2- العامل المنتج - العمل المنتج والعامل المنتج في النظام الرأسمالي


جمال احمد
2013 / 2 / 25 - 12:44     

2- العامل المنتج
ان العامل هو مقولة تاريخية يتبدل اشكالها و مظاهرها تبعا لاساليب الانتاج المتغيرة تاريخيا. اذا كان العامل فرداً في الانتاج البضاعي البسيط ، يقوم بمجمل الاعمال المختلفة لانتاج بضاعته ( وطبعا مع ادوات عمله البسيط) ، فان العامل في الانتاج الراسمالي عبارة عن شبكة ضخمة من الافراد يتضخم بحسب ضخامة المشروع، ويتكملوا بعضهم البعض ، كما هو حال اجزاء المكينة الواحدة او جهاز ما.
ان الوظائف المختلفة لانتاج بضاعة ما تحتاج الى لحظات مكملة من التخطيط و التحضير و الاعداد والتخزين والترتيب والتنفيذ والتصليح والتحسين والتدقيق والمحاسبة والحراسة والنقل..... الخ ، كل هذه اللحظات تتجمع في عامل واحد ( او مع بضع من مساعديه) في الانتاج البضاعي البسيط.
ان نمو وتوسع الاسواق يتطلب نمو الانتاج وتوسعه، وهذا بدوره يتطلب مرة ثانية نمو وتوسع الاسواق. وهذا ما أدى لنشوء شكل وسطي بين الانتاج البضاعي البسيط والانتاج الراسمالي، اي الشكل المانيفاكتورة.اي زيادة حجم المنتجين المتجمعين في وحدة واحدة كي يلبي حاجات السوق، هذه الزيادة تكون زيادة كمية ،بمثابة تَجَمُع البطاطة في كيس واحد قابل للتجزئة ايضا .ولكن هذا الشكل قد وهب الارضية الملائمة لتعميق تقسيم العمل وفصل لحظات العمل عن بعضها البعض وتجميعها بشكل اخر .
ففي الانتاج الراسمالي حيث الانتاج البضاعي المتطور، يكون تقسيم العمل داخل المعمل في شكل خاص به ارقى واعمق من اشكال ماقبلها ليس في الحجم فقط وانما في النوعية ايضا ، ان التغييرات الكمية لكتل العمل المستخدم في المرحلة الوسطية (اي المانيفاكتورة) قد أدى الى تغير نوعي ، وذلك بظهور نوعية عمل و عامل متميز عما قبله وذلك ما يسميه ماركس "ظهور قدرة العمل الموحد اجتماعيا". اي ان جميع اللحظات الانتاج الموجودة في الانتاج البضاعي البسيط والتي تجمعت في شخص عامل واحد كما ذكرته اعلاه، قد فصلت عن بعضهم البعض ، في الانتاج الراسمالي، والان ، كل جزء من الانتاج يقوم به عامل واحد مستقل عن الآخر، ومرتبط بالعمال الآخرين الذين يؤدون الاجزاء الاخرى ، موحدة واحدة غير قابلة للتجزئة . مثلما لا يستطيع العامل ، في الانتاج البضاعي البسيط ان تنتج شيئا ، او ان تحتسب كعامل حينما تقطع اجزاء جسده ، ستكون نفس الشئ حيال تجزئة " قدرة العمل الموحد اجتماعيا" في الانتاج الراسمالي.
ولكن الانتاج الراسمالي لايقف عن هذا الحد ، بل تتطور تلك الاجزاء ( اي اجزاء المختلفة لعملية الانتاج) من عمل عامل واحد الى مجموعة من العمال او لجان او وحتى مؤسسات (قد تظهر للعين بانهم مستقلين).
وهكذا يكون العامل في النظام الراسمالي ، ليس فردا وانما " قدرة العمل الموحد الاجتماعي"، ويجب تعريفه في كليته وليس في افراد او اجزاء او قطاعات منهم.
والان لناتي الى تعريفنا للعامل المنتج.
ان الذي يقوم بتجزئة لحظات العمل ، من ادارة وتقنية و عمل يدوي ونقل وحراسة .... الخ او تجزئة اشخاص القائمين بها من مدير ومهندس و عامل يدوي وسائق و حارس ، و يعرف بان قسم منهم منتجين والاخر غير منتج ( والانكى منه ان يُعَرِفهم في طبقات مختلفة)، تكون قد جنى بحق نفسه واظهر عدم فهمة للاقتصاد السياسي او الإنتاج الراسمالي.
ففي مشروع ما ينتج سلعة قصد زيادة راسمال مستثمر ، لا تستطيع بان تقول في ان المدير او المهندس عامل غير منتج (والاغرب ان تسميتها بالبرجوازية الصغيرة او الوضيعة) وان العامل اليدوي او السائق عامل منتج!!!
ان الأشخاص لا يمكن تعريفهم بانهم منتجين او غير منتجين ، من حيث مهنتم وما يقومون به ، وانما يعرفون من حيث موقعهم في مختلف العمليات الاجمالية للانتاج الراسمالي .
ساورد بعضا من الأمثلة للتوضيح:
هناك شخص ذكي يتقن اكثر من لغة و له قابلية عمل ترجمة، في المانيا مثلا، فيقوم بترجمة رسالة ما لماركس من المانيا للعربية بدون مقابل او مساعدة شخص في دائرة الهجرة بدون مقابل . بذلك انه عمل عملا طبيعيا او إحسانا ولا ينتج اي شيء وانه عامل غير منتج!!. ونفس الشخص ان حصل على مبلغ لقاء قيامه بذلك الخدمة ، فانه يصبح تاجرا يبيع خدماته لقاء مال ، او ان تسميه برجوازيا صغيرا كونه عامل وصاحب وسائل انتاج معينة لكسب معيشته في ان واحد ، وانه ايضا عامل غير منتج وان المال الذي كسبه يعتبر ايرادا وليس راسمالا. اما ان نفس الشخص كان لا يسطيع العيش وتبحث عن عمل كمترجم في مؤسسة للترجمة تملكه شركة تستثمر مبلغا من المال بشكل ابنية واجهزة ووسائل اخرى ، قصد الربح ، فان رفيقنا المترجم مع جميع زملاءه في المؤسسة يكونون عمالا منتجين اي منتجين لذلك الفائض من القيمة ، ويكون بذلك قد انموا جزء من الثروة الالمانية.
مثال اخر كانت هناك فتاة اسمها فيروز تغني لنفسها بجبال لبنان واحيانا بالبيت لعائلتها ولم تحصل على اية مبلغ من عملها هذا، حينئذ تكون عملها غير منتج لاي شئ عدا انها غنت كما تغني اية طير بالجبال او اية كناري في البيت!!. وحينما تغني لشخصية او لحزب ما او في مناسبة ما، قصدا بصوتها او دعاية لحزبها او للمناسبة ويعطى لها مبلغا من المال ، فانها لم تنتج اية شئ عدا انها باعت اغنيتها وحصلت على ايراد. لكن حين تدخل فيروز في صفقة لتسجيل سي دي مع شركة لبنانية ، فبعد انجاز العملية وطباعة كميات ضخمة من السي ديهات وبيعها تكون فيروز مع جميع العاملين في انتاج و بيعها بجميع اختصاصاتهم عمالا منتجين وقد حققوا فائضا للقيمة للشركة والذي هو هدف جميع الشركات والمؤسسات الانتاجية الراسمالية، وبذا قد نمت وازاداد ثروة لبنان .
مثال اخير ، عندما كان الطفل زلاتان يلعب كرة القدم في ساحة ب( روسن غورد) او ان يلعب ب بلاي ستيشن ولم يحصل على اية مبلغ فكان يعمل نشاطا عاديا كاي طفل اخر ، والان بعدما مر بعدد من الاندية واستقر الان بنادي باريس سانت جرمان ، فانه مع جميع العاملين المشتركين في تنفيذ مباراة في ملعب ما تشاهده مباشرة جمع ما واخرى من خلال التلفزيون او تسمعه في الراديو ، اي زلاتان وجميع اللاعبين والمساعدين من مدرب وطاقم الاطباء و المشرفين و هيئات النقل التلفزيوني ووو جميع الاخصائيين حتى الحمالين و عمال النظافة الخ يكونون عمالا منتجين لقيمة فائضة يقسم الجزء منها الى الحكومة الفرنسية واخرى تضاف الى 7.6 مليارد يورو لناصر الخليفي والى اخرين ، بينما العمال يحصلون على مقابل قدرة عملهم من اعلاهم اجرا زلاتان ب 112 مليون كرون سويدي سنويا الى ادنى العمال اجرا ب 150000 كرون سويدي سنويا . ان كمية الأجور مهما تغيرت لا تغير من كونها اجور مقابل عمل تقوم به عامل( وان لامعقولية الفرق هي انعكاسا للامعقولية التوزيع في النظام الراسمالي التي وصلها)، كما ان كمية الربح مهما تغيرت حتى وانها أصبحت بالسالب لا يغير من كون الراسمالي راسماليا .
ان الامثلة الموضحة أعلاه كانت لتوضيح نوع من الخلل في الفهم برأيي لبعض مقالات قرأتها في الحوار المتمدن، ولكن هذه المجالات في الانتاج الراسمالي اليوم تقع في الحاشية ، بينما انتاج وسائل الانتاج و وسائل المعيشة هي اكبر جزء في الانتاج الحالي ، اليوم. وان البحث عن انتاج السلع الضرورية والسلع الترفيهية ودورها في تكوين الثروة القومية ، لايدخل في صلب الموضوع الذي انا بصدده هنا.
بعد هذا المقال سأطبع فصل العمل المنتج والعمل الغير المنتج من كتاب (نتائج عملية الانتاج المباشرة{ الجزء المجهول من راس مال}) لكي يتطلع القراء والقارئات على ما قاله كارل ماركس بهذا الصدد ، وأرى ان نشر هذه الوثيقة ضروري ، والتي اظن انها غائبة على الانترنت إلى الآن.