهناك الفئة الصناعية التي تصارع من أجل توجيه المشاريع السياسية والتشريع وكذا قانون المالية لما فيه مصلحة هذه الفئة؛ وهناك الفئة الفلاحية التي تقوم بدفع قانون المالية للاهتمام بالفلاحة أكثر من غيرها؛ وهناك الفئة التجارية والمالية التي تطمح في أن تحظى بحصة الأسد من قانون المالية وكذا نوعية المشاريع؛ فهذه الطبقة، بفعل قوتها المادية وطبيعة علاقاتها بالمخزن وكذا المحيط الاقليمي والدولي هي الطبقة التي تفكر وتمارس اقتصاديا دون اعتبار للقوانين والقواعد على الرغم من حضورها القوي في صياغتها وإقرار مشروعيتها. لذا، فسياستها الاقتصادية مبنية دوما على الاستفادة من انخفاض تكاليف الإنتاج والرفع المتوحش للأرباح. ولا شك أن حصول هذا يقتضي التملص من الضرائب والاستفادة من تفويت الممتلكات بثمن بخص والذي هو هو الفساد، واعتماد منطق القوة المتمثل في توظيف الجيش وقوات الأمن ومختلف أشكال المخابرات ومراكز النفوذ والذي هو هو الاستبداد. وللتوضيح أكثر، فضمان ممارستها الفساد والاستبداد يتمثل في حرصها الكبير على تمثيليتها النوعية في الحكومة والبرلمان لحماية القوانين والمشاريع. وفي مقابلها نجد الطبقة المتوسطة التي تتكون من الفئات التالية: الفئة الدنيا وتضم كلا من التجار الصغار والأساتذة والمحامون؛ والفئة الوسطى التي تضم الأطباء والتجار المتوسطين وبعض أصحاب الخدمات ذات الاعتبار؛ والفئة العليا المعتبرة بمثابة صمام الأمان بمعنى أنها فئة يتم تهييئها وتكوينها وتدريبها في انتظار توظيفها كحاملة حقائب وزارية كلما عرفت الحكومة إحدى الأزمات التي تعصف بها؛ فيتم استبدال الوجوه الوزارية السابقة بوجوه وزارية جديدة هي بالذات مكونات هذه الفئة العليا من الطبقة المتوسطة المعدة سلفا، كما سبق القول، لحماية الفساد والاستبداد بتقنيات وأساليب أخرى. أما الطبقة الثالثة فتضم كل ما تبقى من فئات المجتمع المغربي التي هي بالكاد فئات فقيرة ومهمشة.
إلا أن هناك واقعا طبقيا جديدا في حيز التكوين في المغرب،عصر العولمة ، والذي أصبح أمرا واقعا في الدول الرأسمالية الكبرى. لقد كان الصراع الطبقي حتى نهاية الحرب الباردة صراعا بين بورجوازيات دول مختلفة (البورجوازية الأمريكية ،البورجوازية الانجليزية، البورجوازية الفرنسية ، البورجوازية الألمانية...الخ). إلا أن المنطق الاقتصادي والسياسي للعولمة اقتضى تجاوز التقسيم ذاك بإعادة سبك مجموع الطبقات تلك في طبقة واحدة نسميها "بالطبقة البورجوازية الرأسمالية العالمية الكبرى" حيث تصبح الطبقات السابقة بمثابة مكوناتها أو فئاتها وهي كالتالي مرتبة وفق قدراتها وقوتها: الفئة البورجوازية الأمريكية باعتبارها الفئة المهيمنة، والفئة البورجوازية الانجليزية والفرنسية والألمانية باعتبارها الفئة المسيطرة، وبورجوازية دول المعسكر الاشتراكي سابقا باعتبارها الفئة الوسيطة، والبورجوازية الكامبرادورية (العالمثالثية) باعتبارها الفئة الذيلية التي يزداد تهميشها أكثر فأكثر. أما الطبقة النقيض فهي تضم اليوم، نظرا للعديد من التحولات التي عرفها النظام الرأسمالي –العولمة- ، كل ما تبقى من الفئات المجتمعية على أساس إعادة سبك الطبقتين المتبقيتين (الوسطى والكادحة) في شكل طبقة واحدة فرضتها مصلحة النظام الرأسمالي العولمي ، مصلحة اقتضت بلترة وتكديح ما كان يسمى بالبورجوازية المتوسطة؛ طبقة نسميها" بالطبقة المقهورة العالمية الكبرى" حيث الاختلاف بين فئاتها لم يعد سوى اختلافا شكليا وبالتالي فهي فئات تتميز بالفقر والتهميش وبيع قوة العمل العضلي والفكري.
لا شك أن هذا الوضع العالمي الجديد أو قل التقسيم الطبقي الجديد قد امتد إلى كل بقاع العالم التي منها المجتمع المغربي بفعل حاجة وضرورات المنطق الداخلي للنظام الرأسمالي العولمي الذي يسهر على حمايته وتطويره "البورجوازية الرأسمالية العالمية الكبرى". لذا ،نرى اليوم، في المجتمع المغربي، مجتمع الفساد والاستبداد، بداية اضمحلال الطبقة المتوسطة أو قل اضمحلالها الفعلي لتصبح كغيرها من الفئات الفقيرة في خدمة أو رهن إشارة الرأسمال العالمي مع استحضار استثناء وضع الفئة العليا للطبقة المتوسطة سابقا والتي سبق أن حددنا وظيفتها مرحلة حصول الأزمات.
ما سبق ذكره يبرر لنا على المستويين النظري والملموس، نظرا لجشع النظام الرأسمالي، حصول واستمرار حصول الفساد والاستبداد في المغرب الذي منه ما تمت مأسسته، ومنه ما كان وما زال يحصل بفعل الاحتيال ونهب الممتلكات والمال العام واستغلال النفوذ. لقد كان وما زال الفساد والاستبداد سلوكا وممارسة تتبناه وتقوم بالتغطية عليه وحمايته الطبقة البورجوازية الكامبرادورية الذيلية ذات الوجود الاجتماعي والتمثيلية الحكومية والمشروعية المؤسساتية. فما معنى المؤسسات المنزلة في المغرب وبالتالي الحكومة المنبثقة عن عنها ؟
.