شكري بلعيد اغتيالٌ يكشفُ أزمة (1-2)


عبدالله خليفة
2013 / 2 / 16 - 10:30     

استيلاءُ فئاتِ البرجوازية الصغيرة على الحكم في تونس جاءَ بشكلٍ دكتاتوري، وفي هوجةٍ من الكلمات والشعارات السياسية المجردة الحماسية التي لا تبحثُ عن طابع قوانين التطور الاجتماعي السياسي الموضوعية.
إن استيلاءَ فئاتِ البرجوازية الصغيرة على السلطةِ السياسية في تونس هو ضمن الحراك البشري العام في العالم النامي، حيث يصعبُ قيام البرجوازية الصناعية بالحكم وقيادتها للثورة الديمقراطية الصناعية لعدم وجودها كطبقةٍ بل كشرائحَ صغيرةٍ مُحاصرة وهي المؤهلةُ لذلك أساساً.
وهو خيارٌ اصطدمتْ به الثوراتُ المؤسِّسةُ في الغرب في القرون السابقة كالثورة الفرنسية والبريطانية واحتاجتا إلى قرنين لكي تتبلورا. والتبلورُ هو ظهورُ رأسِ المال الصناعي الوطني الواسع الذي يطور قوى الإنتاج البشرية والمادية.
في تونس قامت الفئاتُ البرجوازية الصغيرة المتعددة المتناقضة بالاعتماد على رافعةِ الطبقة العاملة لكي تضربَ وتزيحَ طبقةَ الإقطاع السياسي الاقتصادي الحاكم، المُمثّل في الحزب الدستوري المهيمن على رأسمالية الدولة، الذي كان غير قادر على إحداث التنمية الشاملة و(عدالة) توزيع فوائضها.
قيام الفئات البرجوازية الصغيرة بتحطيم الطبقة الحاكمة سياسياً بأسلوب أهوج، بدلاً من التحول العقلاني التدريجي، لم يجعلها تستولي على الحكم حقيقة، فالمؤسساتُ الاقتصادية والحكومية الغائرة ظلت في يد الطبقة الحاكمة السابقة، وجعلتها تصارعُ بقوة وتلجأ إلى خلق الفوضى في النظام الجديد وتصعيد الصراعات بين أجنحةِ البرجوازية الصغيرة المندفعة لاقتسام الغنائم وكراسي الحكم السياسي والتي لا تصل إلى السيطرة على مفاتيح الحياة الاقتصادية.
ونظراً إلى دكتاتوريات البرجوازية الصغيرة التي ليست لديها مُلكيات كبيرة، فإنها تصعدُ من هذه الهيمنات في ظل عدم وجود طبقة مستقرة، لتتحول كل فئة إلى الطبقة الحاكمة المنتظرة.
وهذه السيطرة لا تتم من غير الشحن السياسي الإيديولوجي التعصبي في إطار الصراع الطبقي الذي تم بشكل حاد، وافتراق البرجوازيات الصغيرة لجناحين طائفي ويساري يعتمدان على تطور البُنية الاجتماعية التونسية ذات التباين الديني المحافظ والتحديثي البرجوازي البيروقراطي.
فكلُ تيارٍ منهما يحاول أن يشكل دكتاتوريته، في غياب وجود الشكل السياسي للطبقة المسيطرة، نظراً إلى كونهما معاً رفضا الديمقراطية العلمانية العقلانية، ونزع الطبقة الحاكمة الدستورية بوسائل النضال الديمقراطي، وأصرا على دكتاتورية البرجوازية الصغيرة للعالم الثالث.
وصراعُهما كان حتمياً، كما في مصر، وكما في إيران، لكن القوى الريفية المتخلفة في البلدين ليست بضخامتها في إيران، ولهذا فإن الدكتاتورية الطائفية هنا غير قادرة على السيادة المطلقة.
الفئات البرجوازية الصغيرة غير موحَّدة اقتصادياً ولا تمثل علاقات إنتاج، ولا مُلكيات كبرى مهمة في الاقتصاد قادرةً على القيادة، ولهذا تظهر بأشكال إيديولوجية مضطربة متناقضة، غير قادرة على توحيد المجتمع اقتصادياً وفكرياً.
إنها الخريطة الاجتماعية المُمزَّقة بين خندقين تضطرب فيها القوى السكانية والقيادات السياسية، ومن هنا نجد نشاط شكري بلعيد تعبيراً عن هذا الحراك البرجوازي الصغير المضطرب بين اليسار واليمين، بين الهجوم الساحق على الطبقة المسيطرة (الدستورية) والهجوم الساحق على الفئة البرجوازية الصغيرة الصاعدة غير المتماثلة معه إيديولوجياً، والتي تريد أن تتحول الى طبقة سائدة بوسائل مختلفة مضادة لوعيه وشعاراته وهي جماعة النهضة.
تماثل الفصيلان في الهجوم على الطبقة السائدة وإزاحتها بشكل شعاري عاطفي غير متحقق في الواقع، وتماثل الفصيلان في الهجوم على بعضهما البعض للتفرد بالسلطة، وهذا يظهرُ إيديولوجياً في التضادِ الحاد المطلق لمفرداتِهما الفكرية وعدم نضجها الموضوعي، وعدم فهمها لطبيعتها وطبيعة البُنية الاجتماعية التي يتصارعان فيها.
وهذا يحدث عبر الارتكاز كل منهما على جماعاته وتوسيع الهجوم وانتقال الصراع الثنائي الفِرقي إلى الجمهور ووسائل معيشته وأمكنة وجوده المناطقية والاقتصادية.
أي هو تحويل صراع البرجوازيات الصغيرة إلى صراع وطني واسع وجلب الشعب إلى دائرة نزاعهما الفئوي الضيق، وهذا ما حدث خاصة عبر انجرار اتحاد الشغل، اتحاد العمال، للصراع، مثل لجوء جماعة النهضة إلى الفِرق المسلحة والمليشيا الحزبية الخطيرة. أي هو شكلٌ أولي لحرب أهلية اجتماعية.