لماذا لم تحدث الثورة في البلدان الرأسمالية لحد الآن؟


مالوم ابو رغيف
2013 / 2 / 17 - 22:54     

مثلما يفرض تطور وسائل الانتاج على قوى الانتاج المسايرة في التطور، كذلك تفرض قوى الانتاج على علاقات الانتاج ان تكون منسجمة لا تعيق تطورها ولا تكبلها، لكن علاقات الانتاج وان كانت منسجمة مع قوى الانتاج في مرحلة تاريخية معينة، ستكون معرقلة ومعيقة للتطور، ليس تطور قوى الانتاج فقط، بل تطور المجتمع باسره، لأن القيم الاخلاقية والاجتماعية والدينية والبناء الفوقي الذي هو هيلمان القوانين والانظمة والقواعد والتشريعات والحقوق، مبني، حتى في اصغر تفصيلاته على أسس العلاقات التي تعتبر الملكية الخاصة لوسائل الانتاج مقدسا لا يمكن المساس به.
فاذا وصل التناقض الى قمته وبلغ التازم حدا لا يمكن معه التعايش بنفس شروط العلاقات القديمة، فان ذلك يعني ضرورة التغيير او الثورة التي تختلف عن الانقلابات والانتفضات كونها استبدال علاقات الانتاج القديمة بعلاقات جديدة وتغير البناء الفوقي لصالح الطبقة الاكثر تقدمية والاكثر انسجاما مع التطور، والتطور هنا لا نعني به مجموعة المعارف والتقاليد والاتكيتات الاجتماعية البرجوازية، انما الاستعداد الانساني لقبول الجديد الافضل ونبذ القديم المحافظ، اكان على مستوى القيم والاخلاق والعلاقات الاجتماعية والسلوكية او علاقات الملكية.
الرأسماليون الذين يملكون وسائل الانتاج سوف لن يوافقوا عن طيب خاطر وبقناعة انسانية على تغيير علاقات الانتاج لتكون لصالح قوى الانتاج التي لا تمتلك الا قوة علمها والتي تنتج فائض القيمة، المصدر الوحيد لربح الرأسمالي.
لا القانون ولا الدولة ولا الانظمة والقواعد، تجبر الراسمالي على الرضا بهذا التغيير. هذا التناقض لا يحل الا بالثورة التي تطيح بالعلاقات القديمة وتستبدلها بعلاقات جديدة تكون لصالح قوى الانتاج الجديدة.
لكن في الدول الصناعية الكبرى مثل بريطانيا والمانيا وفرنسا وكذلك الولايات المتحدة الامريكية، ورغم التطور الهائل في وسائل الانتاج والمهارة والخبرات التي تمتلكها قوى الانتاج، لم تزل علاقات الملكية على حالها القديم، الرأسماليون يملكون وسائل الانتاج ويشكلون طبقة الاقلية التي تسيطر على ثورات ضخمة جدا وتتمتع بكافة الامتيازات والتفضيلات، وقد تقترض منهم الدول لتغطية عجز ميزانيتها السنوية، ولا يزال العمال على حالهم لا يملكون الا قوة عملهم.
التناقض مستمر لكن لا ثورة، ورغم النضالات العمالية والاحتجاجات الشعبية الكثيرة والمتنوعة، لكنها تبقى نضالات مطلبية، اضرابات واحتجاجات، سرعان ما يتم التوصل الى حل وسط بين العمال وبين ارباب العمل، غالبا ما يكون اتفاق على نسبة معينة من الاجور تتناسب نوعا ما مع وتائر التضخم السنوية.
هل يمكن ان يكون التحليل الماركسي ليس صحيحا في ما يتعلق بالتنقاض بين قوى الانتاج وعلاقات الانتاج التي لم يتم تغييرها ولا استبدالها وبقت على جوهرها، علاقة بين طرفين طرف يملك وسائل الانتاج واخر لا يملك الا قوة عمله.؟
ام ان هناك تغييرا قد طرأ على الطبقة العاملة فهمشها وقلل من تاثيرها وجعل العمال يفكرون بمصير الفرد الواحد لا بمصير المجموع- الطبقة؟
ام ان الاحزاب الشيوعية التي هي الاداة التي تحدث التغيير، اكان في احداث الوعي الطبقي العمالي او في التثقيف الثوري، قد فقدت ثوريتها واصبحت ضعيفة عاجزة تحتاج الى من يبث فيها الروح الثورية وينقذها من حالات الكسل والتأثير البرجوازي واحلامه المخدرة فتحولت الاحزاب الشيوعية الى اشبه ما يكون بمنظمات عمل مدني تتبع سياسات النوايا الحسنة .؟
لقد سببت الالات انكماشا في العدد، ليس عدد العمال فقط، بل حتى الزراعيين، فالحقل الذي كان يتطلب عشرات العمال لتهذيبه وتشذيبه واعداده للزراعة، لا يتطلب الآن الا افرادا لا يزيدون عن اصابع اليد الواحدة، واستعيض عن العشرات منهم بادخال الالات في الزراعة، ومثلما يقال عن الحقول الزراعية يقال ايضا عن المصانع والمعامل والورشات. ان ذلك يعني تخفيف حدة التناقض بين قوى الانتاج وعلاقات الانتاج بحيث لا يصلان الى حد الازمة. فالرأسمالي يستطيع استبدال العمال والاستغناء عن خدماتهم في اي وقت، اذ ان سوق العمل تعج بالخبرات والمهارات المرمية على قارعة البطالة واعداد ضخمة شابه من الذين تاهلهم الحكومات ليكونوا في خدمة الرأسمالي متى شاء.
لم يعد الفخر القومي والوطني يمثل اي بعد للرأسمالي، لقد استبدل هويته الوطنية بهوية نقدية تعرفه بمقدار ما يمتلك من ثروات واموال. حتى شعور الانتماء القومي اختفى عنده ولم يبقى منه الا ما يشير الى انتماء لا يكترث له كثيرا ، لذلك، واذا ما شعر بان شروط الانتاج لم تعد تلائمه، وان تكاليف العمل اصبحت باهظة، كالضرائب والاجور وشروط الصحة والنوعية، لجأ الى استثمار امواله في الخارج حيث العمل الرخيص جدا وحيث الانسان لا قيمة له اطلاقا كما في البلدان الافريقية والبلدان العربية، او استعاض عن العمال بادخال عمال اجانب بعقود موقتة لا يدفع عنهم ضرائب ولا مستقطعات تقاعد ولا تعويض اصابات العمل. ان هؤلاء العمال، مثل جيش العاطلين عن العمل قيود في اقدام الطبقة العاملة وسبب في تدني الاجور، كما انهم احد اسباب البغض الاجتماعي تجاه الاجانب بشكل عام.
كذلك ان الحكومات ذات الانظمة الرأسمالية اصبحت مثل اسفنجة تمص غضب المتذمرين، فهي، اضافة الى دفع معونات البطالة بما يكفي للحد الادنى من العيش والسكن والعلاج، فانها تأهل العمال وفق متطلبات سوق العمل، فالرأسماليون يستطيعون طرد اي عدد من العمال بما فيهم العمال المهرة لان سوق العمل يعج بالبدلاء. ان ذلك يغير وجهة الصراع ايضا، فبدلا من ان يكون الصراع هادفا الى تغيير اساس وجوهر الاستغلال الكامن في الملكية الخاصة لوسائل الانتاج، يصبح النضال من اجل تغيير الحكومات وتحميلها تبعات مساويء الوضع المعيشي حيث يعيش وفق شروطه الملايين من الناس الذين يصبح هدفهم البقاء على قيد الحياة فقط ويختفي عندهم تدريجيا اي طموح ويكون همهم الاول البقاء على قيد الحياة .
الازمة تبدو ازمة حكومات نظام الضرائب اكثر مما هي ازمة اسلوب الانتاج الرأسمالي نفسه، فالدولة التي انتهجت سياسات الرأسمالية اللبرالية التي تعني التخلي الكامل عن اي ملكية او شأن اقتصادي، لم تعد تملك اي قطاع انتاجي يساعد في تمويل مهماتها المتشعبة والمختلفة بما فيها مهمات العسكرة، التي تشكل اكبر ثقلا على الموازنة السنوية، لقد اصبح اعتمادها الاول والاخير على جمع الضرائب، لكنها تنتهج سياسية تقول بان اثقال كواهل الرأسمالين بالضرائب يؤدي الى هجرة راس المال الى الخارج حيث الايدي العاملة الرخيصة وشروط العمل الميسرة، وكذلك ان الضرائب الثقيلة لا تحفز الرأسماليين على فتح مشاريع استثمارية لخلق فرص عمل جديدة، لذلك تتبع الحكومات الرأسمالية سياسة ضريبية تحفيزية مغرية.
رغم ان الدولة اداة قمع طبقية تتحكم بثلاث وسائل للعنف، التشريع والتنفيذ والقضاء، ورغم انها لا تجيز اي حزب سياسي من بين اهدافه تغيير النظام او المساس بشكل الملكية ، الا انها تبدو في ورطة لا تحسد عليها، فنظام الضرائب يضعها في حيرة، والتقليل او الغاء بعض واجباتها الاجتماعية والخدمية والثقافية او اتباع اسلوب التقشف سيخلق ازمات واضطرابات في المجتمع ويؤثر على السمتقبل الذي سوف لن يكون ورديا.
لذلك تتجه الدول الرأسمالية الى صناعات التسليح، اذ ان هذه الشركات لا يمكن لها اسثمار رؤوس اموالها في الخارج اذ لا يسمح بنقل تكنلوجية انتاجها الى الدول الاجنبية، كما ان اسواق الاسلحة عليها اقبال شديد، حتى الاسلحة القديمة تجد مشترين لها، لذلك تعمد الدول الرأسمالية الى اثارة النزاعات الداخلية والخارجية بين الدول وخلق مناخات العدواة والبغضاء الطائفية والمذهبية والقومية لضمان بيع المزيد من الاسلحة التي تدرعليها مليارات الدورات.
لكن ماذا لو ان الدول ادركت بان من العبث اضاعة وتبديد الثروات على شراء الاسلحة التي سيتم تدميرها بالكامل كما حصل في العراق وليبيا وسوريا وغيرها، ووعت ان سياسات حسن الجوار والتعاون بين الدول هو افضل من اسلحة الدمار، كيف للدول الرأسمالية الخلاص ازمتها وورطتها؟